البارت الثالث بعنوان (وجوه كثيره) | | | | لقد اكتشفت خلال عملها مع أندريس أن له العديد من الوجوه ، منها الغاضب والمتسامح، القاسي واللطيف ، الساخر والمعاون ،و العديد العديد كما اكتشفت شيئا ادهشها وهو انه شديد الصبر الى درجة غير معقولة فخلال وجودها هنا والذي لم يتجاوز الاسبوع ارتكبت الكثير من الاخطاء كان منها ان اوقعت كريستال الثريا التي احضرها اندريس ليعلقها في منزلها _والذي لا تزال تنقصه بعض اللمسات _ ورغم انه لم ينكسر الا انه تناثر في أرجاء الغرفة ما اضطرهما أن يقوما بجمعه ومن ثم اعادة وصله بعضه ببعض كما كان من قبل ،يومها قالت له:
_انا آسفة لم اقصد
_اعلم هذا فانت تقومين باشياء كثيرة لا تقصدينها
رد عليها بعتب وهو يلوي فمه بطريقة ساخرة
_وانت تعطي الكثير من التعليقات الجارحة والتي لا فائدة منها
ردت عليه بغضب
فابتسم وهو ينظر لوجهها المحمر غيظا واجاب مازحا:
_ آسف لم أقصد
نظرت ناحيته تريد ان تنقض عليه وتشبعه ضربا الا انها انتبهت لصورة وجهها في المرآة المعلقة خلف أندريس على الحائط ،لاحظت شعرها المتشاجر مع بعضه والغبار الذي يغطي وجنتها اليمنى ووجها المحمر ،فما كان منها الا ان انفجرت ضاحكة على شكلها ،واخذت تؤنب أندريس قائلة:
_أنت متوحش حقا !! كيف تفعل هذا بي؟؟
_انا!! ما الذي فعلته ؟؟
أشار بسبابته الى نفسه باستغراب
أومات بايجاب وردت وهي تتصنع البكاء:
_أجل انت ،انظر لما فعلته بملكة جمال لندن
_الم اقل لك من قبل بانك متكبرة نوعا ما؟؟
رد عليها بسخرية بدت جلية في نبرة صوته:
فقالت والمرارة قد بدأت تشق طريقها اليها:
_ماذا ستقول لو عرفت سيلفيا؟
_ومن هي سلفيا ؟؟؟
سأل بحذر خشية التسبب في ما لا يحمد عقباه
تنهدت بعمق وأخذت تسترجع بعض الذكريات التي جمعتها بسلفيا فلم تستطع أن تجد أي ذكرى سعيدة ، في المدرسة الابتدائية كانت تطلب من الفتيات الا يلعبن معها وهن كن يطعن أوامرها _خوفا ليس الا_ وفي الاعدادية كانت تسخر منها وتعايرها بموت امها وتصفها باليتيمة البائسة ،اما في الثانوية فكانت تسخر منها لانها تعمل في الشركة بدل والدها كما كانت تقول لها :
_والدك والد فاشل كيف يسمح لابنته ان تعمل عنده ،وفوق هذا انه لا يعمل بل يجلس في المشفى متذرعا بحجة المرض
ولم يكفها ذلك بل هزت راسها باسى وقالت بازدراء:
_ما هذا الوالد ؟؟؟
ولم تكد تنهي جملتها حتى تلقت صفعة قوية منها وتشاجرت الاثنتان وتبادلتا الشتائم ،وانتهى الامر بهما في مكتب المدير الذي اعرب عن شدة اسفه لهذا الوضع ،لكن سلفيا بمكرها استطاعت ان تقنع المدير بان دايزي هي البادئة،فما كان من المدير الا ان القى قنبلته وقام بطرد دايزي الى مدرسة اخرى وسرعان ما وصل الخبر الى والدها الذي تدهورت حاله أكر فأكثر . هذه الاسباب هي نقطة في بحر من المشاكل التي تسببت بها سلفيا لدايزي.
_هل حالة الشرود هذه حالة عادية عندك ام انها حالة تستوجب العلاج
صوته الساخر ونبرته العميقة أخرجاها من سيل الذكريات التي توالت على رأسها دفعة واحدة
نظرت نحوه وابتسمت بهدوء وأجابت:
_لا تقلق لن تدفع تكاليف علاجي اذا ما تبن انها حالة خطرة
نظر نحوها بلوم وعتب يلومها على سخريتها الهادئة
ضحكت بصوت عال وهي تقول:
_أنت تفعل هذا بي دائما ،عسى أن تدرك معاناتي من جراء سخريتك
لوى فمه وهو يعيد الموضوع الى دفته الاصلية:
_هل ستخبرينني من هي سلفيا أم ماذا؟
ترقرقت الدموع في عينيها وهي تجيب بهدوء مزيف:
_انها من دمر حياتي ولن أسامحها على ذلك
رأى عينيها المغرورقتين بالدموع فاقترب يعتذر غير عالم سبب البكاء ،لكنها أسرعت بمسح دموعها ومن ثم اعتذرت بكلمة واحدة كانت :آسفة ،و ......... خرجت . لا لن ابكي لن افعل ،لا لقد وعدت نفسي بهذا ،أخذت تردد هذه العبارة وهي تغالب الدموع التي ترقرقت في عينيها الفيروزيتين .
لقد سرقت سلفيا ثاني أعز شخص على قلبها – بعد والدها – لقد كان يملأ حياتها هو من دعمها وساعدها وشجعها ولا أحد يعلم ما كان سيحل بها لو لم يكن موجودا في حياتها ،ضحكاته لا تزال تضج في ذاكرتها وصورة وجهه المرح لا تزال محفورة في ذاكرتها .
شعرت بيد دافئة على كتفها فاستدارت بعد ان مسحت عينيها من آثار الدموع ،فاذا بها ترى السيد هاري ينظر اليها وابتسامة حنونة على شفتيها ،لاحظ شحوب وجهها وارتجاف يديها فسالها بحنان وقلق :
_ ما الامر يا صغيرتي ؟ ما بك ؟ قال لي اندريس انك خرجت مسرعة من بيتك بعدما تحدث اليك وقال انه من الافضل ان اتي وارى ما بك فهو يظن انه السبب في انزعاجك
هزت راسها نفيا واجابته بهدوء:
_لا لا ،ليس هو السبب انما تذكرت شخصا ازعجني ووترني وهذا كل ما في الامر ولا علاقة لاندريس بذلك
_هل انت متاكدة؟
_أجل لا تقلق يا عم
ابتسم لها بحب واحتضن وجهها بين يديه الضعيفتين وقربها منه ثم طبع قبلة على جبينها وطلب منها ان ترتاح فهي هنا في استراليا ومن ازعجها في انكلترا والمسافة كبيرة جدا بين الدولتين.
شكرته على لطفه وقلبها يفيض محبة واحتراما لهذا العجوز اللطيف، وعملت بنصيحته واتجهت الى منزلها .
دخلت من الباب الخشبي ودلفت الى القاعة ذات الجدران السكرية المزينة بلوحات لازهار ذات الوان دافئة باللونين الزهري والبنفسجي الهادئ ، نظرت حولها ومن ثم ابتسمت لقد استطاعت وفي غضون اسبوع واحد فقط ان تحول ما كان خربة الى منزل مليء بالحيوية والانوثة التي تلاحظها اينما اتجهت.
اعدت لنفسها كوبا من القهوة الساخنة وصعدت الى غرفة نومها وضعت الكوب على الطاولة المستديرة ذات اللون البني الباهت واتجهت الى خزانة تقع في نهاية الغرفة و فتحت احد الادراج فيها وقامت باخراج كتاب بلون عينيها مرصع بالخرز حملته وحملت كاس القهوة واتجهت الى شرفة الغرفة والتي تطل على المخيم باكمله جلست على احد تلك المقاعد البيضاء المنتشرة على الشرفة والتي تشبه تلك التي على الشواطئ،انها لم تر المخيم باكمله يبدو المحيط قريبا ، ابتسمت بحزن ومسحت بيدها على سطح الكتاب ثم تنهدت وفتحت ذلك الكتاب ،لم يكن كتابا !! وانما كان البوما للصور ، البوم لصور تجمعها بوالدتها في صغرها تاملت صورة والدتها ،لقد كانت والدتها تحب البحر بل تعشقه وعشقها هذا هو ما اودى بحياتها ،اصغت الى صوت تصادم الامواج مع الصخور،اشبعت رئتيها بهواء البحر المنعش ،انها تشبه والدتها كثيرا ليس في الشكل فقط بل في حب البحر انها تحبه ولكنها تدرك خطورته ، قال لها اندريس يوما:
_البحر واسع جميل ومليء بالعجائب ولكنه خطر ، لكن الشيء الذي يتجرد من غموضه يضحي شيئا لا يثير الاهتمام والبحر كما المحيط مملوء بالغموض ويسعى كثير من الناس الى حل الغازه واكتشاف مخلوقاته وبعضهم من يتحداه وبالتاكيد يفشل امام هذا الشيء العظيم .
شعرت بالبرد فافرغت ما بقي في الكوب بفمها ودلفت الى الداخل ،شعرت بالدفئ يسري في جسدها وشعرت بالامل يتجدد في اعماقها فابتسمت وقررت ان تصلح حالتها المزرية فدخلت الى الحمام المذهب وافتحت الصنبور فتدفق الماء دافئا داخل الحوض نظرت بفرح الى كل تلك العطور والزيوت والشامبوهات وفكرت بانه لا بد وان يكون هذا مركز استجمام للاغنياء فكل ما ينقص هذا المنزل هو تلفاز وخط انترنت . بعد ان استحم وانعش جسده المرهق ،جلس الى شاشة حاسوبة النقال فهو وان كان في عطلة فلا يزال رئيس شركة ولا زال عليه ان يقوم باعمالها ولو كان ذلك على حساب راحته.
بعد ان عاد الى المنزل وجد ثلاث رسائل على بريده الالكتروني كلها من سكرتيرته تنبؤه بان مشكلة خطيرة قد حلت وانها تحتاج مساعدته ،نظر الى ما ارسلته من معلومات فوجد ان هناك تراجعا في مبيعات الشركات طمأن سكرتيرته الى انه سيجد الحل وان عليها الا تقلق وان تهتم بباقي الاعمال .
انتصف الليل وأندريس لازال جالسا يحاول حل هذه الازمة ،مسكينة سكرتيرته انها الثالثة التي تستلم المنصب بعد زوجة خاله والتي اعلنت عدم قدرتها على العمل اكثرمن ذلك ،يمتاز اندريس بانه ذو طبع حاد في العمل فالجد جد بالاضافة الى انه كثير الطلبات ويتوقع ان تنفذ طلباته في نفس الوقت الذي يطلبها فيه وتلك السكرتيرات المتدربات لا يصلحن لمثل هذا العمل ، انهن دوما خائفات منه لكثرة صراخه ودوما مرتبكات يخفن ان يطردن ولكن الامر في النهاية يؤول الى ان يستقلن بمحض ارادتهن غير قادرت على اكمال المسيرة وهذه هي الثالثة التي يحضرها هذا الشهر وهي جيدة نوعا ما فهي قلما ترتبك, أو تسرح وقد وضع ثقته فيها حتى انه ترك الشركة تحت ادارتها ولكنها لا زالت تحتاجه في بعض المواطن حيث لا تستطيع التصرف.
تنهد بتعب بعد ان ادرك سبب هذا التراجع ان قسمي الدعاية والمبيعات مقصران قليلا وسوف يعالج الموضوع غدا ،سيعقد اجتماعا عبر الانترنت يجمعه بمديري القسمين وسيبحث الامر معهما ، اغمض عينيه بتعب و أغلق شاشة الحاسوب ثم اسند ظهره الى المقعد الجلدي الفاخر .
لقد فعل كدايزي تماما في اول يوم له هنا لقد قام بتجهيز بيت يخصه ،منزل يشبه شقته في نيويورك والتي هي ثاني مركز لاعماله بعد أثينا ،قام بطلاء جدران الغرفة التي اتخذها مكتبا باللون الابيض وملأها بالمقاعد الجلدية الوثيرة ووضع في منصف الغرفة طاولة زجاجية ووضع عليها باقة من الزهزر البيضاء تزين الزهرية السوداء الموضوعة في الوسط ،بدت الغرفة كئيبة ومملة وتحتاج الى لمسة انثوية ،هذا ما قالته صوفيا ،انها دائما تؤنبه على ذلك ولكنه لا يستمع لها ويقول بان لا دخل لها بمكتبه وبيته .
خرج من الحمام و هو يجفف شعره المبتل بمنشفته البيضاء ،لقد تلقى اليوم الكثير من ضغوطات العمل ولكنه تجاوزها بنجاح كما اعتاد فهو نابغة في التعامل التجاري ويحصل دائما على ما يريد لم يخرج يوما من اجتماع الا ويتاكد ان كل كلماته ستطبق حرفيا ولم يخرج يوما من صفقة الا وكانت لصالحه ،لقد عمل بجد في مراهقته ،
بدأ عمله في شركة العائلة في 15 من عمره وكان دؤوبا يسعى للافضل دائما وارتقى سلم النجاح خطوة خطوة حتى وصل الى مجلس الادارة ومن ثم ترأسه ، جمع كل تلك الملايين بعرق جبينه لم يطلب مساعدة احد ولم يحتج شفقة اي شخص ،انه لا يحتاج الى اي من جديه ليساعداه فهو ليس مراهقا ولا طفلا ويستطيع تدبر اموره ،ان كان جده لوالده قد تخلى عنه فهذا لا يعني ان حياته انتهت ،لم يكن جده موافقا يوما على زواج ابنه الانجليزي من امراة يونانية وما زاد الطين بلة هو ان أندريس لم يرث جمال الانكليز البارد وانما ورث تلك الدماء الحارة عن والدته ما اثار حفيظة جده والذي تخلى عنه بعد موت والديه ولم يعترف به .
نظر الى الغرفة ذات الجدران القشدية والستائر المخملية وتنهد براحة ، من الجيد ان صوفيا تولت امر تاثيث هذه الغرفة والا لكان شعر ببرودة كتلك التي يشعر بها في مكتبه حيث يعمل .
على الرغم من ان صوفيا ليست من العائلة الا انه يعتبرها كذلك ، انها سكرتيرته في استراليا كما انها صديقة طفولة له ، ولطالما عاتبته على ذوقه البارد وكانت تمازحه قائلة:
_ان لم تكن قد ورثت جمال الانكليز البارد فقد ورثت ذوقهم
كان يكره الانجليز رغم انه واحد منهم ،لكن تلك الفتاة (دايزي) ،انها مختلفة كانما تخبئ حزنا دفينا داخل قلبها، وسلفيا هذه ماذا يمكن ان تكون قد فعلت؟؟
تلك الفتاة محيرة حقا ولكنه سيعمل على فك الغموض المحيط بها وسيعلم ما الذي يزعجها ،ولم خرجت هكذا اليوم؟
استلقى في سريره الدافئ وعلامات التصميم بادية على وجهه ، انه ادنريس سوفاكيس الذي لا يرد له طلب ولا يصعب عليه شيء وهذه الفتاة لن تكون سرا يتغلب عليه. | | | | |
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
|