45
~ جوليا ~ سرت في ممرات المشفى بصعوبة ، كنت أجر فيها قدماي بثقل ، بدى وكأنني الوحيدة هنا رغم كل المرضى والأطباء الموجودين حولي.. أشعر وكأن إعصاراً يقبع في داخلي ، و بفوضى عارمة في رأسي .. لم أستطع أن أسير أكثر من هذا فسقطت أرضاً وأنا أحاول أن أمنع نفسي من الإنفعال ، لماذا أشعر بكل هذا بمجرد رؤية ساي فقط ؟؟ كنت أظن أنني تخطيت هذه المحنة وجعلته جزء من الماضي ولكن لا أظن أن هذا ما حصل .. لازلت حتى الآن لم أتجاوز هذه المشاعر بعد ، لازلت أرتعب منه ، وأكره رؤيته ، ولازالت تلك المشاعر التي كانت تنتابني لم تختفي بعد .. دفنت وجهي بين كفوفي ، لا يجب أن أنهار الآن ، هذا ليس المكان المناسب ، بدأت أعض شفتي محاولة منع صرخاتي ، جميع اللحظات السيئة التي شعرت بها سابقاً قد عادت .. اللحظة التي اقتلعوا فيها أظافري ، وحين تم سكب الحشرات علي ، حين ضربني ساي حتى أخرجت كل ما تناولته ، وأخيراً حين اضطررت إلى لعق ما تقيأته .. في حياتي كلها لم أشعر بهذا الكم من الذل إلا على يد ساي ، ولم يكتفي بهذا فقط بل وقد تسبب في أذية من حولي بدم بارد ، ولهذا لا يمكنني مسامحته مطلقاً ، هو يجب أن يتذوق الكأس الذي اذاقنا منه .. انتشلني من عالمي صوت أنثوي سمعته قبلاً : جوليا ماذا تفعلين هنا ؟؟ حين دققت على الصوت عرفت أنها الآنسة يومي، ولكم لم يكن لدي الجرأة الكافية لأنظر إليها في الوقت الراهن ، أخشى أن أضعف أمامها وأنا أكره هذا ، بقيت ساكنة في مكاني محاولة إخفاء انفعالاتي .. عندما وجدت نفسي قادرة على مواجهتها أبعدت يدي عن وجهي ورسمت إبتسامة لطيفة بذلت كامل جهدي فيها : آنسة يومي !! سعيدة برؤيتك هنا .. قالت بقلق وهي تتلمس جبيني لتقيس حرارتي : ماذا بك يا جوليا ؟؟ وما الذي أتى بك ؟؟ ولماذا أنت على هذا الحال ؟؟ لم أجد جواباً لسؤالها ، وكان من الصعب أن أكذب عليها وأقول بأنني أتيت لرؤية صديق .. لا أريد تسمية ساي بالصديق ، وهو أحقر من العدو ، إنه مسخ سفاح قاتل ، ليس هناك تعبير يصف سوءه وحقارته .. حاولت النهوض ولكن قدماي كانتا ضعيفتين فسقطت أرضاً من جديد .. مدت الآنسة يومي يدها لمساعدتي وهي تنظر إلي بقلق ، ولكن يداً ضخمة أمسكت بيدها قبل أن تصل إلي ، وصوت من خلفها قال :" ماذا تنوين أن تفعلي أيتها الممرضة " تيبست الممرضة في مكانها ، كيف لا وهناك شخص ضخم يمسك بيدها وآخر يرمقها بنظرات مرعبة ، تدخلت قائلة : " جون مات لقد أسأتما الفهم ، هذه الممرضة أرادت مساعدتي حين رأتني أسقط على الأرض "
- " ولكن ملامحك غريبة قليلاً ، هل أنت واثقة من أنك سقطت فقط ؟؟ " أجبت بغضب : " كفا عن تصنع الذكاء ودعاها ، ساعداني على النهوض فأنا إشعر بأن قدماي ثقيلتان وأنا عاجزة عن الحراك وحدي .. " تركا الآنسة يومي وأتيا إلي لمساعدتي ، وقفت بمساعدتهما وقلت للآنسة يومي : سأغادر الآن أراك لاحقاً يا آنسة .. سرت خطوتين إلى الأمام لتمسك الممرضة بذراعي قائلة : انتظري يا جوليا أنا حتى الآن لا أعرف سبب مجيئك إلى هنا .. ثم تابعت بشك : هل يعقل أنك هنا لرؤية ساي ؟؟ جذبت يدي بقوة ثم تمتمت بهدوء : قلت أنني سأغادر وداعاً .. غادرت المشفى متجاهلة صوتها ، وكانت السيارة الأخرى لجدتي في إنتظارنا بالخارج ، صعدت السيارة وقلت بنبرة آمرة : أوصلني إلى مقر الشرطة .. قال بإستغراب : ولماذا يا آنسة ؟؟
- أريد مقابلة أبي قليلاً .. الشخص الوحيد الذي أريد رؤيته الآن هو أبي فقط ، فهو الوحيد الذي أستطيع أن أعبر عن مشاعري أمامه دون خجل ، لست مستعدة للعودة إلى منزل جدتي في الوقت الحالي ، فهي جزء من الضغط الذي أواجهه في حياتي ..
***
~ كودو ~ علمت من إحدى الخادمات أن إبني قد غادر المنزل لسبب ما ، وحين سألت سائقه عن مكانه أخبرني بأنه قد أوصله إلى المطار ، في البداية كنت قد تناسيت بأن اليوم هو يوم ذهاب آلبرت لرحلة العلاج ، ولكن حين تذكرت أدركت كم أن إبني شخص لطيف .. انتظرت عودته بفارغ الصبر ، وأنا أنوي إخباره بالحقيقة ، لا أريده أن يكرهني أكثر ، فهو منذ وفاة ميدوري لم يتحدث إلي مطلقاً ، آخر مرة سمعته يتحدث بها معي حين قام بسؤالي عن سبب إخفائي الأمر عنه وحين امتنعت عن الجواب بدى وكأنه غاضب علي ، ومن بعدها لم أسمع صوته .. يجب أن يعلم بأن الشخص الذي يجب أن يكرهه هي والدته ولست أنا .. وقفت من مكاني حين سمعت صوت خطوات قادمة من ورائي ، إلتفت فإذا به إبني كما توقعت ، ولكن يبدو أنه لم يلحظ وجودي ..
- ياماتو قف مكانك .. توقف قليلاً بعدما أمرته ولكنه لم يكلف نفسه عناء النظر إلي ، ظل صامتاً في مكانه ، رغم أن أبني ليس معتاداً على تجاهل الآخرين ولكن تصرفه هذا أكد لي بأنه غاضب علي وبشدة .. زفرت بألم ثم نطقت : تعال إلى هنا ، لدينا حديث طويل هذا اليوم .. شد على قبضته وتحدث دون النظر إلي : عن ماذا تريد أن تتحدث ؟؟
- سأخبرك عن ماضي والدتك والسبب الذي دفعني إلى الكذب عليك .. إلتفت إلي حينها بلهفة واضحة ، نظرت إلى وجهه الذابل بحزن ، لن يسعد بمساع القصة مطلقاً ، ولكن إن كان هذا ما يريده فله ذلك .. إلتفت حولي قليلاً ، هذا ليس المكان المناسب للحديث ، اقترحت عليه أن نذهب إلى غرفته لنتحدث هناك بأريحية أكبر .. لم يعارض مطلقاً ، وتوجهنا إلى هناك وأنا أشعر بالتوتر الشديد ، عندما وصلنا كان ينظر إلي بترقب منتظراً مني بدء الكلام ..
جلست على طرف سريره وأمرته بالجلوس بجواري ، حينما فعل أخذت نفساً عميقاً وقلت بعدها : اسمع يا ياماتو أنا سأخبرك بالقصة حتى لا تدفن نفسك في الحزن على إنسانة لا تستحق هذا .. صاح بغضب : أبي أرجوك لا تتحدث عنها هكذا ، هي والدتي ومن الطبيعي أن أحزن على موتها .. تمتمت ببرود : إسمع القصة أولاً ثم احكم عليها ..
عدلت طريقة جلوسي وبدأت بسرد القصة عليه : أنت تعلم أنني كنت طفلاً فقيراً في الماضي ، ولكنني بذلت كل جهدي في الدراسة لأصل إلى ما وصلت إليه الآن ، عندما أنهيت دراستي الثانوية ، كان من المقرر لي أن أكمل دراستي الجامعية في الخارج ، ولكنني ترددت في الموافقة لأنني الإبن الوحيد لوالداي ، وهما كانا عاجزين من دوني ، وكان يجب على أحد الإعتناء بهما ، بحثت عن شخص يمكنه أن يتولى هذه المهمة وهنا قابلت والدتك ووافقت على هذا بكل رحابة صدر .. صمت لبرهة أسترجع فيها أحداث الماضي ثم تابعت : سافرت وأنا مطمئن البال ، بعد أن ظننت أنني قد تركت والداي بأيدي أمينة ، كنت أدرس صباحاً وأعمل في المساء وأرسل النقود إلى ميدوري كل شهر لتنفقها على والدي ، وعندما انتهيت من دراستي وتخرجت من الجامعة عدت إلى اليابان لأتفاجأ بخبر موت أمي ، إعتراني آن ذاك غضب عارم ، فهي قد توفيت منذ مدة ولكن ميدوري لم تخبرني ، وكان حجتها أنها لم تردني أن أقلق ولم ترغب في أن يتشتت ذهني و يضيع كل جهودي سدا ، وأبي أيضاً لم يكن في حال جيدة فقد أصابه الخرف ولم يتعرف علي حتى ، وبعد عدة أشهر لحق أبي بأمي وحينها تدهورت صحتي الجسدية والنفسية ، ولكن والدتك كانت بجواري وهي من ساعدتني على تخطي الصدمة وإكمال طريقي للوصول إلى القمة .. نطق ياماتو بهدوء : إذاً لو لم تكن أمي بجوارك ماكنت لتستطيع النهوض من جديد بعد وفاة جداي .. صحت بإنفعال : قلت إسمع بقية القصة ثم احكم ، تلك المرأة اللعينة قامت بكل شيء من أجل مصلحتها فقط ، ميدوري كانت تلتصق بي كالعلكة وأنا خُدعت بها بالكامل ، وجهها الجميل وتمثيلها المتقن جعلني أقع في شباكها وأصبحت مأسوراً بها كالأحمق ، وعندما وصلت إلى السن المناسب للزواج طلبت يدها وهي لم تتردد في الموافقة ، ولكن في يوم من الأيام انتابها كابوس مزعج وعندما أفاقت كانت مرعوبة بالكامل ، فأصبحت تتحدث لا تلقائياً وهل تعلم ماذا قالت ؟؟ كانت تتأسف إلى والداي وهي تبكي بخوف قائلة أن روحهما قد أتيا لتنتقم منها ، كنت أظنها تهذي بالترهات في البداية ولكنها قالت بأنها كانت السبب في موت أمي وتدهور صحة أبي ، لقد كانت تصرف النقود الذي أرسله إليهما على نفسها ولم تعتني بوالداي جيداً ، وهي لم تخبرني لأنها كانت قلقة على نفسها فقط وليس علي كم ادعت سابقاً ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل وأيضاً اعترفت أنها تحدت أصدقائها وأخبرتهم بأنها تستطيع أن تتلاعب بي وتوقعني في غرامها وكان لها ما أرادت وفازت في التحدي، والشيء الذي جعلها توافق على الزواج مني كان لأنني كنت ناجحاً آن ذاك في عملي ، وقد شعرت بأنها إذا بقيت بجواري لن تتذوق طعم الفقر مجدداً ، جن جنوني في تلك الليلة ، لقد كان اعترافها كالطلقات التي تخترق جسدي ، لقد استطاعت أن تعبث بي بالكامل ، ولكن لكن ...... كان جسدي يشتعل غضباً وأنا أروي لياماتو قصة ميدوري ، على الرغم من أن هذا قد حصل قبل عشرين عاماً إلا أنني أشعر وكأنه قد حصل في الأمس فقط ، شددت على قبضتي وأكملت وأنا أتنفس بصعوبة : لم أستطع أن أقوم باي شيء لها ، فهي قد كانت حاملاً بك في شهورها الأخيرة ، وكان من الظلم أن أتسبب في إسقاطك ، غادرت المنزل في تلك الليلة فأنا أدركت أنني إن بقيت في المنزل فهي لن تبقى على قيد الحياة مطلقا ً، غبت عن المنزل عدة أسابيع حاولت فيها أن أنفس غضبي بعيداً عنها ، بعدها بفترة أخبرني الخادم بأن ميدوري على وشك الولادة ، انتابني القلق حينها وتوجهت إلى المشفى الذي كانت فيه ، عندما وصلت كنت قد خرجت إلى الحياة ، لا تعلم مقدار سعادتي حين رأيتك لأول مرة ، كان من الطبيعي أن أفرح برؤية أول إبن لي ، وبسببك بدأت أعيد التفكير بشأن ميدوري مجدداً، فكرت بأنه كان يجب علي مسامحتها وبدأ صفحة جديدة ، لم أردك أن تتشتت بيننا ، ولكن عندما دخلت إلى غرفتها كانت نائمة ولهذا لم أستطع التحدث معها ، في اليوم الذي يليه انشغلت قليلاً ولم أستطع مقابلة والدتك ، وحينما تفرغت أخيراً وصلني خبر إختفائها .. ابتسمت بسخرية : نعم لقد هربت والدتك ولم أعرف أين وكيف ولماذا ، مرت الأيام الواحدة تلو الأخرى وأنا أنتظر عودة والدتك لتأخذك في أحضانها ، ولكنها لم تعد ، قررت حينها أن أعدها من ضمن الموتى ، و بعد مرور سنة ظهرت والدتك فجأة وطلبت رؤيتي ، ثارت البراكين في داخلي ، واستشطت غضباً حين رأيتها من جديد تقف أمامي ، حين سألتها عن المكان الذي ذهبت إليه لم تجبني ، ولكنها أرادت أن تأخذك مني ، رفضت هذا رفضاً قاطعاً ، واقترحت عليها وبكل غباء أن تعود إلي حتى نستطيع العيش معاً ، ولكنها صدمتني حين قالت بأنها قد تزوجت من رجل آخر وهي الآن حاملة بطفل من ذلك الرجل ، لا تعلم كم كانت صدمتي كبيرة ، تلك اللعينة عندما عرفت بأنني سأطلقها بدأت بالبحث عن رجل آخر ، وحين أنجبتك هربت معه وتزوجته ، وبسبب هذا رفضت أن أعطيك لها ، وأخبرتها بأنها تستطيع مقابلتك فقط في منزلي ، ولن أسمح لها بأخذك ، ولكنها كانت أنانية للغاية ولم تقبل بهذا ، أرادت أن تستحوذ عليك بالكامل وحين أدركت أنها لن تسطيع أخذك أرادت أن تقتلك ، نعم يا ياماتو لقد حاولت أن تقتلك عندما كنت رضيعا ، خبأت سكيناً صغيراً في حقيبتها عندما أتت لزيارتك في يوم من الأيام ، وبالمصادفة استطعت أن أنقذك منها ، جن جنونها حين فشل مخططها ، قالت بأنها إن لم تستطع أخذك فهي لن تجعلني أحصل عليك ، تلك السافلة أرادت أن تحرمني منك ، وبسبب ما قامت به منعتها من زيارتك وهددتها بأنني إن رأيت وجهها مجدداً في منزلي فستزج في السجن ، ومن بعدها لم أرى رقعة وجهها ومجدداً ، وطلبت من الجميع إخفاء الأمر عنك لأنني لم أردك أن تعرف بكل هذا .. أنهيت القصة أخيراً وأغمضت عيني بألم لدقائق ، ولكن حين لاحظت صمته إلتفت إليه ببطء لأجده يضغط بكفه على ركبته ورأسه للأسفل ودموعه تتساقط على سريره بصمت .. نطقت بصعوبة : أأنت بخير يا ياماتو ؟؟ تحدث وهو على حاله هذه بصوت متقطع : لا أستطيع تصديقك ، لا يمكن لأمي أن تكون بهذا االمستوى من الدناءة ، أنت تكذب بالتأكيد ..
- إن كنت ستكذبني فلا أملك أي وسيلة تجعلك تصدقني ، لن أجبرك ولكن ثق بأني لم آتي بأي شيء من رأسي ، ما رويته لك كان الحقيقة وأنا لم أُحرف في أي شيء .. لم يجبني لأن عقله كان منشغلاً بالتفكير في الأمر ، ياماتو حتى لو شعر بأنني صادق إلا أنه لن يستطيع تقبل الأمر وسيظل ينكر وينكر حتى يتبين له الأمر بصورة واضحة .. أعلم الآن أنه وبسببي أصبح في حالة لا يحسد عليه ، ولكن كان يجب علي إخباره الحقيقة ، ميدوري لا تستحق مطلقاً أن يبكي ياماتو من أجلها .. لقد تسببت لي بالكثير من الألم ، والآن جاء الدور على ياماتو ، لو كنت أعلم أن سوبارو ذاك هو ابنها ما كنت لأسمح له بالتسكع مع ابني ولو قليلاً ، ولكن يبدو بأن الندم لن يفيد ، ها هي أوراق الماضي تُكشف مسببة للجميع الألم والحزن .. لمحت ياماتو ينهض من مكانه ويترنح في مشيته بضعف ، سألته بهدوء : إلى أين أنت ذاهب ؟؟ أجابني من دون أن ينظر إلى عيني : أريد أن أتحقق من صحة ما قلته ، وأناا أعرف الشخص الذي سيفيدني حول هذا الأمر .. فكرت قليلاً عن هوية هذا الشخص ، ثم استنتجت بأنه ربما قد يقصد سوبارو ، لم أمنعه من الذهاب وتركته يتصرف بالطريقة التي يريدها .. لا أظن أن سوبارو يعلم بحقيقة والدته ، فتلك المخادعة لم تكن لتفضح نفسها أمام أحد ، هي تحرص دائماً على إخفاء جميع أفعالها الشنيعة عن الآخرين ، لأنها تدرك بأنه إذا علم أحد بحقيقتها المظلمة فسينفر الجميع من حولها .. ولكن حتى لو منعت ياماتو من الذهاب فهذا سيجعله يشك في صدق ما قلته ، ولهذا تركته يذهب .. لو وصلته قصة أخرى مزيفة من تأليف ميدوري فهذا قد يوقع إبني في حيرة وشك ، وهذا أفضل من أن يُكذبني بالكامل .. غادر ياماتو لألقي بجسدي على سريره ، حينما أفكر بالماضي أجد نفسي مغفلاً بالكامل ، لقد خُدعت بمظهرها البريء ، وحتى بعد أن علمت بحقيقتها كنت أفكر في مسامحتها حتى بعد كل ما قامت به ..
*** ~ روك ~ احتضنت جسد ابنتي الهزيل بكل حنان ، لقد أتت إلى هنا وبمجرد أن بقينا وحدنا في الغرفة انفجرت بالبكاء .. جوليا الحمقاء لا تعبر عن مشاعرها بسهولة ، ولكن ينتابها أحيانا نوبة ضعف إذا أثقلها الهموم ، ثم تلجأ إلي حين تشعر بأنها على وشك الإنفجار .. طبطبت على ظهرها برقة وأنا أرمقها بنظرات مشفقة ، كانت تتحدث بسرعة وسط نواحها العالي ، ولكنني استطعت فهم ما تقوله قليلاً .. كانت تشكو لي عن حالها حين كانت مع ساي وكيف أنها لازالت لم تتخلص من هذه المشاعر حتى الآن ، أخبرتني بأنها لازالت خائفة منه حتى بعد دخوله في غيبوبة ، روت لي عن الكوابيس التي تروادها ويعكر عليها صفو نومها .. حينما ترى الطعام تشعر بالإشمئزاز وتتذكر تلك اللحظة التي لعقت فيه قيءها ، ولكنها تجبر نفسها على الأكل حتى لا تقلق من حولها ، وأخيراً أخبرتني عن الضغط الذي تواجهه في منزل والدتي ومحاولتها في التحكم بحياتها ، حتى أنني تفاجأت حين قالت بأن أمي قد خططت لتزويجها من ياماتو دون علمها .. حين بكت جوليا في المرة السابقة كان فقط لأنها تشعر بالغضب تجاه أصدقائها لأنها اضطرت إلى أن تُعذب بسببهم ، ولكنها لم تعبر عن ألمها حين كان ساي يحتجزها .. لقد قررت إبقاء هذا في داخلها حتى لا تقلقني ولكن يبدو أن صبرها قد نفد ، ولم تستطع كتمان هذا أكثر .. والشيء الوحيد الذي لم أفهمه منها هو موضوع شينا ، لقد ذكرت اسم شينا عدة مرات ولكن لم أستطع فهم الشيء الذي يربطها بها .. فكرت في سؤالها بعد أن تهدأ جوليا قليلاً ، وتركتها تبكي في حضني حتى ترتاح .. كنت ألعب بخصلات شعرها المنسدل بنعومة وأنا أشعر بتأنيب الضمير ، أنا الشخص الذي رباها على الكتمان المستمر ، علمتها أن تتصرف بشجاعة في المواقف الصعبة وكنت أخبرها بأنها مهما بلغت من الحزن والألم يجب ألا تُظهر هذه المشاعر حتى لا تؤثر على من حولها .. ولهذا كبرت جوليا بهذا الشكل ، وأصبحت لا تُظهر للآخرين إلا الوجه الباسم والضاحك ، وأصبحت تضحي بساعدتها من أجل الآخرين .. لازلت أتذكر كلماتي الغبية حين كانت طفلة ، كنت أقول لها بإستمرار بأن تضع مصلحة الآخرين أولاً أمامها ، ومن ثم تفكر في نفسها ، لم أردها أن تكون أنانية ولكن تربيتي لها لم تكن صحيحة .. أردتها أن تكون مثلي ولهذا توليت مهمة تربيتها بنفسي ، وبطبيعة عملي كنت أضع في حسباني أن سلامة المواطنين أهم من سلامتي ، وأرسخت هذه الفكرة في ذهن جوليا دون أن أضع بحسباني أنها فتاة وهي مختلفة عني تماماً .. كينور كانت تشعر بأنني على خطأ ولذا منعتني من تعليم جودي الأمور التي علمتها لجوليا ، ولهذا تبدو جودي أقرب إلى فتاة طبيعية ، وطباعها مختلفة كلياً عن جوليا .. حين لاحظت بأنها بدأت تهدأ قليلاً ، ولم تعد تبكي عاليا كالسابق قلت بهدوء : جوليا أنا آسف لأنني ربيتك بهذا الشكل .. صمتت حينها تماماً و رفعت رأسها إلي بوجهها المحتقن بالإحمرار إثر البكاء ، وقالت بنبرة حادة : ما هذا الذي تتفوه به يا أبي ؟؟ تلمست وجهها وأنا أبعد خصلات شعرها الملتصقة بوجهها : أشعر بأنني السبب في الحال الذي وصلت إليه الآن ، أنا من علمتك أن تحملي مسؤولية من حولك على عاتقك ولهذا أجدك تعانين كثيراً ، أخبرتني الممرضة يومي أنها حين كانت محتجزة معك كنت تدافعين عنها بقوة وصلابة ، لدرجة أنك كنت ستضحين بحياتك من أجلها ذات مرة ......... رفعت يدها للأعلى لتسكتني وتنطق هي : أتريدني أن أبقى مكتوفة اليدين وأنا أراهم يأخذونها ليذيقوها التعذيب الذي ذقته ؟؟ لو رأيت كيف كانت الآنسة يومي مرعوبة لتصرفت يا أبي كما تصرفت أنا ، حين اقتلعوا أظافري وسكبوا الحشرات علي شعرت بكل خلية في جسدي يصرخ ألماً وظلماً ، وكان علي منع حصول هذا للآنسة يومي .. صحت بغيظ : ولتمنعي ذلك جعلت من نفسك كبش فداء لها ، تظنين أنه وبتصرفك هذا لن تكوني أنانية ؟؟ أنت مخطأة يا جوليا فما فعلته هي الأنانية بعينها ، تخيلي لو أنهم قتلوك عوضاً عن يومي ، ألم تفكري فينا ؟؟ ماذا ستكون ردة فعل والدتك وجودي عند تأكيد خبر موتك ؟؟ وماذا سيحصل لروز وأصدقائك ؟؟ ألا تظنين أنك أنانية لأنك لم تفكري بهذه الطريقة ؟؟ تمتمت بهدوء : أبي ما حصل قد حصل وانتهى الأمر ، التوبيخ لن يفيد ، لا أظن أنني سأمر بالموقف ذاته مجدداً ، لهذا أقفل الموضوع .. أكره الطريقة التي هي عليها الآن ، لا أعلم لماذا تتصنع القوة واللامبالاة ، لم تحاول يوماً إظهار خوفها أو حزنها ، وهذا الجانب منها لا يعجبني مطلقاً .. ولكن وكما ذكرت الحديث بهذا الشأن لم يعد يجدي نفعاً ، قلت بعدها : حسناً أخريني من شينا التي كنت تتحدثين عنها للتو ؟؟ صمتت لبرهة قبل أن تجيب : أنت تعلم بشأن الحارس الذي تم قتله على يد ساي بتهمة الخيانة صحيح ؟؟
- نعم لقد أخبرنا يوما بالأمر ولكن ما شأن هذا بــ..... بترت عبارتي حين بدأت أفهم الموضوع قليلاً : إذاً فشينا قريبة ذلك الحارس .. أومأت برأسها : نعم وبالتحديد أخته ، والحارس قد مات بسبب أنه أراد إنقاذنا ، لقد أطلق ساي النار عليه أمام عيناي وحين أدرك أنه سيموت حتماً روى لي عن أخته المريضة ، وأوصاني عليها ، وأنا قابلتها بالمصادفة في المشفى وقد اكتشتفت بأن لديها ثقباً في قلبها ويجب إجراء عملية جراحية لها ، حينها تكفلت بعلاجها بعد أن طلبت مساعدة جدتي . قلت بنبرة ممزوجة بالغضب : صحيح على ذكر جدتك ماذا تحاول أمي القيام به ؟؟ ما قصة الخطبة التي ذكرتها لتوك ؟؟ زفرت جوليا بضيق : جدتي خططت لتزويجي من ياماتو دون الأخذ برأيي ، وقد اتفقت هي ووالد ياماتو على كل شيء دون علمنا ، وعندما أنهيا التخطيط وضعانا تحت الأمر الواقع ، وكلانا أُجبرنا على الموافقة والخضوع ..
- اختيارها لم يكن سيئاً ، فياماتو شاب رائع ولكن قيامها بالتخطيط لحياتك دون علم أحد أو استشارتي هو ما يزعجني ، لقد بدأت تصرفاتها تغضبني ، إجمعي أغراضك اليوم فأنا سأعيدك إلى المنزل ، لا يجب عليك البقاء في منزلها أكثر .. أمالت برأسها قليلاً كما لو أن ما قلته لم يعجبها ، ثم قالت بهدوء : أبي أنا أتيت فقط لأنفس عن مشاعري لا تجعلني أندم على مجيئي إليك .. ضربت بقبضتي الطاولة المجاورة لي : أفهم من هذا أنك لا تنوين المجيء معي صحيح ؟؟ أهذا جزائي جراء محاولتي لمساعدتك ؟؟ وضعت يدها على يدي وهمست برقة : أخبرتك سابقاً يا أبي أنني لن أسمح لجدتي بالعبث معي بسهولة ، موضوع الخطبة ستُلغى ولكن ليس الآن ، فأنا مضطرة لمجارتها في الوقت الحالي حتى تعود شينا ، لا تنسى أنها من ستدفع تكاليف العلاج من أجل شينا ، وإلى ذلك الحين سأجاريها في كل ما تقوم به .. رفعت حاجبي الأيسر بتعجب ، هذه الماكرة تستغل والدتي ، لم أتوقع أن جوليا تمتلك مثل هذا الجانب من شخصيتها .. بدى وكأنها فهمت ما يجول في خاطري ولهذا قالت بسرعة : أعلم أنك تفكر بأني فتاة استغلالية ، ولكن كان يجب علي فعل هذا لمساعدة شينا حتى أرد الدين للحارس الذي مات .. قلت بإبتسامة : لا مشكلة لدي إن كنت تستغلين ثروة جدتك أم لا ، سأكتفي بالمراقبة وحسب فمن الممتع رؤية أمي تُخدع بواسطة حفيدتها ، الآن أستطيع أن أقول بأنني لست قلقة عليك منها بعد الآن ، فهي مهما بلغت من مكر فأنا أدرك بأنك قادرة على التصرف مع أفعالها بحكمة ، ولكن ألم تشتاقي إلى منزلنا حقاً ؟؟ والدتك المسكينة يبدو عليها الحزن دائماً رغم أنها تخفي هذه المشاعر عن جودي حتى لا تُشعرها بالغيرة .. ضربت صدرها بثقة : لن يدوم هذا الحال طويلاً ، سأجمع شملكم مجدداً وسنعيش معاً مع جدتي في منزل واحد ، أخبر أمي أننا سنعود مع بعضنا قريباً ..
- تبدين واثقة ، كيف ستحاولين الإصلاح بيننا ؟!
- في الواقع لم أفكر في خطة حتى الآن ، ولكن أنا واثقة من أن الأمور ستحل قريباً ..
- صحيح يا جوليا لقد سمعت أن والدة ياماتو قد توفيت ، كيف حاله الآن ؟؟
- المسكين إنه حزين عليها كثيراً ، ولكن هل تعلم يا أبي أن ياماتو لم يكن يعلم بشأن والدته إلا بعد موتها بساعات ، كان يظن طيلة الوقت بأنها متوفاة منذ زمن ، وسوبارو هو من أخبره بأمر والدته ولكن بعد فوات الأوان ، والمفاجئ في الأمر أن سوبارو هو إبنها الثاني أي أنه هو وسوبارو أخوين ، من الممتع جداً أن يظهر لك أخ فجأة ، هل هناك إحتمال أن يظهر لي أخ أيضاً يا أبي ؟؟ ضربتها على جبينها بخفة : أأنت مجنونة ؟؟ هذا مستحيل قطعاً ، ولكنها مصادفة غريبة حقاً .. رفعت معصمها الأيسر لتنظر لساعتها ثم وقفت بعدها قائلة : أعتقد أنني عطلتك كثيراً ، سأغادر الآن ، وداعاً أبي .. غادرت مكتبي وأنا أخطط للقيام بشيء يبهجها هي وأصدقائها ، فحتى روز لا تبدو بخير لسبب ما ، ولهذا يجب أن أغير من مزاجهم قليلاً ..
*** ~ ياماتو ~ دفنت وجهي في كفوفي ، لم أعد أعرف أيهما هو الصادق الآن ، رفعت بصري إلى السيد روكاوا الذي يجلس في الجهة المقابلة مني ، ثم همست بضعف : هل ما رويته لي كان الحقيقة ؟؟ أرجوك لا تحاول خداعي .. أجاب بهدوء : هذا ما أخبرتني به السيدة ميدوري ، ولا أظنها كانت تكذب علي ..
- ولكن أبي أخبرني بقصة مختلفة تماماً هل تراه كان يكذب علي ليشوه من صورتها أمامي ؟؟ تلعثم حينها السيد روكاوا وبدى على وجهه الإرتباك : حسناً في الواقع لقد ذكر لي سوبارو قبلاً أنه قد تم الكذب علي من قبل والدته لذا ربما أكون مخطئاً ، أظن أن سوبارو الوحيد الذي يعلم بالحقيقة .. رمقته بنظرة غاضبة ، للتو قال أنه واثق ، والآن يقول أن سوبارو هو من يعلم بالحقيقة ، أيعبث معي أم ماذا ؟؟ القصة الذي رواه لي كان معاكساً للقصة الذي أخبرني به أبي ، حين سمعت عن ماضي أمي من أبي بدى وكأنها إنسانة سيئة ، وحين سمعتها من السيد روكاوا كان الشخص السيء هو أبي .. لقد قال بأنه وعلى الرغم من أن والدتي كانت مهتمة به إلا أنه كان يعبث معها وحسب ، ساندت أمي أبي في المحن العصيبة ولم تتركه لا في الرخاء ولا في الشدة ، ولكن أبي كان يكافئها بالإهانة والضرب ، وحين أنجبتني خطفني منها وحرمها من إبنها البكر ، وكلما أرادت زيارتي كان يأمر الحراس برميها خارجاً ، حينها لم يعد لأمي مكان تعيش فيه وبعدها ظهر والد سوبارو وقدم لها يد العون ، وتزوجها بعد أن انفصلت من أبي ، ولكن حتى بالرغم من إنجابها لسوبارو إلا أن قلبها كان معلقاً بي ، ولهذا بدأ حالها بالإنتكاس ، وأصبحت الأمراض تغزو جسدها حتى أضعفه ، وأصبحت تهلوس بي دائماً ، وعقلها لم يكن يفكر إلا في فلذة كبدها التي حرمت منه بسبب أنانية أبي .. هذا ما أخبرني به السيد روكاوا بإختصار ، وهذا ما تسبب في حيرتي أكثر ..
- إن كان سوبارو من يعلم بالحقيقة فأنا أريد مقابلته الآن وحالاً .. نطقت بهذا ليرد علي : أنا أعتذر ولكن لا تستطيع مقابلته في الوقت الراهن ، هو لا يزال مهتاجاً بسبب موت والدته .. صحت بغضب بعد أن عجزت عن تمالك أعصابي : أنا لا أهتم ، أريد أن أعرف الحقيقة وحسب ، تعبت من كثرة التفكير ، لا أريد أن أبقى مشتتاً هكذا إلى الأبد ، سئمت من كوني لا أعرف أي شيء ، دعني أقابله الآن ولو رفضت سأجبرك على ذلك .. أكره فكرة تهديد الآخرين ولكن لم يكن أمامي خيار آخر ، نهض من مكانه وقال بحدة : إذاً رافقني إن أردت ، ولكني لست مسؤولاً عما سيحصل لك .. سار أمامي وهو يتحلطم بصوت عالي : شباب هذه الأيام لا يخجلون من تهديد من هم أكبر سناً منهم ، تباً لهذا الجيل الفاسد .. وصلنا إلى غرفة سوبارو ، وفتح لي السيد روكاوا قفل الباب ، وطأت قدمي أرض غرفته ، ولمحته جالساً على سريره ويداه معقودتان على صدره وهو يحرك قدمه بشكل مستمر ، ووجهه عبوس للغاية .. بمجرد أن لمحني حتى فز واقفاً من مكانه ، قالو هو يصك على أسنانه من شدة الغيظ : أنت !!! ماذا تفعل هنا أيها الوغد ؟؟ أجبت بسخرية لاذعة : لست هنا للإطمئنان عليك لا تقلق .. ثم تابعت بجدية : أريد أن أسألك عن أمي ، كيف كانت ولماذا أخفى أبي وجودها ؟؟ انقض علي فجأة وهو يزمجر : وكأنني سأجيب عليك أيها الغبي .. تشابكنا بالأيدي ، وكل منا يوجه ضرباته نحو الآخر ، ولكن لسبب غريب لم تكن ضرباته بتلك القوة ، ولم تكن ضرباتي كذلك ، في وقت قصير أصبت بالإنهاك ، ولم أعد قادراً على المتابعة .. لم أتناول شيئاً منذ أيام ، والسبب في بقائي حتى الآن هو الماء ، ولم يكن سوبارو أفضل حالاً مني ، فهو الآخر قد تعب وسقط أرضاً ، ولم يعد لديه القوة الكافية للنهوض .. كلانا أصبحنا مستلقين على الأرض بضعف ، ونلتقط أنفاسنا بصعوبة وصدرنا يعلو ويهبط بوضوح .. نطق وهو يلهث : لو لم يضعف جسدي لكنت قد قتلتك بيداي هاتان .. أصدرت صوت ضحكة ساخرة : وكأنك ستستطيع ذلك أيها الضعيف ، على أية حال أنا لست هنا لأتقاتل معك ، أريد أن تحكي لي عن أمي أرجوك .. أغمضت عيني وتابعت بهدوء : لقد أخبرني أبي بقصة والسيد روكاوا أخبرني بقصة مختلفة عن السابقة ، ولهذا أريد أن أسمع منك حتى أستطيع أن أحكم مَن مِن القصتين هي الحقيقية .. أطلق حينها سوبارو ضحكة هستيرية مرتفعة وغريبة ، نظرت إليه وأنا مقطب الجبين ، هل ألقيت طرفة على مسامعه أم ماذا ؟؟ توقف فجأة عن الضحك ثم تحولت ملامحه إلى حادة وقال : ماذا تريدني أن أقول أيها المدلل ؟؟ أتريدني أن أخبرك بمدى فظاعة والدتنا ؟؟ أم أحكي لك عن قصتها مع والدك حين خدعته وتظاهرت أمامه بأنها المرأة التي يُعتمد عليها وعاشت مع جديك من أجل أن تبحث عن منزل تعيش فيه بعد أن فقدت منزلها وكانت تصرف النقود الذي يُفترض أن تكون لجديك على نفسها ، حتى زواجها من والدك لم يكن حباً له أو شيء من هذا القبيل بل كان فقط من أجل مصلحتها ، أتريد سماع المزيد أيضاً أم أن هذا كافٍ ؟؟ لم أجب على سؤاله ليتابع مباشرةً : إذاً لم تكتفي بعد ، إليك المزيد إن أردت ، لقد علم والدك بكل ما قامت به بطريقة ما ولهذا جن جنونه ، ولكن الغريب أن والدك لم يفعل لها شيئاً وربما كان السبب هو أنها كانت حاملاً بك ، غاب والدك عن المنزل منذ تلك الليلة واستغلت أمي غيابه وبدأت البحث عن رجل آخر حتى لا تكون مشردة بعد أن تضعك ، وشاء القدر أن تقابل أبي ، بدأت بإختلاق الأكاذيب حتى يتعاطف معها وكان لها ما أرادت ، أخبرها أبي بأنه مستعد للزواج منها بعد إنفصالها عن والدك ، حينها خططت والدتك بالهرب من المشفى مباشرةً بعد إنجابك فهي لم تمتلك الشجاعة لمقابلة والدك بعد أن علم بالحقيقة ، ولكن رغم أنانيتها وبشاعة أفعالها إلا أنها وكأي أم في هذا االعالم أرادت أن تحمل ضناها بين يديها وتداعبه ، صارحت أبي عن رغبتها برؤيتك ولم يمانع أبي مطلقاً ، فهو كان رجلاً متفهماً ، ولكن والدك منعها من أخذك وفي لحظة تهور أرادت قتلك ، ولكنها لم تُفلح وكُشف أمرها وحرمها والدك من رؤيتك ، منذ ذلك اليوم وهي تهلوس بإسمك كل يوم وكل لحظة وأصبحت أنت هاجسها الوحيد ، بعد أن وضعتني زاد حالتها سوءً ، وأصبحت يوماً بعد يوم تصاب بالجنون أكثر من قبل .. ثم تابع بإنفعال : بسببك أنت ووالدك أصيبت أمي بالجنون ، ولم تكن تكترث بأمري ، رغم أني إبنها أيضاً إلا أنها لم تعرني أي اهتمام ، كلما رأتني كانت تقتلني بكلماتها القاسية وأحياناً لم تكن الكلمات وحدها تشفي غليلها فتبدأ بضربي بسبب أو بدون سبب ، أبي لم يكن يستطيع فعل شيء سوى مواساتي ، كان يضع لها آلاف الأعذار ، كان يظن أنها وصلت إلى ما هي عليه الآن بسبب زوجها السابق والظالم ، حين اقترب أجل أبي صارحته أمي بكل شيء فعلته وكيف أنها ، لكن أبي لم يكن يستطيع الغضب منها لأنها ببساطة كان ذو قلب نقي ، بل بقي يوصيني بالإعتناء بها جيدا رغم كل ما فعلته .. بدأ صوته بالإرتعاش وهو يكمل ولكن بنبرة أهدأ من السابق : لقد علمت بكل هذا حين كنت أختلس النظر في ذلك الوقت عليهما ، ورغم أنني سمعت بكل شيء إلا أنني لم أستطع كرهها أنا الآخر ، ولازلت أرغب في أن تعترف بي كإبن لها ، عندما وصلت المرحلة الإعدادية قررت مغادرة المنزل لربما تشتاق إلي كما تشتاق إليك ولكن لا ، هي حتى لا تسأل عني ، وإذا زرتها صاحت في وجهي وتمنت لو أنني كنت أنت ، كانت كراهيتي لك تزداد أكثر فأكثر كلما نادتك في نومها ، أو تخيلتني مكانك ، كرهتك قبل أن أراك أو أقابلك ، أعلم أنك سعيد لأن أمي أحبتك أكثر مني ، هيا تستطيع السخرية مني إن شئت ، أعلم أنك تنتظر الفرصة لذلك .. سقطت مني دمعة يتيمة ساخنة ، ثم همست بألم : ولماذا أسخر منك ؟! صاح بغضب : لا تمثل دور الرجل النبيل ، أعلم أنك تضحك علي في داخلك الآن ، رغم أنني علمت بكل هذه الأمور الفظيعة التي قامت أمي به ورغم أنها لم تحبني يوماً إلا أنني لازلت أحبها وتمنيت لو أنها أحبتني ..
- أحمق لماذا أضحك عليك وأنا لم أستطع كرهها مثلك ؟؟ رغم معرفتي الآن بحقيقتها إلا أنني في قرارة نفسي لازلت أحاول تكذيب الأمر ، ولازالت لدي الرغبة في مقابلتها رغم أن الأمر أصبح مستحيلاً ، إن كان هناك من يجب أن يشعر بالغيرة من الآخر فسيكون أنا ، أنت محظوظ أكثر مني ، لقد كانت بجوارك دائماً واستطعت سماع صوتها والتحدث إليها ....... قاطعني بغضب : ما الفائدة من هذا إذا لم تكن تعرني أي إهتمام أو حب ؟؟ هي حتى لا تطيق النظر إلى وجهي .. أجبت بنبرة مقاربة لنبرته : وما الفائدة من أن تحبك وأنت لم تستطع مقابلتها ؟؟؟ أأنت غبي أم ماذا ؟؟ ماذا سأستفيد إن كانت تحبني وأنا لم أرها إلا لدقائق فقط والأدهى أنها فارقت الحياة أيضاً .. لم أسمع تعليقاً منه بشأن ما قلته ، أدرت رأسي بإتجاهه قليلاً لأجده يضع كلتا معصميه على وجهه ويغطي بهما عينيه ، حين أطلت النظر إليه اكتشفت أنه كان يبكي ويحاول جاهداً إخفاء هذا .. لانت ملامحي حينها ، رؤيته هكذا ستضعفني أيضاً ، نطقت بصوت مرتعش : سوبارو توقف عن البكاء ، سأبكي إن استمريت أكثر .. .
.
~ روكاوا ~ بدأت دموع ياماتو تنساب بضعف على وجنتيه وهو يحاول مواساة سوبارو الذي يبكي لأول مرة على موت ميدوري .. كنت واقفاً في مكاني بسكون منذ مدة ، حتى حين بدآ الشجار لم أحاول أن أتدخل بينهما ، ولكنني لم أتوقع أن أسمع شيئاً كهذا عن ميدوري .. الصدمة ألجمتني بالكامل ، هذان الأخوان عانيا بسبب ميدوري كثيراً ، وليس هما وحسب بل كلا والديهما أيضاً .. نظرت إليهما بشفقة وحزن ، رؤيتهما يبكيان وهم مستلقيان على الأرض يصف كمية المعاناة الذي عانياها كلاهما .. قررت مغادرة الغرفة وتركهما وحيدين ، ولكن هذه المرة لم أقفل باب الغرفة ، أظن أنه لم يعد هناك حاجة لحبس سوبارو .. نزلت إلى الأسفل وألقيت بجسدي على الأريكة بتعب ، لا أصدق أن ميدوري كانت تكذب علي ، ولا أستطيع أن أتخيل أن إمرأة مثلها قد تقوم بكل هذه الأمور السيئة ، من خلال ما سمعته أستطيع أن أقول أن ميدوري أنانية للغاية .. هي دائماً تتصرف بطريقة سيئة مع من حولها ولكنني كنت أعذرها بحجة أنها مريضة نفسياً ، ولكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك .. الآن علمت لماذا كان والد سوبارو حزيناً قبل موته بأيام ، آآخ منك يا ميدوري كم أنت قاسية .. لقد خُدعت بمظهرها الملائكي كما قال السيد كودو تماماً ، الآن أشعر بأنها تستحق كل ما أصابها من أمراض ، لقد كانت تستحق هذا وأكثر .. تلك المرأة الغبية كانت تعامل سوبارو كجرثومة بل وأسوء ، لم تُشعره يوماً بالحنان ، كنت ألاحظ حزن سوبارو حين كان صغيراً .. في البداية لم أكن أعرف كيف امحي لمحة الحزن عن وجه ذلك الطفل ، كانت طباعه تتبدل في كل مرة ، في البداية كان مهذباً ولطيفاً والكل يشهد على أخلاقه ، ولكن بعد مدة أصبح مشاكساً ومتمرداً ، وكان حديث الجميع ، والآن أستطيع القول بأنه قد فعل كل ذلك من أجل لفت أنظار ميدوري .. حتى الضمادة التي على وجهه بت أعرف سببها ، أتذكر أول مرة غطى فيها وجهه كان آن ذاك في التاسعة من عمره ، بدى وكأنه يكره النظر إلى نفسه لذا فعل ما فعل ، كانت لكلمات ميدوري الجارحة أثر كبير في نفسه .. بالمصادفة اكشتفت موهبة سوبارو في الغناء ، كان يمتلك صوتاً جميلاً إلى جانب مظهره الحسن ، اقترحت على والده أن نعرض موهبته لأحد أقربائي الذي يمتلك شركة لدعم الموهوبين ، وافق والده ثم تحدثنا إلى سوبارو الذي رفض الفكرة رفضاً قاطعاً ، ولكن لسبب غريب أتاني بعد ذلك وافق لسبب مجهول وربما كانت ميدوري السبب ايضا ، إذ أنه اراد منها أن تفخر به .. من هنا بدأت مسيرته الفنية كمغني ، ولكنه رفض فكرة أن يعرفه الآخرون ، لذا فعندما يذهب لتسجيل الأغاني يضطر إلى نزع الضمادة عنه ثم يعود ليخفي وجهه بعد أن يفرغ واشتهر بإسم ورابوس والذي هو انعكاس لإسمه الحقيقي ، وفضل البقاء مخفياً عن أعين المعجبين والصحفيين .. بعد موت نانا اعتزل الغناء ، و قبل فترة عاد مجدداً بسبب حاجته إلى المال ولكن لم يبقى طويلاً ، فقد قرر الإعتزال بشكل نهائي ولا أظن أن هناك ماقد سيغير من رأيه .. نهاية الفصل ..
|
التعديل الأخير تم بواسطة وردة المـودة ; 03-23-2017 الساعة 10:32 AM |