ذهبية~ تحت ظلال الوهم تحت ظلال الوهم
قصة جميلة جدا ونهايتها سعيدة
احسنتما العمل
زوزي دادو ندى. ...فتاة سلبتها الأيام عطف والدها، و حنان أمها بحادث سير شل قدميها عن المسير..
و هاهي الأيام لها تمضي و هي تعيش مع شقيقتها الكبرى بعد موت عزيزيها...
رغم تواجد أختها ، إلا أن الوحدة هي مرافقتها، فأختها دوما منهمكة في العمل حتى يجن ظلام الليل ، بل قد تتغيب عن ناظريها حتى يوم كامل و قد يصل الغياب ليوم آخر يتبع سابقه...
أخت ، لا يُعلم ماهية عملها و لا كنه طابع حياتها، كل ما هو ظاهر تلبيتها احتياجات ندى من طعام و غيرها من أمور ثم تتجه بغية راحة من يومها المنهك لغرفتها ...
روتين واحد لا تغير به...هذه هي العادة التي اعتادتها هي...
استيقظت ندى جالسة على سريرها الخشبي مزخرف الأطراف تنظر حولها بتعجب ، أهي في كنف ضوء النهار أم في ستار الليل ..
هي حقا لا تعلم كم من الوقت مضى و كم منه سيمضى تاليا، الشيئ الوحيد الذي تعلمه...أن أختها، لم تعد منذ فترة ..فهي قد استيقظت مسبقا و لم تجدها، لذا...فضلت العودة لعالم النوم ثانية...
تنهدت بحزن سيطر عليها منذ زمن غير يسير ثم ابتلعت ريقها لتتمتم بصوتها الحاوي للرقة أثر :صفاء، أأنت هنا...صفاء..
لم تجد ردا من أختها الغائبة فتأكد لها أن أختها لم تعد بعد، فظلت جالسة مرخية نفسها قليلا على تلك الوسادة الطريه تنظر للحائط بصمت وهى تفكر بما أصابها منذ سنين ...
ذلك الحدث الذي بدل سعادتها و غير منحنيات أيامها...
ذالك الحادث الذي حصل قبل ستة أعوام و ترك أثره على قلبها وجسدها..و روحها...
ها هي ثمرة ماحصل، عاجزة عن تحريك ساقيها ، عاجزة عن المشي على قدميها....
و عاجزة عن رسم ابتسامتها...
تلك ذكرى تستقبلها الوجنتين بدموع الأسى، فكيف لها أن تنسى ما حصل من خطب جلل...
*********
فتاة زادت ملامحها جمالا بمرح حروفها و سعادة لحنها و زرقة بؤبؤيها ، نطقت بحروف خرجت من مقعدها الخلفى و ثغرها مبتسم..ناظرة لوالديها الجالسين أمامها: أبي، هل إقتربنا من مدرسة صفاء؟!"
قطبت حاجبيها لتكمل بعبوس: لا أعرف لم تتأخر هكذا، أنا أعود قبلها دائما .. لا أجد مبررا لتأخرها.
ظهرت رقة لحن الأب في إجابته : أنت بالصف الأول الإعدادي، أما هي فبالصف الثاني للمرحلة الثانوية.. وهذا سبب تأخرها عزيزتي، فالثانوية تختلف عن الإعداديه،دروسها كثيرة و مسؤولياتها أكثر.
و بينما والدها يتابع كلامه إذ ظهرت سيارة من العدم ...!
تسير بسرعة جنونية، لتصطدم نهاية بسيارتهم الرمادية مؤدية إلى إنقلاب كلا السيارتين...!
ظلت السيارتين منقلبتان لبعض الوقت، تحت عجز الناس عن التصرف و لسانهم حائر عن وصفت الموقف...كل ما لديهم ..إنتظار وصول الشرطة و الإسعاف...
مضى بعض الوقت، حتى لاحظ الناس المصيبة العظمى بتسرب الوقود من سيارة العائلة الثلاثية
لم يكن هناك فرصة الإنتظار أكثر، لابد من التصرف و لو بتهور ...
أسرع أحدهم متجها لأقرب باب له، مخرجا ندى الغارقة بدمائها مبتعدا بها عن السيارة قدر المستطاع..ناويا العودة لإنقاذه الباقين...
لكن للأسف لم يسعه ذلك..فما هي إلا دقائق وانفجرت كلا السيارتين مسببتين دمارا هائلا...!
بقيت ندى بالمشفى لبضعة أيام لا تعرف بها معنى الحياة التي أحكمت وثاقها عليها، فما الحياة بعد فقدها والديها ..و ، ساقيها ..
فترة و أعيدت لمنزلها لتبقى وحيدة مع شقيقتها متغيرة الطباع هي الأخرى بسبب الصدمة التي تلقتها...
*******
دمعت عينيها وهي تتذكر تلك اللحظات، ومدى الألم الذي شعرت به بعد ما أبعده عنها ذلك اليوم المشؤوم..
سمعت صوت الباب يفتح ، فتهلل وجهها واعتدلت تنظر لباب غرفتها بسعادة تخللتها، رؤية كل ما بقي هو أملها في أيامها الصعبة هذه...
لحظات من الانتظار ، خيبتها ..فلم يدخل عليها أحد، و كالعادة عالم وهمها بدأ بمجارات أفكارها...
صور لأختها مخضبة الدماء!!..تتراقص أمام ناضريها لتصرخ صرخة مدوية و هي تمسك رأسها نافضة ما يتسابق على قطع هدوئها...
و بعدم تواجدها الآن، اختفى جزء من سعادتها ...
أخفضت رأسها وتنهدت لتعاود النظر منتظرة دخول أختها بأمل واه، وبعد دقائق أطل شخص من باب غرفتها لتتسع عينيها وهى ترا شخصا باد عليه سيماء الشباب يختلس النظر واقفا ينظر إليها بدهشة...!
لحظة!!، شخص يتسلل للمنزل بغياب أختها التي تملأ البيت حياة...هو، لص..!
هذا ما أخبرتها بها الظنون مشكلة رسمة من أوهامها ثانية...
ستقيد حتى تخبرهم مكان النقود، المجوهرات..كل شيئ ثمين..
لا، بل الأسرع له أن يقتلها..
لحظات قصيرة ترائت لها أعوام من الخوف و الهلع ، و انتهى ذلك بصرختها وهي تغطي نفسها بلحافها الزيتي و جسدها لا يتوقف عن الارتجاف...
لاذت بالشيء الوحيد لديها، صوتها الصارخ المنادي أختها :صفاء أنجدينى، هناك لص هنا ...صفا ااااء ،صفاااااااء...
فاجأها سماع صوت ذالك الشاب يقول بتردد سببته ردة فعلها الغريبة له: ...عف...عفوا...إ..إهد..اهدئى آنستى ، أنا لست بلص..
ثم أخذ نفسا عميقا يعينه على جرأة تخرج حروف الحقيقة: آسف حقا على دخول منزلكم بهذه الطريقة ، ولكني لاحظت منذ يومين باب المنزل مفتوحا ولذلك ... ظننت انه لا أحد يعيش هنا.
تشبثت ندى بالغطاء بقوة، يديها المرتعشتان تشد عليه هربا مما سمعت مجيبة برعب قد استولى على مداركها، و قلق قد صافح قلبها: أخرج من هنا....
عادت تسترجي واقعها ليثبت لها ما ينفي توقعاتها، و يبتر خط أوهامها..: اه ،اه ...صفاء، أين أنت ِِ، تعالي وساعديني...
أخذ الشاب تنهيدة يائسة ، فواضح أنها لن تهدأ و لن تستوعب الواقع الذي يعنيه...هي لن تراه غير ما يترائى لها هي..لص تسلل حين وحدتها..
أخرج حروفه المحافظة على غلاف التوتر :أنا أعتذر مجددا ، آسف من أعماق قلبي...
خرج من الغرفة بسرعة ليترك لها مجال الراحة و التفكر بهدوء و انتظام، فها هي أبعدت الغطاء عن وجهها المليح لتنظر حولها بخوف ثم تتمتم:لقد ذهب ، ولكن كيف دخل إلى هنا ، أ يعقل أن صفاء نسيت الباب مفتوحا؟!
بقيت جالسة بمكانها و الخوف قد تربع عقلها ايزيل تعقلها... تنظر للباب مجدداً، فهى ليست واثقة من ذهاب الفتى، بل قد استقر خارج غرفتها يفكر ما يفعل بالشاهد الذي شهد دخوله للسرقة.. ربما يفكر بقتلها دون ترك أثر....
ربما لا يزال بالمنزل بمكان ما، ربما يبحث خارجا عن مجوهرات يأخذها...
رأته فجأة، واقفا بذات ملابسه ، قميصه المخطط بالتناقض..العتمة و النور، السواد و البياض...و بنطاله الجينز العادي..
عينيه العسليتان يتقاطر منهما غضب مجهول و ذراعه ممتدة نحوها معلنة عن صدق استنتاجها، كفه الحاملة للسلاح تنوي قتلها!
ازدرأت ريقها ببطء و فكرت لحظات بنجاة لا تعرف لها طريق هروب، فقدميها حائلتين عن ذلك...قطبت حاجبيها مبعدة فكرة الاستسلام له، رفعت الساعة القابعة على الطاولة الصغيرة قربها لتوجهها نحو الواقف...
لكن...
فجأة، اختفى ذلك الشاب...
لم تعِ أن هذه نوبة من نوبات تلاعب الخيال والوهم، بل ازدادت مخاوفها....
تمضى الوقت ببطئ و هي تعد اللحظات تتلوها الثواني و الدقائق، تنتظر أختها تحت ذلك الألم الذى ألم بمعدتها فجأة ...!
ليس وقته الآن...ليس وقته...
وضعت يدها على مكان علتها ناطقة بحزن داخلها و قطع تصبرها : أنا جائعة جداً..لم تأخرت صفاء هكذا.. أتمنى.. أن تكون بخير فقط.
مرت ساعات أمضتها في محاربة نفسها، متجاهلة سوداوية أفكارها...
تقلب بما بيدها قنوات التلفاز القابع أمامها، علها تتناسى ما قاله ذلك المتسلل المجهول...
مرت ساعة، ساعتان...ربما ثلاث أو أكثر...حتى رأت شخصا ينظر خلسة إليها مرة ثانية...عين واضحة بلونها السابق..مفتوحة على مصراعيها تنظر من خارج غرفتها ...
عيناه...حدقتيه...لم هي أكبر من الطبيعية، هل عينه ستلتهمها...؟!...
لا..تعقلي ندى، لا يمكن أن تلتهمك عين باصرة...عينه واسعة فقط...
هذا ما كانت تردده لمسامعها بصوت جهوري تفاديا الإغماء خوفا...!
لكن الرعب الذي تملك قلبها وجعله يدق بسرعه ، جعل ناظريها يرسم لوحة أخرى....
توسعت حدقة ذلك المجهول حتى أدخلتها في ظلماتها...
أغلقت جفنيها مكررة بصوت أعلى و بإنفعال أقوى: لا...لا...ذلك مجرد وهم..مجرد خيال مزعج....
تشبثت بلحافها بقوة وهي تنظر للباب بتوتر ، ضربان قلبها في تسارع و أنفاسها تحولت للهاث شخص أتعبه مسير من التشاؤم...أذناها تسمع صدى أنفاسها ...ماذا بعد..؟!!
لحظات لا تعرف كيف مرت، كانت عمرا من عالم مسود قادها لنهاية تجمعها بوالديها...
أطل ذالك الشخص لتتسع عينا ندى وتبدأ بذرغ الدموع مجددا ،بينما توارى هو بسرعة خلف ذالك الحائط بخيبة من كيفية التعامل معها..
تلك الفتاة ذات الثمانية عشرة ربيعا ..لا مجال للتفاهم معها..
لكن، لابد من التحدث...
هي لم تتحرك من مكانها مطلقا و لا أحد في هذا المنزل الموحش..
ثوان سمعت صوته يقول بتردد أحكمه ظرفه :أن...آ..آس..اسف آنستى, ولكن باب المنزل لازال مفتوحا ، ولم يغلق أيضا منذ أمس...!
أتم كلماته الصاعقة ، و التي استقرت بعقلها تنخر معلوماتها...:
لقد مررت من هنا بالأمس بعد ما حصل، ورأيت أنه كما هو، وها هو الآن أيضا مفتوح على مصراعيه... ربما يدخل لص إلى هنا إن لم تغلقيه..
أطلقت جملتها الواهية و هي تؤشر بسبابتها المهزوزة نحوه :إسرق ما تشاء من المنزل وغادر أرجوك، أنا لا شىء لدي لتسرقه هنا ...كل شىء موجود بالخارج...إذهب فقط و اتركني و شأني...
أطل الشاب وهو مقطب حاجباه ليقول بضجر: أنا لست لص يا آنسة، أنا هنا لأقول لك بأن تغلقٍ الباب... فهو مفتوح هكذا منذ ثلاثة أيام ، ألا تخافين على نفسك؟!
ابتلعت ريقها بتوتر واضح ، فها قد شحب بياضها متحولا للصفرة لتقول بخوف:منذ ثلاثة ايام...!!!!
أخفضت رأسها تستوعب توا ما يجري...لقد كرر كلماته المهددة مرتين..قبل ساعات و اليوم أيضا...
هي لم تعد كم مرة طلعت الشمس فلم تعرف...أنها ثلاثة أيام متواصلة!!
استرخت جفنيها قليلا مطمئنة بصدق الآتي لها لتقول بهمس:صفاء، ماذا حدث لك..؟!
رفعت بؤبؤيها الفيروزيتان ببطئ ، موجهة ناظريها لتنظر له وهو ينظر إليها بتعجب...
ثم قالت بعد هدنة صمت :شكراً على قلقك، يبدوا أن أختي قد نسيته مفتوحا.. أنا آسفة..
رفع حاجبه الأيسر موضحا عجبه من الوضع غير الطبيعي: ولمَ لمْ تغلقيه أنتِ إن كانت شقيقتك نسيته..؟...لقد أخبرتك منذ الأمس..!
أخفضت رأسها ببطئ لتقول بحزن: أنا لا أستطيع الحراك ...
ثم أردفت و هي تتغاضى النظر لعينيه اللتان ستتحول شفقة بعد تتمتها:فأنا مصابة بشلل نصفي.
بدت الدهشة على وجه الشاب لينطق حروفه الحائرة بين الشفقة و الخجل مما قال من سهم حار على قلبها :ش..شلل...أأنت جادة...؟!؟!
أومأت برأسها إيجابا ثم قالت بخوف: أرجوك، غادر و أغلق الباب خلفك... لا أريد لهذا أن يتكرر.
لكنه لم يغفل عن نواتج ما صرحت به هذه الفتاة توا، فأجابها مبعدا آثار صدمته :بما أنك مشلولة...و أختك لم تعد منذ ثلاثة أيام...
ضيق عينيه مقتربا بخطى صارمة لا تأبه خوفها اللاعقلاني: إذا..كيف تأكلين وتشربين و...
غرابة تحديقه كانت تزيد الطين بلة، فلا أمان تستشعره... في غياب أختها...أليس هو خاطف أختها و هي التالية...استجمعت شجاعتها قائلة:أأ...هي ستعود بعد قليل، لذا لا تقلق...
أومأ برأسه ليغير مسير أقدامه ببطئ متجها لحيث وجهته، هو مذهول من الأمر و لا يمكن له تصديق ما يجري...!
كان الجوع يمزق معدتها ببطئ ، كما أنها عاجزة عن النوم بسبب خوفها من عودة ذالك الشاب...
فترة و تهلل وجهها ، فقد سمعت صوت انفتاح الباب الذي يعلن عن عودة شريكة دمها...
لكن الصوت الذي علا لم يكن يشير لصفاء، بل دل على القائل: آنستي، هذا أنا.
ظهر بعد ثوان قائلا بتوتر من عتاب ناظريها: آسف، لم أستطع ترككِ هكذا ،لذا....
بتر حديثه رافعا الكيس الذي حوى ما تتلهف له معدتها الخالية:.. أحضرت لك بعض الطعام.
أخفضت ندى رأسها محرجة من موقفها :شكرا لك..لكن، اختى سوف تعود قريبا.
ابتسم متفهما شعورها الحالي ليقول بهدوء:حسنا ، يمكنك أخذه حتى عودة أختك، هذا لن يضرك.
أخذت تلعب بيديها متهربة...:أا..شكرا ،ولكن أختي ستحضر طعاما معها.
تنهد جالسا على الكرسي المجاور لها، ثم وضع علبة من المعكرونا بين يديها لتذهل هي وتبتلع ريقها بخوف،بينما قال هو:أتستطيعين الأكل بنفسك ام اطعمك انا..؟
نظرت له بذهول وصمت ليتابع هو بخبث مبطن : إذا ، لا تستطيعين...
هم بإمساك العلبة لولا كلامها السريع: أنا أستطيع.
ابتسم فخرا لما حققه من نصر مع هذه العنيدة :حسنا ، فلتأكلي ، وجهك شاحب جدا من شدة الجوع.
فتحت علبة المعكرونة وبدأت بأكلها بينما كان هو ينظر إليها بصمت زادها حرجا مما هي به ،بعد دقائق من اكتساء الصمت قال بلحن غير واثق بفتحه سيرة الغائبة عنها :اممم..ماذا تعمل شقيقتك؟
نظرت له بهدوء ثوان لتقول ببطئ:أ..مم..لا أعلم ...هي تعمل وحسب.. أنا لا اعرف أين أو ماذا تعمل.
أستغرب إجابتها التي لم يتصورها من أخت حول أختها و من مقيمين في منزل واحد :كيف هذا ، أليست أختك.. ألم تسأليها؟!
هزت رأسها بنفي ما سمعت مجيبة بهدوء:لا ،فهي لا تتكلم معي كثيرا ..فقط تعطيني الطعام وتغادر.
لم يعرف كيف يعبر عن دهشته الحالية..حقا تلك صدمة تبعت سابقتها :أوكنت تقضين معظم الوقت لوحدك؟!
أيدت ما توصل له بنفس هدوئها: أجل،لكني اعتدت على هذا...
قطعت سلسلة استجوابه المؤلمة لها بسؤالها: ما هو إسمك؟
بسط كفه بين خصلاته مبعدا التشتت الحاصل له:ا...اسمى يوسف...اممم، ماهو إسمك أنتِ؟
و ذلك السؤال، كان واقعا لم تعلم ندى أنه لذة عمرها...!
و لم تعلم أن وراء اسم يوسف هذا تختبئ حقائق رأتها بحلة وهم..!
بقي يوسف زائرا لها، يعينها في أمورها و يساعدها في البحث عن أختها التي اختفت دون أثر يذكر...
حتى أتى يوم لم تر له ندى مكانة حقيقية ، فأين هي و صدق ما تفوه به يوسف توا: ندى، لقد حدثت طبيبا عن علتك، و أخبرته عن كل شيء، حتى شهاداتك المرضية أريتها له،..قال أن هناك أمل في شفائك..بل إن سر عدم شفائك هو صدمتك لما جرى لاغير.
رسمت الخيبة محط حروفها و هي تجمع خصلاتها المزرقة جانبا :لا تصدق ذالك ، أنا خير من يعلم أني عاجزة تماما ولايوجد أي أمل بقدرتي على السير مجدداً..اترك عنك هذه الآمال الواهية.
وجه كرسيها المتحرك يميناً نحو تلك الباحة ذات الزهور العطرة و الألوان النضرة عاكسا الأمل بعزم في طيات كلماته الواثقة: من أخبرك بهذا؟!...الفحوصات تقول عكس ذلك ...مابها المحاولة فقط...جربي فلن تخسري شيئا، و أنا سأساعدك على ذلك حتى نصل للنجاح.
أعرضت عنه مبعدة واقعا لم تلمس له أثرا في أعوامها الست الماضية :أنا..أشعر، هذا المقعد يحبسني و يأبى أن أبتعد عنه، أنا ملتصقة به حتى آخر يوم في حياتي...لن أستطيع أنا و لن تستطيع أنت فعل شيئ يذكر تجاه شللي، لا تفكر بذلك... هذا المقعد يود مني أن أتبع والدي اللذان فارقا الحياة على مقاعد السيارة ، أتفهم..؟
غضب يوسف من عنادها و استسلامها لأوهامها، فشد على قبضة كفيه محاولا السيطرة على هدوئه: أنت ِ لم تحاولي، فكيف تعرفين هذا...ندى ، أنت أسيرة أوهام جلبت لك عجزا لا سبب له.. أنت لست عاجزة عن المشي أو المضي قدما، لذا..حاولي فقط...محاولة لا غير.
إبتسامة إبتسامة ميتة كانت كفيلة بإفهامه عدم وثوقها بما تسمع منه لذا..رضي بالصمت و التفكير بما يخدم ركن وهمها اللانافع..
يوم...يومان...ثلاثة...
الوحدة من جديد، حقا...هي لا تعلم ما تفعل دون يوسف، طلة يوسف ..إبتسامته..خسرتها لأجل عدم وثوقها به و بأقواله...
نظرت للباب الفضي الموصد، ذلك الباب الذي يعزلها عن خارج نطاق عايشته دوما...
تذكرت أن يوسف بين مكان شقته المقابلة لمنزلها، لم يكن بعيدا ..لكن ، هي لن تستطيع ...
ماذا لو حل به مكروه ما، و ماذا لو فقدته هو الآخر..
لحظة...
ربما صدمته سيارة و هو يعبر الشارع...
وساوس قادتها العزم على الذهاب له.....فهو قد يكون..بحاجتها..
أمسكت الحائط ناهضة، تجر قدميها ببطء شديد ...
لم تتمالك قدميها النحيفتين ثقل جسدها فسقطت مكانها تخط حروف اليأس مرة أخرى...
ذرفت دموع حزن على حالها الميؤوس منها متذكرة حديثه، و عزيمة حروفه...
و تذكرت أوهامها التي ردعت قرارا للقاءهما الأول...هي بالفعل، كانت تتوهم..
ذلك يعني أن الأشباح التي تقيدها بأثقال الحديد غير موجودة و أوهامها أبواب مسدودة..
تنفست الصعداء و حملت نفسها حتى وصلت لذلك الباب..
و ماهي الا لحظات حتى بأن النور و بزغت شمس أغلقت جفنيها من حرارتها
توقفت تتفحص جوالها و اجتهدت الخطى بعيدا عن حائط منزلها...
لكن...تيبس ساقيها ردها و لولا ذراعين أمسكتها لكانت خاوية على الأرض الرملية تحتها
سمعت كلماته التي صرحت بتواجده عندها: أرأيتِ...أنت نجحت.
دققت على إبتسامة ثغره و حدقتيه المهلهلة ابتهاجا لتهمس له شكرا لا يسعه شكر: شكرا لك..يوسف.
تجافت لحظات يوسف عن بيان حقيقة تذهب سعادة ندى، حقيقة ذهاب أختها صفاء مع خاطبها لدولة أخرى بعد أن تعبت من مسيرة المشاق مع أختها...
لذا كتم ذلك بطي الأيام السالفة مستقبلا قراره هو...بإسعاد ندى النهايه |
التعديل الأخير تم بواسطة العجوزة زوزو ; 03-03-2017 الساعة 09:23 PM |