عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-02-2017, 10:14 AM
 
فضية ~ ولي دين سأرده لك يا مادلين ~






وقفت أمام المنزل بتردد قبل أن تحزم أمرها وتضغط بسبابتها جرس البيت. كان منزل بسيط مؤلف من طابق واحد ارضييدل على مكانة سكانه المتوسطة.
أتاها صوت حاد من خلف الباب : من انت ؟؟ وماذا تريد ؟؟
تمتمت بهدوء : أنا صديقتك يولاند عزيزتي ، إفتحي لي الباب من فضلك ..
لم تستجب لطلبها بل قالت بحذر : وهل هناك أحد معك ؟؟
زفرت بخفوة وقالت بضجر: لا ، لا أحد ..
بعد تفوهها بهذه الكلمات، وصل إلى مسامعها صوت الاقفال الحديدية التي بدأت تفتح أخيرا ، ثم ادير مقبض الباب ليُفتح لها لكن لم ينفتح سوى جزء قليل منه مما أجبر يولاند على حشر نفسها حتى تدخل إلى المنزل ..
بمجرد ما دخلت حتى أسرعت السيدة إلى إعادة إغلاق الباب بالأقفال الست التي وضعتها بنفسها ..
لم تستغرب فتاتنا من تصرفاتها اذ كانت تنظر إليها بشفقة لكنها لم ترد ايضا ان تشعرها بالامر ، فقالت بإبتسامة لطيفة تبعث الدفء في كل حرف : مادلين كيف حالك يبدو أنك فقدت بعضا من وزنك ..
إلتفتت إليها مادلين ذات الثلاثين عاما وهي تقول وعلامات القلق مرتسمة على معالمها: دعينا نتحدث في الداخل ، أخشى ان أحدا يتنصت إلينا من خلف الباب كما حدث صباح هذا اليوم ..

ادركت يولاند أنها على موعد جديد مع قصة أخرى من قصص مادلين ، والذي هو في الاصل ليس إلا قصة مزيفة اختلقتها مادلين وصدقتها كما تجري العادة ..
جلست على أريكة منفردة بينما اختارت مادلين أريكة اخرى حرصت فيها أن تكون على مسافة من ضيفتها ..
بدأت مادلين بالكلام : يولاند لن تصدقي ما حصل صباح اليوم ، عندما أردت أن أخرج قليلا لشراء بعض مستلزمات المنزل ، سمعت صوتا غريبا صادرا من وراء باب منزلي ، لابد من أنه أحد اولئك الذين يسعون ورائي أنا وطفلاي ..
تمتمت بهدوء : ألست تبالغين وحسب يا مادلين ..
سقطت هذه الاكلمات على مادلين كالصاعقة فثارت على صديقتها مما افزعها : أتشكين في صدقي !! لحظة بالتفكير بالأمر، انت من ارسلتي ذلك الغريب لإغتيالنا صحيح ؟؟
نهضت من مكانها دون أن تسمح ليولاند بالدفاع عن نفسها واستمرت بكلامها مع نبرة مرتفعة : لقد كشفت ألاعيبك ، أنا استطيع قراءة ما يدور في أذهان الناس بسهولة لذا لا جدوى من الإنكار ..
استمرت مادلين بسيل من الإتهامات الباطلة ويولاند بقيت ملتزمة الصمت متجاهلة كل تلك الاتهامات. هي تدرك أن الإنكار لن يفيد خصوصا وأن مادلين في حالة من الهيجان ، وانتهى الأمر بها أن طُردت من المنزل ..

هذه المرة الرابعة التي تطرد فيها من المنزل في هذا الشهر. لم يعد الأمر يزعجها كالسابق ، الحال ذاته تكرر لمدة سنتين ، ليس عليها سوى ان تترك مادلين عدة أيام وبعدها تعاود زيارتها وعندها ستتصرف كما لو أن شيئا لم يكن ..

إن عليها دينآ يجب أن ترده لهذه السيدة. كان لدى يولاند أختا بعمر مادلين وكانت تعني لها الكثير خصوصا وأنها فقدت والديها منذ صغرها فكانت لها مثال الأم والأب ..
اختها ومادلين كانتا صديقتين مقربتين جدا ، كل منهما تكمل الاخرى ، لكن القدر شاء أن يفرقهما .
مرضت أختها بمرض خبيث مما جعل الفتاتان تعانيان كثيرا في حياتهما. كانتا حينها في ضائقة مالية فلم يجدوا من يمد لهم يد العون ، لا أقربائهم ولا حتى معارفهم ..
مادلين وحدها من بقيت إلى جانبهم تؤازرهم وتساندهم ، لكن رغم كل تلك المجهود الذي بذلتها مادلين من أجل صديقتها ويولاند من أجل أختها، إلا أنها فارقت الحياة ، تاركة الفتاتان في حالة يرثى لها. لكن يولاند تخطت الامر ولم تنسى معروف مادلين وهي تحاول رده لها ..

هي كانت إنسانة طبيعية مثلها مثل الجميع لكن رحيل صديقتها المقربة أثر بها. للاسف، لم يكن هذا السبب الوحيد لتغيرها ، فبعد أشهر من هذا الحادث، توفي زوجها في حادث سير وقد كانت في ذلك الوقت تحمل في أحشائها طفلا في شهره الرابع ..
رحلت الصديقة ثم الزوج وأتى دور الإبن ، نعم .. فأثناء وضعها لمولودها حصل خطأ طبي أودى بحياة جنينها وكانت تلك هي القشة التي قسمت ظهر البعير ..

انتكست حالتها بشكل سيئ وملحوظ ، وأصبحت منعزلة عن العالم قليلة الكلام والإنفعال ، فقررت يولاند أن تستعين بطبيب نفسي يخرجها مما هي فيه ، وقد فلح في ذلك بعد عدة جلسات لكن التغيير لم يكن للأفضل كما كانت تظن ..
لم تعد مادلين كما هي تلك المرأة المحبة للحياة والناس ، بل أصبحت بشكل غريب تتعالى على من حولها ، تنظر للجميع بنظرة استصغار ، تحدث الكثير من المشكلات بحجة أن جميع من حولها يشعرون بالغيرة منها ومن طفليها ..
اصبحت ترى الجميع يهدف لإغتيالها وأن العالم الخارجي بأسره خطر كبير يهددها هي وعائلتها ، فمنعت ابنها ذو السبعة أعوام من الذهاب إلى المدرسة والعيش حياة طبيعية كالاطفال الباقين ونفس الحال مع ابنها الثاني ذو الخمسة أعوام ..

آن ليولاند أن تقف مع مادلين كما فعلت هي مع أختها. هي بالتأكيد ستسعى لعلاج مادلين فأول خطوة عملت عليها هي تغيير تخصصها الجامعي فبعد أن كانت تدرس الهندسة أصبحت الآن تدرس الطب النفسي من أجل ان تخرج مادلين من مرض العظمة التي غطا دماغها بالكامل ..

مهما روت لها مادلين من قصص خيالية لا يتقبلها العقل البشري ستظل تنصت لها ، ومهما لاقت من معاملة سيئة وإهانات ستظل بجوارها إلى ان تتعافى ..
بعد أعوام عده ..

طرقت يولاند باب المنزل وما هي إلا ثوان حتى فُتح الباب ليطل عليها ذلك الفتى في بداية مراهقته وهو يقول : أخيرا أتيت سيدة يولاند ..
ابتسمت يولاند وهي تسأله : أين والدتك ؟؟
أجابها : ستأتي حالا ..
ثم صاح عاليا على سكان المنزل : أمي دان هيا أسرعا سنتأخر ، السيدة يولاند قد حضرت ..
ثوان حتى أقبل دان ممسكا بمعطفه متذمرا : لم يجب علي الذهاب معكم ؟ لا أحب مرافقة كبار السن ..
رفعت يولاند حاجبها مستنكرة : كبار السن ؟؟ أيها المزعج لا زلت في عز شبابي ..
ضحكت حينها مادلين التي أتت للتو وفي يدها سلة وضعت فيها بعض الأطعمة المنزلية ليأكلوها في المتنزه : يولاند لا تحاولي ، دان يرى كل من حوله مجموعة من المسنين ..
ضحكت حينها يولاند ليشاركها الجميع ..
بفضل يولاند خرجت مادلين من الحالة التي كانت بها ، لقد استطاعت أن ترد الدين الذي كان عليها بإصرارها وصبرها ، وهاهي مادلين تعود إلى ماكانت عليه بفضل جهود يولاند ..

~ انتهى ~

التعديل الأخير تم بواسطة العجوزة زوزو ; 03-04-2017 الساعة 09:48 PM
رد مع اقتباس