_انظري إلي ،أنا مصاب ولو لم أكن لقمت الآن بتأديبك ، بطريقتي المفضلة . ارتعشت دايزي قليلا ، لكلماته الهادئة ، وقد كانت واثقة من أنه لن يتوانى عن تنفيذ العقاب مهما كان : _ وما هي طريقتك المفضلة؟؟ كتف يديه ، وقال بتحاذق : _أتعلمين أن الأساتذة الإنجليز ، كانوا يضربون الأطفال على مؤخراتهم عندما يقومون بأعمال شينة ؟؟؟ وعلى الفور كانت دايزي تختبئ في حضن شقيقها ، ووجهها باتجاه أندريس ، حدق فيها بسخرية ، أرسلت ارتعاشة بسيطة على طول عمودها الفقري ، حاولت أن تخفي قلقها ، فمدت لسانها تستفزه ، لكنه ابتسم ، لم تكن ابتسامة كاملة وإنما شبحا لابتسامة ساخرة ، رفع يده السمراء إلى شعره المبعثر ، وراح في محاولة لترتيبه ، وهو يقول بكسل: _حسنا دايزي ، سررت بتلك الفترة التي كنت تبكين فيها علي ، وتصرخين ((أندريس أرجوك لا تمت)). قال كلماته الأخيرة وهو يحاول تقليدها ، ما جعل دايزي تشتعل خجلا وغضبا في آن ، بدا الجميع مستمتعا بالتمثيلية ، بالأخص سيلفيا التي لم تكف عن القهقه بصوت عال لا يناسب فتاة عريقة الأصل . رفعت يدها الهزيلة وراحت تمسح بعض الدموع التي لم تنزل قط ، فدموع عينيها قد تحجرتا ، كما سبق وتحجر قلبها ، قالت باستخفاف محدثة أندريس : _هل أنت واثق من أن دايزي كانت تبكي ؟؟ لم يجبها وإنما عادت اتكشيرة لتغطي وجهه ، فوجهت سيلفيا كلامها لدايزي ، لكن الأخيرة قالت بذكاء : _ الدموع هي دليل الإنسانية سلفي ، وهي على أي حال شيء لا تملكينه.. هكذا إذن دايزي ، تحقرينني أمام الجميع ، سنرى ما الذي ستفعلينه عندما يحضر (ألبرت) ، ستنهارين بالتأكيد ، سأريك ، أنت وأندريس ذاك ، أنا أحضر له مفاجأة عظيمة ، وعظيمة جدا جدا . وكذلك ميديا العزيزة سنرى ما الذي سيحل بقلبك الرقيق عندما ترين ألبرت مجددا ، يا ترى ماذا ستكون ردة فعل صديقك الوسيم ، ستفقدينه بالتأكيد ، أما صوفيا فسيكون علي أن أتفرغ لها فلا تبدوا لي سهلة البتة ، وكذلك ساندرا التي سأحيل حياتها جحيما ، كل ما علي هو زيارة بعض الناس هنا والاستفسار عن حياتها السابقة ، وبالتأكيد سأجد شيئا ما أمتع به نفسي ، انتظروني أيها الأغبياء ، سأريكم النجوم في عز الظهيرة ، سأجعلكم تعيشون في الجحيم ، لن ينجوا أحد مني. بعدها سأتسلى بالشبان الثلاثة ، فكايل يتجاهلني كثيرا ، حسنا علي أن أبدأ حالا. نهضت عن الكنبة بهدوء ، وراحت تقطع الغرفة وصوت حذائها يصدر ضجيجا مزعجا ، رمقت دايزي بتعال ، وسارت بمحاذاتها متعمدة أن تصطدم كتفها بكتف دايزي ، قرت شفتيها اللتين صبغتا بلون قاتم ، من أذن دايزي ، شعرت دايزي بأنها ستختنق من رائحة عطر سيلفيا المريعة ، والتي جلبت الدوار لنفسها ، همست سيلفيا بمكر : _ما رأيك لو قلت لك بأن ألبرت قادم؟؟ وشدت على كلمة ألبرت ، ثم سارت دون أن تنتظر ردة فعل دايزي ، التفتت دايزي خلفها بسرعة ، ولكن سيلفيا اختفت ، ((هل يمكن ؟؟ لا لن يعود ليدمر حياتنا م جديد ، يا إلهي ، تلك الفتاة لا يأتي منها إلا كل ما هو سيء ، أكرهك سلفيا)) ، حاولت أن تتجاهل كلمات سيلفيا التي بقيت تصدح في أذنها إلا أنها لم تستطع ، رفعت يديها وأحاطت رأسها الأشقر ، ورحات تضغط عليه بقوة محاولة محو الصداع الذي سيطر عليها فجأة ، أحست بيد على كتفها ، فاستدارت باسمة لتواجه ، وجه أخيها القلق ، الذي سارع يسأل بخوف : _ماذا قالت لك ؟؟ لوحت بيدها موحية إليه ألا شيء مهم ، وقالت بعدم اكتراث وهي تسير ناحية أندريس الذي بدا عليه الألم : _لا شيء مهم ، إنها تتوعد كالعادة . اقتربت من أندريس الذي لم يعد يستطيع إخفاء ألمه ، وضعت يدا على صدره والأخرى خلف ظهره ، وساعدته لينام ، وهي تقول بقلق شابه عتاب بسيط: _ كله بسبب إهمالك ، كان عليك أن تبقى في غرفتك.. ابتسم بألم ، وقد بدأت قطرات العرق ترسم لها مسارا على جبينه ، وهو يرد : _ يا ناكرة الجميل لقد أسرعت إليك ، حالما استيقظت وهذا هو جزائي . ضغطت دايزي زر استدعاء الممرضة ، وهي تغطي أندريس الذي بدأ يرتجف ، وقالت بحنية ، وهي تزيح خصلات شعره المبللة بالعرق عن جبينه الساخن: _شكرا لك أندريس ، والآن عليك أن تستريح . أغمض أندريس عينيه ، وهو يشعر بالراحة ، تمنى لو أنها لا تبعد يدها الحانية عن جبينه ، لو أنها تبقى بجانبه ، وتؤنس وحدته ، وتملأ الفراغ داخل قلبه ، لو تزيح بحنيتها الألم الذي يسكن داخل قلبه ، وتمسح بطيبة قلبها ، حقده لجده . لم ترغب دايزي برفع يدها عن جبينه ، شعرت بأنه يحتاجها ، ولكنها اضطرت لذلك ، حتى تسمح للأصباء بالقيام بعملهم ، قامت الممرضات بتخديره ، وأعادوا نقله إلى غرفته ، ليتلقى العلاج اللازم . تقدم مارك من ابنته التي كانت تراقب الممرضات يدفعن بسرير أندريس ، وجهاز التنفس موضوع على وجهه، واحتضنها من الخلف وراح يهمس في أذنها بكلمات أغنية ، كانت والدتها تغنيها لها قبل النوم، سالت الدموع على وجنتي دايزي بغزارة ، وراحت تشهق بقوة ، وهي تتمتم: _ أبي لقد رأيته ، كان نفس المشهد ، الرصاصة ، والدماء ، الصراخ ، كان يقول لي ((دايزي أنا بخير ))، لكنه لم يكن .. استدارت لتقابل والدها ، وأكملت بصوت أبح من البكاء : _كان صوته متهدجا ، والدماء تتسرب من صدره ، كان علي أن أساعده ، لكنني لم أستطع ... ارتمت في حضن والدها لتكمل بكاءها ، وهي تتابع : _ كان علي أن أهرع إليه ، وأطمئنه ، وأحاول إجراء بعض الإسعافات ، لكنني لم أستطع كنت خائفة ، خائفة... وعادت تبكي بحرقة ، فما كان من كايل إلا أن طلب من إحدى الممرضات أن تقوم بتخديرها حتى لا تؤذي نفسها أكثر ، نهض نيكول واصطحب ميديا القلقة ، وساندرا الخائفة معه ، وكايل اصطحب صوفيا التي كانت على وشك البكاء، وأنيتا التي بدت الحيرة جلية على وجهها ، في حين قام مارك بمساعدة الممرضة ، وممدا دايزي على السرير . شعرت بأنها مخدرة ، وأن جسدها لا يستطع الحراك ، حاولت أن تتلفظ ببعض الكلمات ، لكنها لم تستطع ، أغمضت عينيها واستسلمت للنوم الذي سيطر على أجفانها ، جاعلا إياها تطبق على بعض ، ترددت عبارة سيلفيا في ذهنها ((ما رأيك لو قلت أن ألبرت قادم؟؟)) ، مرت في ذهنها عدة مشاهد ، سيلفيا وابتسامتها الماكرة ، ألبرت الذي انصاع لسيلفيا ، وأعطاهم ظهره وابتسامة شديدة الخبث تلوح على شفتيه ، وكلماته التي أحرقت قلبها: _ لم تكوني سوى دمية ، يستحيل أن أحب شخصا مثلك!! ثم لم تعد تدري عن شيء ، شعرت بالظلام يلفها ، وبراحة تغمر جسدها ، قررت الاستسلام لهذا الشعور ، فهو مريح ، ويشعرها بأنها تطفو فوق السحاب ، شعرت بالدفء يغمرها وبالحنان يحفها ، فنامت مقررة أن تترك أعباء الغد للغد. يتبع...