البارت العاشر كانت دايزي سعيدة جدا بالفستان ، وكذلك كنت أنا . خرجنا من ذلك القصر العتيق ، وقررنا العودة للمجموعة ، التقطت هاتفي لأكلم نيكول ، رد علي نيكول ، ورحت أحدثه عن موقعنا وأين نلتقي ، فجأة شعرت بأن أحدهم يراقبني ، رفعت رأسي للمبنى المجاور ، فلمحته هناك ........ إنه قناص ولا شك ، أردت أن أتحرك وأبعد دايزي وكايل من هنا ، فلا دخل لهما ، ولكنني شعرت بشيء ساخن ، كان حارا جدا ومؤلم كذلك ..........لا لا أستطيع أشعر بالألم ، صوت دايزي وهي تصرخ أخافني ، نظرت لها ، كانت تنظر إلي وكأنني قادم من كوكب آخر ، تحدق في برعب وتقول بهمس والدموع تسيل على وجنتيها : إنها دماء ...............
لا أعلم ما الذي حصل كل ما أعلمه هو أن أندريس صرخ فجأة بألم ، كان ذلك بعد أن سمعنا صوت عيار ناري ،
نظرت ناحيته ، فرأيته .....رأيته .......لقد كان ينزف ، وكان هناك دماء ، اختلطت الأصوات علي :
_ليطلب أحدكم الاسعاف .
_هناك شخص مصاب .
_اتصلوا بالشرطة .
صوت كايل القلق ، وكذلك صوت أندريس الذي هتف بألم شديد :
_دايزي ، أنا بخير .
لا أدري ما الذي حصل بعدها ، أحسست أنني أغرق في الظلام ، ثم لا شيء ....... لم أعد أشعر بشيء.
صرخ كل من أندريس وكايل بذعر مناديان باسم دايزي ، لكنها لم ترد ، بل كانت تردد بلى وعي :
_أندريس ، أندريس ...........
لم يعلم أندريس لم شعر بأن اسمه يبدو غريبا عندما تنطقه دايزي ، ربما لأنها المرة الأولى التي تناديه فيها باسمه
دون أن تتدخل السخرية ، وتفسد اللفظ الساحر لشفتيها الناطقتين باسمه ، شعر بألم شديد فأغمض عينيه ، لاحظ كايل ذلك بطرف عينه ، لكن اهتمامه كان منصبا على دايزي ، فما كان منه إلا أن قال مشجعا:
_أندريس ، تماسك ...........لقد وصلت سيارة الإسعاف .
قالها عندما لمح سيارتي إسعاف تتجهان نوحهم ، تصحبها العديد من سيارات الشرطة ، امتلأ المكان فورا بالأضواء التي تصدر من السيارات ، والأصوات التي تصدرها ،سببت الصداع لأندريس الذي لم يكن في كامل وعيه ، سمع بعض العبارات المشوشة :
_ ضغطه ينخفض .
_لقد فقد الكثير من الدم .
_إنه متعب .
_ أعطه إبرة مهدئة .
ثم كان السواد هو كل ما يراه ، ولكنه كان يسمع العديد من الأصوات ، أصوات غريبة ، وأخرى يذكرها ،
جده ريتشارد!!...... ما الذي جاء به ؟؟ إنه يصرخ وبشدة ، ويقول بجفاء ، متجاهلا النظرات الدامعة للطفل الذي لم يتجاوز السادسة من عمره : ( أنت ووالدك عار على عائلتي ) ، صوت آخر قال : ( ستكون الوريث ) كان الصوت رقيقا ، لطيفا ومتعاطفا ، إنه الجد ليونيداس ، ما الذي جاء به هو الآخر ؟؟! اختفت كل تلك الأصوات فجأة ولم يبق سوى صوت رقيق خائف ، مرتجف يهمس بذعر : إنها دماء ................
دايزي ، إنها دايزي !! ما الذي حصل لها ؟؟؟ شعر أنه مكبل ، لم يستطع التحرك ، أراد أن يجري باتجاه ذلك الصوت ، أراد أن يطمئن صاحبة الصوت الخائف ، أن يضمها لصدره ويبعث الأمان في قلبها الرقيق .
فتح عينيه المتعبتين ، وسارع لوضع يده على عينيه ليحميهما من ضوء المصباح الساطع المؤذي ، حدق بجدران الغرفة الزرقاء ، تسلل إلى أنفه رائحة المشفى التي يكرهها والتي تجلب لنفسه ذكريات سيئة ، أسدل ستار رموشه الكثيفة تاركا الذكريات تتدافع أمامه بسرعة : طفل صغير جالس في غرفة كبيرة ، ينظر للخارج ، حيث المطر ، والصواعق المخيفة ، يرتقب وصول والديه ،
فجأة فتح الباب بقوة ، مصدرا صوتا مزعجا أخاف الطفل البريء ، ذي العينين الزرقاوين ، اللتين حدقتا بالظل الطويل ذاك الذي برز من الباب ، رفع الطفل عينيه عن الظل للشخص الواقف أمامه ، كان شخصا ضخما ، ذا جثة مخيفة ، لديه عينان زرقاوان جليديتان ، وشعر أشقر بلاتيني ، تخلله الشيب ، دمعت عينا الطفل وهمس ، بخوف تخلل كلماته البريئة :
_ جدي أين أبي وأمي ؟؟؟؟
في موقف كهذا يفترض بالجد أن يجري ويحتضن الطفل الصغير ويذرف بعض الدموع ، وهو يطمئن الطفل إلى أنه سيكون بأمان ، لكن هذا لم يحصل !!!! وإنما صرخ الجد بهيبة وقوة :
_لقد ماتا !!!
هل تتخيلون صدمة الطفل ، طفل في السادسة يقال له بتلك القسوة أنه لن يرى والديه مرة أخرى ، أنه لن يذهب إلى مدينة الألعاب مع والده ، أن والدته لن تضمه وتمسح على رأسه قبل النوم ، أن والديه لن يحتفلا معه بعيد مولده مجددا ، وأنهما لن يمسكا يده ليعلماه الكتابة ، لن يشجعاه ليقود الدراجة ، ولن يمسحا دموعه البريئة ، بل سيتركان للزمن هذه المهمة ، هذا الزمن القاسي الذي سيصفعه كثيرا ، ويؤنبه بشدة ، والذي سيمحو آلامه ويوجد آلاما أكبر منها .
ارتجف الطفل مكانه ، ليس من هول الخبر وإنما من القسوة التي تنضح من كلمات الجد ، انكمش على نفسه ، ودموعه الحارة تسيل على وجنتيه الصغيرتين السمراوتين ، همس بخوف مراقبا ردة فعل جده على كلماته:
_أنت كاذب ، أمي وعدتني أنها سترافقني إلى حفل المدرسة بعد أسبوع ....
زادت الدموع تدفقا ، واختنق صوت أندريس (الطفل الصغير) وهو يكمل:
_وأمي لا تخلف وعدا أبدا ......
رفع الجد حاجبه استنكارا ، ثم اقترب من أندريس وأمسك ذقنه الصغير بشدة ، وقال بحدة مغلفة بالكراهية:
_إياك أن تصفني بالكاذب أيها الفأر ، أنا جدك وولي أمرك ، لكنني لا أريد أطفالا مدللين في عائلتي ، سمعت؟؟
قال كلمته الأخيرة بصوت عال تزامن مع دوي الرعد ، ثم استدار على عقبيه وخرج يجر خلفه الباب الكبير ، حتى أغلقه ، تاركا الطفل الصغير يواجه المعاناة وحده ، ويذرف من الدموع ما يشاء ، على فراق والدين كانا له كل شيء في هذه الحياة ، كانا العائلة الوحيدة له ........
لكنه لم يبق حبيس تلك الغرفة ، وإنما سارع جده الثاني لانتشاله من ظلم الجد ريتشارد ، ليضمه تحت جناحه ،
ويحوطه بما يستطيع من الحنان ، ويزرع في نفسه ، الثقة وعزة النفس ، ويساعده ليرتقي سلم المجد، ثم ليتربع على عرشه .
فتح عينيه بهدوء ، محاولا التخلص من كل هذه الذكريات ، لكنه مع ذلك لم يستطع ، وإنما استمرت المشاهد بغزو دماغه، نظر إلى صدره المضمد ،و تلمسه بحذر ، لكنه مع ذلك آلمه ، تأوه وقطب حاجبيه الكثيفين ، فتح الباب مصدرا أزيزا خفيفا ، حرك أندريس رأسه بتعب ناحيته ،فرأى ممرضة كبيرة في السن بعض الشيء ، ذات ملامح ودودة جذابة ، اقتربت منه وقالت باسمة:
_حمد لله على سلامتك سيد أندريس ......
شكرها بتهذيب ، فتابعت:
_ لقد مكثت عندنا يومين كاملين .
حدق فيها مذهولا وهو يردد:
_ أتمزحين ؟؟؟ يومان؟؟؟
هزت رأسها بهدوء ، فرفع يده إلى رأسه يبعثر شعره بتوتر ، أراد أن يعرف شيئا عن دايزي ، ما الذي حل بها ،
والشخص الذي أطلق عليه النار هل وجدوه، ولكن دايزي هي الأهم الآن ،التفت للمرضة مجددا وسأل باهتمام:
_ أتعرفين شيئا عن الآنسة دايزي بريسكوت؟؟؟؟
تنهدت بهدوء ، واقتربت بخطوات بطيئة ، وقالت تطمئنه:
_إنها بخير لا تخف عليها.
لم يطمئن أندريس لقولها ،وإنما عرف أنها تكذب عليه فأن كانت بخير ، لم تركض في المشفى حتى الآن؟؟
ظهر الرعب على ملامحها وهي تسأل بصوت مرتجف :
_ما الذي تفعله ؟؟؟
سألته ذلك وهي تراه ، ينهض ويتجه إلى قميصه الموضوع على الكنبة الصغيرة ، تناول القميص وراح يرتديه ، وهو يجيب :
_ سأذهب إليها .....
هتفت بقلة حيلة:
_لا يمكنك!!
سأل وهو يحاول إغلاق أزرار القميص ، إلا أن ذلك آلمه وضغط على صدره ، فتركها مفتوحة:
_ لماذا لا أستطيع؟؟؟
ضمت يديها لبعضهما وهي تقول متوسلة :
_ أرجوك أنت مصاب ،قبل يومين فقط كانت هناك رصاصة في صدرك وقد كانت قريبة جدا من قلبك ، وكان هناك احتمال بأن تموت ، أرجوك لا تعاند ، عليك أن ترتاح أسبوعا على الأقل................
لم يستطع أندريس أن يخفي دهشته وهو يردد من ورائها:
_أسبوعا كاملا؟؟ مستحيل ؟!!!!
ذكرته قائلة:
_على أقل تقدير ........
_ لا بأس يا آنسة أنا سأهتم به .......
التفت الاثنان إلى نيكول الذي يستند إلى باب الغرفة بهدوء ، وعلامات التعب جلية على وجهه ، ابتعد عن إطار الباب وسار باتجاه أندريس ، وما إن وصله حتى قال بصدق وتأثر :
_صدقني أريد أن أضمك ، لكن أخاف على جرحك ، لذا سأكتفي بقول ، حمدا لله على سلامتك....
ابتسم أندريس لصديقه ذي القلب الرقيق ، ثم قال بمكر اعتاد عليه نيكول :
_ هل تريد أن تعلم ، ما هو الشيء الذي سيجعلني أشفى؟؟؟؟
تنهد نيكول بتعب وقد أدرك أن أندريس لن يرتاح إلا إن خرج من هنا ، تجاهل الطلب الغير مباشر الذي طلبه أندريس وقال بتأثر واضح ، وعيناه محمرتان :
_أندريس ..... لا أعلم ما الذي حدث ، كلما استيقظت تبدأ بقول كلمات غريبة ، لا أفهم ماذا تقول ، لكن ميديا تحدثها ، وكأنها تفهمها ، مع أنها تقول إنها لا تفعل .......
تقدم أندريس من الباب وفتحه ، ويبدو أنه تحرك بشكل خاطئ ، إذ صرخ ألما وهو يضع يده على صدره ، تقدم منه نيكول وأسنده وأخذ يساعده على السير في الممر الكبير وهو يقول محذرا:
_ إياك أن تقوم بأية حركة مفاجئة ، وإلا فإن الجرح سيفتح مرة أخرى .
تمتم أندريس بحسنا ، ثم طلب من نيكول متابعة ما كان يقوله قبل خروجهما ، نظر نيكول للأمام ،وتابع:
_كما قلت لك تبدأ بالتمتمة ،كل ما فهمناه منها كان :أندريس ، دماء ، أبي ، أمي ، لا تتركيني ، ....وكلمات كهذه ،
لا ترابط بين الكلمات ، لا أعلم حقا ما أقول ، ولكنها تبدو في حالة سيئة جدا ولولا وجود كايل ليهدأ من ورعها ،
لربما كانت ماتت من كثرة البكاء ، لقد اتصلنا بوالدها وقال إنه سيصل اليوم عصرا...
لم يعلق أندريس بكلمة ، وإنما قاده دماغه للتفكير في سبب ردة الفعل القوية هذه ، بالتأكيد الرصاصة التي أصيب بها لم تكن السبب ، وإنما هو بالتأكيد شيء حصل لها في الماضي ، لربما موقف مشابه ..........
وجد نفسه فجأة أمام باب خشبي ، نظر إلى نيكول الذي أومأ له بالإيجاب ، مد أندريس يده السمراء إلى المقبض وأداره ، و......................................... لا لا يمكن أن يكون أندريس قد مات ! لا لا يمكن...هذا ليس معقولا ، هذا شيء مستحيل.....تناولت منديلا ورقيا وراحت تمسح دموعها ، التي تنهمر على خديها المحمرين ، نظرت إلى ميديا النائمة على الأريكة ، ثم إلى المقعد الذي تجلس عليه ساندرا ، ثم إلى الكرسي الخشبي الذي كان نيكول يجلس عليه منذ لحظات، وأخيرا رفعت نظرها لكايل الذي يضمها لصدره ، شعرت بيده القوية تمسح على شعرها بهدوء ، فهمست وهي تشعر براحة غريبة لا تعرف مصدرها:
_كايل .....
التفت ناحيتها وأصدر همهمة خفيفة ، رفعت عينيها الفيروزيتين إليه ، وسألته:
_ هل سيكون أندريس بخير ؟؟؟
ابتسم كايل بحنية ولمس أنفها المحمر ، وهو يجيب :
_أجل بالتأكيد ......
اقتربت منه أكثر ودفنت نفسها في صدره الحاني :
_أنا خائفة كايل ، خائفة ، لا أعلم لم ! كلما تذكرت ذلك المشهد تذكرت أمي وكيف ماتت ..........
وضع كايل إصبعه على شفتيها الرقيقتين ، وقال بحنو:
_لا داعي لأن تتذكري دايزي ، ارتاحي فقط ......
لم تستطع أن تفعل ما أمرها به ، وإنما رفعت وجهها إليه وقد عادت الدموع لتحفر خطوطا على وجهها ، وهي تقول بخوف وشهقاتها بدأت تعلو:
_لكن ماذا لو مات أندريس؟؟؟
_وأتركك لتنعمي بالحياة !! مستحيل !!
إنه هو ،صوته المخملي ، نبرته التي تتسم بالحدة وبنوع مميز من السخرية ،لهجته المتقنة ، كلماته التي لها وقع في النفس، صوته الذي يرسل رجفةلذيذة في قلبها .
أبعدت رأسها بهدوء عن صدر أخيها ، وراحت تتطلع إلى الواقف عند الباب ، شعر أسود كثيف حريري ، عينان زرقاوان حادتان، أنف أرستقراطي شامخ ، جبهة عريضة شاهدة على ذكائه ونبوغة ، منكبان عريضان ، طول فارع ، وجثة ضخمة ، نزلت عن السرير بهدوء ، وراحت تسير بخطوات متعثرة متجهة نحو أندريس ، الذي فتح ذراعيه على مصرعيهما ، وقفت أمامه للحظات ،تتفرس في ملامح وجهه الوسيمة ، سألت والدموع الماسية تتألق في عينيها مجددا:
_أندريس؟؟؟
ضحك بمرح طفولي ،وابتسامة جذابة تشق وجهه ، وتضفي على مظهره رونقا مميزا:
_هل نسيتني....أيتها الفأرة؟؟؟؟
هزت رأسها بلا ، وقد سالت على خدها الرقيق دمعة صغيرة بدت كماسة متوهجة، تبعتها الكثير من الماسات ،
اندفعت بسرعة و رمت نفسها في حضنه حيث تفجرت كل مشاعرها...... الشوق ، الحاجة للحنان ، الدفء ،الحب ، دفنت رأسها في انحناءة عنقه وأحاطت خصره النحيل بذراعيها ، وشهقاتها تعلو وتعلو، تنشد منه الأمان ،تريد الاطمئنان ، تريد أن تعرف أنه بخير ،رفعت وجهها الذي ملأته الدموع ليواجه وجهه الباسم ، رفعت يديها وتلمست فكه الحاد برقة ، ثم عادت تدفن نفسها بين ذراعيه ، أحاطها بذراعيه القويتين ، يعطيها ما ترغب من الحنان ، ويحوطها بشتى أنواع الأمان ، يمسح دموعها الغالية ، ويزيل الحزن عن ملامحها الرقيقة ، شعر بألم في صدره ، ولكنه لم يكترث فكل ما يريده هو بث الأمان في نفسها.
نيكول الذي صدم قليلا ، سارع لإيقاظ ميديا ، التي ظنت في بادئ الأمر أنها لا تزال تحلم ، رفعت يديها وصفقت خديها برقة :
_يا إلهي ، هذا كابوس ...!!!
جلس نيكول بجانبها ، وضمها لصدره ، وترك أصابعه لتتخلل شعرها الغزير ، وهمس في أذنها ، وأنفاسه الحارة تلفح عنقها الرقيق :
_ ليس كابوسا وإنما هو رد فعل وليد اللحظة ، وحالما يتخطيان الصدمة سيعودان كما السابق ،بعكسنا نحن ، سنبقى هكذا لآخر يوم في حياتنا .
انطلقت صوت تصفيق عال ، جذب الانتباه ، وكان المصدر كل من سان وكايل اللذان انسجما بسهولة ،
هتفت سان بصدق:
_رااااااااااااااااااااااائع .
وافقها كايل وهو يضيف:
_والصور كانت رائعة .
تساءل أندريس باستنكار :
_أية صور ؟؟؟
رفعت سان هاتفها وشغلت (مقطع الفيديو ) الذي صورته تريهم إياه ، أندريس قال بعدم اكتراث :
_ليس سيئا.....
بينما هتف نيكول بسعادة :
_هل يمكنك أن ترسليه لي ...
دايزي لم تهتم بالأمر كثيرا ، أما ميديا فكاد يغمى عليها من شدة الحرج . نهض كايل من جانب سان واتجه لأندريس ودايزي ، أبعد دايزي عن أندريس ، ثم وجه كلامه إليهما معاتبا:
_أندريس ، انظر ما الذي حل بك...
كانت الدماء القرمزية تصبغ الضمادة البيضاء التي تلف صدر أندريس ، شهقت دايزي برعب ، وراحت تصدر أوامر بلهجة هادئة:
_الجميع..... اصمتوا قليلا ، أندريس إلى السرير، كايل ساعده، ميديا أحضري بعض الوسائد ، نيكول ، أحضر الممرضات ، واطلب منهن بعض الضمادات ، والدواء المطهر ، وحقنة مهدئة ......
تجمد الجميع للحظة يحاولون استدراك الأوامر التي أصدرتها دايزي ، وسرعان ما تنبهوا عندما صاحت بهم :
_هيا ، ما الذي تنتظرونه ؟؟؟؟
ركض نيكول بسرعة إلى الباب ، وخرج منه ليحضر الممرضات ، في حين رتبت ميديا الوسائد على السرير ، وساعد كل من كايل وسان ودايزي أندريس لينام على السرير ، تأوه أندريس بخفوت ، فسألته دايزي باهتمام :
_هل يمكنك وصف مقدار الألم الذي تعانيه؟؟؟
أجاب أندريس بأنفاس متلاحقة :
_ هل تعلمين شعور الشخص عندما يقع من علو 50 طابقا ، ويشعر أن جميع عظامه محطمة .
قالت دايزي بتقطيبة وهي تبدأ بفك الضمادة عن صدره :
_لم أختبر هذا الشعور من قبل .!!
تابع أندريس بحس فكاهة غريب :
_حسنا لا داعي لذلك لأن ما أشعر به هو أبعد ما يكون عن ذلك ........
ضحكت دايزي لمقولته ، وتابعت عملها وهي تقول :
_ حتى في مثل هذه المواقف ، أنت مستعد للسخرية مني .....
في هذه اللحظة دخلت الممرضات ومعهن الطبيب المسؤول عن حالة أندريس ، تراجع الجميع بعيدا عن أندريس حتى يتيحوا للمرضات فرصة اتمام العمل ، ما عدا دايزي التي أبت إلا أن تضع الضماد بنفسها ، تنحنح الطبيب وقال يسأل بتهذيب :
_لكن يا آنسة هل أنت مؤهلة للقيام بهذا الأمر ؟؟
تناولت دايزي ، قفازات معقمة ثم استدارت إلى الطبيب ، وقالت بحزم :
_ بالتأكيد .......
تأوه أندريس بشدة حالما تم نزع الضماد عن صدره ، وبهدوء تام قالت دايزي :
_أعطه الحقنة ......
تناولت إحدى الممرضات الحقنة ،وحقنت أندريس بها ، تناولت دايزي المعقم وبعض القطن ، وراحت تمسح على مكان الجرح بعناية ودقة كبيرتين ، ثم تناولت الضماد وراحت تضمد صدره بهدوء ، وتصدر بعض الأوامر الهادئة ، كإعطائها المقص ، وتزويدها بالمعقم ، وأشياء أخرى كثيرة ..........
أعجب الطبيب بالهدوء الذي تعمل به دايزي ، فاقترب منها ومد يده مصافحا وهو يعرف بنفسه ، وضعت يدها في يده مصافحة ، ابتسم وهو ينظر لاتقان العمل الذي قامت به دايزي :
_ أحسنت يا آنسة ، إنه عمل متقن .
شكرته بهدوء ، في حين استرسل هو يقول :
_ لقد كنت هادئة جدا .....
قاطعه أندريس معترضا :
_ ظاهريا فقط ، بينما يداها كانتا ترتجفان ، وأنا واثق من أن قلبها كان كذلك....
طأطأ كايل رأسه ، ليخفي تلك الابتسامة التي سيطرت على شفتيه فجأة ، لكنه لم يستطع أن يكبت صوت الضحكة
فخرجت على شكل همهمات ضاحكة متقطعة ، أندريس الذي كان يأمل أن يخرج الطبيب بسرعة ، نظر لكايل بعتاب وهو يقول بسخرية مبطنة:
_ كايل هلا أضحكتنا معك؟؟؟ فكما ترى الجميع يبدو متحمسا ، بما فيهم الطبيب ....
شدد على آخر كلمة ، ونطقها بحدة وتحذير ، جعلت الطبيب يرتعش ويسارع للانسحاب من الغرفة بعد اختلاق عذر تافه ، وبعدما أغلق الباب خلف انفجر كايل بالضحك ، وهو يمسك بطنه بقوة ، استمر يضحك ويضحك ، وشعره يتناثر على جبهته البيضاء النقية ، وقد انعكس أثر الضحك في عينيه الخضراوين المتألقتين ، بعد أن استنفذ الضحك طاقة كايل ، هدأ تدريجيا ، واستكانت أنفاسه ، وتوقفت عيناه عن ذرف الدموع اللؤلؤية .
دايزي التي كانت تحدق في كايل تارة ثم تنقل بصرها إلى نيكول ، قالت فور انتهاء كايل من الضحك:
_هل تعلم يا كايل أنك ونيكول تشبهان بعضكما ؟؟؟
التفت نيكول إلى كايل ، ثم حول بصره إلى ميديا ، وقال ببراءة مصطنعة:
_فهمت الآن ....
_ ما الذي فهمته؟؟
سأله أندريس بهدوء ، فتابع نيكول يقول :
_ عندما جاء كايل احتضنته ميديا بقوة ، وقد عرفت السبب الآن ، لقد ظنت أنه أنا لذلك احتضنته.
قهقه الجميع لهذا التفسير الغريب ، في حين احمرت ميديا خجلا وهي تقول بتردد :
_لا، الأمر ليس كذلك ، إنما أنا لم أره منذ مدة ؟، وكنت مشتاقة إليه ......
تظاهر نيكول بالبكاء وهو يقول بحزن :
_ هذا يعني أنك لا تشتاقين إلي ، مسكين أنا ..............
ارتبكت أكثر ولم تعد تستطيع الكلام ، وفضلت السكوت ، في حين استمر الباقون بالضحك ........
نظرت إليهم دايزي بابتسامة ثم اعتذرت ، وخرجت لتغسل يديها ، في حين عاد الطبيب مرة أخرى ليرى أندريس، وجده مستلقيا على السرير ، فقال بتعالي:
_ لا تتعب نفسك سيد سوفاكيس ، جرحك لم يبرأ بعد ......
رد عليه أندريس ببرود مرعب وقد أظلمت ملامح وجهه ، وتحولت عيناه لزمردتين صافتين :
_ لا تقلق ، دايزي ستهتم بي ......
صر الطبيب على أسنانه بحقد ، ثم انسحب من الغرفة ، وصفق الباب خلفه بقوة ، صفر كايل بقوة وهو يقول :
_ حسنا هذه هي المرة الثانية ، أندريس اعترف أنت تغار على دايزي من الطبيب .....
نظر له أندريس بحقد ولم يعلق ، لكن كايل تابع :
_ألهذا قلت للطبيب أن قلب دايزي كان يرتجف عندما كانت تضمد جرحك؟؟؟
_ليس من شأنك..
قالها أندريس ببرود مخيف ، ثم نام على السرير وهو يعطيهم ظهره ، ابتسم أندريس بهدوء ثم أخفى رأسه تحت الغطاء ...
حسنا ، نعم ، أنا أغار عليها .......هل هناك شيء خاطئ ، أنتم لم تروا كيف كان يحدق بها ، كنت أريد أن أنكب
عليه وأسحب عينيه من مكانهما . عادت دايزي إلى الغرفة واتجهت إلى أندريس الذي عاد ليجلس على السرير، وفتح ذراعيه يستقبلها ،
جلست بجانبه وأسندت رأسها إلى صدره ، ضمها إليه بحنان وراح يمسح على شعرها ، وهو يسأل :
_ ما الذي حدث لك؟؟؟ سمعت أنك بكيتي كثيرا ، فما كان السبب ؟؟
اقتربت منه أكثر وهي تقول بصوت متحشرج ، وقد شعرت بالأمان نفسه الذي شعرت به عندما أخبرته عن كايل، فأرادت أن تفصح له عن سبب بكائها وخوفها :
_ إنها أمي ، لقد ماتت بنفس الطريقة ، أصابتها رصاصة في صدرها ، ولسوء حظها كنا على قارب في البحر ، وقعت في البحر ، وتسربت دماؤها ، ولم نستطع إنقاذها .
رفعت يدها تمسح دموعها التي أصبحت تنهمر كثيرا ، ثم تابعت :
_كان نفس المشهد تقريبا ، في البداية صوت عيار ناري ، ثم صوتها تتألم ، ثم ترنحت للخلف مثلك تماما وسقطت في البحر ، وانتشرت دماؤها .
قربها منه ودفن رأسه في شعرها الناعم ، وهويسأل بحنان ويحاول أن يكون هادئا ورقيقا قدر الإمكان:
_كم كان عمرك في ذلك الوقت؟؟
همست بصوت مرتجف :
_ 3 سنوات تقريبا.
تأوه بخفوت وهو يدرك صدمتها ، كان في السادسة عندما مات والداه ، وأصيب بصدمة ، فكيف إن كان في الثالثة ، ثم إن والديه لم يموتا أمامه ، كان الأمر مرعبا بالتأكيد ........
قال كايل مقطبا:
_ألا تلاحظون أن هذا الباب قد فتح كثيرا اليوم؟؟؟
نظر الجميع ناحية الباب الخشبي الذي أطلت منه فتاة ، ذات شعر أسود طويل ناعم ، وعينان خضراوان ، جالت عيناها في المكان بحثا عن الشخص المطلوب ووجدته على السرير ، فانطلقت إليه بسرعة وحضنته وهي تردد :
_خفت عليك أندريس ، لكن السيد هاري قال إنك ستكون بخير ......
ابتسم لتلك البراءة التي تغلف كلماتها ، التفتت أنيتا ناحية دايزي وكشرت وهي تردد بامتغاص :
_لماذا تنام هذه بين ذراعيك؟؟؟
التفت أندريس إلى دايزي ، التي لا تزال الدموع معلقة برموشها الكثيفة ، سحره المشهد ، عينان لامعتان ، بشرة بيضاء صافية ، أنف محمر ، ووجنتان ملتهبتان ، التفت إلى أنيتا الغاضبة وقال :
_ الحقيقة إنه سريرها ولكنني متعب جدا ، لهذا أعارتني إياه .
نظرت نحو دايزي ، والغيرة تشع من عينيها (( لماذا يهتم بها؟؟ بسببها لم يعد أندريس يهتم بي ..... أنا أكرهها))
سأل أندريس وهو يبعثر شعر أنيتا :
_من أحضرك؟؟
رفعت يدها لشعرها تعيد تنظيمه وهمست:
_صوفيا .....
لفت الاسم انتباه كايل (( هل من الممكن أن تكون هي ؟؟ لم لا ؟؟؟ قد تكون مع أندريس في رحلة عمل !!))
كأنما تذكرت أنيتا شيئا ، فسارعت تقول بحماس :
_أندريس ، لقد رأيت فتاة شقراء غريبة في الممر ....
كان أول من خطر في بال أندريس ، لوسيتا ، استاءت دايزي لسماع هذا الاسم ، لكنها حاولت جاهدة حتى لا تظهر استياءها ، لكن أنيتا طمأنتها حالما هتفت :
_ لا ، إنها شقراء حقا ، وشعرها ليس مصبوغا كلوسي الغبية ، لديها عينان بنيتان ضيقتان ، وهي نحيفة جدا جدا جدا ، وقبيحة كذلك ، ليتك رأيتها ، كيف كانت تسير ، تبدو مقززة بشكل مقزز....
قال أندريس معاتبا ، وهو يضربها بخفة على وجنتها:
_كفي عن انتقاد الناس ....
تمتمت بحسنا ، وهي تنظر ناحية كايل بغرابة ، ثم سألت وهي تشير إليه :
_أندريس من هذا ؟؟؟
قال أندريس يعرفها :
_إنه كايل سميث ، أخ دايزي ....
حدقت بكايل بحاجبين مرتفعين ، واستمرت تحدق به وكذلك فعل هو ، وفي النهاية قالت :
_يبدو ظريفا ....
رد كايل بدماثة:
_وأنت كذلك آنستي .......
ترجلت من جانب أندريس واتجهت إليه تمد يدها مصافحة وهي تقول :
_نادني أنيتا ..
صافحها بهدوء ، والابتسامة تزين وجهه :
_تشرفت بمعرفتك أنيتا ...
_أبعدي يدك أنيتا ستتلوث أؤكد لك ...
صدم كايل بشدة ، وشعر أن أحدهم وجه له صفعة قوية ،إنه ذلك الصوت الحاد ، صوت الفتاة التي كان كايل يبحث عنها ، إنها هنا ، ارتسمت ابتسامة فاتنة على شفتيه ، واستدار مسرعا ، وهو يقول :
_لا يمكن أن تظلي غاضبة مني إلى الأبد ، عزيزتي ...
دخلت الغرفة بخطوات رزينة وصوت هادئ ، يخالف تلك النبرة الحماسية التي اعتاد عليها الجميع :
_لست عزيزتك ، وأنا لا أكرهك ، فمن تكون أنت حتى أكن لك مشاعر خاصة ؟؟؟ثم ما الذي جاء بك إلى هنا؟؟
قالت جملتها الأخيرة وهي تصر على أسنانها بقسوة ....
أراد أن يجيبها إلا أن فتاة أخرى شقراء الشعر دخلت الغرفة ، وهي تقول بصوت مائع :
_مرحبا جميعا................
التفت الجميع بمن فيهم دايزي لصاحبة الصوت وهنا كانت المفاجأة ، رفعت دايزي يديها لتغطي عينيها ، شعرت بألم فظيع في رأسها ، اقتربت الفتاة بدلع مقزز من كايل ، وأمسكت ذراعه وقالت بدلال مثير للاشمئزاز :
_كيف حالك عزيزي ؟؟
نظر إليها شزرا ، والشرار يتطاير من عينيه ، وهمس بحدة :
_ كانت جيدة ....
أفلتت يده وهي تقول بتأثر مصطنع:
_ آسفة لسماع ذلك ....
التفتت نحو دايزي التي كانت تشعر بأن الأرض تميد بها وهمست بمكر :
_عزيزتي دايزي ، كيف حالك؟؟؟
ردت دايزي بهمس حاقد :
_ ما الذي تريدينه ؟؟؟.........سيلفيا!!!!
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
|