البارت التاسع بعنوان( بين أندريس والموت ..... طلقة مسدس | | | | مصيبة ، لقد ضعت في بلاد لا أعرفها ، و كالعادة .......علي أن أتحمل نتائج أعمالي المتهورة ، هل كان علي أن أغضب لأنه مقزز ، حسنا.... بالتأكيد علي أن أفعل ولكن ليس لهذه الدرجة ، الأمر لم يكن يستحق عناء ترك المجموعة ، والضياع في هذه الحديقة الغبية .
سخرت من نفسها لهذا النعت، كيف للحديقة أن تكون غبية ؟؟ أنا هي الغبية التي تركت البقية وهي لا تملك هافتا ،
ولا حتى رقم هاتف أحدهم .
لم يستلزمها الكثير من الوقت للتفكير بل استدارت وقررت تذكر الطريق التي أتت منها ، ولكن عبثا تحاول ،
فعقلها كان في مهمة أصعب من مهمة تذكر الطريق ،فقد كان عليه إيجاد بعض الطرق التي يمكن لدايزي أن تستخدمها لتزيح تلك الابتسامة الساخرة عن وجهه القوي .
تلفتت حولها علها تجد شخصا يمكن أن يساعدها ، رأت رجلا عجوزا يجلس على أحد المقاعد الخشبية ،ينثر فتات الخبز للحمام ، وعلى وجهه علامات السرور والألفة ، علا ثغرها ابتسامة صغيرة وخطت خطوة إلى الأمام ، لكن يدين قويتين أمسكتا بكتفيها وثبتتاها في مكانها ، نظرت بهدوء إلى اليدين الموضوعتين على كتفيها ، ولكن لدهشتها لم تكن اليدين سمراوين ، ارتفعت تلك اليدان وغطتا عينيها ، في حين اقترب صاحبهما الذي يفوق دايزي طولا منها ، وهمس في أذنها برقة :
_متهورة كالعادة !!
رفعت يديها اللتين بدتا صغيرتين مقارنة بيديه ، ووضعتهما فوق يديه ، همس معاتبا :
_ سمعت أنك لم تسمحي لأحد بالتكلم في أمري طوال فترة غيابي ،فهل هذا صحيح ؟؟
شقت ابتسامة شقية طريقها لثغر دايزي التي تحاول مغالبة دموعها ، وهي تجيب:
_أنا لا أحب أن يذكر اسمك في حضرتي ، وذلك أنك سببت لي الكثير من المتاعب .
صمتت قليلا ثم أردفت بهدوء خائف:
_ والكثير من القلق .
أنزل يديه إلى خصرها وقال ، يغيظها :
_حضرتك ؟؟ تقولينها كما وأنك شخص مهم ، مسكينة دايزي تظنين أن المجموعة الشمسية تدور حولك .
أجابت والغصة تخنقها :
_أترى لقد سخرت مني متجاهلا أنني كنت قلقة عليك ، لازلت مراهقا بالنسبة لي ،كايل .
_ها قد نطقت باسمي ، فهل أصبت بالملاريا ؟؟
قهقهت بخفوت ، وقالت تسأله مطالبة بإجابة فورية :
_لم ذهبت؟؟
رفع يديه ،وتركهما لتستقرا على كتفيها النحيلين :
_سأخبرك ، ولكن ليس الآن ، أنا متعب من الرحلة .
حدق في الدموع التي تلألأت في عينيها ثم تابع :
_متعب جدا ، لقد وصلت البارحة على أمل اللقاء بك ، ولكنني كنت متعبا وبشدة ، وكم انتظرت حتى وصلت الفندق وغطت في النوم ، لكن اليوم أنا كلي لك .
تأوهت بخفوت ، وهي ترتمي في حضنه ، تجمع من حبه الذي فقدته ، تشعر بحنانه الوافر ، وبدفئ صدره الصلب ، لقد عاد ، كايل عاد ........... ضمها إليه بشوق ، وهو يدفن رأسه في شعرها الناعم. [img]http://img105.***********/2010/07/28/301597254.gif[/img] تبعتها عن بعد ، كنت أعلم أنها ستستمر بالسير ،لتضل طريقها في النهاية ، كانت تنظر في الوجوه المحيطة بها ،
يبدو أنها حاولت استذكار الطريق التي قدمت منها ، ولكنها لم تفلح ....... فجأة رأيت شابا قوي البنية ، أشقر الشعر يقترب منها ، كنت سأذهب إليهما ، ولكن عندما رأيت أنها وضعت يديها على يديه ، توقفت....... يبدو أنها تعرفه ، كانا يتحدثان أرا أفواههما تتحرك ولكنني لا أستطيع سماعهما ، فجأة .......أحسست أن قلبي توقف عن الخفقان ، أحسست أن الدنيا تظلم في عيني ، هل يعقل هذا ؟؟ هل ما أراه صحيح ؟؟ أم أنه مجرد وهم ؟؟
رأيتها ترتمي في حضنه ، وتحضنه بقوة ، كأنها تخاف عليه أن يضيع ، كأنه الشخص الوحيد الذي يهمها أمره ،
كأنها لا تستطيع العيش بدونه ، أتعلمون بما أشعر ؟؟ إنها الغيرة !! نعم الغيرة ، الشعور الوحيد الذي لم أظن يوما أنني أستطيع الشعور به ، شعرت بالغضب ، بالكره ، بالرغبة بالانتقام ، بالرغبة بالموت ، حتى أنني شعرت بالإعجاب ببعض الفتيات ، لكن دايزي هي الفتاة الوحيدة التي استطاعت اختراق جدران قلبي ، رقتها ، طيبتها ، براءتها ، عفويتها ، كل شيء فيها يجعلني مستعدا للموت من أجلها ........ماذا علي أن أفعل؟؟ فأنا حتى الآن لست متأكدا من أنني أحبها !! لست أعلم إن كان هذا مجرد إعجاب أم أنه حب ؟؟!
ولكن ما هذا الغباء تقول أنك مستعد لتضحية من أجلها ، ولكنك لست متأكدا مما إذا كنت تحبها ؟؟
يا إلهي ، ما أقصده هو أنني لا أريد أن أجرحها في يوم من الأيام !! لا أريد أن أخبرها يوما أنني لست الرجل المناسب لها ،وأتركها لتنهار ، ولتنهار حياتها من بعدها .
غبي ................لا تعلم ماذا تفعل ؟؟ انهض من مكانك ،اذهب إليهما ، اعرف من ذاك الشخص ، لربما كان أحد أصدقائها ! لربما كان أخاها الذي حدثتك عنه !! أيمكن ذلك ؟؟
وما إن أعطاه عقله فرصة للتفكير حتى راح يتأمل ملامح ذلك الشاب ، طويل ، شعر أشقر بلون العسل ، عينان دائريتان واسعتان تشبهان عيني دايزي ، ولكن باللون الأخضر .
أليست هذه هي الصفات التي ذكرتها دايزي في أخيها ؟؟
أخيرا قرر النهوض والتوجه إليهما ، اقترب بخطوات ثابتة ، يخفي خلفها خوفه وقلقه وتوتره . [img]http://img105.***********/2010/07/28/301597254.gif[/img] كنت أشعر بأن الدنيا لا تسعني من الفرحة ، أردت أن أصعد لأعلى ناطحة السحاب التي تظهر من خلف الأشجار العالية التي تحف الحديقة ، والتي يهيأ إليك أنها تتجاوز السماء التي تراها ، أردت أن أصعد لها وأخبرهم بأن عائلتي اكتملت مجددا ، فكايل عاد أخيرا لقد ظهر ، وهذا يعني أنه قرر البقاء معي .
شعرت بيد تشد شعرها ، رفعت وجهها عن صدره لتقابل عينيه الخضراوين ،و سألته بغضب خفيف:
_لم فعلت ذلك ؟؟
أدارها لتواجه أندريس ،الذي وقف على مقربة منهما ، وصرخ حالما رأى وجهها :
_ أيتها الفأرة ، تخيلي ما كان سيحصل لك لو لم تلتقي بالسيد .
لم تعجبها السخرية المبطنة التي يتحدث بها ، فصرخت به :
_كنت سأرتاح من رؤية وجهك الوسيم للحظات .
رد يغيظها :
_ لا بد أنك تغارين أيتها الفأرة ، وذلك أنك لا تمتلكين نصف جمالي حتى .
كانت تغلي من الغضب ، ولاحظ هو ذلك لكنه تجاهل الأمر عمدا والتفت إلى كايل :
_أتعلمين أيتها الفأرة أنه يلزمك بعض الذوق ؟!! على الأقل عرفيني على صديقك .
مع كلمة صديقك، تلك الكلمة التي قالها أندريس بقليل من الغضب الممزوج بالغيرة، التمع شيء في ذهن كايل ،صاحب النظرات الحادة الذكية والودودة في نفس الوقت ، وجه نظراته التي صب فيها كل ما يستطيع من حنان لدايزي ، التي قالت مكرهة :
_ أعرفك ، إنه أخي كايل الذي حدثتك عنه مسبقا .
لا تعلمون كم كنت سعيدا عندما قالت هذه الكلمات !! شعرت بأنني سأحلق من شدة الفرح ، قلبي الخائف انتظمت دقاته ، وأنفاسي المرتجفة هدأت ، شعرت بأن أحدهم أزاح عن صدري حملا ثقيلا ، كنت أشعر قبل ذلك أن هناك شيئا ما يضغط على صدري ويمنع عنه الهواء ، أما الآن فأستطيع التنفس بحرية ،براحة .... شكرا لله .
_ كايل ، هذا هو أندريس المزعج ، لربما سمعت عن عائلة سوفاكيس اليونانية ، إنه أحد أفرادها .
استفاق أندريس على صوت دايزي المغتاظ يحدث كايل ، الذي سأل مستفسرا:
_ أندريس يانيس سوفاكيس ؟؟؟
هز أندريس رأسه إيجابا ،فتابع كايل :
_أرى أنك استغنيت عن اسم والدك كذلك ، لكن لم؟؟ هو لم يفعل شيئا !!
قاطعه أندريس بسرعة مخافة أن يصل مكانا خطرا ، وقد علم أن كايل يعلم بأمر شخصه ، لاحظ نظرات دايزي المتسائلة ، فقال بهدوء يصرف نظرها عن الموضوع :
_ لقد أخبرتك ، أنا أعتمد اسم عائلة أمي !!
أجابت بنعم بهدوء ، وقد لاحظت لهجة أندريس التي تحذرها و تقول لها : لا تسألي !!
شعرت أن الجو قد شحن بالتوتر ، فسارعت تمسك يديهما وتقول بمرح طفولي ، انعكس أثره على جميع ملامح وجهها ، إذ بدت عيناها أكبر ، وأخذتا تلمعان ببراءة ، في حين صبغت وجنتاها بلون وردي خفيف :
_ حسنا هيا بنا ، أريد زيارة جسر هاربور ، مبنى الملكة فكتوريا ، وكذلك أريد زيارة المركز التجاري الذي بني على الطراز الفكتوري .
هتف أندريس متذمرا :
_ لم لا نعود للبقية ؟؟ ولم علي الذهاب معك أساسا؟؟
لم تتح له دايزي فرصة أكثر للاعتراض إذ سارعت تجذبه وكايل ، وتسير في طريق حف بأشجار النخيل بطريقة ملفتة ، بحيث يوجد بين كل شجرتين سجادة من الألوان الزاهية التي افترشت الأرض ، تنهدت دايزي براحة وهي تستنشق رائحة الهواء المحمل برائحة خليط من الأزهار ، غلب عليها رائحة الياسمين ، الذي تطايرت بعض أزهاره مع نسمات الهواء ، لتحتضن المارين من ذاك الطريق ناشره الأمان في قلوبهم الخائفة ، المضطربة ، المتوترة ، قلوبهم التي تحمل في داخلها ، مرارة الخيانة ، التوق للحنان ، اللهفة للأمان ، تلك القلوب الرقيقة لأولئك البشريين ، الذين شوهوا قلوبهم بالقسوة وانعدام الرحمة ، كما شوهتها الحياة بقسوتها وجورها ، وظلمها الذي لم يسلم منه أحد .
سأل أندريس بهدوء مستفسرا وهو يرى نظرات دايزي وكايل المرتاحة :
_ لم جئت بنا من هنا ؟؟ هذه ليست طريق الخروج !!
ما أدهش أندريس هو أن من أجاب كان كايل ، الذي قال بسرعة ، كأنما يخاف أن يخطف الحديث بعض هذه المناظر الخلابة:
_إنه مكان جميل ديدي فلا تتذمر .
الرحمة !! إنه كالأطفال ، إنه حقا شقيق تلك الغبية ، لا إنه أخوها - صحح لنفسه- ، لقد دعاني بديدي وهذا أكبر دليل على القرابة بينهما ، كما أن نظراته للأشياء من حوله وتلهفه لها يبين مدى البراءة المشتركة بينهما .
غطى وجهها بيأس ، وهو يواجه حقيقة سيره مع طفلين صغيرين ، يقودانه من شارع لآخر في هذه الحديقة المركزية الكبيرة . أبعد يد دايزي عن يده ثم استدار ليقف بين الأخوين وأمسك بيديهما وكأنهما طفلان صغيرا ، في حين أنهما حدقا به بعيون متسعة كعيون الأطفال ، فقال يطلب من الله المعونة :
_رحماك ربي !!
استمر يسير بهما في الطرقات متجاهلا نظرات الناس الفضولية التي تتجهه نوحهم ، وقد أفلتت إلى أذنه بعض عبارات الدهشة والاستنكار :
_ لم يمسك بهما هكذا ؟؟
_هل هما شقيقاه ؟؟
_لربما هما مجنونان ؟؟
فكر أندريس بسخرية أن الافتراض الأخير صحيح ، وإلا لما كان عليه أن يسير بين هذه الجموع وهو يمسك بشابين في الثانية والعشرين من عمرهما .
توقف كايل المفاجئ ، جعل كل من دايزي وأندريس الذي آلمته ذراعه بسبب وقوفه المفاجئ ، يلتفتان له ، وعلى وجههما استفسار ، ضحك بهدوء ، فنظرا له متسائلين ، وعندما رأى نظرتهما ضحك مرة أخرى ولكن بصوت أعلى ، سألت دايزي بفضول :
_ماهو الشيء الذي يضحكك؟؟
أفلت يده من يد أندريس وهو يقول :
_ لا شيء كنت أقول ،إنه لا يجوز لي أن أدخل معكما لهذه المنطقة !!
سألت دايزي مقطبة :
_لم لا يجوز ؟؟
سألت ذلك فيما هي تلتفت لترى ما بال الحديقة خلفها ؟؟ وما هو الشيء الذي يمنعه من الدخول معهما ، و
............... صدمة ........ذهول......غضب اشتعل في نفسها لتعليق كايل ، لكن كل ردود الفعل هذه اختفت بفعل سحر المكان ، مساحة كبيرة دائرية الشكل ، تتوزع فيها كراسي بيضاء جميلة ، وذلك الثوب الأحمر الذي تجملت به الأرض ، والذي يحيط بنافورة صغيرة يخرج الماء من قلب مثبت فيها ، ناشرا رذاذه على الأرض ، وتلك الطيور البيضاء التي أخذت ترتوي من ماء النافورة ، كل تلك الأشياء جعلت دايزي تشعر بالخدر .آاااااااااااااه ياله من مكان شاعري ، سآتي إلى هنا حالما أجد فارس أحلامي ، وعلى الفور تحولت نظراتها لأندريس الذي يقف بكل شموخه وكبريائه ، شعرت بأن قلبها يخفق بقوة ، كانت تسمع صوت ضربات قلبها العالية ، وخافت أن يسمعها أندريس ، رفعت يدها ووضعتها على قلبها بهدوء .
لماذا يخفق قلبي هكذا ؟؟ أندريس ، هل هذا ممكن؟؟ لم أنت الوحيد الذي جعل قلبي يرتجف ؟؟ لم أنت من بين كل البشر؟؟ كنت أظن أن قلبي مات ، مات منذ زمن ، في الوقت الذي لم أجد فيه الحنان !! في ذلك الوقت الذي تخلى فيه الجميع عني ، أمي التي ماتت وأنا لم أبلغ الثالثة من عمري ، والتي لولا الصور التي يحتفظ بها والدي لما كنت أذكر صورتها ، أبي الذي مرض وترك شركاته وأعماله علي وأنا ابنة 17 عاما ، كايل الذي تركني تائه وحيدة عندما رحل ، وقال لي بجفاف لم أكن أتوقعه : (( لا أريد شفقتك آنسة بريسكوت)) ،ميديا التي سافرت مع والديها إلى أمريكا . اكتشفت الآن أن قلبي لم يمت ، ولكنه صحراء عطشى ، صحراء متعطشة للحب ، للحنان ،
للأمان ، أريد أن أشعر بذلك الأمان الذي شعرت به مع والدي مرة أخرى ، أريد أن أشعر بحنان أندريس وهو يستمع لي في المكتبة مرة أخرى ، أريد أن أشعر بدفء العائلة ، بل أريد أن أشعر بأنني أنتمي لواحدة ، أحب تلك الثقة التي تنضح من ابتسامة نيكول الشقية ، أحب ذلك الحب الذي يغلف كلمات سان الرقيقة ، وذلك الحماس الذي لا ينفك يرتبط بكل كلمة تقولها صوفيا ، وتلك الحكمة التي أراها في عيني السيد والسيدة بروس ، والتعاطف الذي أجده في السيد هاري .
_ أنا ودايزي ! لا بد أنك تمزح؟!
نبرة الاستنكار في صوته جعلتها تبتسم ، لطالما استنكرت هي ذلك لتجد في النهاية أنها لا تمانع حقا لو جلست معه في مكان كهذا ؟؟!!
صاحت به باسمة :
_ ما بي أنا ؟؟ لا بد أنني أجمل من لوسيتا ، أليس كذلك ؟؟
كأن هذا الاسم لسعه ، قال محذرا :
_لا تقولي هذا الاسم مجددا ، وأنت بالتأكيد أجمل منها ، فأنا حقا لا أعلم ما هوشكل وجهها الطبيعي ، فحتى عندما رأيتها في عزاء والدها كانت تضع طبقة من زينة الوجه يبلغ سمكها حوالي 3 سم .
قهقهت دايزي لهذا الوصف ، في حين جلس كايل بجانب فتاة سمراء طويلة وجذابة ، وأخذ يتحدث معها ، لاحظته دايزي من طرف عينها ، فنهرته بقوة ، اعتذر بمرح لرفيقته ونهض وهو يرسل لها قبلة في الهواء ، اقترب من دايزي الحانقة التي سارعت تقول :
_ ألن تكف عن حركاتك؟؟
قال يدعي الضجر :
_ لقد كنتما تتبادلان الغزل ، فما الذي تريدين مني فعله في الوقت الذي تعيشين فيه أوقات السعادة ؟؟ أتريدن مني أن أجلس وأراقبك وأنت تحمرين خجلا على كل كلمة يقولها ؟؟ أم تريدين مني أن أكون شاهدا على قبلتكما ؟؟؟
اصطبغ خداها بالحمرة ، حمرة الغضب والخجل في آن ، وهي ترد بحنق :
_لم نكن نتغازل ، بل كنا نتحدث ، ثم أنت من وضعنا في هذا الموقف ، فتوقف العبث .
أردفت بعد صمت :
_ أتمنى أن أرى اليوم الذي تستقر فيه وتؤسس عائلة ، ويصبح لديك العديد من الأطفال .
لم يستطع نيكول أن يمنع تلك الذكريات السعيدة التي غزت رأسه و سرقته من العالم الواقع ونقلته للعالم الوهمي، عالم الذكريات : هناك في أمريكا ، وقبل حوالي 5 أشهر ، وقف كايل أمام شركة النقل البحري الأشهر في العالم ، شركة سوفاكيس ، نظر إلى الواجهة الزجاجية للمبنى ذو العلو الشاهق ، تطلع في تلك المساحة غير المنتظمة ، ليست مربعة ولا مدورة ، بل لا تتخذ شكلا هندسيا معينا ، حدق في زوايا المبنى المستطيل الذي يمتد على طول المساحة ، لاحظ تلك المساحات الخضراء المتفرقة الموزعة على جانبي المبنى ، وتنهد بتعب ، (لو تركوا لي هذه المساحة لصممت لهم مبنى أجمل من هذا بكثير ) .
عدل سترة بدلته الرسمية ذات اللون البيج ، وضبط نظارته السوداء في أعلى رأسه ، رفع حاسوبه وأمسكه بحزم،
ثم تقدم بكل ما يملكه من وقار ودخل ذاك الباب الزجاجي ، توجه إلى منصة الاستقبال ، استقبلته المضيفة الفاتنة بود ، وسارت أمامه ترشده إلى مكتب السيد سوفاكيس ، والذي يقع في أعلى طابق .
إنها مضيفة فانتة- انتبه لأفكاره فابتسم بسخرية وهو يتسائل ،لو كانت دايزي هنا فماذا سيكون قولها ، بالتأكيد ستصرخ عليه ، وستغضب ، وستبدأ بإعطائه محاضرة عن الآداب - .
تنبه لصوت المصعد الذي يعلن عن وصولهما ، انحنت المضيفة بهدوء وهي تتمنى له اجتماعا موفقا ، وقد كان بحاجة ماسة لمن يدعو له ، وخصوصا أن السيدان ( أندريس ) و( ليسندر ) معروفان بحنكتهما ، فأيا كان سيقابل، فعليه الاستعداد جيدا .
سار على السجاد الأحمر الوثير الذي تغوص فيه الأقدام ، وهو يتلفت حوله وينظر إلى تلك الرسومات الجذابة ،
شاطئ أثينا ، البحر الكاريبي ، جزر هاواي ، وصور متعددة لفروع الشركة المنتشرة على نطاق واسع في كافة أنحاء العالم ، أخيرا وبعد أن سار عدة أمتار وصل إلى غرفة كبيرة دائرية ، مفروشة بسجاد أحمر فاخر ، و
قد أثث بأفخم الأثاث ، حيث الكراسي المنجدة ، والستائر السكرية المذهبة ، والجدران المطلية بعناية ، ورائحة العطر اللطيفة التي رشت في الغرفة ، حتى تلك الفاتنة التي تجلس إلى الطاولة الخشبية الفخمة ، تبدو جزءا من هذه الفخامة اللامتناهية .
رفعت الفتاة رأسها بهدوء وعلى ثغرها الممتلئ ابتسامة ودودة بدت مغرية لكايل ، الذي أحس بتيار كهربائي يسري على طول عموده الفقري ، نهضت الفتاة بهدوء فاهتز شعرها النحاسي القصير الذي يحيط بوجهها الدائري وكأنه يرسمه ، لملم كايل شتات نفسه بسرعة ومد يده ليحتضن ذاك الكف الرقيق ، صاحب الأنامل الرقيقة والأظافر التي يبدو أنها تنال عناية خاصة ، شعر بدفء كفها في كفه البارد ، شدد قبضته على يدها ،
فرفعت حاجبها استنكارا ، وهي تصوب نظراتها إلى يديهما المتصافحتين ، رأى كايل تلك النظرة المتمردة في عينيها السوداوين ، فهمس بهدوء:
_ أدعى كايل سميث وأنا هنا لمقابلة السيد سوفاكيس .
اشتدت تلك النظرة المتمردة في عينيها وهي تنتزع كفها من كفه وتسأله بتحد ، ونظراتها النافذة تقيمه من الأعلى إلى الأسفل :
_ أي واحد بالضبط ؟؟؟
حدق بها بتصميم، لم يعجبه هذا التفحص ، و لكن يبدو أنه قبل التحدي ، إذ قال :
_ وما شأن مقدمة الطعام بهذا الأمر ؟؟
رأى كيف انتفضت بغضب ، فأكمل وهو يفكر بأنها من جنى على نفسها :
_ قيل لي أنني سأقابل سكرتيرته وليس مقدمة الطعام .
مقدمة الطعام ؟؟ هل هذا هو الشيء الوحيد الذي استطعت قوله ؟؟ حسنا إذن ....إنها أجمل مقدمة طعام رأيتها في حياتي ، شعر قصير أحمر متمرد ، كتلك العينان اللتان تتوعدان بقتلي ، جسد رشيق ممتلئ ، وبذلة رسمية .
ابتسم بسخرية لنفسه : إنها أجمل من رأت عيناي .
اختفى الغضب ، وعادت تلك النظرة المتمردة لتعتلي وجهها ، وهي تقول :
_حسنا إذن ..... مادام الأمر كذلك فسأتركك هنا حتى تأتي سكرتيرة السيد ، وسأذهب لأعد لك الطعام .
انحنت بهدوء ، وهي تسأل باستفزاز :
_ ماذا تحب على الغداء سيدي ؟؟
رفع يده البيضاء ، ليبعد نظارته عن عينيه ، ويثبتها في الفتحة العلوية لقميصه السكري ، أبعد بعض الخصلات التي غطت جبهته وهو يقول :
_حسنا ...مادمت مصرة ، أريد بعض الدجاج المشوي ، والقليل من سلطة الكافيار ، وبعض الشراب الأحمر ، وأتوقع أن تكون السلطة بالجودة المطلوبة ، كما أتوقع أفخر أنواع الشراب .
ابتسمت الفتاة بهدوء وهي تقول :
_ حاضر سيد سميث .
وأعطته ظهرها وسارت حتى وصلت الباب ، ثم التفت له وقد تطايرت خصلات شعرها النحاسية حول وجهها الأسمر الذي لفحته أشعة الشمس :
_ أوه بالمناسبة ، سأستدعي لك النائب عن أعمال السيد سوفاكيس .
انحنى انحناءة بسيطة :
_ لو كنت أعتمر قبعة ، لخلعتها شكرا لك ، لكنني للأسف لا أملك واحدة ،فاعذريني .
قال كلماته الأخيرة وعيناه الماكرتان ، تشعان باستهزاء جلي ، جعلها تلتفت عنه ، وتخرج دون أن تكلمه .
لم يسبق أن حدث هذا معي !! لم أعرفها إلا منذ عدة دقائق ، فما الذي دعاني لمشاجرتها وللتكلم معها بتلك الطريقة ؟؟ لربما نظرتها المتمردة ؟؟ أو سؤالها المخادع ؟؟ أو لربما شعرها ؟!! شعرها؟؟؟ ما دخل شعرها بالموضوع ؟؟؟ على كل هذا الأمر ليس مهما ، فهذا الموقف يتكرر معي كثيرا هذه الأيام ، مع جميع السكرتيرات اللاتي أرى أنهن لسن كفوآت ، ولكن هذه ........ إنها تبدو كفوءة جدا ، إذن ........ ما الذي دعاني لمشاجرتها ؟؟
بعدها مرت عليه عدة اجتماعات مملة ، جعلت النوم أسمى أمانيه ، والوسادة والسرير أكبر ما يطمح إليه ،
كان يترقب ويترقب ، يترقب انتهاء الاجتماعات المملة ، وكذلك ظهور الفتاة الفاتنة ، التي سحرته بكلماتها
القوية ، وعينيها الواسعتين ، وشعرها الأحمر الذي يشهد على تمردها وعلى طبعها الحار ، لكنه ظل ينتظر وينتظر وينتظر ....... ولم ترحمه تلك الفتاة من العذاب سوى فترة الغداء ، إذ أقبلت تدفع عربة الطعام أمامها
وقد وضعت عليه كل ما طلبه وأكثر : دجاج مشوي والقليل من السلطة الخضراء على جانبيه ، والقليل من سلطة الكافيار المزينة بالخس ، وكذلك الروبيان بالجمبري المزين بالبقدونس ، وبعض الشراب الأحمر الفاخر .
نظر للأطباق بدهشة ، ثم وجه نظراته النافذة إليها وقال بابتسامة ساحرة :
_ ما رأيك أن تتناولي العشاء معي يا آنسة ؟؟
ابتسمت الفتاة بغرور ، وهي تدفع بخصلات شعرها الحريرية للخلف ، اقتربت منه بخطوات متمايلة ، وما إن أصبحت أمامه مباشرة حتى انحنت على الطاولة وأسندت يديها إليها ، ثم قربت وجهها الأسمر من وجهه ، وقالت بتحقير :
_ ستبقى تحلم بذلك حتى آخر يوم في حياتك ، كايل .......
اعتدلت في وقفتها ،ثم استدارت وخرجت بكل شموخها وكبريائها ، في حين أنه بقي يراقب تلك الخطوات ، وذهنه يردد له : قلت لك لن تنالها ، ألم أفعل ؟؟؟ تنهد بهدوء ، تلك الفتاة عليك أن تنساها كايل ، نظر إلى أندريس ، لربما يعلم من تكون إنها تعمل في شركته ، لقد قالت لي أنها سكرتيرة السيد سوفاكيس ، صحيح أنها لم تحدد أي واحد لكن لا يوجد سواه وابن خاله (ليسندر) وبالتأكيد سيعرفها ، هز رأسه بهدوء ، لا فائدة من هذا لقد كنت غبيا ، لا بد أنها ستقتلني إن التقت بي .
سار أنرديس تتبعه دايزي وكايل ، جاب بهم حول جسر هاربور المشهور ، حيث وقفت دايزي تنظر للمياه التي تماثل عينيها في اللون ، ساروا على ذلك الجسر الذي أوصلهم لمبنى دار الأوبرا الذي يأتيه السياح
رغبة منهم في التعرف على ذلك المعلم صاحب التصميم الفريد للمهندس جورن أوتزن ، والذي كلف قرابة 100 مليون دولار ، لاحظ أندريس اهتمام كايل بالمبنى ، إذ أخذت عيناه تحللان بصمت وتركيز كل زاوية في المبنى ، قالت له دايزي :
_ إنه مهندس معماري .
رد أندريس بدراية :
_ أعلم هذا ، إن له شهرة واسعة ، لقد استدعيته ليصمم لي المبنى الجديد لشركتي في أمريكا .
بعد ذلك ، سار الثلاثة في أسواق المدينة ، كايل الذي كان مستمتعا برؤية الابتسامة تشق وجه دايزي ،
كان ليفعل أي شيء ليبقي هذه الابتسامة حتى ولو كان على حساب نقود جيبه ، خاطبه أندريس بجدية :
_اسمع عندما ندخل لذلك المركز الذي أرادت دايزي دخوله من قبل ، أنا من سيدفع .
أجاب كايل بهدوء :
_ حسنا ، لا بأس !! [img]http://img105.***********/2010/07/28/301597254.gif[/img] _ قال أندريس ،إنه وجد دايزي ، وأن شخصا ما يدعى كايل معهما .
لفت الاسم الأخير انتباه ميديا التي سارعت تسأل بلهفة :
_هل حقا قال: أن كايل معهما ؟؟؟
أومأ نيكول بهدوء ، فقفزت بفرح وارتمت في حضنه ، ودفنت رأسها في صدره وهي تردد :
_ شكرا لك ، شكرا .
ضمها نيكول بحب ، وهو يردد:
_كل هذا لأجل كايل ؟؟ مسكين أنا !!
ابتعدت عنه بهدوء والحمرة تصبغ خديها ، ثم اقتربت بهدوء وقبلت خده برقة ، شهقت كل من سان وصوفيا اللتان كانتا تراقبان المشهد ، وقالتا بحمااااس:
_راااااااااااااااااااااااااااااااااااااائع.
في حين أن نيكول وقف يتحسس خده بهدوء . | | | | |
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
|