عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-12-2017, 12:37 AM
 




مدينة الضباب ، لندن
23 \ 7 \ 2016

على الشرفة ، كنتُ أشاهدُ نور الشمسِ يقسمُ الظلام الى شرائح .
و يكشفُ دُجى الليلة الاخيرة لي في بيت أهلي ، نعم اليوم عقد قراني بزوج المستقبل.
لم يكن زواجاً عن حب ، و لكني أثق تمام الثقة ان ابي سيختار لي الافضل ...
زوجي رجلٌ في الثلاثين ، جسدهُ ضامرٌ نحيل و ذو قامةٍ متوسطة
عيناه خضراءٌ باهتة و شعره قاتم بينما بشرته شاحبة و عليه أمارات تعبٍ واضحٍ
كلما اتذكرُ اني سأكون يوماً ما ملكاً له ابتلعُ ريقي و ارجو القدر ان يرأف بي
ففتى احلامي كان نقيض من سأتزوجه اليوم ....

خطوتُ نحو المرآة و مسحتُ شعري الأشقر براحةِ كفي ، ثم حملقتُ بعيناي اللازورديتان بإنعكاسي على المرآة
غداً سأرى فيها طيف إمرأةٍ لا تشبهني !

***

أدعى ليونارد جونز ، رجلٌ بدأ الثلاثين من عمره منذُ شهر ، سأتزوج اليوم من ماري ، إبنة صديق أبي
لقد قال لي انه اذا كان لابد من زواجي ف ماري هي الخيار الأنسب..
نعم هي جميلة و لكن هل روحها تماثلها جمالاً ؟
اتمنى ان تقبل بي ، و ان تسامح كذبي عليها ...

فبعد ان تسكن معي تحت سقفٍ واحد ، سيأتي يومٌ ينقطع فيه حبلُ كذبي المشدود ، و عندها فقط سأكتشف حقيقة ماري ..
أعلم انها ليست سيئة و إنما انا الخائن هنا !
و لكن لا خيار آخر لي ...

اتمنى ان ينقضي كل شيءٍ على خير .


***


30 \ 8 \ 2016

-" آلو ، كيف حالكِ عزيزتي ماري ؟ لقد مرّ اكثر من شهرٍ واحد منذ زواجك ،ِ هل انتِ سعيدة ؟ لقد اشتقتُ لصخبكِ في كنفِ المنزل ... "
-" نعم انا بخير امي ، لا تقلقي ، اجل ليو حقاً شخصٌ لطيف ، لقد كنت محظوظة بزواجي منه .. "
ثأثأت أمي و كأن الكلمات لا تسعفها او انها لا تعرف كيف تعبر لي عمّا تخفيهُ من هواجس
و بعد تردد لفظت لي بسعادة مزيفة كشفتها من نبرةِ صوتها
-" اتمنى لكِ كل السعادة يا بُنيتي ، ابقي قويةً هكذا و لا تدعي اي عثرة تقفُ حاجزاً بينكِ و زوجكِ "
و بعد كلماتها هذه أغلقتِ الخط تاركةً الحيرة تتسللُ الى قلبي ...

تركتُ هاتفي و رتبتُ بيتي و تزينت
ثم انصرفتُ لأطهو لزوجي كل ما تشتهيه نفسه من طعامٍ برعتُ به

شوربة الصدف مع الزعفران ، جوز الهند ، وباستا البرتقال المخبوز بالفطر ، و أعشاب طازجة ، و جبن روزماري ، و ضلوع لحم العجل المنقوع بالخل ، و فاصولياء خضراء منقوعة بالثوم و الليمون و سلطة قنبيط ، بعدها اتخذت قراري بشأن الحلوى كيك الشوكولا .

و هكذا انتظرت عودة ليونارد غير عالمة بأن اليوم سيكون ليلة الحقيقة و الصدمات ...

صوتُ طقطقةِ المفاتيح تبعها فتحُ الباب و غلقه ثم دلف ليو الى الصالة حيثُ رآني بحلتي البهية
الا انه بعكس العادة ، فقد استمر بجرِّ قدميه بتثاقل ساحباً نفسه الى غرفةِ النوم ، حيثُ اضطجع هناك و نام .

و انا لا أزال مكسوة بالصدمة ، لقد تجاهلني حقاً

فقدتُ شهيتي للأكل و لملمتُ الطعام لأضعه بالثلاجة و انا اقوم بهذا كانت الأفكار تتلاطم بمخيلتي فلا عذر له
فهو يعمل بشركة راقية على حاسوبٍ متطور
و يمتلك سكرتيرة تنوب عنه بأعمال الذهاب و الأياب
لا أشغال شاقة تعذر دخوله المنهك ذاك
ولكن قد يكون مريضاً او ما شاكل ذلك ، سأسامح عاجلاً ام اجلاً فلا خيار اخر لي

و فجأةً تراءت لي ذكريات الليلة الماضية
عندما فتحت عيني في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل و لم اجد ليو ثم عندما خرجت لمحت ظلاً سائراً في الردهة
لقد كان ليو و هو يرافق بطانية و وسادة
اهذا يعني انه كان دائماً يتسلل من الغرفة ؟

ومضةٌ أعادتني للواقع بعدها ، و قد كان ليونارد يجهز نفسه ليدخل و يأخذ حماماً ، في هذا الوقت فقط تأكدتُ ان لي جانباً شريراً بدأ بالتبلور و هو يحاول الظهور


***

لا أعلمُ لما و لكن أشعر الآن بالتعب ، حتى ان نفسي تشمئزُ من الطعام ، سأعتذرُ من ماري غداً ، و انا واثقٌ انها ستسامحني ، فهي طيبةٌ جداً ..

ذهبتُ لآخذ حماماً علّني أرفدُ بدني ببعضِ الإنتعاش ، ثم بدلتُ ملابسي و استعدتُ لتنفيذ سيناريو كل ليلة
فمذُّ زواجنا و انا أوهم ماري بالنوم الى جانبها و بعد ان تغُط بالنوم ، أسحبُ نفسي للخارج و أرمي جسدي على الكنبة ، ثم بعد ان أتبينَ الشعاع الأول من الفجر ، ادخل الغرفة ، و أشد غطاءَ ماري ، ثم أرتدي زيي و أذهب للعمل !
و هكذا كل ليلة و لم أُكشف بعد...

أخذتُ حيزي من السرير كالعادة و غلبتُ النعاس كالعادة و بعد ان هزمَ ماري نُعاسها ، زلفتُ من الباب و هممتُ بشد المقبض بهدوء ، لكنه لم يفتح !
شدته بقوةٍ أكبر ، وضعتُ قدمي على الحائط قربهُ و سحبتُ المقبض بكل ما أوتيت من طاقة !
الا انهُ أبى ان يتزحزح
ثم سمعتُ همساً من الخلف يُهسهس :" اوه ليو عزيزي ، آسفة البابُ مقفل ."

لقد كانت ماري !!
ازدرءت ريقي و سألتها بأدب :" هلا أعطيتني المفتاح رجاءً "
فابتسمت لي إبتسامةً احسستُ ان ورائها فيضاً من خبث و ردت :" اسفة و لكن لقد سقط المفتاحُ مني في بالوعة الحمام ، هذا يعني اننا محبوسانِ هنا حتى يطلع الصباح لأتصل بعامل التصليحات . اسفة مجدداً"

لا خيار آخر ، لن يحدث شيءٌ اليوم صحيح ؟
أعني انه يومٌ واحد فقط ....
خضعتُ لرغبةِ ماري و استلقيتُ بجانبها و كنت متوتراً لدرجةٍ لا تصدق ..


***

نجحت خُطتي !
بعد ان علِم بأني قد أقفلتُ الباب ، تغضّن وجهه و أستحال الى خريطةٍ لا يُمكن تبين معالمها .
هل النوم بجانبي صعبٌ الى هذا الحد ؟ لا يهم ما يهمني هو اني قد حاصرته و غلبته في لعبته ...

و بعد ان إنصاع لأمري ، كنت سأنام مرتاحة البال ، أطفئتُ النور الليلي الضئيل ، لا اعلم لما شيءٌ يخص الاطفال موضوعٌ في غرفةِ النوم ! فأنا و ليو راشدان و يستحيل ان نخاف من الظلام .
أسدلت جفني بإطمئنان و لم أكد أغفو حتى فجعني صوت صراخٍ يصيحُ :" ابتعد ابتعد لا تقترب أكثر ! "
نهضتُ مرّوعة لأدرك انا صاحب الصوت هو ليو
كان يُناظرُ الباب بحدقتين جاحظتين ، و قد اعتراه العرق و سرت في جسدهِ رعدة ...

أمسكته من كتفيه ، و هتفتُ :" مالذي يحدث معك ؟ هّدئ من روعك "

لكنه لم يستجب و استمر بنوبة صراخه الهيستريّ ذاك ..
ضغطتُ على مِقبس الضوء فأنار المكان في لحظة داحراً معه الظلام و صراخ ليونارد .
هل هدأ بعد ان شغلتُ الإنارة ؟ أيخشى الظلام ؟

لم يكن الجو مناسبا لأسئله هكذا سؤال ، لذا أخرجت المفتاح من أسفل وسادتي و فتحت قفل الباب ، ثم مشيتُ خارجاً لأُعِدَ له كوب حليبٍ دافئ .


***


كما توقعت ، لقد باغتتني أحد نوباتي مساءً كالعادة
و لكن هذه المرة كانت بحضور ماري

أخرجت ماري المفتاح و و انسلت بالظلمة ، لم اعرف كيف أعبر عن مشاعري الآن ، لقد كان دِفقاً من توترٍ و خوف مخلوطاً بإحساسٍ ضئيل من الراحة
ربما هناك جزءٌ صغير بداخلي قد ذاق ذرعاً من الخداع .

عادت ماري و معها كأسُ حليب ، قدمته لي و عيناها تشيانِ بفضولٍ قاتل .

استسلمتُ للأمر الواقع و أخبرتها الحقيقة
اني أعاني من مرضٍ نفسي و قلتُ قاب قوسين ان هذا ما قاله الطبيب

فأنا لم اقتنع بأن ما أراه هو مجرد وهمٍ مُسيطر ، لأني أرى طيفاً فارع القامة ، وجهه مكعببّ التحوّر ، عريضَ المنكبين ، بشعرٍ أشعث و عينينِ ضيقتين فييَ الخوف تبعث ...

و قد بدأت معي هذي الحالة بسبب اني تعرضتُ للخطف على يدي رجل وانا في سن الخامسة و قد طلب من أبي الفدية ، و لكن عندما ذهب ليستلم مُراده ، حاصرتهُ الشرطة و مات بحادث ، بينما بقيتُ انا مُقيداً لثلاثةِ أيام حتى عُثِر علي ....

و من وقتها و انا أعاني بما سُمي * بمرض الهلع * و أبقى مرعوباً من الموت ، و غالباً ما تأتيني النوبات مساءً...

اعتذرتُ لماري أكثر من مرة لكنها اكتفت بالصمت و بعدها خلدت للنوم ..

بدأ النهار و حاولت إبقاء الأمور طبيعية و سلسة ، ذهبتُ للعمل باكراً كالعادة و عدت قبل الغروب كالعادة ، و لكن ما كان غير عادي ، انني لم اجد ماري في المنزل ، لا ألومها ، من الصعب العيش مع زوجٍ مجنون و يتخيل الأشياء !
ابتسمتُ لنفسي بسذاجة فقد كنت أعرف بردة فعلها هذه قبل زواجنا حتى .
ولكن دون إرادتي تمردت دمعةٌ وحيدة من بينِ جفني .

***



__________________

التعديل الأخير تم بواسطة .FIRE ; 03-12-2017 الساعة 01:00 AM
رد مع اقتباس