عرض مشاركة واحدة
  #137  
قديم 03-17-2017, 12:57 PM
 
( 43 )





~
ياماتو ~


-
ياماتو ما بك تبدو شارداً هكذا ؟؟أيقظني صوت والدي من التفكير ، نظرت إليه وقلت بهدوء : لا شيء مطلقاً ..
نهضت من المائدة بعد ملاحظتي بأن والدي قد أنهى طعامه والخدم قد بدؤوا بأخذ الأطباق ..


غادرت إلى المدرسة ولازال عقلي مشوشاً ، ليلة أمس كنت أفكر في طريقة لسؤال أبي عن أمي ، وأطلت التفكير كثيراً حتى أنني لم أنم إلا متأخراً ، وعندما قابلت أبي جبنت ولم أستطع سؤاله ..

شيء في داخلي يرغب في أن تكون أمي على قيد الحياة ، فرغبتي في رؤيتها كبيرة جداً ، ولكن في الوقت نفسه لا أريد ذلك ، فأنا لا أريد أن أكتشف أن والدي قد خدعني طوال الثمانية عشر عاماً السابقة ..

تمنيت لو أنني امتلكت رقم هاتف السيد روكاوا ، فأنا الآن بأمسّ الحاجة اليه الآن ليوقف تدفق هذه الأسئلة التي في ذهني ..
سمعت صوت هاتفي ينذرني بوصول رسالة ، فتحت الهاتف بسرعة وأنا أتمنى أن يكون سوبارو ، ولكنني أصبت بالإحباط حين رأيت اسم جوليا ..


فتحت الرسالة وكان المحتوى كان كالتالي ( صباح الخير يا ياماتو ..
إن كنت متفرغاً بعد المدرسة فأرجو أن ترافقني إلى المشفى لزيارة شينا ، سأمر عليك بسيارتنا إن وافقت على ذلك )
لم أُرد أن أرد طلبها فأنا الآخر أريد رؤية آلبرت ، فأرسلت لها رسالة أعلمها موافقتي ..


مر اليوم سريعاً ولا أعلم لماذا لم أنتبه للوقت ، لربما كان بسبب كثرة التفكير ، أتمنى فقط لو أجد الجواب السريع لأسئلتي ..
أعلمت السائق مسبقاً أنني سأذهب مع جوليا ، ولا داعي لحضوره ، وقفت أمام بوابة المدرسة منتظراً حضورها ، في هذه اللحظة أتاني أحد زملائي وقال متعجباً : من الغريب أن أراك تنتظر ؟؟ في العادة سائقك ينتظرك في الخارج حتى قبل إنتهاء الدوام ..


ابتسمت مجاملة له وقلت : وما المشكلة في إنتظاري ؟؟ لن أموت إذا انتظرته لدقائق قليلة ..
قبل أن يرد علي وقفت سيارة أمامي ، وفور رؤيتي لها علمت أنها تعود إلى عائلة السيدة موتسومي ..


أنزلت جوليا نافذة السيارة وقالت : هيا يا ياماتو اصعد ..
أمسكني الزميل وقال بفضول : لحظة لحظة أليست هذه الفتاة هي جوليا التي يتحدث عنها الجميع ؟؟ حفيدة السيدة موتسومي ..
أبعدت يدي وقلت بضيق : نعم هي ، والآن دعني أذهب فهي تنتظرني ..

صعدت إلى السيارة ثم انطلقنا بعدها إلى المشفى ، أثناء الطريق بقيت جوليا ملتزمة الصمت..
ولكنها نطقت فجأة : صحيح يا ياماتو ، لقد وافقت جدتي على إرسال شينا للعلاج ..
قلت بسعادة : حقاً !! هذا رائع ، ولكن كيف استطعت إقناعها ؟؟ هزت أكتافها ببرود وقالت : طلبت منها وهي وافقت لم يكن الأمر بحاجة إلى مجهود ..


شعرت بأنها تكذب ، ولكنني لم أحب أن أبين لها هذا ، ولهذا قلت : همم هذا جيد ..
صمتت جوليا لثواني قبل أن تسألني : متى موعد سفر آلبرت إلى الخارج ؟؟
-
نهاية هذا الأسبوع ، ولكن لم السؤال ؟؟
-
في الواقع فكرت في أنه سيكون من الأفضل لو سافر الإثنان معاً ، فهكذا لن يشعروا بالوحدة قليلاً ، ولكن أخشى أن يرفضا هذه الفكرة ..


قلت بتأييد : إنها فكرة ممتازة ، بالنسبة لآلبرت فأنا لا أظن أنه سيرفض ، فأنا أشعر بأنه متعلق بشينا أو شيء من هذا القبيل ..
قالت بإستغراب : وما أدراك ؟!
أجبت بإبتسامة : لقد تم السماح له بمغادرة المشفى منذ مدة ، ولكنه طلب مني أن أبقيه حتى موعد السفر ، ولم يخبرني عن السبب ، ولكنني أعلم أنه فعل هذا ليبقى مع شينا التي ستكون وحيدة إذا غادر هو ، لأنه يعلم بأن لا أحد يأتي لزيارتها ..


توقفت السيارة أمام المشفى ثم خرجنا متوجهين نحو غرفة شينا وآلبرت ..
طرقت الباب عدة طرقات خفيفة ثم دخلنا ، فإذا بشينا كانت مستلقية على السرير وعيناها مثبتتان نحو الأعلى وآلبرت كان جالساً على سريره ومنغمس في قراءة الكتاب الذي بين يديه ..


أصدرت صوتاً لأنبههما علي ، فهما على ما يبدو قد ظنا بأننا ممرضين ..
إلتفتا إلي حالما أصدرت صوتاً ، ثم دخلت لأقول بمرح : مساء الخير أيها الزوجان السعيدان ..
ألقى علي آلبرت وسادته قائلاً بحنق : ماذا تعني بالزوجان السعيدان أيها الأحمق ..


تفاديت وسادته وقلت ضاحكاً : أنا أمزح معك ، لاا تأخذ الأمر بجدية ..
نظرت إلي شينا وقالت بحدة : هل أتت تلك اللعينة معك ؟؟ نظرت إلى الباب لتدخل جوليا منه قائلة بهدوء : نعم لقد أتيت ..
همت شينا بالنهوض وهي تقول مهددة : تعالي إلي لن أدعك تفلتين من يدي ، سأقتلك أيتها السافلة ..


ذهبت أنا إليها بينما بقيت جوليا بعيدة عنها ، أمسكتها من كتفيها مانعاً نهوضها : أرجوك إبقي في مكانك ، هناك أجهزة متصلة بجسدك أخشى أن تنفصل إذا نهضتي ..
حاولت إبعادي قائلة بقسوة : دعني يا ياماتو ، لن أدع تلك الفتاة تفلت من يدي هذه المرة ..


نطقت جوليا بهدوء : حتى لو حاولت أن تفعلي بي شيئاً فأنت لن تفلحي أبداً ، قلبك ضعيف وإذا انفعلت أكثر من هذا فستصابين بنوبة ..
نظرت إليها شينا بكراهية وقالت بغيظ : أتعايرينني أيتها اللعينة ؟؟ عندما أنهض سأريك ماذا يمكنني أن أفعل بك ، قلبي لن يمنعني من الإنتقام لأخي ..
-
قلت أنك لن تستطيعي ذلك ، إسمعي يجب أن تعالجي قلبك أولاً إن أردت مواجهتي ، أم أنك تريدين أن تصابي بنوبة وسط شجارنا ..


كلمات جوليا كانت مستفزة قليلاً ، لا أعلم لماذا تتحدث بجفاء هكذا ، صرت شينا على أسنانها من شدة الغيظ ، ثم هتفت بغضب : لم تكتفي بالسخرية مني على مرضي بل وحتى على فقري ؟؟ أنت أسوأ إنسانة رأيتها في حياتي ، سأتقتلك بيداي هاتان أقسم على ذلك ..

أعادت جوليا شعرها خلف أذنها وقالت برقة بعيداً عن النبرة الباردة السابقة : أنا لا أقصد هذا مطلقاً ، إسمعي هناك شخص تطوع بتكاليف العملية لك ، إن وافقت على ذلك فحين عودتك تستطيعين أن تفعلي بي ما شئت ..
-
أنا لا أحتاج شفقة أحد ، ولا تحاولي خداعي ، أعلم أنك تهدفين إلى الهرب بعد العملية ..
-
أقسم لك أنني لن أهرب منك ، سأكون مستعدة لأي شيء تقررينه بشأني ..


ثم صمتت لثواني قبل أن تكمل بحزن : فأنا أيضاً لا يمكنني أن أسامح نفسي ، أظن أنه قد أتى الوقت الذي يجب أن أموت فيه ، وهذا سيكون بعد علاجك ، إذا فعلت هذا فأنا سأكون راضية قليلاً عن نفسي ..
نظرت إليها بتفاجؤ ، كان من الواضح أنها صادقة في كل كلمة قالته ، أعني أنها بدت مستعدة للموت حقاً ..


فكرت شينا قليلاً قبل أن تقول بإبتسامة ماكرة : يبدو عليك الصدق أيتها الحقيرة ، سأصدقك وسأذهب لإجراء العملية ولكن إن حاولت الهرب فأنا سأجدك حتى لو هربت إلى الجهة الأخرى من الأرض ..
رسمت جوليا على وجهها إبتسامة شاحبة ، ثم قالت : سأذهب الآن لأتحدث مع الطبيب ..
غادرت جوليا الغرفة ، حينها نظرت إلى شينا وقلت : هل حقاً ستقتلينها إذا ما عولجت ؟؟


أجابت بعيون حاقدة : ولم لا ؟؟ هي كانت السبب في موت أخي ، لقد تلاعبت به حتى جعلته يضحي بنفسه من أجلها ، أكره تلك البغيضة ولن أبقيها على قيد الحياة مطلقا ً..
بلعت ريقي بتوتر ، أخشى أن أُكثر من الكلام فتبدأ هي بالإنفعال ويسوء حالتها ، ولكن في الوقت نفسه أريد منها أن تلغي فكرة القتل هذه ..
عادت شينا للإستلقاء ، وأنا نهضت متوجهاً نحو آلبرت وأشعر بالقلق على جوليا ..
سمعت آلبرت يقول حينها : لقد بدت صديقتك جادة فيما تقوله ..
-
لقد جنت بالفعل ، لا أصدق أنها ترغب بالموت إلى هذه الدرجة ..


سمعت شينا تقول : لو لم أتلمس الصدق في صوتها ماكنت لأوافق ، سأحقق لها ما تريده بعد أن أتعافى ..
قلت محاولا تغيير رأيها بشأن جوليا : شينا سأخبرك بأمر ما ، الشخص الذي سيتحمل تكاليف العملية هي جدة جوليا ، وجوليا من طلبت منها هذا ، إنها فتاة لطيفة وليست كما تظنين ..


صاحت حينها بغضب : لا تحاول أن تحسن من صورتها ، لا شك بأنها قد عبثت بعقلك كما عبثت بأخي ، تلك السافلة يبدو أنها ماهرة في خداع الذكور ..
قلت بإنزعاج وأنا أضيق عيني : ماذا تعنين بأنها عبثت بعقلي ؟؟ ليكن في علمك أنها مجرد صديقة وليس كما تعتقدين ، وأنا لا أحاول تحسين صورتها بل أقول الحقيقة وحسب ..

أشاحت شينا بوجهها بعيداً قائلة : أنا لا أهتم ، كل ما أريده هو أن أنتقم لأخي وحسب ..
فتحت فمي لأرد عليها لكن آلبرت رمقني بنظرة أمرني فيها بالصمت ، فعلت ما أراده والتزمت الصمت ..


بعد مدة من غياب جوليا عادت إلينا وقد أشارت لي بالعودة ، ودعت آلبرت وشينا ثم غادرنا المشفى معا ..
قلت مباشرة بعد ان صعدنا على السيارة : جوليا ألا تخشين أن يصل كراهية شينا لك إلى قتلك ..
ردت بإبتسامة غريبة : لا أمانع مطلقاً ..


نظرت إليها بغضب وقد استفزني إبتسامتها : أأنت مجنونة أم ماذا ؟؟ هل أنت بشرية حتى ؟؟ كيف لك أن تكوني هادئة إلى هذه الدرجة ؟؟ ألا تعرفين ما معنى أن تموتي ؟؟ وضعت يدها على خدها وقالت وكأنها تتحدث إلى نفسها : الموت شيء مخيف ، فأنت ستدرك أنك وبعد موتك ستفقد كل شيء في هذه الحياة ، أتساءل ما كان شعور شيبا والحارس حين ماتا ؟؟ أنا متأكد من أنهما كانا يريدان الحياة أكثر ، ولكنني ولأنني فتاة منحوسة جعلت من حياتهما قصيرة جداً ، إذاً أنا يجب أن ألحقهما ، هذه هي الوسيلة الوحيدة لأكفر عن أخطائي ، ولا شيء أفضل من الموت على يد إنسانة تبغضني على أفعالي ..


تمتمت بصدمة : جوليا ... ماذا بك ؟؟ بدت وكأنها لا تسمعني ، عيناها غارقاتان في الظلام تنظر إلى الفراغ ، وجهها مظلم بشكل غريب ، شفتاها تتمتمان بأمور غريبة ، لا يمكن أن تكون هذه جوليا ، مستحيل ..
حركتها بعنف محاولاً إيقاظها من عالمها الغريب ، لتنظر إلي بتفاجؤ وكأنها قد تناست وجودي ..


أبعدت يدي برفق بعد ذلك عن كتفها ، وقالت بهدوء : أعذرني لا أعلم ما أصابني ، لا تهتم بما قلته للتو ..
أوشكت أن أسألها عن ما تقصده لكنها كانت أسرع مني في التفكير وقالت : ياماتو أنا صديقة لك صحيح ؟؟ لا أظن أن علاقتنا ستتطور أكثر من هذا أليس كذلك ؟؟ أجبت بدون تفكير : نعم نحن أصدقاء ولكن لم السؤال ؟؟ أمالت رأسها قليلاً وقالت بإبتسامة : إذاً لا مشكلة لديك إذا ألغيت الخطبة فأنت على أي حال لا تريدني زوجة لك ..


شعرت بالإرتباك حينها وبدأت أتلعثم في كلامي : ماذا تعنين ؟؟ أقصد ليس الأمر وكإنني أرفض فكرة الإرتباط بك ، نحن أصدقاء ولكن لا بأس في الزواج على ما أعتقد ..
نظرت إلي بجدية قائلة : كن صريحاً معي يا ياماتو ودع المجاملات جانباً ، أنت لا تراني سوى مجرد صديقة صحيح ؟؟ أبعدت نظري عنها قائلا ًبهدوء : أنت صديقة مهمة ، ولست مجرد صديقة عادية ..
-
هل أكون مخطئة إذا قلت بأنك متعلق بفتاة ما ؟؟نظرت إليها بتفاجؤ وقلت بإحراج : ما هذا السؤال يا جوليا ؟؟ إبتسمت إبتسامة جانبية وقالت : ردة فعلك تثبت لي أنني محقة ، هذا جيد إذاً أنت لن تتأثر إذا قلت بأنني لا أراك سوى مجرد صديق أيضاً ، وفكرة الإرتباط لم تعجبني البتة ..
ثم أردفت بسرعة : ليس السبب في هذا أنني أرى أن فيك عيباً ، كل ما هنالك أنني لست مستعدة لهذا ، واليوم أدركت أنني سأموت قبل أن أتزوج هذا أفضل ..


قلت بذعر : جوليا ما الذي أصاب عقلك ؟؟ لماذا تتحدثين بتشاؤم هكذا ؟؟ ضحكت بتزييف : أنا أمزح أمزح ، المهم .. أنا لم أظن أبداً أن من السهل قول الصراحة ، لا أعلم أين كان عقلي حين تحدثت إليك ذلك اليوم في المنزل ، اللوم يقع عليك فأنت لو لم تكن تكذب علي حينها لما وافقت ..
نظرت إليها بإستنكاار : هي ماذا تعنين أن اللوم يقع علي ، أنت من أجبت أولاً ولهذا أنا من اضطررت إلى الموافقة ..
إبتسمت جوليا بصمت بينما نطقت بتردد : جوليا أنا لا أمانع حقاً في الزواج بك ، لا أريد أن أحطم مشاعرك أو شيء كهذا ..


إبتسمت إبتسامة عريضة أظهرت فيها صف أسنانها المتراصة بترتيب وقالت وهي تشير إلى وجهها : هل يبدو لك هذا الوجه متحطماً ؟؟ لا تكن مراعياً للناس كثيراً ، هذا مستقبلك وأنت من يجب أن تختار ..
تأملت وجهها لبرهة محاولاً أن أجد أي شيء يُظهر عكس ما قالته ، ولكنها بدت غير متألمة حقاً لهذا ، بل على العكس أشعر بأنها سعيدة لقولها الحقيقة..


مسحت على شعري قائلاً : كنت أحمق حين ظننت أنك متعلقة بي أو شيء من هذا القبيل كان يجب أن أثق بنفسي أكثر ، فأنا كنت أعلم أنك منجذبة لسوبارو ولو أنني وثقت بما أراه ما كنا لنضطر إلى مجاملة بعضينا ..
رفعت جوليا حاجبها الأيسر بإستنكار : أنا منجذبة لسوبارو ؟؟ لا أبداً مطلقاً ، لن يحصل هذا ولو بعد ملايين السنين ..
قلت بتفاجؤ : هل هذا صحيح ؟؟ يبدو أنني لا احسن قراءة مشاعر الآخرين ..


قالت جوليا : اسمعني بما أن الأمور قد اتضحت فهذا يعني أنه يجب علينا إلغاء الخطوبة بأي شكل كان ، وأنت حاول فرض رأيك على والدك وأنا سأفعل المثل مع جدتي ، لا أريد للحفلة التي سينظمها والدك نهاية هذا الأسبوع أن يحصل ..
-
لا مشكلة سأحاول أن أتحدث معه حتى يقتنع ، لكن يا جوليا ماذا بشأن جدتك ؟؟ أعني أنها قد تحاول إلغاء العملية إذا ما أغضبتها ..


أغمضت جوليا عينيها وكأنها لم تحسب حساباً لهذا ، ثم عاودت فتحه من جديد متمتمة : إذاً ماذا يجب أن نفعل ؟؟ حاولت عصر دماغي لآتي بحل ولكن لم يأت معي إلا هذا : لا خيار سوى أن ندع الموضوع يسير كما هو ، وبعد أن ينتهي كل شيء سنعلن رفضنا ...


ثم أكملت وأنا أعدل من وضعية جلوسي : أعلم أن هذا قد يُسيء لسمعة العائلتين وقد يولد الكراهية بين والدي وجدتك ، ولكن لا حل آخر ..
ردت جوليا وعيناها مثبتتان للأعلى : يبدو أنك محق ، ولكن هل الأمر لا بأس به معك ؟؟
-
لا مشكلة لدي ، فأنا أريد لشينا أن تتعافى أيضاً ..
-
إذاً سنسير على خطتك كما ذكرت ..


عدنا للصمت مجدداً قبل أن أنطق : جوليا أنا آسف على ما حصل يوم أمس في منزلك ، لقد فقدت أعصابي آن ذاك ولهذا فعلت ما فعلته أنا محرج من نفسي كثيراً ..
-
لا بأس ولكن لا تكرر فعلتك ثانية ، الشجار أمام الناس أمر مخجل ، ولكن لن ألومك فسوبارو مستفز للغاية ولا أحد يمكن إحتماله أحياناً ..


تمتمت بتردد : أممم اسمعي يا جوليا بما أنك جعلت الأمر يبدو كمسرحية متعمدة إذا أنت الوحيدة التي تعلمين أن ما حصل ليس كما قلت ، لهذا لا تُفشي سر سوبارو أرجوك ، على الرغم من أنني وعدته بعدم إخبار أحد إلا أن لساني قد زل في ذلك الوقت ..
نظرت إلي بحيرة : أي سر ؟؟
-
ألم تسمعي ما كنا نقوله وسط شجارنا ؟؟
-
لا لم أنتبه إلى ما كنتما تقولانه ..


زفرت براحة : هذا جيد ، فلو علمت بهذا فلا أظن أن سوبارو سيكون سعيداً ، ولكن أخبريني يا جوليا عندما تكونين غاضبة هل الكلمات التي تخرج منك يمكن أن يكون كذبة ؟؟
-
أنا لا أعلم ما تقصده بسؤالك هذا ، ولكن في العادة عندما يغضب المرء فلا أظن أن هناك فرصة في أن يكذب ، بل على العكس إنها فرصة في إخراج كل ما في داخله من مشاعر ..


شردت بعيداً بأفكاري حين سمعت هذا الجواب ، إذاً سوبارو لم يكن يكذب ، نعم أنا واثق ، ولكن لماذا أخفى والدي الحقيقة عني ؟؟


^^


الراوي


اقتحم الغرفة بقوة وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة ، ينظر إلى ذلك الكائن الصغير وسط السرير الكبير ..
نقل بعينه إلى الطبيب الواقف بجوارها وقال بصوت متقطع : كيف .... حالها ... الآن ؟؟ نظر إليه الطبيب بحزن قائلاً بشيء من التردد : أنا آسف يا سوبارو ، لم أستطع إنقاذها ..
كان الخبر كالصاعقة التي ضربته وشقته لنصفين ، ولكنه لم يُرد تصديقه ، ولهذا سار نحو والدته وأخذ يهزها قائلاً : أنت تكذب أمي نائمة فحسب ، أمي استيقظي ..


كل ما حاول إيقاظها كان الصمت والسكون هو الجواب ولا شيء آخر ، حينها بدأ الخوف يتسلل شيئا فشيئا إلى قلبه ، لدرجة أنه بدأ يهز ذلك الجسد الساكن لإنكار الواقع : أمي أرجوك أستيقظي ، لن أغضب إذا صرخت علي ، لا يهمني إن أحببتني أو لا ، المهم أن تستيقظي ، أمي أرجوك أفيقي ..
كان يحاول إيقاظها بعنف ولهذا أمسك به السيد روكاواا الذي يراقبه بحزن ، وقال بهدوء : سوبارو أنا آسف ولكن يجب أن تتقبل الواقع ..
أبعد يده بعنف وقال بغضب : أصمت ، أمي يستحيل لها أن تموت هي فقط لا تريد رؤية وجهي لذا لا تريد أن تفتح عينيها ..


ثم أعاد النظر إليها وقال بصوت مرتعش : أمي أستيقظي أقسم أنني سأحضر ياماتو لك ، هيا أرجوك ...
صمت قليلاً وكأنه ينتظر جوباً من والدته التي أصبحت جثة هامدة ، ولكن بعد أن طال صمتها تحدث مجدداً وهو يرسم إبتسامة مرتبكة : إذاً أنت لن تصدقيني ، حسنا سأتصل به الآن وسأطلب حضوره ..

إلتفت إلى السيد روكاوا وقال وهو يمد يده : أعطني هاتفك حتى أتصل بياماتو ، أنا واثق من أن والدتي ستستفيق حالما تسمع صوت إبنها الحبيب ..
نظر إليه روكاوا بشفقة حينها صاح سوبارو في وجهه : قلت أعطني هاتفك ألا تفهم ؟؟ أعطاه روكاوا هاتفه بما أن سوبارو قد أبقى هاتفه في المنزل ، أخذ سوبارو يبحث عن اسم ياماتو بشكل جنوني وفور رؤيته لإسمه إتصل عليه ..


بدى وكأن الثانية تساوي دهراً ، على الرغم من أنه لم ينتظر إلا دقائق إلا أن سوبارو كان يشعر ببطء الوقت ، بعد عدة دقائق رد ياماتو أخيراً لينطق سوبارو مسرعاً : إسمع أيها اللعين تعال إلى هنا بسرعة قبل أن أقتلع رأسك ..
رد ياماتو الذي كان في سيارة جوليا آن ذاك بحيرة وقد عرف صاحب هذا الصوت : أين هنا بالتحديد ؟؟ أخذ سوبارو يصف المكان بعشوائية من شدة توتره ، وحين عجز عن وصفه بشكل جيد ألقى بالمهمة للسيد روكاوا الذي دلهم بشكل دقيق ..


كان سوبارو ينتظر قدوم ياماتو ظناً أن والدته ستفيق عند سماعها لصوته وستتحسن فور رؤيتها له ، كان يجلس بجوار والدته أثناء الإنتظار ويتحدث مع والدته كما لو أنها تسمعه ..
من خلفه كان يقف طبيب والدته وروكاوا الذي يرمقانه بشفقة ، هو لم يتحدث إلى والدته قط بهذه الطريقة ، دائماً ما كان يتحدث إليها ببرود وأحياناً بغضب ..

لكن هذه المرة كان يتحدث إليها برقة وبصوت مرتعش على غير العادة ، وعلى وجهه إبتسامة مرتبكة ..
نظر الطبيب إلى روكاوا وقال هامساً : هل سنتركه هكذا ؟؟ أجاب روكاوا : هو مصر على أنها ستستيقظ إذا قابلت ياماتو ، لندع ياماتو يأتي حتى يتقبل الواقع ..

نزل السيد روكاوا لإنتظار ياماتو واستقباله ، مرت عشر دقائق ولم يأتي ياماتو بعد ، استشاط حينها سوبارو غضباً ، ولم يترك شتيمة إلا وقد شتم بها ياماتو المسكين الذي لازال في طريقه إليهم ..
مر الوقت ببطء شديد بالنسبة لسوبارو ، ولكن في الحقيقة لم يستغرق وصول ياماتو سوى ربع ساعة ..


توقفت السيارة التي بها ياماتو وجوليا أمام المنزل ، ياماتو ينظر إليه بحيرة ، فهو قد رأى منزل سوبارو سابقاً ، ولهذا يتسائل في نفسه عن صاحب هذا البيت ..
لمح روكاوا السيارة المتوقفة ، وسار بإتجاهها ، طرق نافذة المقعدد الخلفي ، ليخرج ياماتو بعد رؤيته لروكاوا ، وطلب من جوليا الإنتظار ..
قبل أن يسأل ياماتو أي شيء سحبه روكاوا وقاده نحو الغرفة التي بها ميدوري ..

حاول ياماتو أن يسأل روكاوا عن ما يحصل ولكن الآخر لم يجب ، وعندما وصلا إلى الغرفة قال روكاوا أخيراً مخاطباً سوبارو : لقد آتى ياماتو ..
إلتفت إليه سوبارو بسرعة ثم وقف مندفعاً إليه ، فزع ياماتو حين رأى تصرفه هذا وظن أن سوبارو ينوي الهجوم عليه ..

أغمض عينه بفزع ولكنه تفاجأ حين جره سوبارو نحو السرير ، وقع عينه على تلك المرأة التي بدت مألوفة له ، لكن ما نطق به سوبارو كانت صدمة كبيرة له : أمي ها هو إبنك الحبيب بجوارك ، لهذا استيقظي أرجوك ، لم يعد هناك سبب لتبقي كما أنت ، حان الوقت لتتحسني يا أمي ..
ثم إلتفت إلى ياماتو قائلاً بنبرة آمرة وغاضبة : تحدث لتُسمعها صوتك أيها اللعين ..


كانت صدمة ياماتو أكبر من أن يُمكنه من التحدث ، هو لم يتقبل بعد فكرة أن والدته لازالت على قيد الحياة ، وها هو ذا سوبارو يجره بقربها ..
نظر إليها بعيون تائهة ، لا يكاد يُصدق أن هذه الجثة الهزيلة والضعيفة والشاحبة يُمكن أن تكون والدته ، تحدث بنبرة خالية من المشاعر كما لو أنه رجل آلي : هل هذه هي أمي يا سوبارو ؟؟ لم يُعر سوبارو لسؤاله أي إهتمام ، فتركيزه الآن منصب نحو والدته آملاً أن تفتح عينيها في أية ثانية ..
بينما ياماتو ينظر إلى يدها بتردد ، شيء ما في داخله يحثه على الإمساك بيدها البيضاء ، لم يقاوم رغبته وبيد مرتعشة أمسك بها أخيراً لتسري في جسده قشعريرة من برودة أطرافها ..
همس بصعوبة والدموع متحجرة في عينه : أ..أمي ، أنت أمي ..

لم يعد يتحمل روكاوا رؤيتهما يحاولان إيقاظ جثة فارقت روحها منذ مدة ، ولهذا قال بعد أن وضع يده على كتفي سوبارو وياماتو : مهما حاولتم إيقاظها فلن تستجيب لكم ، لقد توفيت ويجب أن تتقبلوا الأمر ..

دفعه سوبارو بغضب : أصمت أنت ، يستحيل لأمي أن تموت الآن ، هي فقط تتظاهر بذلك ..
أما ياماتو فقد تجمد في مكانه ، وانزلقت يد والدته الباردة من بين أصابعه ، حاول ترجمة كلمات روكاوا في عقله ، ولم يفق من شروده إلا على صرخة سوبارو : إلى متى ستستمرين في تمثيل هذه المسرحية الغبية ، أستيقظي أرجوك ، ها قد خضعت لرغبتك وأحضرت ياماتو لك ، ماذا تريدين أكثر من ذلك ، أستيقظي بسرعة ، إذا لم تستيقظي فسأقضي على ياماتو ..


لم يستطع الطبيب رؤية سوبارو بهذا الحال ، إنه يحاول أن يخدع نفسه مع أنه من الواضح أن والدته لم تعد على قيد الحياة ، أمسك به وحين استدار سوبارو إليه فاجأه بصفعة قوية على وجهه طرد فيها أوهامه ..

الصفعة جعلته يدرك أنه في الواقع ، نظر إلى روكاوا بعيون زائغة ، ثم نهض من مكانه بهدوء متوجهاً نحو الطبيب ..
عندما اقترب منه إمسكه من ياقة ملابسه بعنف ، ثم صاح في وجهه : لماذا ؟؟ لماذا لم تنقذها ؟؟ ألم تقل أن الوقت الباقي لبقائها على قيد الحياة هو ثلاثة أشهر ؟؟ إذا لماذا توفيت الآن ؟؟ أكنت تخدعني أم ماذا ؟؟ لازال الوقت مبكراً على موتها ، ما الذي حصل ؟؟ تحدث ..


أشاح الطبيب ببصره بعيداً وقال بهدوء خوفاً من أن يفقد سوبارو أعصابه أكثر : نعم لقد قلت هذا ، ولكن الحالة النفسية التي كانت فيه عجل من موتها ، أنا آسف لم أكن أعلم أن حرمانها من مقابلة إبنها سيؤدي إلى موتها مبكراً ..

دفعه بقوة والتفت إلى ياماتو الذي لازال جالساً في مكانه بصدمة ، ثم جذبه ليوقفه على قدميه وصاح بوجهه : إذاً أنت هو السبب أيها الطفل المدلل ، لو لم تتعلق أمي بك لما حل بها المرض ولما توفيت ، لو لم تكن أحمقاً وتصدق كذبة والدك حول موتها ماكانت لتفارق الحياة باكراً ، أنت السبب أيها الحقير ، أنا كنت أكرهك والآن زاد كراهيتي لك أضعافاً مضاعفة ، لماذا لم تمت أنت عوضاً عنها ؟؟ تحدث أيها اللعين ، لا تبقى صامتاً هكذا ، تكلم قبل أن أوسعك ضرباً أيها الغبي ..

بعد صراخ سوبارو على وجهه جعله أخيراً يستوعب ما يحصل ، فتح فمه محاولاً النطق بحرف واحد ، ولكن صوته رفض الخروج ، ولم يستطع سوى إنزال دمعة ساخنة تحمل الكثير من المعاني ، تلتها شلالات من الدموع التي انسابت على وجنتيه بصمت تحكي مشاعره ..

دفعه سوبارو بفزع حين انسكبت دموعه ، بدأت أطرافه بالإرتعاش لسبب غريب ، هناك طاقة كبيرة في داخله ولا يعلم كيف يُخرجها ، هو ليس كياماتو الذي يُعبر عن حزنه بسهولة ، لم يجد طريقة يفرغ فيها هذه المشاعر سوى الغضب ..


أخذ يدور حول الغرفة بطريقة جنونية ، يُلقي باللوم على الجميع من دون إستثناء ، يرى بأن من حوله جميعاً هم السبب في موت والدته ، يصرخ على الطبيب تارة وعلى ياماتو المنهار تارة أخرى ، حتى روكاوا لم يسلم منه ..
استاء روكاوا من الوضع ، فصاح بوجهه بعصبية : كف عن إلقاء اللوم علينا ، لماذا تحاول الإستمرار في خداع نفسك ؟؟ أعلم حق المعرفة أنك تعلم في قرارة نفسك بأنك الملام الوحيد فيما يحصل ، ألست أنت من حاول منعي من إخبار ياماتو وهددت الجميع إذا ما تفوهوا بأي شيء بهذا الشأن ، إذاً كف عن ...


لم ينهي روكاوا كلامه إلا وقد انقض عليه سوبارو مانعاً منه إكمال كلامه ، لا يريد أن يسمع الحقيقة ولهذا انهال عليه بالضرب بقسوة ..
فزع الطبيب من رؤية سوبارو بهذا الشكل ، فحاول إبعاد سوبارو عن روكاوا ، وطلب من روكاوا تثبيته على الأرض ، ثم وخزه بإبرة مهدئة جعله يغرق في النوم ..

وقف روكاوا ومسح الدم الذي سال من فمه بكم قميصه ، ثم قال للطبيب وهو يحدق في سوبارو : أشعر بالأسف تجاهه ..
-
ليس هو وحده ، بل وحتى هذا الشاب أيضاً ..


إلتفت روكاوا إلى ياماتو الذي تناسى أمره تماماً ، فإذا به يراه جالساً بجوار والدته محتضنا جسدها الهزيل والدموع تنزل بلا صوت ، وعيناه الساحرتان قد اختفى بريقها وأصبح فارغاً ..
أمسك بهاتفه وقال بهدوء : على الرغم من أنني أكره هذا ولكن يجب علينا إحضار السيد كودو إلى هنا ليعلم بوفاة زوجته السابقة ..




.
.


كانت صدمة كودو مضاعفاً بعد إتصال روكاوا ، صدمة موت ميدوري زوجته السابقة والصدمة الأخرى معرفة ياماتو بالأمر وتواجده هناك ..
الكثير من التساؤلات تراوده الآن ، أهمها كيف علم ياماتو بموضوع والدته ؟؟ صعد السيارة وأمر السائق بإيصاله إلى المكان الذي أخبره به روكاوا ، وطلب منه الإنطلاق بأقصى سرعة ..


عقله مشوش وقلبه مضطرب ، كان يرغب في الوصول إلى هناك باقصى سرعة ، وفي الوقت نفسه هو خائف من مواجهة ياماتو الذي كذب عليه ثمان عشرة سنة ..
لم يشعر بطول الطريق لإنغماسه في التفكير ، وما أيقظه من شروده كان صوت السائق ..

ترجل من السيارة بمظهر واثق عكس المشاعر التي في داخله ، ولم يلقي بالاً بالسيارة التي كانت أمامه والتي تعود إلى السيدة موتسومي ، والتي كانت جوليا فيه منتظرة ياماتو الذي أتت معه إلى هنا ..


عندما لاحظت جوليا قدوم كودو طلبت من سائقها المغادرة بما أن والد ياماتو قد أتى ، وهو يستطيع العودة معه ، ولهذا لاداعي للإنتظار ..


قابل كودو روكاوا أمام المدخل ، لينطق فور رؤيته له : هل أنت من اتصل بي ؟؟ أدار روكاوا ظهره بإتجاهه وقال : نعم ، تعال واتبعني ..
قاده روكاوا إلى غرفة ميدوري ، ليتفاجأ من منظر إبنه الذي يبكي بصمت ووجهه محتقن بالإحمرار بشكل مرعب ، هرع إليه بقلق متمتماً : ياماتو ما بك ..
رفع ياماتو بوجهه إلى والده بعينان ذابلاتان ، ونطق بصعوبة بشفتين جافتين : لماذا .... كذبت علي ؟؟ آمي توفيت .... قبل أن .. أتمكن من التحدث ..... معها ..


أغمض عينه بألم ، لقد كُشفت الحقيقة ، إذاً ياماتو لن يكف عن سؤاله عن سبب كذبه ، ولكنه حقاً لم يكن يرغب أن يعرف ياماتو عن ماضي والدته المظلم ..

أمسك بيده محاولاً إيقافه وقال : لنغادر يا ياماتو ، لا يجب أن تبقى هنا أكثر ..
لم ينصاع ياماتو لرغبته ، أراد أن يبقى مع والدته للمدة أطول ، يكفي أنه قد حُرم منها لسنوات طويلة ، لذا بقي متشبثا بوالدته بقوة ..
اغتاظ كودو من تصرف إبنه ، ولكن ابنه الآن ليس في وضع يسمح له بالصراخ في وجهه ، إلتفت إلى روكاوا وقال بحدة : لدي سؤال كيف علم إبني بمكان ميدوري ؟؟ أجاب الآخر ببرود وهو يرمقه بنظرات استحقار : ولماذا لا نخبره ؟؟ حرمت ابنك من رؤيتها حية ، وتريد الآن منعه وهي ميتة ؟؟ ليكن في علمك أنك أيها الظالم السبب في موتها ، بعد أن حرمتها من إبنها البكر أصيبت بالكآبة وأخذ جسدها بالضعف حتى أصابتها الأمراض المزمنة الواحدة تلو الأخرى ، وفي النهاية ماتت قبل أن تحقق حلمها في رؤية إبنها ، أنت شخص حقير للغاية ..


كلمات روكاوا جعل كودو يستشيط غصباً فصاح بوجهه بعصبية : لا تتحدث وكأنها المسكينة هنا ، تلك السافلة لا تستحق البقاء حية ، كان يجب عليها أن تموت منذ زمن ، لتكن ممتنة أنني منعتها من ياماتو ولم ألقي بها في السجن أو أقتلها بيداي هاتان ، ثم من أنت ؟؟ لا شك بأنك أحد المخدوعين بها ..
-
لا أعلم ما تعنيه بأحد المخدوعين ، ولكنني صديق لها ولزوجها الراحل ، وأعلم بالقصة كاملة ، وأدرك كم أنك شخص حقير ومخادع ، على الرغم من أنها دعمتك وساندتك لتصل إلى ما وصلت إليه الآن ، إلا أنك تصرفت معها بدناءة وغرور وطلقتها بعد أن فرغت منها ، كم أنت رجل ناكر للجميل ..


نظر إليه كودو بإستنكار وقال : من ساند من ؟؟ يبدو أنك مخدوع بها حقاً ، تلك اللعينة لم تتوقف عن تلفيق الأكاذيب حتى بعد أن لقنتها درساً ، تستحق الموت حتى تتوقف عن ألاعيبها الخبيثة ..
لم يرد عليه روكاوا فقد كان منشغلاً بالتفكير فيما قاله كودو للتو ، لقد أخبره سوبارو قبلاً بأن القصة التي يعرفها ليست حقيقية ، ولكنه لم يصدقه ، والآن ها هو كودو يتهم ميدوري بالكذب والخبث ، هل يعني هذا أنه قد تم التلاعب به ؟؟ لم يعد يصدق أحداً ، تمنى لو تعود ميدوري للحياة لدقائق حتى يسألها عن الحقيقة ، ولكن التمني لن يجدي نفعاً ، فميدوري رحلت ولن يستطيع سؤالها أي شيء ، إذاً الوحيد الذي تبقى هو إبنها الثاني سوبارو الذي تم حمله إلى غرفته القديمة ..
ألقى كودو نظرة على جثة زوجته السابقة والتي بين أحضان ابنه ، صحيح أنها ذابلة الآن وشاحبة الوجه ، إلا أن جمالها لم يتغير ، أخذ يتأملها ويسترجع ذكرياته السابقة معها ، كان مخدوعاً بهذا المظهر الملائكي ، ولم يدرك حقيقتها إلا متأخراً ، هذه المرأة جميلة من الخارج ولكنها فاسدة من الداخل ..
رمقها بنظرة ألم ، فعلى الرغم من كل ما قامت به لازال يشعر بالحزن عليها ، ولكن في الوقت نفسه يرى بإنها تستحق المعاناة التي مرت به ..
اتصل على مجموعة من رجاله وأمرهم بالحضور لأخذ ياماتو الذي يرفض المغادرة ، وبعد مجيئهم قاموا بجره إلى السيارة رغم مقاومته الفاشلة ..


مر على موت ميدوري ثلاثة أيام ، والحزن لا يزال مخيماً على سوبارو الذي يرفض الواقع ، وياماتو الذي لا زال يبكي بصمت في غرفته ويرفض مقابلة أحد وبالتحديد والده ..

روز وجوليا لا تعلمان بما حصل لسوبارو ، ولكنهما كانا يعلمان بخبر موت والدة ياماتو عن طريق السيدة موتسومي ، ولكن حتى الآن لم يذهبا للقاءه بسبب ما سمعاه بأن ياماتو يرفض مقابلة الأخرين ..

غياب سوبارو عن المدرسة زرع الشك في نفس جوليا ، ما حصل لياماتو مرتبط بغياب سوبارو بلا شك ، ففي اليوم الذي يسبق خبر موت والدة ياماتو كان سوبارو من اتصل بياماتو وطلب منه الذهاب إلى منزل أحدهم ، وفي الصباح وصلها خبر موت والدته.
الغريب أن ياماتو أخبرهم أن والدتهم متوفاة منذ زمن والآن يكتشفون أنها لم تمت إلا مؤخراً ، سألت جوليا جدتها عن الأمر ، ولكن حتى السيدة موتسومي لم تكن تعلم شيئاً عن والدة ياماتو ..

في المدرسة كانت روز تحاول إقناع جوليا بزيارة ياماتو في منزله ، ولكن جوليا أخبرتها بأن تؤجل الزيارة لوقت آخر ، فقد سمعت من والده أنه يرفض مقابلة أحد، وهو دائماً يحبس نفسه في غرفته ، ولم يفق بعد من صدمته ، وأخبرتها بأنه من الأفضل زيارته عندما يتحسن حالته ..
نظرت إليها روز بإستياء وقالت : وكيف تريدين منه أن يتحسن إذا كان وحيداً ؟؟ لا بد من وجودنا معه لنخرجه من حزنه ..
-
أنا لو كنت مكانه كنت لأنزعج من وجود الآخرين حولي ، أحب أن أكون وحيدة في مواقف كهذه ..
-
أنت قلتها بنفسك هذه أنت ولست ياماتو ، الجميع لا يفكر مثلك يا جوليا ، فأنا لم أكن لأتخطى صدمة موت عائلتي لو لم تكونوا معي ..


صمتت جوليا قليلاً تفكر فيما قالته روز ، ثم قالت بإستسلام أخيراً : حسناً كما تريدين ..
ابتسمت روز بسعادة ، بينما تابعت جوليا بنبرة يتخللها المكر : ولكن لماذا أنت مصرة على زيارة ياماتو وحسب ؟؟ لا تنسي أن سوبارو الأقرب لنا لم يحضر إلى المدرسة قبل ثلاثة أيام ، ونحن لا نعلم ما حصل له حتى الآن ..

ردت روز بتلعثم : ومن قال بأنني أهتم بياماتو وحسب ؟؟. حتى سوبارو مهم والدليل أنني ذهبت إلى منزله يوم أمس ولكن يبدو أنه لم يكن في منزله آن ذاك ولهذا غادرت ..
-
كيف تعرفين عنوان منزله ؟؟ لا أذكر أنه ذكر لنا هذا قبلاً ..
ـ لقد ذهبنا إلى منزله عدة مرات عندما كنت مختطفة ، المسكين إنه يعيش وحيداً في منزل صغير وقديم ، يبدو أنه فقير للغاية ..

لم تعلق جوليا على ما قالته ، لو لم تقل روز ما قالته للتو كانت لتظن أن المنزل الذي ذهبت إليه سابقاً قبل موت والدته هو منزل سوبارو بما أن سوبارو من اتصل به ذلك الوقت وطلب حضوره ..

اقترحت جوليا زيارة سوبارو أولاً ثم ياماتو ، ولم تمانع روز ذلك ، فهي أيضاً تريد الإطمئنان عليه ..
بعد انتهاء الدوام المدرسي استعد الإثنان للمغادرة ، ولكن وبينما هما يسيران في رواق المدرسة قابلهم المدير الذي قال فور رؤيتهم : مرحباً يا فتيات ..
ردتا التحية ليقول بعدها : لقد تغيب سوبارو عن المدرسة لثلاثة أيام متواصلة صحيح ؟! هل تعلمان السبب ؟؟ حركت روز أكتافها للأعلى مجيبة : لا نعلم حقاً السبب ، ولكن ربما يكون مريضاً أو ما شابه ، نحن الآن في طريقنا إليه للإطمئنان عليه.


هز كازوما رأسه وهو يتمتم بصوت خافت : لا أظن أنكما ستجدانه ..
قال بإبتسامة وهو يعيد صوته إلى ماكان عليه : أوصلا له سلامي إذا رأيتماه ..
كان المدير على وشك إكمال طريقه لكن جوليا أمسكت بيده وهي تقول : هل حقاً لا تعلم ما حصل لسوبارو سيد كازوما ؟؟ رفع حاجبه بتعجب : ماذا تعنين يا جوليا ؟؟
-
ألست أنت المدير الذي يعلم بأدق التفاصيل حول كل طالب هنا ، لا أظن أن سبب غياب سوبارو سيخفى عليك ..
-
حاولت الإتصال به مراراً وتكراراً ولكنه لم يرد علي ، ولهذا لم أستطع أن أعرف ما به ، أنا سأحملكما مهمة الإطمئنان على صديقكما ..


تركته جوليا بينما قالت روز : بالمناسبة هل تعلم بأن والدة ياماتو قد توفيت قبل ثلاثة أيام ؟؟ بدى عليه التفاجؤ وهو يقول : ماذا ؟؟؟ حقاً !! لم أعلم بهذا ، في الواقع كنت أظن أنها متوفية منذ زمن ، يبدو بأن المعلومات التي كانت لدي خاطئة ..
-
لست أنت وحدك أيها المدير ، فنحن جميعاً ظننا ذلك ، وياماتو بنفسه هو من أخبرنا بهذا ، ولكننا تتفاجأنا حين سمعنا بأنها لم تكن كذلك ولم تتوفى إلا قبل عدة أيام.
-
هذا غريب حقاً ، على آي حال كيف هو حال ياماتو الآن ؟؟ أرجو أن يكون بخير ..


كسى الحزن على ملامح روز لتقول بهدوء غريب : المسكين إنه متأثر للغاية بالتأكيد ، فموت أحد أفراد الأسرة أمر صعب القبول ..
وضع يده على كتفها بعد أن أحس بنبرة الألم الذي في صوتها بما أنها جربت هذا ، ثم قال بإبتسامة ليبث الطمأنينة في نفسها : أعلم أن هذا صعب،. ولكن إن كان هناك أشخاص حوله يساندونه ، فه سيتخطى هذه المحنة بالتأكيد ..
ابتسمت روز حينها وقالت بعد أن عادت إلى مرحها المعتاد : هذا بالضبط ما قلته لجوليا ، يبدو أنك كنت تتنصت إلينا ..
رد الإبتسامة وقال : ربما من يعلم ، حسناً لن أؤخركما أكثر ، تستطيعان الذهاب .

غادرت الإثنتان معاً بسيارة جوليا ، وكانت روز تدلهم على مكان منزل سوبارو ، بعد أن وصلتا حاولتا طرق الباب ولكن أحداً لم يفتح لهما ، ارتابت جوليا من الأمر ، وسألت أحد الجيران عن سوبارو ..
ليقول جاره العجوز : في الواقع لم أرى ذلك الفتى منذ عدة أيام ، أعني أنه لم يعد إلى هنا منذ مدة ..

دب القلق في قلبيهما ، وشعرا بالخوف عليه ، أين يمكن أن يختفي ؟؟ ولماذا لم يعد إلى منزله حتى الآن ؟؟ لاحظ الجار العجوز قلقهما فقال : هذه ليست المرة الأولى التي يغيب فيها عن منزله لأيام ، لا تقلقا فهو دائماً هكذا ..


تبادلت الفتاتان النظرات الحائرة ، وتسائلتا إن كان يجب القلق على سوبارو أم لا ، اقترحت جوليا أن يلقيا نظرة على منزله مرة أخرى في الغد ، وإذا لم يعد فربما ستضطران إلى إخبار الشرطة بالأمر ..


توجهتا بعد ذلك إلى منزل ياماتو ، وبعد أن علم كودو بحضور حفيدة موتسومي ، نزل إلى الحديقة منتظراً قدومها ، عندما وصلتا قال مرحباً وهو ينظر إلى جوليا : مرحباً بك يا جوليا ، أنت هنا لزيارة ياماتو أليس كذلك ؟؟ ابتسمت جوليا في وجهه مجاملة وقالت : نعم يا عمي ، وصديقتي روز أتت معي أيضاً ، أرجو ألا تمانع وجودنا ..


نظر كودو إلى روز نظرة تفحصية ، هذه هي الفتاة التي احبها إبنه ، حسناً إن ملامحها ليست سيئة مطلقاً ، هي تمتلك ملامح حادة وجذابة عكس جوليا صاحبة الوجه الطفولي ، وليكون صادقاً روز تبدو أجمل من جوليا وربما كان هذا السبب في حب ياماتو لها ..
ارتبكت روز من نظراته فاختأبت خلف جوليا بخوف ، حينها أنتبه كودو على نفسه وقال بهدوء : لا أمانع مطلقاً ، تفضلا ..
سارت الفتاتان خلف كودو الذي كان يصف حالة ياماتو ، وكيف أنه يرفض مقابلة الآخرين ، ويرفض الخروج من الغرفة ..


وقفوا ثلاثتهم أمام باب غرفته ، استدار كودو إليهم وقال : كم سأكون ممتناً لو استطعت إخراجه من حالته هذه يا جوليا ، فكما تعلمين حفلة إعلان الخطوبة بعد يومين ، إذا لم يتحسن فنحن سنضطر لتأجيله ..
تفكير كودو لم يعجب جوليا ، بينما روز كانت متفاجئة مما سمعته ، ولكن وبما أنها حمقاء سألت محاولة التأكد مما سمعته : أذكرت للتو سيرة خطوبة أم أنني كنت أتخيل ؟؟ قال وهو يرمقها بنظرات مقصودة : لا لم يكن خيالاً ، فأنا وجدة جوليا اتفقنا على تزويجهما ببعض بعد تخرجهما مباشرة ، وهما قد وافقا على ذلك ..


شعرت روز كما لو أن أحدا سكب عليها سطل من الماء البارد ، الخبر قد هزها لسبب ما ، لم تفهم سبب الألم الذي أصابها فجأة في قلبها ، أحست جوليا بصدمة صديقتها فأمسكت بيدها وقالت بهدوء : عمي لا أظن أنه من الجيد التحدث في مواضيع كهذه في الوقت الحالي ، أرجو أن تكون مراعياً لمشاعر ياماتو الذي فقد والدته قبل عدة آيام فقط ..
ابتسم كودو في وجهها وقال : أنت فتاة مراعية حقاً ، أنا سعيد لأنك خطيبة ابني ..


لم ترد جوليا عليه على الرغم من أنها كانت مغتاظة من كلامه ، فتح كودو باب غرفة ياماتو بالمفتاح الذي يحوزته ، وقال : تفضلا بالدخول..

دخلت روز أولاً بسرعة وجوليا من خلفها ، كان المكان مظلماً للغاية ، والجو في غاية البرودة ..

بدأت جوليا بتلمس الجدار بحثا عن مفتاح الضوء ، وحين وجدته أشعلت المصابيح ليتضح لهم مكان ياماتو الذي كان نائماً على سريره واللحاف يغطيه بالكامل ..


نهاية الفصل ..

التعديل الأخير تم بواسطة وردة المـودة ; 03-23-2017 الساعة 09:48 AM
رد مع اقتباس