عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 05-05-2017, 06:27 PM
 
البارت الحادي عشر
أنيتا: حالما رأيتها ، شعرت بأنني على وشك التقيأ ، ألا ترى نفسها ؟؟؟ إنها مقززة ، إنها غير ملتزمة بالأناقة ، حتى ملابسها غير متناسقة ، ليست جميلة البتة ، ووجها مليء بالأصباغ ، لا أدري ما هي ردة فعل الباقين وبالأخص كايل ، مسكين يبدو شخصا لطيفا ، أنا حقا خائفة أن يكون مرض التكبر ينتقل بالعدوة .....

كايل : صدمتان في نفس الوقت ، أشك في أن أحدكم يريد أن يكون مكاني ، صدمتي الأولى كانت رائعة ، لم أكن أستطيع الحراك ، صوتها الحاد ، تغلغل إلى أعماقي ليرسل تلك الرجة الخفيفة اللطيفة ، في كياني ، ويبعثر شتات نفسي ، لكم تطلعت لهذا اللقاء ، حتى لو لم تجمعنا الصدف ، كنت لأبحث عنها ، وأجدها ، وأجعلها تقع في حبي ،
كما سبق وأوقعتني في شباك مصيدة حبها العذب ، صدقيني يا صوفيا ، رغم أننا لم نلتق سوى بضع دقائق إلا أن تلك الدقائق كانت كفيلة ، بجعلي أغوص في حبك ، وسأظل متمسكا بهذا الحب ، لآخر أيام حياتي .
أما صدمتي الثانية ،فقد حطمت كل الأحلام الرقيقة التي اجتاحت كياني ، وحولتها إلى حطام ، دخلت كالعاصفة، يا إلهي ألا يكفيها ما فعلت ؟؟؟ ألا يكفيها كم الدمار الذي أشاعته ؟؟ لمستها كانت كفيلة بجعل كل عضلة في جسدي ترتجف اشمئزازا ، طريقة مشيها تقرفني ، مسكينة دايزي ، لا أعلم كيف ستتحملينها.........

صوفيا: حقا لا أعلم ما الذي دعاني لقول ما قلته ؟؟ كل ما أعرفه أن شيئا ما تحرك في داخلي فور رؤيتي له ، لا أعلم ما هو ........ لربما أردت أن أرد اعتباري ، لكن هذا ليس مهما الآن ، فلقد اشتقت حقا لوجهه المرح ، ذو الملامح الجذابة ، لديه وسامة خارقة ، لا بد أن له أصلا إيطالياأو إسبانيا ، فهناك نوع من الخشونة في صوته ، كما أن لديه بحة مميزة غريبة لم أسمع مثلها قبلا ، لكن أحلامي تناثرت مع الرياح التي سببها دخول تلك المتشردة ، ما الذي جاء بها إلى هنا ؟؟ سمعت ديزي تردد بخفوت سيلفيا ....تساءلت : هل هذه هي سيلفيا حقا ؟؟ ولم تمسك بيد كايل بذاك التملك ؟؟ أصابني الدوار عندما جال برأسي فكرة كونها حبيبة كايل ............

ميديا: صدمتي كانت قوية ، كأنني تلقيت ضربة على الرأس ، شعرت بأن الضباب خيم على المكان ، سيلفيا هنا ، آه لكم أكره تلك الفتاة ، نظراتها الزائغة تصيبني بالاشمئزاز ، لقد قامت بتفحص الشباب الثلاثة وبكل وقاحة ، وأراهن أنها فعلت ذلك مع كل شاب مرت به ، لا شعوريا ، شددت قبضتي على يد نيكول ، نظر إلي بخوف ، وأحاطني بذراعه ثم ضمني لصدره الحنون ، تطلعت بسيلفيا التي يبدو أن تصرف نيكول لم يعجبها ، أنا حقا خائفة من أن تبدأ بزرع الفتن بيني وبينه ، رفعت عيني إليه أتفحص وجهه الوسيم الأسمر ، ونزلت دمعة رقيقة على خدي لهذا الاحتمال ، خفت كثيرا ، فدفنت رأسي في صدره ، أدعو الله أن يبعد شرها عنا ........

نيكول : شعرت بيد ميديا على ذراعي فالتفت إليها ، رأيت أن وجهها قد شحب فخفت وأسرعت أضمها لصدري ،
ولسبب ما انحدرت دمعة رقيقة على خدها ، لم أشأ أن أقلقها أكثر ، فتركتها ترتاح ، وقربتها مني أكثر ، ثم رحت أوجه نظراتي إلى تلك الفتاة التي جعلتني أشعر بالمعنى الحقيقي للمصطلح المسمى بالقرف ، وأكثر ما جعلني أشعر بالاشمئزاز الطريقة التي أمسكت فيها بيد كايل وهي تتكلم بمياعة ، مسكين كايل ، حقا مسكين ...

أندريس : هذا ما كان ينقصني .... الرحمة !! حقيقة هذه الفتاة حتى نظراتها وقحة ، إنها تتطللع في مذ دخلت دون أن يبدو عليها الحياء ، وإنما نظراتها صريحة ، شعرت فجأة بألم حاد في صدري ، فشدت قبضتي على ثوب دايزي من الخلف ، نظرت إلي بقلق وخوف ، فابتسمت لها وأنا أرى عينيها تتفحصانني بقلق ، أحطت كتفيها الرقيقين بذراعي ، وضممتها لصدري ، وكما توقعت فقط اغتاظت تلك الفتاة ، وراحت تصر بشدة على أسنانها،
لم أكترث لها وإنما رحت أمرر أناملي في شعر دايزي ناعم الملمس وأتمتم في أذنها بكلمات لأغنية يونانية ، شعرت بها تسترخي ، ولكن لم يفتني توترها ، ونظراتها الحادة المصوبة نحو المسماة سيلفيا ....

دايزي : هل أقول لكم :إنني لم أخف ؟؟؟ لا بل فعلت ، وإن كان شعور التحدي قد طغى على شعور الخوف ، إلا أنني شعرت به ، فسيلفيا تسبب لي المشاكل مذ كنت صغير ، لقد تسببت بطردي عندما كنت في المدرسة المتوسطة ، واتهمتني كذبا ، وفي الثانوية أوجدت العديد من المشاكل بيني وبين كايل ، ونسبت لي بعض التهم ،
كبيع الممنوعات ، وتجارة المخدرات بل وتعاطيها ، كانت جريئة جدا ، تذهب للشرطة وتخبرهم بتلك الأمور الكاذبة ، وقد حدث أن جاءت الشرطة بضعة مرات لتعتقلني على ذمة التحقيق ، ولكن الفضل لوالدي وكايل ،
اللذان دافعا عني ، وكالعادة كانت تنجو بأفعالها بسبب نسبها العريق وقرابتها من العائلة الحاكمة ، صحيح أن عائلتي مشهورة إلا أنها ليست ذات نسب عريق على العكس من سيلفيا التي لها نسب ضارب في أعماق التاريخ الإنجليزي ، فجأة شعرت بيد أندريس تشد على قميصي ، فسارعت للنظر إليه ، ولم تغب عني تلك النظرة المتألمة ، شعرت بحرقة في عينيي وتجمعت الدموع فيهما (إنه يتألم) ، أحاطني بذراعه القوية ، وجذبني بهدوء إلى حضنه ، أرحت رأسي على كتفه ، ورفعت يدي لتستقر على موضع الرصاصة على صدره ، نظرت إلى سيلفيا حيث اتجهت الأنظار ، لكن فجأة ،لم تعد هي محط الأنظار ، وإنما الواقف بالباب ، رفعت رأسي بذهول عن كتف أندريس ، حدقت به كأنني أراه لأول مرة ، ولكن الحقيقة أنني كنت بحاجة له ،بحاجة إلى حنانه ، إلى دفئه ، إلى رقته ،آاااااااااااااااااااااه لكم اشتقت إليه ، تركت أندريس وركضت بسرعة خارقة متجاوزة سيلفيا الحانقة ، وارتميت إلى صدره الحاني ، ولم يتردد هو وإنما سارع ولمني بكل شوق ، وهمس بأذني :
_لقد اشتقت لك يا طفلتي ......
سار بقامته المنتصبة في ممرات المشفى ذات الجدران البيضاء ، أخذ نفسا عميقا ، فتشبعت رئتاه برائحة المشفى تلك التي تبعث في نفسه بعض الذكريات الحزينة ، رفع يده القوية بهدوء وانتزع نظارته الثمينة ، التي تخفي خلفها عينان بنيتان رائعتي الجمال ، حرك عينيه الساحرتين لتستطلعا المكان ، واستقرتا على مكتب الاستقبال الكبير ، ذاك الذي تجلس خلفه فتاة تبدو في مقتبل العمر ، كانت تحدق به ، ويبدو أنها لم تكن في كامل وعيها إذ كانت تطلق العديد من التنهيدات ، اقترب منها بهدوء وهو يلوح بنظارته السوداء ، استند إلى الطاولة بذراعه ، وسأل بنفاذ صبر :
_من فضلك يا آنسة ، هلا دللتني على غرفة الآنسة دايزي بريسكوت ؟؟؟
كلماته الملحة أيقظت الفتاة من غفوتها القصيرة ، بدا على وجهها الرقيق الارتباك ، ولكنها سارعت تخفيه خلف ابتسامتها التي ترسمها على فمها ، عندما تسأل عن سؤال مشابه ، داعبت أناملها لوحة المفاتيح ، وسرعان ما رفعت رأسها لتقول بمرح :
_الغرفة رقم 25 ، ولكنني آسفة يا سيد لا يسمح لأحد بزيارتها ....
لم يعرها اهتماما وإنما سار في طريقه متجاهلا نداءاتها المتواصلة ، غضبت الفتاة وبشدة ، وخرجت مسرعة من خلف طاولتها ، وسارت حتى وصلته ، أمسكت بذراعه بشدة ، فتوقف ، التفت إليها وهو يحاول أن يرسم ابتسامة ودودة على وجهه ، ولكن يبدو أنه فشل إذ تراجعت الفتاة للخلف ، وهي تعتذر ، ثم راحت تتمتم بارتباك ظاهر :
_آسفة يا سيدي ولكن الآنسة أصيبت بانهيار عصبي ، ويقول الأطباء إن عليها أن ترتاح أسبوعا كاملا .
استدار ليواجهها ، حدق بوجهها الممتلئ ، وابتسامتها التي يبدو أنها مخصصة للشبان فقط ، وقال ببرود قاتل ،
أرسل رعشة في جسدها الرقيق الفاتن :
_هل لك أب يا آنسة ؟؟؟
هزت رأسها بنعم ، فتابع يقول :
_ لا بد إذن أنك تعلمين مدى قلق الآباء على أبنائهم ، وابنتي الوحيدة في الداخل ، وأنا أريد رؤيتها حالا...
شهقت الفتاة وهي تردد :
_أنت والدها ....ولكن لا يبدو عليك هذا .
ابتسم بسخرية لشدة سذاجتها ، وانتزع ذراعه من بين يدها ، وهو يتمتم لنفسه بهدوء ساخر ((لا بد أنني خيبت أملها !!)) . توقفت قدامه أمام باب خشبي كتب عليه ( غرفة رقم 25) ،لم يكن بحاجة لطرق الباب فقد كان مفتوحا ، كان المنظر غريبا بعض الشيء ، فالسكون قد عم المكان ، والكل يحدق ناحية الفتاة التي تعطيه ظهرها،
لقد بدأ يشعر بأن هناك شيئا خاطئا في الأمر ، ينتابه شعوربأنه يعرف هذه الفتاة ، لم يكن هذا هو ما يهمه ، بل كانت طفلته الصغيرة ، التي تجلس بقرب شاب قوي البنية ، يبدو الألم على ملامحه ، هتف بصوت خافت :
_ مرحبا!!
وعلى الفور رفعت رأسها الأشقر إليه ، وطالعته عيناها الفيروزيتين ، وابتسامتها التي كشفت عن صف من اللؤلؤ، فتح ذراعيه لها ، فنهضت مسرعة من جانب الشاب الذي تطلع إليه بتركيز محاولا استذكار ملامحه، وتجاوزت الفتاة التي لم تحرك ساكنا وإنما يبدو عليها أنها تحدق بشيء ما ، وارتمت في حضنه ، ولم يقاوم هو رغبته في ضمها ، بل سارع يحيطها بذراعيه . شدت على قميصه الحريري ، وبللت دموعها ثيابه ، ولكنه لم يكترث وإنما همس في أذنها بحنو:
_لقد اشتقت لك يا طفلتي!!
رفعت دايزي رأسها نحوه ، وتأملت ملامح وجهه الباسمة ، اتسعت ابتسامته ، وظهر تغضن على زاويتي عينيه اللتين شعتا بإشراق، همست وهي تعاود دفن رأسها في صدره:
_وأنا اشتقت لك أبي ..
ابتسم كايل بحنان لهذا المشهد ، وراح يتذكر كم كان السيد مارك ، الذي ضمه إليه بعد أن توفي والده ، إثر نوبة قلبية،حنونا معه ، ارتعش جسده وهو يفكر بأنه قد أخطأ كثيرا بحق الرجل الذي كان له الوالد ، والصديق ، والأخ ...

رفع مارك وجه ابنته الباكي ، ومسح دموعها الرقيقة وهو يقول بعتاب خفيف:
_لو كنا نجمع دموعك لكنا حصلنا ثروة ليست بالصغيرة..
ولأول مرة منذ دخوله ،استدارت الفتاة الشقراء إليه ، لم تكن سيلفيا شخصية مجهولة بالنسبة لمارك الذي عانى كثيرا من محاولاتها للإيقاع به، فرغم أنه يكبرها بـ 23 سنة ، إلا أنها كانت من الوقاحة بحيث تسعى لإغراء رجل بعمر والدها . رفعت يدها ذات الأظافر المطلية بعدة ألوان ، ولوحت لمارك وابتسامة ماكرة تشق فمها الكبير ، أنزلت يدها وهي تقول باستخفاف :
_لا أظن أنك كنت ستجني دولارا واحدا ، عزيزي !!
شعر مارك بالنفور من صوتها الذي يبدو كصوت دجاجة أصيب ببحة ، لا بل كان كالصوت الذي تصدره أظافرها الطويلة ، عندما تقوم بتمريرها على لوح كتابة . أدار دايزي ليقابل وجهها الذي استعاد حيويته ، ثم أعاد ناظريه لسيلفيا التي اتجهت لتجلس على الطرف الآخر للأريكة التي تجلس عليها سان، وقال وهو يحوط كتفي دايزي النحيلين بذراعه الصلبة :
_ بل صدقيني ، أيتها الآنسة ، فدموع العزيزة غالية جدا ، وجدا جدا ، بحيث لا يوجد سعر يمكن أن يوازي غلاتها.
كشرت سيلفيا بانزعاج ، في حين قاطع كايل هذه المناقشة قائلا بمرحه الذي شابه قليل من العتاب :
_ حسنا ، شكرا لك أبي ،كل هذا لدايزي؟؟؟ وماذا بقي لي أنا ؟؟!!
ابتعدت دايزي عن والدها مفسحة المجال لكايل ، الذي قطع الغرفة بخطوتين كبيرتين ، واتجه لوالده وقابله بعناق حميم . همس كايل بشوق ونبرة مختنقة :
_اشتقت لك ....
كان جواب مارك مشابها ، فتابع كايل :
_أنا آسف على كل ما سببته لك أبي !!
ربت مارك على كتفي كايل ، وقال بفخر :
_ما دمت قلت (أبي) فأنا أسامحك على كل ما فعلته ...

دايزي التي أسندت نفسها إلى الجدار كانت في غاية السعادة ، لكن الشيء السيء الوحيد ، كان وجود سيلفيا صاحبة النظرات الخبيثة الموجهة إلى كايل ، رفعت دايزي يدها إلى صدرها وقبضت عليها بقوة ، وعيناها تتألقان بتركيز ، راحت تفكر في نفسها (( إنها هادئة ، وتجلس كالمعتاد ، أوه سيلفيا سأنتقم منك يوما ما ))
حركت سيلفيا عينيها باتجاه ساندرا الهادئة ، فلاحظتها دايزي ، وراحت تصر على أسنانها بغضب ، تحولت عينا سيلفيا إلى نيكول وميديا ، وبان الحسد فيهما ، تطلعت دايزي نحوهما ، وقلبها يرتعش من أن تحاول سيلفيا تحطيم حبهما الرقيق ،عادت العينان البنيتان الضيقتان لتجريا مسحا للغرفة ثم استقرتا على صوفيا التي يبدو عليها التفكير العميق ، رفعت إبهامها إلى فمها وراحت تقضم أظافرها وهي تردد في نفسها بقلق : ((هذا ما لم أحسب له حسابا )) ، ثم في النهاية أدارت سيلفيا رأسها لتقع عيناها على الشعر الأسود الكثيف والعينان الجليديتان الذكيتان. حدق بها أندريس ببرود ووجوم ، ولم يلق لها بالا ، ظهر النفور على وجه سيلفيا وهي ترى عدم اكتراثه ، لكنها عادت تهز رأسها وهي تتوعد الجميع بانتقام مرير ، لذنب لم يقترفوه .

ابتعد كايل عن مارك بهدوء وقد اتسعت ابتسامته وتألق وجهه الوسيم ، وقال بصوته العالي وهو يؤشر على مارك الذي لازال يحيط كتفي ابنه بذراعه القوية :
_ أعرفكم بالسيد مارك بريسكوت ، والدنا أنا ودايزي .
رفع مارك يده محييا ، وقد عاد ذاك التغضن ليظهر عند زاويتي عينيه ، عندما ابتسم :
_ كيف حالكم ؟؟
تقدمت دايزي منهما وأشارت لنيكول الباسم :
_ أبي أعرفك على نيكول بروس ، حبيب ميديا ..
احمرت ميديا خجلا وأخفت وجهها بين يديها ، في حين قهقه الجميع لهذا الخجل ، أحاطها نيكول بذراعيه وهتف بتأنيب :
_ دايزي هلا كففت عن ذلك ؟؟؟
ثم التفت إلى مارك وقال باحترام:
_سررت بالتعرف إليك سيدي ..
قطب مارك بخفة وهو يقول :
_نادني عمي ، فهذا أفضل .
أكملت دايزي وهي تشير إلى ساندرا :
_هذه ساندرا بروس شقيقة نيكول التوأم .
حيته ساندرا بخفة وود ، فتابعت دايزي تشير إلى صوفيا :
_وهذه .....
قاطعها كايل بنبرة استفزازية تعمد فيها إغاظة صوفيا :
_الآنسة صوفيا ، سكرتيرة السيد سوفاكيس ، لكن للأسف لا أدري أي واحد ، فهما اثنان ....هذا ما قالته لي يوم ذهبت إلى الشركة ، وهذا يثبت نظريتي التي تقول ، السكرتيرات اللاتي يعملن في الشركات الكبرى ، حمقاوات .

قال كلمته الأخيرة بصوت عال ، في حين وقفت صوفيا عند الباب ، وهي ترفع أكمام قميصها إلى المرفقين ، وفي عينيها شرارة غضب ، أربكت كايل وجعلته يتراجع إلى الوراء بضع خطوات ، تقدمت منه بهدوء :
_حمقاء إذن !! حسنا أيها القط الأشقر سأريك ماذا ستفعل بك هذه الحمقاء .
تقدم خطوتين إلى الأمام وكرر بغضب اجتاح جسده:
_قط أشقر ؟؟ اسحبي كلامك حالا.
رفعت حاجبيها تستفزه ، وقالت بتحدي:
_وإن لم أفعل ؟؟
رفع سبابته في وجهها ، وقال يصر على أسنانه:
_ستفعلين ،رغما عن أنفك.
أنزلت أكمام قميصها الرقيق ، وراحت ترتب ملابسها ، وتقوم بضبط شعرها متجاهلة إياه ، ثم قالت بلامبالاة:
_ومن سيجبرني؟؟أنت؟!!
قالت كلمتها الأخيرة باستهزاء ، وهي تتجه إلى الكنبة الصغيرة وتجلس بين سيلفيا وساندرا . حدقت سيلفيا بصوفيا بتعال ، وراحت ترمقها بنظرات متفحصة أثارت حفيظة كايل ، الذي كان يراقب من بعيد . تنهدت دايزي بتعب ، ثم قالت وهي تشير إلى أندريس الباسم:
_والأخير هو أندريس سوفاكيس ، أظنك التقيت به ، لقد قلت لي هذا مسبقا ..
تقدم مارك برزانة من السرير ثم رفع يده مصافحا ، وعيناه تشعان احتراما وتقديرا لأندريس الذي تحامل على ألمه واعتدل في جلسته قليلا ، قال مارك وهو يشد على يد الشاب الأسمر :
_ أجل صحيح ، لقد التقيته مسبقا كزائر عند الملك ، أما الآن...
أدار رأسه لدايزي ، وعمزها بخفة وهو يسترسل :
_ فأنا أقابله بصفته أول صديق لابنتي .
استلزم دايزي بعض الوقت ،لتفهم ما قاله والدها ، وفجأة شعرت بأن شيئا ما قد أصابها في رأسها ، وتسبب في استيقاظها من غيبوبة بدت لها طويلة . اختفت النظرات الخائفة التائهة ، لتحل محلها النظرات الحانقة ، واختفت تلك الابتسامة الودوة ، لتحل محلها تكشيرة محملة بغضب عارم ، وكذلك اختفى الارتخاء الذي كان يحوط جسدها، وترك التشنج ليسيطر عليها . صرت على أسنانها بقوة ، لكنها لم تصرخ وإنما كانت المفاجأة أنها ابتسمت بخفة ، ثم رفعت يدها لتبعد بعض الخصلات الشقراء عن جبينها الأبيض ، وسارت بتعال يوازي التعالي الذي سارت به سيلفيا ، وراحت تقول بصوتها الناعم ذي النبرة الحادة:
_ عليك أن تفهم أبي أنا وأندريس لا ، ولم ، ولن يكون بيننا شيء ..
حولت نظراتها ناحية أندريس الذي كان يبتسم باستهزاء ، كما لاحظت من طرف عينها سيلفيا ، التي يبدو عليها الاستمتاع ، وقالت بقليل من التحقير وهي تشير إلى أندريس:
_ ثم ، عندما أختار صديقا لي على حد قولك ، سيكون وسيما ، ذكيا ، قويا ، واثقا ، عزيز النفس.
جلس مارك على السرير يراقب ابنته الغبية ، لطالما كانت عنيدة فيما يختص بمشاعرها ، أشار لها بيده وهو يسأل :
_ أليست هذه هي مواصفات أندريس ؟؟
وعلى الفور ، اعتلى وجه دايزي تكشيرة غير راضية ، وهي تقول باستياء:
_لا هذا مستحيل ، انظر إلى وجهه..
قالتها وهي تشير إلى أندريس الساخط ، ثم أردفت:
_هل هذا وجه وسيم ؟؟؟ لا بالطبع ، حسنا هل يبدو عليه الذكاء ؟؟
رفعت يديها ووضعتهما على رأسها وهي تقول :
_بحق الله ، الغباء مرسوم على جبينه الغجري ، كما أنه ليس واثقا ، وإنما مغروووور .
أخذت نفسا عميقا ، أطلقت معه بقايا عضبها الذي لم تستطع الكلمات أن تعبر عنه ، هتف أندريس بضيق :
_هل انتهيت؟؟
رفعت حاجبها استنكارا وقالت بحدة تناسبت مع جو الغرفة الصامت ، والذي بدا لها ثقيلا فجأة:
_ أجل ، ما الذي ستفعله ؟؟؟
هز رأسه بهدوء وقال مشيرا إلى جراحه:
_انظري إلي ،أنا مصاب ولو لم أكن لقمت الآن بتأديبك ، بطريقتي المفضلة .
ارتعشت دايزي قليلا ، لكلماته الهادئة ، وقد كانت واثقة من أنه لن يتوانى عن تنفيذ العقاب مهما كان :
_ وما هي طريقتك المفضلة؟؟
كتف يديه ، وقال بتحاذق :
_أتعلمين أن الأساتذة الإنجليز ، كانوا يضربون الأطفال على مؤخراتهم عندما يقومون بأعمال شينة ؟؟؟

وعلى الفور كانت دايزي تختبئ في حضن شقيقها ، ووجهها باتجاه أندريس ، حدق فيها بسخرية ، أرسلت ارتعاشة بسيطة على طول عمودها الفقري ، حاولت أن تخفي قلقها ، فمدت لسانها تستفزه ، لكنه ابتسم ،
لم تكن ابتسامة كاملة وإنما شبحا لابتسامة ساخرة ، رفع يده السمراء إلى شعره المبعثر ، وراح في محاولة لترتيبه ، وهو يقول بكسل:
_حسنا دايزي ، سررت بتلك الفترة التي كنت تبكين فيها علي ، وتصرخين ((أندريس أرجوك لا تمت)).
قال كلماته الأخيرة وهو يحاول تقليدها ، ما جعل دايزي تشتعل خجلا وغضبا في آن ، بدا الجميع مستمتعا بالتمثيلية ، بالأخص سيلفيا التي لم تكف عن القهقه بصوت عال لا يناسب فتاة عريقة الأصل . رفعت يدها الهزيلة وراحت تمسح بعض الدموع التي لم تنزل قط ، فدموع عينيها قد تحجرتا ، كما سبق وتحجر قلبها ، قالت باستخفاف محدثة أندريس :
_هل أنت واثق من أن دايزي كانت تبكي ؟؟
لم يجبها وإنما عادت اتكشيرة لتغطي وجهه ، فوجهت سيلفيا كلامها لدايزي ، لكن الأخيرة قالت بذكاء :
_ الدموع هي دليل الإنسانية سلفي ، وهي على أي حال شيء لا تملكينه..

هكذا إذن دايزي ، تحقرينني أمام الجميع ، سنرى ما الذي ستفعلينه عندما يحضر (ألبرت) ، ستنهارين بالتأكيد ، سأريك ، أنت وأندريس ذاك ، أنا أحضر له مفاجأة عظيمة ، وعظيمة جدا جدا . وكذلك ميديا العزيزة سنرى ما الذي سيحل بقلبك الرقيق عندما ترين ألبرت مجددا ، يا ترى ماذا ستكون ردة فعل صديقك الوسيم ، ستفقدينه بالتأكيد ، أما صوفيا فسيكون علي أن أتفرغ لها فلا تبدوا لي سهلة البتة ، وكذلك ساندرا التي سأحيل حياتها جحيما ، كل ما علي هو زيارة بعض الناس هنا والاستفسار عن حياتها السابقة ، وبالتأكيد سأجد شيئا ما أمتع به نفسي ، انتظروني أيها الأغبياء ، سأريكم النجوم في عز الظهيرة ، سأجعلكم تعيشون في الجحيم ، لن ينجوا أحد مني. بعدها سأتسلى بالشبان الثلاثة ، فكايل يتجاهلني كثيرا ، حسنا علي أن أبدأ حالا.

نهضت عن الكنبة بهدوء ، وراحت تقطع الغرفة وصوت حذائها يصدر ضجيجا مزعجا ، رمقت دايزي بتعال ، وسارت بمحاذاتها متعمدة أن تصطدم كتفها بكتف دايزي ، قرت شفتيها اللتين صبغتا بلون قاتم ، من أذن دايزي ،
شعرت دايزي بأنها ستختنق من رائحة عطر سيلفيا المريعة ، والتي جلبت الدوار لنفسها ، همست سيلفيا بمكر :
_ما رأيك لو قلت لك بأن ألبرت قادم؟؟
وشدت على كلمة ألبرت ، ثم سارت دون أن تنتظر ردة فعل دايزي ، التفتت دايزي خلفها بسرعة ، ولكن سيلفيا اختفت ، ((هل يمكن ؟؟ لا لن يعود ليدمر حياتنا م جديد ، يا إلهي ، تلك الفتاة لا يأتي منها إلا كل ما هو سيء ، أكرهك سلفيا)) ، حاولت أن تتجاهل كلمات سيلفيا التي بقيت تصدح في أذنها إلا أنها لم تستطع ، رفعت يديها وأحاطت رأسها الأشقر ، ورحات تضغط عليه بقوة محاولة محو الصداع الذي سيطر عليها فجأة ، أحست بيد على كتفها ، فاستدارت باسمة لتواجه ، وجه أخيها القلق ، الذي سارع يسأل بخوف :
_ماذا قالت لك ؟؟
لوحت بيدها موحية إليه ألا شيء مهم ، وقالت بعدم اكتراث وهي تسير ناحية أندريس الذي بدا عليه الألم :
_لا شيء مهم ، إنها تتوعد كالعادة .
اقتربت من أندريس الذي لم يعد يستطيع إخفاء ألمه ، وضعت يدا على صدره والأخرى خلف ظهره ، وساعدته لينام ، وهي تقول بقلق شابه عتاب بسيط:
_ كله بسبب إهمالك ، كان عليك أن تبقى في غرفتك..
ابتسم بألم ، وقد بدأت قطرات العرق ترسم لها مسارا على جبينه ، وهو يرد :
_ يا ناكرة الجميل لقد أسرعت إليك ، حالما استيقظت وهذا هو جزائي .
ضغطت دايزي زر استدعاء الممرضة ، وهي تغطي أندريس الذي بدأ يرتجف ، وقالت بحنية ، وهي تزيح خصلات شعره المبللة بالعرق عن جبينه الساخن:
_شكرا لك أندريس ، والآن عليك أن تستريح .
أغمض أندريس عينيه ، وهو يشعر بالراحة ، تمنى لو أنها لا تبعد يدها الحانية عن جبينه ، لو أنها تبقى بجانبه ، وتؤنس وحدته ، وتملأ الفراغ داخل قلبه ، لو تزيح بحنيتها الألم الذي يسكن داخل قلبه ، وتمسح بطيبة قلبها ، حقده لجده . لم ترغب دايزي برفع يدها عن جبينه ، شعرت بأنه يحتاجها ، ولكنها اضطرت لذلك ، حتى تسمح للأصباء بالقيام بعملهم ، قامت الممرضات بتخديره ، وأعادوا نقله إلى غرفته ، ليتلقى العلاج اللازم .

تقدم مارك من ابنته التي كانت تراقب الممرضات يدفعن بسرير أندريس ، وجهاز التنفس موضوع على وجهه، واحتضنها من الخلف وراح يهمس في أذنها بكلمات أغنية ، كانت والدتها تغنيها لها قبل النوم، سالت الدموع على وجنتي دايزي بغزارة ، وراحت تشهق بقوة ، وهي تتمتم:
_ أبي لقد رأيته ، كان نفس المشهد ، الرصاصة ، والدماء ، الصراخ ، كان يقول لي ((دايزي أنا بخير ))، لكنه لم يكن ..
استدارت لتقابل والدها ، وأكملت بصوت أبح من البكاء :
_كان صوته متهدجا ، والدماء تتسرب من صدره ، كان علي أن أساعده ، لكنني لم أستطع ...
ارتمت في حضن والدها لتكمل بكاءها ، وهي تتابع :
_ كان علي أن أهرع إليه ، وأطمئنه ، وأحاول إجراء بعض الإسعافات ، لكنني لم أستطع كنت خائفة ، خائفة...

وعادت تبكي بحرقة ، فما كان من كايل إلا أن طلب من إحدى الممرضات أن تقوم بتخديرها حتى لا تؤذي نفسها أكثر ، نهض نيكول واصطحب ميديا القلقة ، وساندرا الخائفة معه ، وكايل اصطحب صوفيا التي كانت على وشك البكاء، وأنيتا التي بدت الحيرة جلية على وجهها ، في حين قام مارك بمساعدة الممرضة ، وممدا دايزي على السرير .

شعرت بأنها مخدرة ، وأن جسدها لا يستطع الحراك ، حاولت أن تتلفظ ببعض الكلمات ، لكنها لم تستطع ، أغمضت عينيها واستسلمت للنوم الذي سيطر على أجفانها ، جاعلا إياها تطبق على بعض ، ترددت عبارة سيلفيا في ذهنها ((ما رأيك لو قلت أن ألبرت قادم؟؟)) ، مرت في ذهنها عدة مشاهد ، سيلفيا وابتسامتها الماكرة ، ألبرت الذي انصاع لسيلفيا ، وأعطاهم ظهره وابتسامة شديدة الخبث تلوح على شفتيه ، وكلماته التي أحرقت قلبها:
_ لم تكوني سوى دمية ، يستحيل أن أحب شخصا مثلك!!

ثم لم تعد تدري عن شيء ، شعرت بالظلام يلفها ، وبراحة تغمر جسدها ، قررت الاستسلام لهذا الشعور ، فهو مريح ، ويشعرها بأنها تطفو فوق السحاب ، شعرت بالدفء يغمرها وبالحنان يحفها ، فنامت مقررة أن تترك أعباء الغد للغد.

يتبع...

__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس