ذهبية~ جريمة من أجل الشهرة ~ بقلمي .. || جريمة من أجل الشهرة ||
- تشاد أريد طريقة تجعل مني مميزاً ، سئمت طريقة حياتي المملة ، أريد للجميع أن يعرفني وأكون حديث الجميع ..
إلتفت المُخاطب إليه نحو جورج الذي كان يتحدث بكل جدية ، ليقول الآخر مُمازحاً : إذاً لم لا تصبح مجرماً ، فعادةً ما يكون الأشخاص السيئون هم من يبرزون للعالم ، وكلما كانت الجريمة بشعة والضحايا كثر كلما زادت شهرتك ..
كان مجرد حديث عادي بالنسبة لتشاد ، إلا أنه كان يعني الكثير بالنسبة لجورج ولكن هذه المحادثة الغريبة لم تستمر طويلاً فقد تم مُقاطعتها من قِبل المعلم الذي بدأ الدرس ..
مر يومان على هذا حتى أن تشاد قد تناسى الموضوع تماماً ، ولكن في مساء اليوم الثالث ، كان جالساً في غرفته لإستذكار دروسه كالعادة ، ليقاطعه صوت نداء والدته من الدور الأرضي ..
أغلق كتابه وغادر الغرفة ليرى ماذا تريد والدته منه ، وقف في أعلى الدرج ليجدها في أسفله تقول بسعادة : تشاد تعال وانظر من أتى لزيارتك ، إنه أحد أصدقائك ..
نزل من على عتبات الدرج بخطوات متزنة وحائرة ، لم يسبق وأن زاره أحدٌ قط في منزله ، ولهذا هو متعجب من الشخص الذي يقف بإنتظاره الآن خارجاً ..
عندما سقط بصره نحو الزائر الذي يقف في وسط المنزل رُسمت على وجهه علامات الدهشة ، ليرفع حاجبه قائلاً : أهذا أنت يا جورج !!
تقدم هو بإتجاهه بحماسة قائلاً : لدي خبر سار أخبرك به ، أرجو ألا تنزعج من زيارتي ..
أظهر إبتسامة مرتبكة : هاا لا مطلقاً ، ماذا تريد ؟؟
نظرت إليه والدته وقالت موبخة : هل ستُبقي صديقك واقفاً ؟؟ خذه إلى غرفتك وأنا سأجهز العصير من أجله ..
حك رأسه بإحراج : أوه آسف لم أنتبه ، هيا تعال معي يا جورج ..
إلتفت جورج إلى والدة تشاد قائلاً : سيدتي لست بحاجة لإرهاق نفسك ، سأبقى قليلاً ثم أغادر ، تابعي ماكنت تفعلينه فقط ..
قاد تشاد صديقه إلى غرفته دون أن ينطق بكلمة ، لينظر الآخر إليه بإستغراب : تشاد مابك تبدو هادئاً هكذا ؟؟ أنت لا تتصرف على طبيعتك ..
- لا لاشيء مطلقاً ، تفضل بالجلوس وأخبرني عن سبب مجيئك ..
ألقى جورج نظرة حول غرفته قبل أن يقول : همم جيد أنت تمتلك تلفازاً في غرفتك ، إفتح التلفاز فهناك ما أريد منك متابعته ..
استجاب تشاد لطلبه وعلى رأسه علامة استفهام كبيرة ، أما جورج فقد بدأ بتغيير القنوات حتى وصل إلى قناة الإخبارية ، ليتربع على الأرض ويشير لتشاد بالجلوس إلى جواره ..
- اسمع هذا الخبر يا تشاد ..
ثبت الفتيان نظرهما نحو الشاشة التي كانت تبث الخبر الآتي : في ظهيرة هذا وصلت عدة بلاغات للشرطة في أوقات متقاربة من عدة جهات عن هدايا غريبة قد وصلت إليهم تحتوي على أعضاء وقطع بشرية ، وثلاثة منها تحتوي على ثلاثة رؤوس مفصولة عن جسدها ، وبعد جمع الأجزاء اتضح أن جميعها تعود إلى أصحاب هذه الرؤوس والذين كانوا عبارة عن رجل وامرأة بالغين بالإضافة إلى طفلة في سن العاشرة ، وبعد التحقيق توصلت الشرطة إلى أن الضحايا عبارة عن عائلة واحدة ، والشكوك الآن تدور حول إبنهم البكر جورج البالغ من العمر 15 سنة ..
توسعت حدقتا عينه حين عُرضت صورة جورج على التلفاز أمامه ، ليستدير نحوه ببطء بعد أن أخرسته الصدمة ، والمفاجأة حين وجده يبتسم بشكل عريض وهو يقول بسعادة : أنظر يا تشاد لقد عُرضت صورتي على التلفاز ، إنها بداية الطريق إلى الشهرة ..
الصدمة كانت أقوى من أن يُمكنه من قول أي شيء ، بينما تابع المذيع كلامه : وعندما تم تفتيش منزل الضحايا وُجدت رسالة على إحدى الحوائط بخط عريض وبطلاء أحمر [ جريمة من أجل الشهرة ] وبعد التحاليل اتضح بأنها لم تكن طلاءً كما ظنت الشرطة بل كانت مزيج من دماء الضحايا الثلاث ، ولازالت الشرطة تكثف جهودها للبحث عن الإبن الكبير جورج ..
لم يعد يستطيع التركيز على كلمات المذيع أكثر ، فنبضات قلبه بدأت بالتسارع بشكل مزعج ، وعداد الخطر في ازدياد ، ودماغه يُرسل اشارات بضرورة الهرب ..
حاول النهوض من مكانه ولكن قدماه قد تيبستا في مكانها ، وكلما أصر على النهوض عاود السقوط مجدداً ..
لم يتصور مطلقاً أن قدماه قد تخوناه في هذا الوقت ، ولم يعد أمامه خيار سوى الزحف نحو الباب ..
بدى وكأن جورج قد قرأ أفكاره ولهذا سارع في الإمساك بقدمه ليمنعه من المغادرة ..
حلقه قد جُف تماماً ولهذا لم يتستطع الصراخ وطلب المساعدة ، إلتفت إليه وقد ترقرقت الدموع في عينيه من شدة الخوف ، ليقول الآخر بإبتسامة ماكرة : لم الخوف يا تشاد ، أتظن أنني سأقتلك أيضاً !! لا تقلق أنت من أسديت لي بتلك النصيحة ولهذا أنا ممتن لك ويستحيل لي قتلك بالطبع ..
نظر إليه بعينان تملؤهما الخوف ، كيف يمكن أن يصدق كلاماً كهذا ؟؟ إن كان قد قتل والديه وأخته بدم بارد فكيف يثق به وهو مجرد زميل في الصف !!
بينما أحاط جورج بذراعه رقبة تشاد متابعاً حديثه : إسمعني أنت تعلم بأن الشرطة تبحث عني ، وأنا لم أستمتع بشهرتي بعد جيداً ، ولهذا لن أجد مكاناً أفضل من منزلك لأبقى فيه ..
بلل شفتيه الجافتين بلعابه ، ليتمتم بصوت متحشرج : ولماذا في منزلي بالتحديد ؟؟
أمسك بوجهه بكلتا يديه وهو يرسم على وجهه ملامح مرعبة : لأنك صاحب الفكرة بالتأكيد ، إن حاولت إخبار الشرطة عني فأنا سأخبرهم بأنك شريكي ، ولهذا إن أردت أن تُبقي حياتك هادئة كما هي فمن الأفضل أن تُطبق شفتيك ..
بدأ فكه بالإرتعاش وهو ينظر إلى ملامح جورج المخيفة ، أنفاسه المضطربة بدأت تعلو أكثر فأكثر ، همهم بضعف وهو بالكاد يمنع نفسه من البكاء : لكن أمي لن تقبل بوجودك خصوصاً إذا علمت ماذا فعلت ، لا أظن أنك تستطيع البقاء ..
- ولهذا يجب عليك أن تُبقي وجودي سراً عن الجميع حتى والدتك ، وفي الوقت نفسه يجب ألا تُقصر علي بأي شيء من طعام وشراب وكساء ..
- ولكن أمي ستكتشف هذا عاجلاً أم آجلاً فهي تدخل إلى غرفتي دائماً ، ولهذا .....
قاطعه الآخر بزمجرة غاضبة : هذه ليست بمسؤوليتي ، أنت من يجب عليك أن تحرص على إخفائي ، وإن لاحظت والدتك وجودي فأنا سأكون حينها مضطراً لقتلهاا ..
شعر بغصة في حلقه منعته من الكلام ، كيف له أن يُخفي وجود هذا المجرم ووالدته معتادة على اقتحام غرفته عدة مرات في اليوم ؟؟
بدأ يدرك حجم المصيبة التي أوقع نفسه فيها بسبب كلمات لم يحسب لها حساباً ولم يتوقع أن يكون لها كل هذا الوقع على المُستمع ..
نهض جورج من مكانه وهو يتمغط بكسل : أنا متعب كثيراً ، لقد قضيت النهار بأكمله في تقطيع أجساد عائلتي وتوزيعها ، سأخلد للنوم أرجو ألا تزعجني يا تشاد ..
ألقى بجسده على السرير وماهي إلا ثوانٍ معدودة حتى غط في نوم عميق ، وتشاد لايزال ساكناً في مكانه ..
مرت الدقائق ببطء شديد وهو يتأمل وجه جورج النائم ، من يراه الآن لن يظن مطلقاً أنه قتل ثلاثة من أفراد عائلته من أجل الشهرة فقط ، هذا الفتى مجنون بالكامل ، فأي شخص قد يقتل لمثل هذا السبب السخيف ؟؟
بعد أن شعر بأن جورج غارق في النوم نهض من مكانه بحذر وعيناه تنظر إلى الباب تارة وإلى جورج تارة أخرى ليرى إن كان قد أفاق أم لا ..
تسلل من غرفته بهدوء وبراعة وبمجرد أن خرج من الغرفة دون أن يوقظ جورج تنهد الصعداء ..
ثم ركض مسرعاً نحو المطبخ ليحمل سكيناً في يده ويعود به إلى الغرفة ..
لم يعد دماغه يعمل بالشكل الصحيح ، بعد أن أدرك خطورة الموقف الذي هو فيه لم يُسعفه عقله سوى بفكرة قتله للتخلص منه ، دون التطرق للنتائج لاحقاً ..
دخل إلى الغرفة وهو يشعر بصعوبة التنفس ، الأجواء خانقة للغاية هنا ، وربما يعود هذا إلى وجود هذا القاتل في غرفته ..
وقف بجوار السرير وصدره يعلو ويهبط من شدة التوتر ، أخذ يحلل الأمور بسرعة في ذهنه ، وجود جورج هنا يُشكل تهديداً عليه هو ووالدته ، ولهذا موته سيكون أفضل للجميع ..
رفع السكين عالياً ليبدأ بغرزها في جسد صديقه في عدة مناطق متعددة المرة تلو الأخرى ، حتى أُرهق تماماً وأخذ يلهث من شدة التعب ..
بعد لحظات أدرك أخيراً ما يحصل وعاد إلى رشده ولكن بعد فوات الأوان ، نظر إلى يديه الملطختين بالدماء ، ثم ألقى نظره على جسد زميله وعلى السرير الذي تحول لونه من الأبيض إلى الأحمر القاني ..
بهت وجهه حينها وسقط إرضاً من هول المنظر وشناعة جريمته ، اجتاحه نوبة صداع فظيعة وهو يرى قطرات الدماء المتناثرة في غرفته ، ومازاد الأمر سوءً حين سمع صوت وقع أقدام قادمة نحو غرفته وصوت والدته وهي تهتف بإسمه ..
تعلق بصره نحو الباب بهلع ، ستدخل والدته الآن ولن يسرها المنظر مطلقاً ، ستُصدم كثيراً حين تكتشف بأن إبنها قد قتل أول صديق أتى لزيارته ..
الصوت يقترب والتوتر في ازدياد ، وسؤال واحد يدور في ذهنه ، لماذا حصل كل هذا ؟؟
أدرك بأنه غارق في دوامة مظلمة لن يستطيع الخروج منها ، لا مفر من العقاب ، لقد أصبح مجرماً رغم أنه لم يتجاوز سن الخامسة عشرة بعد ..
سرت رعشة قوية في جسده حين وَضع أحدهم يده على كتفه ويهزه برفق ، ولم يكن صاحب ذلك اليد إلا جورج الذي قتله لتوه ، ولكن كيف لايزال على قيد الحياة بعد تلقيه لكل تلك الطعنات ؟؟
شعر حينها بأنه قد حوصر تماماً ولم يعد هناك مجال للهرب ، والدته من أمامه وجورج من خلفه ، إنها النهاية بلا شك ..
انطلقت صرخة مدوية وعالية قبل أن ينهض من فراشه وهو يلهث بخوف والعرق يتصبب منه بغزارة ، إلتفت يميناً وشمالاً ليجد نفسه جالساً على سريره في غرفته ووالدته تنظر إليه بتفاجؤ ..
سألته بقلق : مابك يا تشاد ؟؟ يبدو أنك كنت تحلم بشيء مخيف ..
شد على لحاف سريره حين أدرك أن كل ماجرى معه كان مجرد كابوس مزعج ، وحينها أحس براحة كبيرة أثلجت صدره ..
.
.
في المدرسة كان متحمساً كثيراً لرؤية جورج للتحدث معه بشأن ما قاله مسبقاً ، ولكن الغريب أنه لم يحضر بعد على غير عادته ، قرر إنتظاره قليلاً لعلّه تأخر لظرف ما ، ولكن حين أوشكت الحصص على البدء قرر أن يسأل أقرب أصدقائه عنه والذي كان طالباً في صفهم ..
- أنطوني ألن يأتي جورج إلى المدرسة اليوم ؟؟
ظهرت علامات الصدمة على وجهه بعد أن أتى تشاد بذكره ، ثم قال بعدها بهدوء : مابك يا تشاد !! ألم تسمع بما حصل له في الأخبار ؟؟ جورج قام بالإنتحار ليلة أمس بعد أن قتل ثلاثة أشخاص من عائلته ، وقد ترك رسالة بخط يده مكتوب فيها عبارة [ الآن سيتذكرني التاريخ ] ..
نزل الخبر عليه كالصاعقة التي شقت جسده لنصفين ، إذاً الحلم الذي حلم به اليوم لم يكن بعيداً جداً عن الواقع ، ففي النهاية عمل جورج بنصحيته وأجرم بحق عائلته وبحق نفسه ..
أمضى تشاد بقية يومه كجثة بلا روح ، وعقله قد شُل تماماً من وقعة الصدمة ، ولم يكن واعياً لم يحصل من حوله ، ولكن أحداً من زملائه لم يلحظ تغيره ، فهم في نهاية الأمر ليسوا أصدقاء مقربين ولا أحد يتذكره عادةً إلا إذا بدأ هو بإحداث بعض الصخب ..
انتهى الدوام المدرسي ليجمع تشاد أغراضه ويُغادر المدرسة بخطوات بطيئة وعينان خاليتان من الحياة أشبه بعينا سمكة ميتة ..
باغته أحدهم من خلفه وبدأ بخنقه ولكن حين لم يلحظ أي حركة للمقاومة تركه قائلاً بتعجب : مابك أيها الممل ؟؟ من الغريب أنك لم تحاول إبعادي ..
إلتفت إليه تشاد ليتبين له أن هذا المزعج ليس سوى أخته ميغان ..
دارت ميغان حوله قبل أن تقول : ممابك تبدو على غير عادتك ؟؟ هل حصل شيء ما ؟؟
لم يستطع أن يجيبها بشيء ، واكتفى بأن يستدير مكملاً طريقه ، ليتابها القلق تجاه أخيها الذي يتصرف بشكل غريب ..
أمسكت بيده قائلة بجدية : تعال معي ..
لم تكن لديه القوة الكافية لمقاومتها ، وهذا ما أثار دهشتها أكثر ، فقد كان يلاحقها من دون أي اعتراض ، أخذته إلى أحد المقاهي وطلبت كأس عصير لكليهما وحتى الآن لا يزال تشاد صامتاً كما هو ..
بعد أن أحضرت النادلة كأس العصير أخذت ميغان رشفة منه وقالت بنبرة آمرة : اشرب كأس عصيرك ..
انصاع لأمرها وأفرغ كأس العصير من رشفة واحدة ، لتحملق فيه ميغان متمتمة بجدية : تشاد مابك يا أخي ؟؟
لم يجبها إلا الصمت لتُعاود السؤال مجدداً ولكن لا جديد !! بدأ أعصابها بالثوران وهي تراه يحدق في الفراغ غير آبه لوجودها ، نهضت من مكانها وأمسكت بياقته لتقول بعصبية : أنظر إلي وأخبرني أيها الأحمق ماذا حصل لك ؟؟
أخيراً تقابلت أعينهما ولكن سرعان ما أشاح بناظريه بعيداً وهو يقول بهدوء لم تعتد عليه : ميغان أرجوك أنا لست في مزاج جيد لإزعاجك ، دعيني أعود إلى المنزل ..
لترد بصرامة وهي تُعاود الجلوس على مقعدها بعد أن لاحظت نظرات الموجودين : لن أسمح لك بذلك حتى تخبرني بمايشغل تفكيرك ..
هو يعرف أخته حق المعرفة ، هي عنيدة حتى النخاع ولن تغير رأيها وتسمح له بالمغادرة حتى لو ظلا هنا إلى صباح الغد ..
أطلق زفيراً من أعماقه قبل أن يقول : هذا ليس مكاناً مناسباً للحديث ..
- إإذاً أين تريدنا أن نذهب ؟؟
- إلى مكان خالٍ من الناس ..
غادرا المكان وهي تفكر في المكان الذي يجدر بهما الذهاب إليه ، وكلما قدمت له اقتراحاً قام برفضه وحين طفح الكيل بها صاحت بغضب : قل أنك لا تريد أن تتحدث بشأن الأمر معي بدلاً من إختلاق عذر غبي ككون المكان ليس ملائماً للحديث ..
نظر إليها بعينان ذابلتين : أنا لا أختلق الأعذار كما تعتقدين ، ولكن الموضوع سري للغاية ، إن علم أحد بهذا فسأكون في ورطة بالتأكيد ..
أحست ميغان بخطورة الأمر فقالت : إذاً لم لا تأتي معي إلى منزل والدنا ؟؟
- ولكن لا أظن أن أبي سيُسر برؤيتي ..
- لا عليك إن تفوه بكلمة ما فأنا سأتصرف معه ..
همس ساخراً : أنت ستزيدين الأمر سوءً فقط ..
- أقلت شيئاً ما لتوك ؟؟
- لا لاشيء ، لا تُقلقي نفسك ..
في النهاية أُجبر تشاد على الذهاب معها إلى منزل والده ، والمُطمئن في الأمر أن والدهما كان خارجاً ولهذا استطاع دخول المنزل دون أية مشكلة ..
بعد أن أدخلته ميغان غرفتها قالت بفضول : والآن أخبرني أي مصيبة ألقيت نفسك فيه ؟؟
جلس على سريرها ليسألها بهدوء : هل سمعت عن قصية العائلة التي قُتلت على يد ابنهم الكبير ومن بعدها أقدم الإبن على الإنتحار ؟؟
- إن كنت تعني القصية التي حصلت في الأمس فأنا سمعت عنه ، ولكن لم تسأل عن هذا ؟؟
قبل أن يتابع ما يريد قوله عادت ميغان لتقول : لحظة حسب ما ذُكر في الأخبار الإبن الذي قتل عائلته وأقدم على الإنتحار بعدها هو طالب في مدرستك ، كما أنه في عمرك أيعني هذا أنك تعرفه ؟؟
- نعم إنه زميلي في الصف ..
أومأت رأسها بتفهم : الآن عرفت سر تغيرك ، أنت مصدوم لأن زميلك قد أصبح مجرماً و ....
قاطعها بحدة : ليس الأمر هكذا ..
- إذاً ماذا ؟؟
مرت لحظة صمت قبل أن يُلقي بالقنبلة : أنا السبب فيما حصل ..
رمشت بغير استيعاب : ما هذا الهراء الذي تتحدث عنه ؟؟
أجاب بإنفعال : كما سمعت ، أنا من زرع هذه الفكرة في دماغه ، قبل أيام سألني عن طريقة تجعل منه مميزاً وأنا نصحته بأن يكون مجرماً ، وهو قد عمل بنصيحتي ، أنا مجرم ، لقد عبثت بدماغه وجعلته يجرم في حق عائلته وفي حق نفسه ، إن علم أحد بهذا فسأُرمى في السجن ، أنا مجرم مجرم ..
أمسكته من كتفه وأخذت تهزه بقوة لتوقف إنفعاله ، ثم قالت محاولة تهدئته : لا شأن لك بالموضوع ، حتى لو أنك قلت له بأن يصبح مجرماً فلا أظن أنه سينصت لك ، لاشك بأن هناك سبباً آخر دفعه لقتل نفسه ، لا تلقي باللوم على نفسك ..
دفعها بقوة لتسقط أرضاً ليقول بعصبية : وما أدراك أنت ؟؟ لو لم يكن لي يد في الموضوع ما كنت لأحلم عنه ليلة أمس ، رغم أنني لم أشاهد الأخبار إلا أنني حلمت به وهو يقتل عائلته ومن ثم يأتي إلى منزلي قائلاً أنه فعل هذا بسبب ما قلته ، لا أظن أن الحلم كان مصادفةً ، والدليل الآخر على كلامي هي الرسالة التي تركها ، ماذا أفعل الآن ، بسبب مزاحي الغبي أصبحت قاتلاً ، كيف يمكنني العيش الآن ؟؟ لاشك بأن الشرطة ستكتشف أمري عاجلاً أم آجلاً ، أنا في ورطة في ورطة حقيقية ..
أنهى عبارته بدفن وجهه بين كفيه ، أما ميغان فلم تستطع قول شيء فمظهره هذا كان كفيلاً بإيصال فكرة كم أن أخاها يشعر بالمسؤولية حيال القضية ، ومن خلال ما قاله يتضح لها بأن تشاد له يد في الموضوع كما يقول تماماً ، ولكنها لا تعلم إن كان سيُعتبر قاتلاً أم لا ؟؟
ولكن حتى لو لم تعتبره الشرطة قاتلاً إلا أن تشاد لن يستطيع إكمال حياته بشكل طبيعي وسيظل ضميره يؤنبه إلى الأبد ، وسيُحمل نفسه ذنب موت أربعة أشخاص لبقية حياته ..
خيم الصمت على المكان لمدة ، رفعت ميغان نظرها نحو ساعة الحائط لتجد عقاربها قد أشارت إلى الساعة التاسعة ..
حولت بصرها نحو أخيها الذي بقي على حاله لتنطق بهدوء : تشاد ألن تقلق والدتنا إذا تأخرت في العودة ؟؟
أيقظه صوتها من شروده لينهض من مكانه متمتماً : سأعود حالاً لاشك بأنها كذلك ، فأنا معتاد على العودة إلى المنزل بعد المدرسة مباشرةً ..
حمل حقيبته وهم بالمغادرة ولكن صوتها أوقفه : تشاد لا تفكر في الأمر كثيراً اتفقنا ؟؟
لم يستطع أن يرد عليها ولهذا تابع طريقه بينما كانت تلاحقه هي بنظرات مشفقة ..
في طريقه إلى الخارج قابل والده الذي لم تسره رؤية إبنه مطلقاً ليصيح بغصب : ماذا تفعل في منزلي أيها اللعين ؟؟
نظر إليه بعينان متألمتان ، أهكذا يُعامل إبنه ؟؟ أزاح ناظريه عنه وأكمل سيره دون أن يتفوه بكلمة ، ليستشيط الآخر غضباً ، ولكن تدخل ميغان في الوقت المناسب جعله يخرج من المنزل بسلام ..
رغم أنه إبنه إلا أن والده يبغضه كثيراً ، فعندما قرر الزوجان الطلاق اختار تشاد البقاء مع والدته عكس ميغان التي فضلت البقاء مع والدها ، وهكذا أصبح الأب يبغص ابنه والأم تبغض ابنتها ولكن علاقة الأخوين قوية ومتينة كما هي ..
عاد إلى منزله ليتلقى توبيخاً من والدته التي كانت قلقة عليه طوال فترة غيابه ، ولكن سرعان ما تلاشى غصبها بعد رؤيتها لوجه إبنها الشاحب ..
وعندما خلد إلى النوم لم تتوقف الكوابيس المزعجة في زيارته ، وجميعها كانت متعلقة بجورج ، ولم يستطع تشاد أن ينام جيداً في تلك الليلة .
ساءت حالة تشاد يوماً بعد يوم ، ولم يكن يستطيع العيش براحة فعندما يكون مستيقظاً لا يكف عقله عن التفكير بالقضية وضميره بالتأنيب وحتى في نومه تتدافع الكوابيس الواحدة تلو الأخرى لدرجة أنه بدأ يخاف النوم كثيراً ويُفضل البقاء مستيقظاً دائماً ..
لاحظت والدته تغير إبنها وتدهور صحته ، وقد حاولت مرات عدة معرفة سبب حالة إبنها إلا أن تشاد لم يكن يستجيب لها ، وحين فقدت الأمل اضطرت إلى الإستعانة بميغان ، فهي تعلم كم هما متعلقين ببعض ..
ولكن حتى ميغان التي كانت تعلم سبب تغير أخيها لم تستطع تحسين صحته ، ولا إعادته إلى ماكان عليه وكان من الموجع عليها وعلى والدتها رؤيته بهذه الحالة المزرية ..
بعد أيام اقتحمت ميغان غرفته بطريقة صاخبة على غير العادة ، لتجلس أمامه وتقول بنشاط : إحزر أين كنت قبل قليل ؟؟
لم يستجب لها مطلقاً كالعادة لتتابع قائلة : ذهبت إلى مخفر الشرطة لأسأل عن القضية أكثر ..
بهت وجهه واسود لونه لتتدارك الأمر بسرعة : لا تقلق لم أخبرهم عنك ، بل أردت فقط معرفة المزيد من التفاصيل والمفاجئة كانت كالتالي ، لقد أخبروني بأن جورج لم يقتل عائلته كما ذُكر في الأخبار ، بل أن والده هو من قام بذلك أمام عيني صديقك ، حينها لم يستطع جورج تحمل الأمر وقام بقتل والده عن طريق الخطأ ، وبعدها شعر بالندم ولم يعد هناك مكان يمكن أن يذهب إليه ، ولهذا أقدم على الإنتحار ..
عادت الحياة إلى وجهه ، ليقول بعد صمت دام لأيام : هل أنت جادة يا ميغان !!
لتهتف الأخرى بحماسة : نعم يا تشاد أنا جادة كل الجدية ، هو لم يتأثر بكلامك مطلقاً ، بل أقدم على الإنتحار بعد يأسِه من الحياة ، أنت لا يد لك في الموضوع ..
تهلل وجهه بعد حديثها ، بدى الأمر وكأنها قد أعادت الحياة إليه ، سالت دموعه أخيراً فرحاً بما قالته ، الآن يستطيع أن يتابع حياته دون أي ندم ..
أمال جسده قليلاً قبل أن يسقط على السرير ويغط في نوم عمييييق بعد أيام من الأرق و الحرمان ..
تأملت وجهه قليلاً لتهمس بعدها : أعتذر لأنني كذبت عليك ، كان يجب علي فعل هذا حتى تعود إلى ماكنت عليه سابقاً ..
ما لا تعلمه هو أنها لم تخدع تشاد كما تتصور هي ، بل هو من كذب على نفسه وأجبر نفسه على تصديق كذبتها الواضحة ، هو أراد عذراً ليستطيع الإستمرار بالحياة وكانت هذه فرصته .. النهاية ~ |
|
التعديل الأخير تم بواسطة العجوزة زوزو ; 03-12-2017 الساعة 07:57 AM |