عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-24-2017, 03:44 AM
 
ابتسامته أمام دِمعَتَها






كَجنة لم تطأها إلا قدماها ~
وجحيمٌ لَن يَحتَرِقَ فيهِ سِواها ~







قامَت بِرَكنِ سيارَتِها أخيرًا بعد رُبعِ ساعَة مِن اللَف في "الباركينج" ! ، مَن قالَ إنّ السيدات هُن الأسوء في القيادة لَم يُخطيء !

لَكِنها ليسَت سيدَةً بالفِعلِ ! هي طبيبة في مِنتصف العِشرينيات ، طبيبة نفسية تحديدًا أو هكذا سَتُصبِح بَعد أن تُتِمَ شِهور التَدريب وَتَتَخصَص .

اِستدارَت بَعد أن ضَغطَت زِرًا في ريموت السيارة لِتُصدِر ذلك الصوت الدال على إنها أصبَحَت الآن مُحكَمة الغَلق !
تَناثَرَ شَعرَها البُني حولَها لارتطامِها بِذلك الجِسم ، هوَ ذَكَر ، هذا كان أول شيء لاحظتهُ مِن رؤية قَفاه الأبيض الذى انسَدَلَ عليهِ شَعرٌ أسود ناعِمٌ قَصير ، ظَهرًا لِظَهر ارتطما بِدايةً لعدم انتباههما ..

واجهها ليبتسم بخجل وتتورَد وجنتاه على غَير عادة شَبابُ هذِهِ الأيام قليلي الحياء ! رغم كَونه صَغيرٌ سِنًا ، أي مِن جيل قليلي الحياء ! إلا إنهُ كانَ مُختَلِفًا عَنهم ! كَفضائي غريبٍ سَقطَ مِن كوكَبٍ أخر !

لَوَحَ بِريموتٍ في يده دون أن ينطق مُخبرًا إنهُ مِثلها كانَ يقوم بِرَكنِ سيارَته ، بدا كشابٍ مُنحَدِر مِن عائِلة ذاتَ شأنٍ مِثلَها لكن بِذاتِ الوقت لم يبدُ كشَخصٍ أفسَدَهُ التَدليل !

هَزَت رأسَها أن لا بأس بعد تَعلَقت عينيها العسليتان بمنفذا رَوحِهِ الأسوَدان لفترة أطول مِن اللازِم ، ابتَسَمَت لسبب تجهله مادَةً يَدَها : اُدعي ليليان .
صافَحَها : لويس ، تشرفنا !
صمتَ ثانيةً : لديكِ طريقة غريبة في كَسب الأصدِقاء !
رَفَعَت حاجِبًا : لستُ الوحيدة على ما يبدو !
سألَ بِفضولٍ : لِمَ أنتِ هُنا على أي حال .. أمام مشفي الأمراض النفسية ؟!
شَهِقَت بِخِفة قبل أن تَضرِب كَتِفه مازِحة : تَظُنُني مجنونة ؟! عيبٌ عَليكَ !! أنا طبيبة مُتَدَرِبة !
اندهش : حقًا ؟ إنها المرة الأولى التي أراكِ فيها !
سَخِرَت : وهل يُفتَرَض أن تَعرِف الجميعَ هُنا ؟!
أجابَ بِتلقائية : أبي طبيبٌ هُنا ، المشفي كبيتي وجميع المُمرضين يعرفونني !
تَحَمسَت : لا تَقُل ! أباكَ السيد تومسون ؟!
اتسَعَت ابتسامته : نعم ! تعرفينَه ؟!
رَدَت : نَعم ! هوَ يُشرِف على بَحثي !
رَبَع ذِراعيهِ تَحتَ صَدره : سأُخبِرَهُ أن يُسَهِلَ الأمرَ عليكِ كونَكِ صديقتي !
ضمت شفتيها : أووه أحدهم واثِق !

هل سَبَق وقابَلت شخصًا في ظِروفٍ غَريبة أو حتى عادية جِدًا لكنك شَعرتَ وكأنكَ تَعرِفُهُ مُنذُ الأزَل ؟! وكإنَهُ القِطعة الناقِصة مِن أُحجيَتَك ، تِلكَ القِطعة التي بَحثتَ عنها طويلًا في كُل الأماكِن المُحتَمَلة لِتَجِدها صُدفةً في مَكانٍ غَير مُتَوقَع ، دونَ ميعادٍ مُسبَق أو حتى إشارَة مِن السَماء !!


هذا تمامًا ما تشعُرُ بِهِ ليليان حيالَ لويس ! أهوَ الحُبُ يَطرُقَ بابَها أخيرًا ؟! ظَنَتهُ وهمًا اختَرَعَهُ الفاشِلون ليُخَفِف عنهم عَناء الوِحدَة أو لِسَدِ حاجةً نَفسية لا أكثَر ، في رأسها كانَ كُلُ شيء مَحسوبًا بِدِقة ومنطقي جِدًا وَ ... محسوب ومنطقي ؟ لا تتماشَيانِ مع الحُبِ فِعلًا ، ناهيكَ عن الحُب من النَظرَة الأولى !

سألَت مُحاوِلة ألا تَبدو مُهتمة جِدًا : ماذا تدرس ؟
أجابَ في شيءٍ من الحماس : السنة الأخيرة من الثانوية ، أنوي أن أُتابِع بعدها لِكُلية الطِب لأصبحَ طبيبًا كأبي ! فقط انتظريني !

لم تستطع السيطرة على رأسها الذى مالَ خيبةً ، هوَ لا يبدو صغيرًا ، هوَ بالفِعلِ صغيرًا !!
تَمَنَت ألا يكون ! لكن في أمورِ الحُبِ تلكَ السِنُ لا يعني شيء !!

غَيَرَت الموضوع ببراعة : أنتَ تُقَدِر السيد "تومسون" كثيرًا ! توهمتَك لِثانية طِفلًا جل همه أن يكبُر سريعًا ليصبح كأباه !
ضَحِك : حسنًا مَن مِنا لا يرى أباه كما لو كانَ "سوبر مان" ؟!
كَركَرَت بنغمة عذبة : مُحِق !



*

بِطَريقةٍ ما بَقيا على أتِصالٍ لثلاثة أشهُر ، يتحدثان في الهاتف ، يذهبان إلى نفس النادي بيومِ أجازَتَها ، يتواصلان بكُل وسائل الأتصال ..حتى حينَ سافَر فرنسا لأسبوعٍ لم ينساها قط أو ينشغل بجمال البلد التي زارها !

تَعرِف عنهُ كُلَ شيء ، اسمه بالكامل ، جذوره ، فصيلة دمه ، لونه المفضل ، الفرقة التي يستمع إليها ليلَ نهار ، طعامه المفضل ، أصدِقائه ، مخاوفه !!

كل شيء ، من صَغيرة وكبيرة !! تمامًا كالتوأم !!

ولا تَطيقُ صمتًا عنهُ ، هوَ سَعادَة بِداخِل قَلبها لا ترضي إلا أن تَصِفها كثيرًا لصديقة عُمرها ورفيقة الكِفاح بتلك الكُلية الصعبة !


ظَنَت نَفسَها تتوهم حينَ رأتهُ يسيرُ على مقربة منها ولكن لم يلحَظها ، هل صارَت تُهلوِس بِهِ الآن ؟!
جَذَبَت صديقَتها السائِرة إلى جِوارِها مِن مِعطَفِها الأبيض : كلارا أتَرينَ ما أرى ؟!
سألتها الشابة الأُخرى : ماذا ؟!
أشارَت عَليهِ بِرأسها دونَ إصبعها حتى لا يُلاحِظهما : ذو البشرة الفاتحة جِدًا والشعر الأسود !! هذا لويس !!
توسعت عينا صديقتها : أنتِ .. تمزحين ، صحيح ؟!!

أوَل ما خَطَرَ بِبالها إنهُ رُبما يواعِد كِلتاهما في نفس الوقت ويخدعهما ، هذا التفسير الوحيد لصدمتها !
لكن أيفعلها لويس ؟ هوَ ليس هذا النوع من الشباب !! مع ذلك فهو وسيم ! لو أرادَ لاستطاعَ أن يفعلها بِكُلِ سِهولة !!

-إنهُ القضية المُستحيلة !!
-ماذا تقصدين ؟
-كيفَ لكِ ألا تُلاحِظي كونَهُ مريض ؟! وتدعينَ نَفسَكِ طبيبة نفسية ؟!
-ما الذى تقولينَه !! لويس صاحِب شخصية رائِعة !!
-هوَ مُصاب باضطراب الشخصية المختلطة !! الخارِجة عن العَشر اضطرابات الرئيسية ، أتفهمين ؟! شَخصٌ مثله لا يُمكن التنبؤ بِه لأنه اندماج لعشر اضطرابات في آنٍ واحِد ! لديهِ القابلية لأن يُصبِحَ أي شيء !!
-لا أصَدِقُكِ !! لويس سَوي جِدًا !!

تَمَنَت لو إن صَديقتها كاذِبة ! أو إنها تَغار !
لكن الشابة الأُخرى فَتَحَت مَلفًا كانَ بيدها فيهِ صورةٌ لَهُ مع باقي البيانات !
حَدَقَت بالمَلفِ لثوانٍ حتى بدأت دِموعها بالهِبوطِ أمطارًا !!
تنظُر للكتابة ثم تنظر له
حتى تلاقت أعينَهُما

فَفَهِم ما قرأت

ابتسم بِشِحوبٍ

هل هذا الوداع ؟

كانَت ابتسامته أمام دِمعتها









__________________



سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم 🌠
لا إله إلا الله محمد رسول الله 🌠
الله أكبر 🌠

رد مع اقتباس