البارت الخامس (بعنوان (الفتاة المزعجه) فتاة مزعجة | | | | أشرقت شمس الصباح على تلك المياه المتألقة بلونها الأزرق الأخاذ،وأخذت الطيور تنشر زقزقاتها على طول الشاطئ البديع ،وقف يتأمل ذلك المنظر والنسمات الممتزجة برائحة البحر تتلاعب بشعره الأشقر وتبعثره بطريقة أضفت على وجهه المبتسم جاذبية مضاعفة .
_هل ستبقى واقفا هنا ؟
جاءه صوت عميق من خلفه ،فالتفت وعلى ثغره ابتسامة عذبة ينظر لوالده الذي وقف على مقربة منه وأجاب:
_بالتأكيد لا يا أبي
نظر والده باتجاه المحيط وقال بهدوء:
_أتعلم لقد بدأت أشتم رائحة المشاكل
نظر إليه (نيكول) بسخرية وهو يقول:
_بوجود دايزي وأندريس تحت سقف واحد فهذا يعني أن حربا عالمية ثالثة ستقوم
تألق شعر السيد (بروس) القاتم والذي تخلله الشيب تحت ضوء الصباح ،أخذ نفسا عميقا ومن ثم نظر إلى نيكول بنظرة يمكن من خلالها أن تدرك الشبه الكبير بينهما :
_لا أدري يا بني ،ولكن كنت أقصدك أنت وليس دايزي وأندريس [img]http://img104.***********/2010/05/01/168811516.gif[/img]
_هيا إلى الفطووووووووووووووووووووور
صاحت بالأطفال بصوتها الحاد العالي وهي تطرق على قدر حديدية بملعقة ، نهض الأطفال من مضاجعهم يتذمرون ويشتكون ،بعضهم يشد شعره وبعضهم يتثاءب والبعض الآخر يسير وهو نائم .خرج أندريس من بين الأطفال وهو يحاول أن يعيد ترتيب شعره بأصابعه الطويلة السمراء،شاهدته دايزي فاتجهت نحوه تسأله بسخرية:
_ماذا؟ هل عاقبك السيد هاري بالمبيت معهم لأنك لم تكن مهذبا البارحة
تثاءب وهو يرد عليها قائلا:
_لا أعلم السبب ولكنك تبحثين عن المشاكل وستجدينها
نظرت دايزي إلى شعره المشعث وملابسه غير المرتبة ذات الألوان غير المتناسقة ،بنظرة تقيمية ساخرة ومن ثم شخرت بازدراء:
_ألم يعلمك أحدهم أنك إن لم تهتم بمظهرك فلن تتزوج أبدا
أجابها بهدوء:
_عندما أختار زوجة لي سأختارها فتاة جميلة ،ذكية وفوق هذا وذاك زوجة تحبني لنفسي ولا تهتم بما أرتديه،وهذا يعني أنك خارج قائمة المرشحات
_ومن قال بأنني أريد أن أكون على قائمتك،هذا إن كان لديك قائمة أصلا!!!
جاءها صوت صوفيا المرح يقول:
_صدقيني لديه واحدة ،وإلا لما كانت الجميلة لوسيتا تركض وراءه كالمجانين
التفتت إلى أندريس وألقت عليه تحية الصباح ،بينما اغتنم الأخير الفرصة ونجا بجلده ،ومن ثم التفتت إلى دايزي الغاضبة وقالت وهي تلوح بيدها بخفة:
_هوني عليك ،ثم على حسب علمي أنت من بدأ تلك المشادة
دايزي والغضب لازال يعتمل في داخلها:
_في صف من أنت؟؟ كنت أظنك ضمن فريقي
أخرجت صوفيا لسانها بمرح ،تقول:
_آسفة ،ولكن لا يمكنك إنكار جاذبيته
شهقت دايزي بدهشة:
_جااااااااااااااااااااااااذبيته،لا تقولي لي أنه استولى على دماغك أنت أيضا
_دايزي، نحن أصدقاء منذ الصغر ولم نفترق إلا السنوات الثلاث الأخيرة ، وبالتأكيد لن أذمه ،إن أردت الحقيقة أنا اعتبره أخي الأكبر فلطالما ساعدني
قالت دايزي وكأنها أدركت للتو أنها لم تر أيا من ساندرا أو النيكول اليوم:
_أين ساندرا وشقيقها اللطيف
أطلقت صوفيا ضحكة خفيفة :
_شقيقها اللطيف،كنت أظنكما تشاجرتما في أول يوم رأيته فيه
_أجل ،لكنها كانت سحابة صيف عابرة ،أنا وهو متفقان
والتهبت عيناها وهي تكمل:
_أما أندريس فأنا وهو كالماء والزيت مهما حركتنا فلن نتوافق أبدا
_أفضل تشبيهكما بالنار والبارود فهذا يصف الوضع بطريقة أفضل
تنهدت دايزي وهي تقول :
_حسنا دعينا من الجدال علي أن أذهب لتفقد الأطفال [img]http://img104.***********/2010/05/01/168811516.gif[/img]
صراخ وفوضى وأحاديث بريئة خالطت النسمات الدافئة والتي تهب على غرفة الطعام ذات الجدران الخشبية المزينة ببعض الأعمال الفنية والتي أبدعتها أيدي نقية ،بريئة ،صغيرة .وقف كل طفل يشير إلى اللوحة التي رسمتها يداه بفرح والغبطة تملأ وجهه وتزين ملامحه البريئة بنوع من الجمال لا تراه إلا في الأطفال.
إنه يحسدهم ،لا شيء يهمهم ،ليست لهم شركات يقلقون بشأنها ولا أسهم يهتمون بارتفاعها وانخفاضها ،ليس عليهم أن يتابعوا أخبار ((البورصة)) ولا أن يمضوا ساعات يخططون للاجتماعات ،وفوق هذا وذاك ليس لديهم
من يتقاتل عليهم ،إنه واقع بين جديه كل منهما يريده لنفسه،فجده لأبيه ((ريتشارد)) يرى أنه أحق به ذلك أنه ابن ابنه الوحيد - رغم أنه تخلى عنه في أول فرصة سنحت له بذلك- أما جده لأمه((ليونيداس)) فيرى أنه الأحق برعايته لأنه من رباه واعتنى به ،وكل منهما نسي أنه تجاوز المراهقة منذ زمن يمكن أن يقال عنه أنه بعيد،فبعد
قرابة الأسبوعين سيبلع 27 من عمره ما يعني أنه يستطيع الاعتماد على نفسه.
تنهد أندريس بعمق محاولا طرد الأفكار التي استولت على رأسه فجأة مذكرا نفسه بما ينتظره بعد أن ينتهي من ارتداء ملابس ((لائقة)) –على حد قول دايزي- وبما أنه قرر إعلان الحرب عليها ،ارتدى بنطالا باهت اللون
ممزق من الأسفل وارتدى فوقه قميصا لا أعرف بالضبط ما لونه ، فهو مزيج من الأخضر والبني ،لون غريب إلا أنه أظهر جمال جبهته العريضة التي لوحتها الشمس و خديه البارزين وأنفه الأرستقراطي الشامج وخطوط فمه القاسية.
وقف ينظر إلى نفسه بسخرية ويفكر:
_لنرى الآن ماذا ستكون ردة فعل الآنسة أناقة على هذا الموديل الجديد
بالتأكيد لن يعجبها الأمر ،إنه لا يبدو سيء المظهر ولكن هذه الألوان....... إن أقل ما يمكن أن يقال عنها هو أنها ليست متناسقة البتة [img]http://img104.***********/2010/05/01/168811516.gif[/img]
دخل أندريس إلى غرفة الطعام متبخترا ،يلقي بنظراته الساخرة في كل مكان ،ولكنه ألقى نظرة واحدة محملة بالحنان خص بها تلك الطفلة الشبيهة به ((تانيا)) تهللت عيناها فرحا عندما رأته وأسرعت إليه تحتضنه وتثرثر بلغة غريبة غير أن أندريس كان يجيد تلك اللغة ،حيث رفع الطفلة بين يديه وأجلسها في حضنه وراح يستمع لكل ما تقوله ويضعي إليه أشد الإصغاء .دخلت دايزي بشعرها الطويل المسرح بعناية وبنطالها الغالي الثمن وقميصها ذي اللون الزهري والذي جذب أنظار الفتيات الصغيرات اللواتي تحلقن حولها ينظرن إلى ذلك الجمال الذي بدا وكأنه أضفى رونقا مميزا إلى هذا اليوم العادي.
من عند الباب وقفت كل من صوفيا ذات الشعر الأحمر وساندرا ذات الشعر الكستنائي تراقبان الوضع ،قالت صوفيا موجهة حديثها لساندرا:
_انظري أنا متأكد من أنهما سيتشاجران الآن ،لقد طلبت منه أن يحسن مظهره قليلا ولكنه عنيد
عبست ساندرا وقالت:
_ليتها رأته في بذلته الداكنة ،أو ذاك البنطال الكاكي !!
لكزتها صوفيا تقول:
_لا تتحدثي عن أخي بتلك الطريقة
ردت لها اللكزة وهي تقول بمكر:
_منذ متى كان أخا لك
احمرت صوفيا خجلا ،لكنها سرعان ما تداركت الموقف لتجيب بهدوء مزيف:
_منذ زمن بعيد
أطلقت ساندرا تنهيدة تدل على الضيق وقالت :
_صوفيا،أعلم أن جد أندريس طلب منك مراقبته ولكنه لم يعد طفلا عدا عن أنه يفوقك سنا
ومن ثم أردفت بفظاظة :
_بصراحة أنا أعتبر جديه غبيين ،ألا يدركان أنه ليس طفلا ،حتى عندما كان طفلا لم يكن يحتاج إليهما
دخل نيكول بشعره المشعث وعيناه اللتان تلمعان جدية _ولأول مرة_ وقال:
_الحقيقة أنهما من يحتاج إليه وليس العكس ولهذا ترين كل واحد منهما يخاف على أن يسرقه الآخر منه
قالت الفتاتان معا بحزن:
_أنت محق
تحول البريق الذي في عينيه إلى بريق تسلية وقال يشير إلى غرفة الطعام :
_تعاليا وانظرا لقد تشاجر الثنائي المخيف
ركضت الفتاتان لتقفا بجانبه تحدقان بالجدل القائم بين أندريس ودايزي.
صرخت دايزي بأعلى صوتها باشمئزاز:
_ما هذه الألوان؟؟؟ هل عملت زبالا يوما
أجاب والنظرات العابثة تلوح في مقلتيه:
_لا،لما تسألين؟
أجابت بسخرية مشيرة إلى ملابسه:
_لأن هذه الملابس تبدو وكأنها التقطت من هناك
اقشعر جسد نيكول وهو يقول للفتاتين اللتين أخذتا تشجعان دايزي :
_ألا تلاحظان ما أحدثته دايزي من تغيير على نمط حياة أندريس ،لقد كان يستيقظ صباحا بوجهه البارد ويلقي تحية الصباح الجليدية تلك ومن ثم ينصرف إلى عمله بهدوء ولكن منذ وقعت عيناه على دايزي و شعلة النشاط تدب فيه ،أتساءل عن الشيء المميز الذي وجده أندريس فيها؟؟
قالت صوفيا بمرح وهي تدور حول نفسها:
_لقد وجد نصفه الثاني
تجمد نيكول ،ونظر إلى صوفيا نظرة تائهة وهو يقول:
_أنت تمزحين صحيح؟؟
هزت الأخيرة راسها ببراءة وهي تقول:
_هذا قدر الجميع فأندريس لم يعد صغيرا وقد آن له أن يستقر
نظر إليها مشككا وقال:
_أندريس لم يقل هذا ،صحيح؟
ارتبكت قليلا وقالت بعد تردد بسيط:
_ليس تماما!!
_وماذا تعنين بليس تماما؟؟
نكست رأسها إلى الأسفل وقالت:
_هو لم يقل شيئا ولكن أنا وبمعرفتي وبالعقل الراجح الذي أملكه استطعت أن أتكهن بذلك
ضحك نيكول بخفة وقال:
_حسنا كل ما أرجوه ألا أكون على هامش حياة أندريس ،وأن يبعث لي ببطاقة دعوة عندما يقرر الزواج [img]http://img104.***********/2010/05/01/168811516.gif[/img] مسحت تلك الفتاة قطرات العرق المتناثرة على جبينها بمنديلها الحريري المطرز ،رفت شعرها عن عينيها وعدلت نظارتها في أعلى رأسها ،ومن ثم وقفت تنظر بهدوء إلى اللافتة الخشبية التي حفر عليها بضعة حروف
كونت اسم المخيم (( البلاد السعيدة )).
اجتازت الفتاة البوابة الرئيسية المصنوعة من الخشب الثقيل والتي فتحها لها الحراس الذين وقفوا يحرسون المكان، بدا لها المكان لأول وهلة كالسجن لكن كلما تقدمت خطوة تبين لها أن ما أمامها ما هو إلا جنة حيث الأشجار الشاهقة ذات الثمار الغريبة الأشكال والألوان ،والأزهار المختلفة الأحجام والأشكار ذات الروائح العطرة التي تضفي رونقا مميزا لذلك الجو الذي يعبق بشذا مئات الأنواع من الزهور.
نظرت إلى البيوت الخشبية المسقوفة بالقش والتي أنعشت ذاكرتها وأرجعت إليها ذكريات طفولتها التي كانت تقضيها على الشاطئ عندما تزور جزر الكاريبي .سارت في الطريق غير المعبد وإعجابها باتقان بناء تلك البيوت المزينة بالشرفات المتعددة المزينة بالأزهار المتسلقة التي تزين الأعمدة يبدو في وجهها ،تراه في نظراتها التائهة وخطواتها المتعثرة .
وصلت إلى ذلك المبنى الكبير المزين بالقرميد ،إنه الوحيد على هذه الشاكلة غير أن له نفس طريقة البناء،صعدت الدرجات الخشبية الثلاث ،وقفت أمام الباب الخشبي المزين ببعض النقوش النباتية وأمسكت بالحلقة الحديدية المعلقة على الواجهة وطرقت بها الباب بلطف ،لم تنتظر إلا لحظات قليلة إذ سرعان ما طالعتها نظرات متعبة لعجوز غزا الشيب رأسه وعلامات الإرهاق بادية على وجهه ،بيد أنه ابتسم عندما ما رآها وأسرع يرحب بها قائلا:
_أهلا وسهلا يابنتي ،تفضلي تفضلي
وأفسح لها المجال لتعبر ،تبعته إلى مكتبه الذي يقع في آخر الممر ،وقفت في منتصف الغرفة وعيناها تلتهمان تلك الكتب المصفوفة على الجدران ،رأى تلك النظرات في عينيها فابتسم وقال:
_صدقت دايزي عندما قالت أنك لا تشبهينها!! | | | | |
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
|