عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 03-18-2017, 02:19 PM
 




الفصل الرابع : يـآقـوت ~
.
.
الساعة الرابعة و النصف بعد منتصف الليل، و في أرض لندن الرطبة التي تفوح برائحة المطر،
تسير سيارة فاخرة يصعب تمييز لونها الأزرق الداكن في هذا الظلام الدامس،
يقودها صاحب التسريحة المرتبة، شامشير الذي يرتدي بذلته زعفرانية اللون بطريقة غير منظمة كعادته،
يشغل الجانب الأيسر من المقعد الخلفي تايغر الذي يظهر بوضوح رغم الظلام بسبب لباسه الأبيض الناصع،
شارد الذهن، يحدق في الفتاة المقيدة التي يتكئ خدها الشاحب على زجاج النافذة اليمنى المضبب،
بدت مغمى عليها، و كانت معصوبة العينين، أُلصق على فمها شريط أسود يمنعها من التفوه بكلمة في حال استيقظت فجأة.
شامشير، بعد لحظات طويلة من التساؤل و التردد، قرر أخيرا أن ينطق، مخاطبا تايغر بهدوء : " أظن أنك ربما تسرعت قليلا "
تايغر الذي لا يزال ذهنه شاردا و بصره مشوشا قال بلا مبالاة : " ماذا ؟ "
أخذ شامو نفسا عميقا و كرر بصوت أعلى بقليل : " أظن بأنك تتسرع فيما تفعله "
أعادت هذه الكلمات تايغر إلى أرض الواقع، فرد و هو ينظر إلى السائق من مرآة السيارة : " و لم تظن ذلك ؟ "
فقال شامو و قد اصبح أكثر ترددا :
" في البداية قلت بأن العبث مع مالك ليس بالأمر السهل، حتى إنك أردت أن تهتم بالقضية اهتماما خاصا، لكن الآن... "
تحولت نبرة صوته إلى نبرة حائرة، لا يعرف إذا كان ما سيقوله صحيحا أم لا، لكنه أكمل رغم ذلك :
" لا أعلم ما الذي حدث لك، لقد أصبحت أقل حذرا ! "
رفع تايغر حاجبيه و هو يسأل : " أقل حذرا ؟ منذ متى ؟ "
فرد شامو من فوره :
" منذ أردت اختطاف الفتاة ! أردت أن يتم ذلك بأسرع وقت دون تفكير ! و دون أن تسمع حتى المعلومات التي أردت إخبارك بها ! "
قال تايغر منفعلا و بصوت عال : " لكن الأمور تسير على ما يرام الآن أليس كذلك ؟ ! "
أجاب شامشير بصوت أعلى : " لست واثقا بهذا أيضا ! "
تحول الصمت القاتل الذي ساد المكان لفترة إلى محادثة حادة فجأة، بل هي أقرب إلى جدال بين صديقين في الإعدادية.
بعد مرور عدة دقائق، حيث كان الرجلان يثرثران بلا توقف، قال شامو الذي أصبح جادا و حازما أكثر من أي وقت مضى :
" مالك سيقوم بشيء ما ! لا تتوقع منه أن يطيع أوامرك حرفيا و يثق بوعدك ! "
عندما فهم شامشير ما كان تايغر على وشك أن يقوله بسخط، سارع بإضافة : " و أنا أعلم بأنك ستفي به ! "
تجمد تايغر في مكانه، أخرسا، غير قادر على التفكير برد مناسب، فأشاح بنظره إلى الفتاة من جديد واضعا أصابعه على شفتيه.
بعد لحظات من الصمت، و دون أن يبعد ناظريه عن فيزا، قال بصوت يكاد لا يكون مسموعا :
" مكان و وقت اللقاء من اختياري، رجالي موجودون هناك لحراسته و تفتيشه، فما الذي يمكن أن يفعله ؟ "
رد شامو بهدوء و صبر : " ربما لا يفعل شيئا بحضوره، لكنه قد يفعل الكثير بعدمه "
علا صوته أكثر ليتأكد من أن تايغر يسمعه جيدا و هو يقول : " قد يقرر أن يلعب لعبتك نفسها ! "
ضحك تايغر ضحكة قصيرة لا فرح فيها على الإطلاق، و ابتسم ابتسامة باردة، ثم أجاب :
" ما الذي تقوله ؟ ليس و كأن لدي ما أهتم بشأنه... "
أطبق فمه بشكل مفاجئ و كأنه صُفع صفعة قوية أفقدته القدرة على الكلام،
كان واثقا جدا بنفسه، ثقة زائدة، لدرجة أنه غفل عن أمر غاية في الأهمية،
بالكاد تراءت له تلك المشاهد الفظيعة في مخيلته حتى رن هاتفه فجأة ليسكر الصمت الذي لم يدم طويلا،
و يجعل تايغر يضرب برأسه سقف السيارة، فهو لسبب غير معروف شعر بأن عليه الوقوف عند سماع ذلك الصوت.
تناول هاتفه من جيبه بيده اليسرى بينما يفرك رأسه باليد الأخرى في محاولة لتقليل الألم،
توقف الرنين بسرعة، فلم يكن ذلك اتصالا بل رسالة نصية، و المرسل...
" جافر مالك ! " صرخ تايغر بعد رؤية اسم المرسل، أغلق عينيه و أخذ نفسا عميقا،
كان خائفا بشكل غريب من قراءة محتوى الرسالة، لكن الفضول و القلق سيطرا عليه،
ففتح عينيه، لينظر إلى الحروف المسطرة في الشاشة، ثم يصرخ من جديد : " أوقف السيارة ! "
سحب شامو الفرامل بقوة كبيرة، و لحسن الحظ لم تكن السيارة مسرعة،
و إلا لربما انقلب رأسا على عقب بسبب هذه الحركة المفاجئة،
التفت إلى تايغر مذعورا و سأله مسرعا : " ما الذي حدث ؟ ! "
فرد تايغر بصوت يرتجف من الغضب : " لن يأتي ! "
قبل أن يقول شامشير كلمة أخرى مد تايغر يده و قدم له الهاتف ليقرأ ما كُتب في الرسالة :
~ لقد سرقت جوهرتك الثمينة، إذا كنت مهتما بالأمر راسلني ~
و مرة أخرى لم تسنح له الفرصة أن ينطق، فقد قال تايغر بنفس النبرة الغاضبة و الصوت المرتجف : " إنه يقصد... "
" ياقوت ! "، أنهى شامو الجملة و قد توسعت عيناه من الصدمة.
ضرب تايغر زجاج نافذته بعنف لدرجة أنها كانت لتنكسر لولا أنها مقاومة للرصاص و قال بسخط : " الوغد ! "
كان يشتعل من الغضب، لو أنه يستمع للوحش الذي يواصل الصراخ في داخله لقتل الفتاة التي أمامه الآن !
و قبل أن تصبح حالته أسوأ بكثير، قال شامشير محاولا تهدئة الوضع :
" اسمع...سيطر على نفسك...يجب أن تكلم مالك و تعرف ما يريده... "
حاول تايغر أن يطبق كلام رفيقه، لكن القول أسهل من الفعل،
تطلب منه دقيقة أو اثنتين من الشهيق و الزفير ليهدأ من غضبه،
و استطاع أن يتفوه ببضع كلمات تجسد فيها غضبه بوضوح :
" انسى أمر الصفقة بالكامل، أصبحت المسألة مسألة شرف الآن "



__________________
سبحان الله و بحمده، سبحان الله العظيم
رد مع اقتباس