الزهرة السابعة عشر : ليلة حول النار الدافئة
أخذَ لوكي يروي بصوتٍ خافتٍ و مخيف : لفّت نفسها بالشرشفِ الخفيف وأخذت ترتجفُ من الخوف، شعرت الطفلةُ بنسماتِ الهواءِ الباردة تلفحُ وجهها، التفتت ببطءٍ و رهبةٍ شديدين نحو النافذةِ على يمينها " إنها مفتوحة !!، كيف ذلك !، لقد تأكدت من إيصادها " قالت الطفلةُ بينها و بين نفسها، فإذ بها تشعر بأنفاسٍ دافئة تداعب وجنتها اليسرى !، التفتت ببطءٍ ورهبةٍ أشد من سابقتها وما كان ماتراه إلا !-
احتضنتا بياتريس و روبي إحداهما الأخرى و أخذتا ترتجفانِ خوفًا
ليكمل لوكي بعد أن رفعَ صوتهُ فجأة : إنه سفاحُ الغابة !!، و في لحظةٍ واحدةٍ فقط !، أخذ جلدُ الفتاةِ يتلاشى في الهواء ليحل محله لحاءٌ كاد يكون أبيضًا لشدةِ شحوبه و يتفتتُ إن حطّت محطه بعوضة لشدةِ تيبسه !، تحولت الطفلةُ إلى شجرة و على جذعها حفرتان مدورتان في الأعلى و أسفلهما فتحةٌ بيضويةٌ متطاولة أكبر منهما قليلًا !، كانت تلك الفتح ما هي إلا ملامحُ الفتاةِ المرعوبة قبل أن تمسي شجرة بلا روح !
دمعت عينا الفتاتين لتحتضن إحداهما الأخرى بقوةٍ أكبر صارختين معًا : لـ~ـا~~
و في تلك الأثناء، كان ماركوس يبتسم ببلاهة و قد أحاطت به هالةٌ من الزهور، بينما جوليا فهي تستمع باهتمام و عيناها تلمعان إعجابًا، أما هاري ذهب إلى النومِ مسبقًا و راين يصفق و تعابيرُ وجههِ توحي بعدمِ اهتمامهِ بتاتًا
قال لوكي بمرح بينما ينحني شكرًا لهم : شكرًا شكرًا، لاداعي لكل هذا التصفيق !
" بياتريس : اسمي هو بياتريس، سبعة عشر عامًا، وأنا في طريقي إلى قريةِ الزهور... بعد ذلك اليوم، تحسنت حالةُ راين سان ما إن مرت أربع و عشرون ساعة، مع أنّ جروحه تشفى بسرعة، إلا أن نقص المانا هو مسألةٌ مختلفة كل السحرة فيها سواسية... على كلّ حال، ما لبث أن شفي حتى انطلقنا مجددًا ! "
- قبل بضعة أيام -
نادت بياتريس قائلة : راين سان !، لوكي !... سوف ننطلق !!.
لم يجب راين بل اكتفى بالتلويحِ لها و هو يقتربُ منها بخطواتٍ هادئة، بينما اتجهت هي نحو القبور لتقابلها بدون حراكٍ تارةً و تبدأ بتزيينها بالزهورِ تارةً أخرى، نهضت لتقف أمامها بضع وقت و في النهاية وجهت لخديها صفعةً قوية حتى احمرا تمامًا جرّائها، و بطبيعةِ الحال اكتسحت الدهشةُ وجوه من حولها فازدادت أكثر حين التفتت نحوهم مبتسمة
فقالت بمرحٍ و سرور : هذا أفضل بكثير !، لا يمكنني البقاء محبطةً إلى الأبد !!
- عودة إلى الحاضر -
ألصقت أنامل ميسرتها بأنامل ميمنتها أمام شفتيها بخفة، اعتلى المرح الممزوج مع الحماس نبرتها لتليها قولًا
جوليا : أنا أعرف قصةً مخيفة أيضًا !
قالت بياتريس بنبرةٍ طفوليةٍ باكية : أرجوكم توقفوا !، يُشاع أني سأتمكن من إغماض عينيّ الليلة !
لتقول الأخرى بصوتٍ امتزج بعلوه مع الخشونةِ والارتجاف
روبي : أ أنا لست خائفة !!
فهمهم لوكي بمكر ليردفه قوله بنفس النبرة : هم-هم~!!، لستِ خائفة هاه ~، إذًا لن تمانعي الاستماع إلى قصة جوليرين أستفعلين ؟
اقشعر بدنها من أسفله و حتى اعلاه فردّت و تلك النبرة لم تفارق صوتها
روبي : هـ هاتِ ماعندكَ !!
نهض راين من مكانهِ بهدوء ليستوقفه لوكي مستفسرًا : إلى أين أنت ذاهب ؟، راي تشي... أأنتَ خائف ؟، أستهرب ؟، جبا~ن...
فرد عليه المعني منزعجًا : ومن الذي سيخاف قصةً رديئة كهذه... أنا ذاهب للنوم...
ليبتسم الأول بخبث فيقول ساخرًا : همم ~، لقد فهمت، لابأس إن كنتَ خائفًا ~
تجاهله راين و همّ يتعمق في الغابة ليلوح لهم في الهواء دون أن يلتفت
نهض ماركوس ولم تفارق تلك الابتسامةُ العريضةُ شفتيه ليقول بودية : للأسف، أنا متعب كذلك لذا تصبحون على خير...
استغلت بياتريس الموقف لتقول مرتبكةً و النشاط قد بان بقوة على نبرتها : أنا أشعر بالنعاس أيضًا !
ليجيب لوكي ببرود : مع أن نبرتكِ تقول العكس...
فتنهد و استكمل حديثه : يا لكم من مملين.. إذًا فلم يتبقَ سوانا أنا و روبيرين و جوليرين في النهاية ها~ه...
التفتت روبي إلى بياتريس سريعًا و حدقت بها بنظراتٍ تقول " لا تتركيني بمفردي أيتها الخائنةُ اللعينة "
" بياتريس : صفقت يداي أمام وجهي معبرةً عن أسفي لها لتركي إياها وحدها ولحقت براين سان وماركوس سان الذاهبين إلى النوم، بعد عدةِ ساعات أفقتُ من نومي رغبةً في الماء... أنا فعلًا أرى أحلامًا غريبة منذ تلك الليلة حين اكتشفنا الجثث... مررتُ في طريقي براين سان المتكئ على الشجرة، لقد كان نائمًا بعمق، و بطبيعة الحال التفتُ نحوه بعفوية، لكني رأيت ما صدمني حقًا !، إنها دموع !، راين سان يبكي بينما هو نائم !، أتساءل بماذا يحلم... هل يتألم ؟... أم هو فقط يحلم بتلك الفتاةِ المدعوة بسارا تشان ؟"
فتح عينيه البنفسجيتين بهدوء ليفاجأ بعينيها الزرقاوتين تحدقان به مطولًا
ابتعدت بياتريس عنه سريعًا لتهتف بخفة : كيا !
فقال الآخر بنبرةٍ ناعسة : أنا من عليه قول ذلك...
لتسأل مستفزة : و هل يصرخ راين ساما كالفتيات ؟
زفر الهواء ثم تبعه بابتسامةٍ خفيفة ليقول : اخرسي...
تنهدت بتململ لتشيح بنظرها إلى الجهةِ الأخرى متذمرة : شكلك الآن نقيض تصرفكَ الفظ تمامًا...
ليسأل مستغربًا : ماذا تعنين ؟
رفعت سبابتها نحو وجهه و قالت دونما التفات إليه : تحسس وجنتكَ اليسرى لتعلم...
رفعَ راين يده بخفة ليتحسس رطوبةَ وجنتهِ بأنامله فأطلق صوتا مستفهمًا
بينما التفتت هي نحوه لتقول بتململ : أرأيت ؟... لقد أخبر-
قطعت كلامها فور رؤيتها لوجهه المحمر و هاهو يشيح بنظرهِ إلى الأسفل لتستكمل دونما وعي : تك...
فقال بترددٍ واضح : و ماذا في ذلك ؟، ألا يحق لي الـ.. بـ.. بكاء من حينٍ لآخر ؟...
سكتت بياتريس لتجلس قربه و تضم قدميها لصدرها بينما تطأطئ رأسها إلى الأسفل
ثم قالت بصوتٍ خافت : أحلمت بشيء سيء ؟
فاكتفى راين بالهمهمةِ إيجابًا...
بياتريس : أكان عن سارا تشان ؟
راين : أجل... و إدغار كذلك...
فسألت : إدغار ؟
ليجيب : التوأم الأكبر لها...
أردف راين بعدما تدارك نفسه : آسف.. لا شيء.. عودي إلى النوم...
أغمض عينيه وكتف ذراعيه مباشرةً دون أن يترك لها فرصةَ الحديث فما كان منها سوى النوم هي الأخرى