ابتسامته أمام دِمعَتَها كَجنة لم تطأها إلا قدماها ~ وجحيمٌ لَن يَحتَرِقَ فيهِ سِواها ~ قامَت بِرَكنِ سيارَتِها أخيرًا بعد رُبعِ ساعَة مِن اللَف في "الباركينج" ! ، مَن قالَ إنّ السيدات هُن الأسوء في القيادة لَم يُخطيء !
لَكِنها ليسَت سيدَةً بالفِعلِ ! هي طبيبة في مِنتصف العِشرينيات ، طبيبة نفسية تحديدًا أو هكذا سَتُصبِح بَعد أن تُتِمَ شِهور التَدريب وَتَتَخصَص . اِستدارَت بَعد أن ضَغطَت زِرًا في ريموت السيارة لِتُصدِر ذلك الصوت الدال على إنها أصبَحَت الآن مُحكَمة الغَلق ! تَناثَرَ شَعرَها البُني حولَها لارتطامِها بِذلك الجِسم ، هوَ ذَكَر ، هذا كان أول شيء لاحظتهُ مِن رؤية قَفاه الأبيض الذى انسَدَلَ عليهِ شَعرٌ أسود ناعِمٌ قَصير ، ظَهرًا لِظَهر ارتطما بِدايةً لعدم انتباههما .. واجهها ليبتسم بخجل وتتورَد وجنتاه على غَير عادة شَبابُ هذِهِ الأيام قليلي الحياء ! رغم كَونه صَغيرٌ سِنًا ، أي مِن جيل قليلي الحياء ! إلا إنهُ كانَ مُختَلِفًا عَنهم ! كَفضائي غريبٍ سَقطَ مِن كوكَبٍ أخر ! لَوَحَ بِريموتٍ في يده دون أن ينطق مُخبرًا إنهُ مِثلها كانَ يقوم بِرَكنِ سيارَته ، بدا كشابٍ مُنحَدِر مِن عائِلة ذاتَ شأنٍ مِثلَها لكن بِذاتِ الوقت لم يبدُ كشَخصٍ أفسَدَهُ التَدليل ! هَزَت رأسَها أن لا بأس بعد تَعلَقت عينيها العسليتان بمنفذا رَوحِهِ الأسوَدان لفترة أطول مِن اللازِم ، ابتَسَمَت لسبب تجهله مادَةً يَدَها : اُدعي ليليان . صافَحَها : لويس ، تشرفنا ! صمتَ ثانيةً : لديكِ طريقة غريبة في كَسب الأصدِقاء ! رَفَعَت حاجِبًا : لستُ الوحيدة على ما يبدو ! سألَ بِفضولٍ : لِمَ أنتِ هُنا على أي حال .. أمام مشفي الأمراض النفسية ؟! شَهِقَت بِخِفة قبل أن تَضرِب كَتِفه مازِحة : تَظُنُني مجنونة ؟! عيبٌ عَليكَ !! أنا طبيبة مُتَدَرِبة ! اندهش : حقًا ؟ إنها المرة الأولى التي أراكِ فيها ! سَخِرَت : وهل يُفتَرَض أن تَعرِف الجميعَ هُنا ؟! أجابَ بِتلقائية : أبي طبيبٌ هُنا ، المشفي كبيتي وجميع المُمرضين يعرفونني ! تَحَمسَت : لا تَقُل ! أباكَ السيد تومسون ؟! اتسَعَت ابتسامته : نعم ! تعرفينَه ؟! رَدَت : نَعم ! هوَ يُشرِف على بَحثي ! رَبَع ذِراعيهِ تَحتَ صَدره : سأُخبِرَهُ أن يُسَهِلَ الأمرَ عليكِ كونَكِ صديقتي ! ضمت شفتيها : أووه أحدهم واثِق !
هل سَبَق وقابَلت شخصًا في ظِروفٍ غَريبة أو حتى عادية جِدًا لكنك شَعرتَ وكأنكَ تَعرِفُهُ مُنذُ الأزَل ؟! وكإنَهُ القِطعة الناقِصة مِن أُحجيَتَك ، تِلكَ القِطعة التي بَحثتَ عنها طويلًا في كُل الأماكِن المُحتَمَلة لِتَجِدها صُدفةً في مَكانٍ غَير مُتَوقَع ، دونَ ميعادٍ مُسبَق أو حتى إشارَة مِن السَماء !! هذا تمامًا ما تشعُرُ بِهِ ليليان حيالَ لويس ! أهوَ الحُبُ يَطرُقَ بابَها أخيرًا ؟! ظَنَتهُ وهمًا اختَرَعَهُ الفاشِلون ليُخَفِف عنهم عَناء الوِحدَة أو لِسَدِ حاجةً نَفسية لا أكثَر ، في رأسها كانَ كُلُ شيء مَحسوبًا بِدِقة ومنطقي جِدًا وَ ... محسوب ومنطقي ؟ لا تتماشَيانِ مع الحُبِ فِعلًا ، ناهيكَ عن الحُب من النَظرَة الأولى ! سألَت مُحاوِلة ألا تَبدو مُهتمة جِدًا : ماذا تدرس ؟ أجابَ في شيءٍ من الحماس : السنة الأخيرة من الثانوية ، أنوي أن أُتابِع بعدها لِكُلية الطِب لأصبحَ طبيبًا كأبي ! فقط انتظريني ! لم تستطع السيطرة على رأسها الذى مالَ خيبةً ، هوَ لا يبدو صغيرًا ، هوَ بالفِعلِ صغيرًا !! تَمَنَت ألا يكون ! لكن في أمورِ الحُبِ تلكَ السِنُ لا يعني شيء !! غَيَرَت الموضوع ببراعة : أنتَ تُقَدِر السيد "تومسون" كثيرًا ! توهمتَك لِثانية طِفلًا جل همه أن يكبُر سريعًا ليصبح كأباه ! ضَحِك : حسنًا مَن مِنا لا يرى أباه كما لو كانَ "سوبر مان" ؟! كَركَرَت بنغمة عذبة : مُحِق ! * بِطَريقةٍ ما بَقيا على أتِصالٍ لثلاثة أشهُر ، يتحدثان في الهاتف ، يذهبان إلى نفس النادي بيومِ أجازَتَها ، يتواصلان بكُل وسائل الأتصال ..حتى حينَ سافَر فرنسا لأسبوعٍ لم ينساها قط أو ينشغل بجمال البلد التي زارها ! تَعرِف عنهُ كُلَ شيء ، اسمه بالكامل ، جذوره ، فصيلة دمه ، لونه المفضل ، الفرقة التي يستمع إليها ليلَ نهار ، طعامه المفضل ، أصدِقائه ، مخاوفه !! كل شيء ، من صَغيرة وكبيرة !! تمامًا كالتوأم !! ولا تَطيقُ صمتًا عنهُ ، هوَ سَعادَة بِداخِل قَلبها لا ترضي إلا أن تَصِفها كثيرًا لصديقة عُمرها ورفيقة الكِفاح بتلك الكُلية الصعبة !
ظَنَت نَفسَها تتوهم حينَ رأتهُ يسيرُ على مقربة منها ولكن لم يلحَظها ، هل صارَت تُهلوِس بِهِ الآن ؟! جَذَبَت صديقَتها السائِرة إلى جِوارِها مِن مِعطَفِها الأبيض : كلارا أتَرينَ ما أرى ؟! سألتها الشابة الأُخرى : ماذا ؟! أشارَت عَليهِ بِرأسها دونَ إصبعها حتى لا يُلاحِظهما : ذو البشرة الفاتحة جِدًا والشعر الأسود !! هذا لويس !! توسعت عينا صديقتها : أنتِ .. تمزحين ، صحيح ؟!! أوَل ما خَطَرَ بِبالها إنهُ رُبما يواعِد كِلتاهما في نفس الوقت ويخدعهما ، هذا التفسير الوحيد لصدمتها ! لكن أيفعلها لويس ؟ هوَ ليس هذا النوع من الشباب !! مع ذلك فهو وسيم ! لو أرادَ لاستطاعَ أن يفعلها بِكُلِ سِهولة !! -إنهُ القضية المُستحيلة !! -ماذا تقصدين ؟ -كيفَ لكِ ألا تُلاحِظي كونَهُ مريض ؟! وتدعينَ نَفسَكِ طبيبة نفسية ؟! -ما الذى تقولينَه !! لويس صاحِب شخصية رائِعة !! -هوَ مُصاب باضطراب الشخصية المختلطة !! الخارِجة عن العَشر اضطرابات الرئيسية ، أتفهمين ؟! شَخصٌ مثله لا يُمكن التنبؤ بِه لأنه اندماج لعشر اضطرابات في آنٍ واحِد ! لديهِ القابلية لأن يُصبِحَ أي شيء !! -لا أصَدِقُكِ !! لويس سَوي جِدًا !! تَمَنَت لو إن صَديقتها كاذِبة ! أو إنها تَغار ! لكن الشابة الأُخرى فَتَحَت مَلفًا كانَ بيدها فيهِ صورةٌ لَهُ مع باقي البيانات ! حَدَقَت بالمَلفِ لثوانٍ حتى بدأت دِموعها بالهِبوطِ أمطارًا !! تنظُر للكتابة ثم تنظر له حتى تلاقت أعينَهُما فَفَهِم ما قرأت ابتسم بِشِحوبٍ هل هذا الوداع ؟ كانَت ابتسامته أمام دِمعتها
|
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم 🌠
لا إله إلا الله محمد رسول الله 🌠
الله أكبر 🌠 |