الموضوع
:
رواية وكان صيفا
عرض مشاركة واحدة
#
15
05-05-2017, 07:01 PM
Rojena-wolf
البارت الثاني عشر ( توقفت قدامه التعبتان عن المسيرأمام البوابة الكبيرة الضخمة التي يوجد خلفها ما كان بيته لأسابيع سابقة ، نظر إلى جانبيه شاكرا كلا من نيكول وكايل اللذان ساعداه ، شد سترته الملقاة على كتفيه بإهمال لتغطيا منكبيه العريضين ، تقدم خطوات قليلة محاولا الاعتماد على نفسه ، لكنه كاد يقع فتوقف، حرك عينيه اللتين بان التعب فيهما لتجريا مسحا شاملا .
انتصبت اللافتات المزينة بالكتابات الطفولية في المكان ، واهتزت الأجراس المعلقة في الأشجار مذكرة إياه بأجراس الميلاد، امتلأت الأرصفة بعربات خشبية ملونة ، ملأت بمنتجات متنوعة ، هب نسيم لطيف حاملا معه بعض البتلات الرقيقة التي أرسلت الراحة في قلبه ، شقت ابتسامة صافية طريقها لفمه القاسي ، عندما لمح أطفال المخيم يجرون باتجاهه ، يحملون علب الهدايا الملونة ، تقودهم أنيتا التي أوقفت الجميع بعيدا ولم تسمح لأحد بالاقتراب ، وإنما صرخت بغضب طفولي ، وهي تهز رأسها :
_ غير مسموح لأي أحد بالاقتراب ، سمعتم؟؟؟
تذمر بعض الأطفال ، بينما بدا الضيق على بعضهم ، لم تعرهم اهتماما وإنما التفتت إلى أندريس وعيناها تتألقان بفرح :
_لقد جهزت لك هدية .
وقدمت له علبة لفت بورق ملون جذاب ، وهي ترسم على وجهها ابتسامة نقية ، تناول أندريس الهدية شاكرا، وهم أن يتابع سيره إلا أن أنيتا أوقفته ، وقالت بشك:
_ألن تفتحها ؟؟
ابتسم بهدوء ، ثم نظر إلى الهدية الصغيرة :
_بلى .
وبدأ بإزالة الغلاف الملون ، نظر إلى الهدية بحيرة ثم وجه نظره إلى أنيتا الباسمة وسألها بدهشة:
_من أين أتيتي بها؟؟
انتزعت زجاجة العطر الثمينة من بين يديه ، ثم قالت وهي تشير إلى كايل :
_ لقد اصطحبني إلى سدني أنا ودايزي .
قطب أندريس متسائلا:
_دايزي؟؟
هزت رأسها بنعم ، فتحت علبة العطر ورشت كمية قليلة على باطني كفيها الصغيرين ، ثم قالت وهي تطلب من نيكول الحائر أن يحملها :
_ قررت الفتيات إقامة وليمة بمناسبة خروجك سالما .
وضعت يديها الصغيرتين على ذقن أندريس ورقبته فتبللتا بالعطر ، نظر إليها نيكول مستفهما وهمس :
_ ما الذي فعلته ؟؟؟
سألت أنيتا باستغراب مقطبة:
_ماذا؟؟
أشار إلى علبة العطر التي بين يديها ، فطلبت منه أن ينحني حتى صار بمستواها ، وضعت له القليل وهي تقول :
_ أمي دائما ما تفعل هذا لأندريس وليسندر وأبي كذلك ، وأنا أقلدها فقط.
هز رأسها دلالة على الفهم في حين هتف كايل بصوت طفولي :
_وأنا ؟؟ ألن تضعي لي من العطر؟؟؟
وضعت أنيتا علبة العطر في يد أندريس واستدارت لتواجه كايل وهي تمد لسانها قائلة :
_لا!!
ناظرهم كايل بانكسار ، وهو يتمتم بكلمات مستاءة ، ابتسم أندريس بهدوء وهو يتطلع في أرجاء المخيم الذي اشتاق له ، وقعت عيناه على تلك الشجرة الضخمة التي ملأت بالأجراس ، وتذكر أول مرة التقى فيها بدايزي ،كانت تقف عند هذه الشجرة قريبة من المنزل الكبير ، وهي تبدو في أسوأ حالاتها ، ومع ذلك بدت جذابة!!
(( مر يومان على آخر مرة رأيت فيها دايزي ، لم أكن أظن أن غيابها عني سيسبب لي كل هذا القلق ، افتقدت ابتسامتها الصافية النقية ، عينيها الباسمتين، غضبها المستعر ، شعرها الذهبي ، رقة قلبها ، حدة لسانها ، وعذوبة صوتها )).
تركت الشمس خيوطها الذهبية الشقية ،لتتسلل من بين الستائر الثقيلة شبه المغلقة ، وتلقي بنفسها على تينك العينين الزرقاوين الجذابتين ، وذاك الشعر البني الذي استرسل على كتفي صاحبه ، معتدل البنية ، حسن الشكل ، صاحب الابتسامة الفاتنة . أسند نفسه إلى الطاولة الخشبية الفخمة ، متكأ إلى ساعديه ، وهو يوجه نظراته الهادئة إلى الفتاة الشقراء الجالسة أمامه ، ارتشفت الشقراء بعض الرشفات من فنجان القهوة ، قبل أن تضعه على صحنه المزخرف ، و تدفع به إلى الطاولة الصغيرة الموضوعة أمامها ، ابتعد الشاب عن الطاولة الضخمة واتجه ليجلس مقابل الفتاة الشقراء ، تناول فنجانا آخر ، وارتشفه على جرعة واحدة ، ثم وضعه على الطاولة بقوة ، جعلت الطاولة تهتز ، رفعت الفتاة عينيها البنيتين لتواجها غضب زرقة عينيه ، أسندت جسدها بالغ النحافة إلى ظهر الكرسي ، ثم راحت تقول وهي ترفع قدمها اليمنى لتستقر فوق اليسرى بتعال :
_لا يهمني ما الذي ستفعله ألبرت ، كل ما يهمني هو أن تحطم دايزي ....
مال المدعو ألبرت بجذعه إلى الأمام ، شبك أصابعه الطويلة وقال بهدوء مزعج :
_اسمعي أنا هنا من أجل ميديا وأنت تعلمين ذلك ، فما دخل دايزي بالموضوع،سيلفيا؟؟
ابتسمت سيلفيا بوقاحة وأجابت وهي تنظر إلى طلاء أظافرها المنفر:
_أنت ستحاول أن تقنع ميديا بأنك تحبها بحق ، بعدها ستبعد نيكول عن طريقها ، ثم ستتركها محطمة ...
ابتسمت بمكر وهي تشير إليه بسبابتها:
_عندها ستخسر حب نيكول ، وستخسرك كذلك ، وسوف تتحطم وستتبعها دايزي ،فهمت؟؟
شقت ابتسامة ماكرة طريقها لوجهه الهادئ ، جعلت ملامحه تتغير 180 درجة :
_إذن نضرب عصفورين بحجر واحد؟؟
هزت سيلفيا رأسها وهي تقهقه بصوتها العالي ، شاركها ألبرت الضحك لهذا المخطط ، فالجميع يعلم بأنه نبذ ميديا من قبل ، وأنه كان يتسلى بها ، نهضت سيلفيا بهدوء عن كرسيها ، وتناولت حقيبتها الجلدية الحمراء ، أخرجت زجاجة عطرمنها ، ورشت نفسها بها ، كشر ألبرت بانزعاج، فسوف يلزمه عدد لا بأس به من معطرات الجو ، حتى يزيل هذه الرائحة الجالبة للدوار من منزله ، لم تكتف سليفيا بذلك وإنما أخرجت أحمر شفاه ذا لون أحمر قاتم، ولونت شفتيها الكبيرتين به ، نظر لها ألبرت بنفور وهي تلوح له ، بغنج ودلال مبالغ فيهما ، ثم تخرج تاركة سحابة من عطرها الذي ملأ أنفه جالبا له دوارا خفيفا .
لم تزل الابتسامة الخبيثة عن وجهه وهو يسترجع كل ما دار بينه وبين سيلفيا ، اتجه بخطوات هادئة إلى حيث كانت تجلس ، انحنى على الطاولة الصغيرة والتقط الصورة التي ألقت بها سيلفيا عند دخولها ، كانت الصورة تجمع كل من ميديا ودايزي ، نظر إلى الصورة بمكر ، ثم شقها إلى نصفين مبعدا دايزي عن ميديا ،
تناول القسم الذي يحوي صورة ميديا ، حدق به بعينيه الزرقاوين ، ثم قام بتمزيقها إربا ، ثم رفع صورة دايزي وقبلها وهو يهمس :
_كله بسببك لو لم ترفضيني ، لما حدث ما حدث مع ميديا .
وضع صورة دايزي في جيبه ، وترك صورة ميديا الممزقة لتلعب بقطعها نسمات الهواء اللطيفة ، وتبعثرها،
ابتعدت إحدى القطع عن المجموعة ، كانت تصور عيني ميديا الدامعتين ورموشها المثقلة بالهموم.
تنهدت براحة ، وهي ترفع يدها الملطخة بالطحين لتحجب أشعة الشمس التي ألقت بنفسها على المطبخ الصغير ، مالئة إياه بالدفء ، نظرت إلى الطبق الذي أمامها برضا ، ثم رفعته عن الطاولة الحجرية ، ووضعته في الفرن وهي تتمتم:
_ذاك الغبي أكان عليه أن يخرج من المشفى بهذه السرعة.....
خيل إليها أنها تسمع صوته الساخر يرد بوقاحة:
_أنت شريرة أيتها الفأرة ، تريدين أن أبقى مريضا جالسا في فراشي حتى ترتاحي مني ...
ابتسمت بغباء لتخيلاتها وصاحت بصوت عال :
_هذا صحيح أندريس ، لقد مللت من مشاجرتك ...
تخيلت أنه يقول بتهكم:
_إذن لا تشاجريني ..
تسللت إلى أنفها رائحة عطر جميلة ، وشعرت بأنفاس شخص تلفح عنقها ، تراجعت إلى الخلف قليلا فاصطدمت بصدره الصلب ، ابتسمت بغموض ، إذن لم تكن تتخيل وإنما هو خلفها حقيقة ، ابتعدت عنه وهي تقول :
_حقا أندريس ما كان لك أن تخرج من المشفى!!
تضايق قليلا وذلك أنها لم تلتفت إليه لكنه قال بهدوء:
_أنا بخير دايزي ، لا تعامليني وكأنني طفل ...
لم تعلق دايزي وإنما أشغلت نفسها بتقطيع الخضار ،دنا منها أندريس وهو يقول بعتاب طفيف:
_البارحة....زارني الجميع ....عداك،لم؟؟
كان تهم بقطع حبة بطاطا إلى قسمين ، لكنها توقفت لبرهة ، ثم هوت بالسكين على الحبة محولة إياها إلى قسمين،
تابعت التقطيع بهدوء :
_عندما نجتمع معا فإننا نتشاجر وهذا ليس جيدا لصحتك ، فيكفي ما سببته لك ذاك اليوم ، لقد تم نقلك إلى العناية مجددا ، صحيح؟؟؟
علق بلامبالاة:
_هذا ليس مهما!!
غضبت بشدة للامبالاته ، وبروده ، فهوت بالسكين على لوح التقطيع بقوة ، مصدرة صوتا عاليا وهي تصيح بقوة:
_بل هو أمر مهم أندريس ، لا تكن أنانيا هكذا ، لو مت ، أو حدث لك مكروه فما الذي سيحل بوالدتك المسكينة؟؟ ما ذنبها ؟؟ ووالدك ، جدك ، إخوتك ....قل لي !!
تقدم خطوتين إلى الأمام حتى أصبح خلفها مباشرة، رفع يديه لتستقرا على كتفيها النحيلين ، ثم أدارها بقوة ، فاجأته بدموعها المنسابة ، ابتسم لها بحنان ، وضع يده على شعرها وراح يبعثره وهو يردد:
_ألا تظنين أنك بكيت كثيرا ؟؟
رفعت يديها لتمسح دموعها كطفلة صغيرة ، حاولت أن تغتصب ابتسامة ، ونجحت في ذلك بعد جهد ، ثم همست:
_لقد أفسدت شعري !!
لم تفارق الابتسامة وجهه وهو يرفع وجهها إليه ويقول بحزم:
_هيا اصرخي في وجهي !!
استغربت طلبه في البداية ، لكنها سرعان ما جففت دموعها ، وابتسمت بثقة ، وهي تصيح بوجهه :
_أيها الغبي الأحمق ،انظر ماذا فعلت؟!!
ضربها بخفة على كتفها ، وقال بمشاكسة:
_هكذا أريدك دوما أيتها الفأرة ، لا أريد أن أرى نظرة الإنكسار في عينيك مرة أخرى فهمت ؟؟؟
رفعت حاجبها بسخرية وردت:
_ومن أنت حتى تأمرنى سيد سو ؟؟
همس لنفسه : (( هذا رائع ، لقد عادت كما كانت !! لكنني سأفتقد حنانها ، ولطفها ، هممممم لا بأس على الأقل لن تتحاشاني )).
أجابها بتعال وهو يزيل بعض الطحين عن جبهتها :
_السيد أندريس سوفاكيس ، رئيس شركات سوفاكيس للنقل البحري !!
أبعدت يده ،وهي تقول بحنق :
_ حسنا سيد سو ، ليس لديك سلطة علي فاتركني وشأني...
تقدم ليقف بجانبها في حين تابعت هي تقطيع الخضار :
_ما الذي تفعلينه؟؟؟
أجابته بهدوء شابه قليل من العتاب :
_ هل تريد إخباري أن أنيتا لم تخبرك بأمر الحفلة ؟؟؟
رفع يده بخفة ووضعها على رأسه وهو يوقل مستذكرا :
_بلى لقد قالت لي ...
وضعت دايزي الخضار المقطعة في داخل قدر كبير ، ثم سارت متجاوزة أندريس ، مبعدة إياه عن طريقها وهي تقول :
_ هلا تركت المكان ؟؟ أنت تعيق عملي !!
حدق بملامحها المجهدة ، وقد مال الشمس ملقية بظلالها عليها ، فبدت كالملاك ، تجلب الهدوء للنفس ، وتجلي الهموم عن القلب ، لا يمل الناظر من مشاهدتها ، لم يستطع منع ابتسامته من الظهور ، لاحظت دايزي هذه الابتسامة من طرف عينها فسألت مقطبة :
_ما الشيء المضحك؟؟؟
لم يرد أن يخبرها كم يريحه النظر إليها ، وكم تجلب الطمأنينة إلى قلبه ، فأشار إلى ملابسها هامسا :
_ رداء المطبخ هذا يليق بك دايزي ..
حدقت دايزي بردائها ، وفكرت : ما الذي يعيبه ؟؟ صحيح أن الرسومات الطفولية تملأه إلا أنه يبدو ظريفا ، ومناسبا جدا ...
قطعت سيل أفكارها ، وهي تستطرد قائلة :
_ ما الذي ستقوله عن لباسي الذي سأرتديه في المهرجان ،إذن؟؟
جاب بعفوية وهو يتناول حبة تفاح ويقضمها :
_لم أره بعد .
اتجهت إلى الفرن وهمت بإخراج الكعكة التي أصبحت جاهزة ، إلا أن أندريس سارع لالتقاط الكعكة الساخنة من الفرن قبلها ، لم تجادله وإنما سارعت تخرج الكريما وبعض حبات الفراولة لتزين الكعكة ،ذات الرائحة الطيبة ، وهي تقول :
_في المهرجان....سأرتدي زي فتاة الحلوى ..
_ماذا؟؟
صرخ بها أندريس مستنكرا ، فأعطته ظهرها وشرعت تزين الكعكة وهي تتابع:
_تنورة قصيرة ، قميص وردي ، ورداء مطبخ أبيض ، ما قولك؟؟؟
كانت إجابته الوحيدة أن قال بجمود :
_سأنتظر الغد بفارغ الصبر .
بدا عليه أنه تذكر شيئا ما فسارع يسأل :
_صحيح ، لم أر والدك ، فأين هو دايزي ؟؟
حملت دايزي السكين وقالت ببطء وهي تقطع حبات الفراولة إلى قسمين ، وتضعها على الكعكة :
_لقد جاء لاصطحابي ، ولكنني أردت حضور المهرجان ،وبالتأكيد لا يستطيع هو ترك أعماله والبقاء هنا ، لذا عاد إلى الوطن ..
تمتم أندريس بكلمات غير مفهومة ، قبل أن يستدير مودعا دايزي ، ويخرج من الباب ، صافقا إياه خلفه بقوة .
_ دايزي مع أندريس، ميديا مع نيكول ، وأنا مع السيد هاري ...
هذا ما قالته ساندرا ، معلنة توزيع الشبان والشابات المشرفين على الأطفال ، بالتأكيد دايزي لم تكن سعيدة ، أندريس لم يقدم أي تعليق ، أما عن ميديا ونيكول فبالتأكيد طارا من الفرحة لهذا الخبر . تقدمت صوفيا وهي تعبث بشعرها الأصهب الطويل وهي تقول مستفسرة :
_سان أتلاحظين أنك لم تذكري اسمي ؟؟؟
ارتبكت ساندرا قليلا وهي تتمتم:
_نعم بخصوص هذا الأمر ...أنت ستكونين مع ....
ترددت في الإجابة ، فاقتربت منها صوفيا وهي تقول بحماسها المعتاد الذي بدا غريبا لكايل ، ذلك أنه لم ير سوى السكرتيرة الجادة ، والفتاة الشرسة ، ولم ير الجانب اللطيف من صوفيا :
_مع من ؟؟ مع من ؟؟؟
رفعت سان يديها لتغطي وجهها الأسمر وهي تشير إلى كايل :
_كايل سميث..
زالت الحماسة عن وجه صوفيا ، وبدا الغضب على وجهها الذي ظهر عليه النمش ، استدارت نحو كايل وهي تقول بأسى :
_تقولين أنني سأكون مع هذا طيلة الوقت؟؟
هزت ساندرا رأسها بهدوء فاهتز معه شعرها الكستنائي الخلاب ، وتناثرت بعض خصلاته لتحط رحالها على الجبين العسلي ، سأل كايل الذي وقف مسندا نفسه إلى شجرة كبيرة ليحتمي بظلها من أشعة الشمس الحارقة ، وهو يلعق حبة بوظة:
_ما بي أنا ؟؟؟ ألست سعيدة لأنك ستكونين مع حبيبك في نفس الفريق؟؟
صرخت صوفيا بغضب وهي تهز رأسها بقوة :
_أنت لست حبيبي ولا تعد هذه الكلمة مرة أخرى ،فهمت؟؟؟
استاء قليلا لهذا الرد الحاد ، لكنه ابتسم بغباء وهو يتابع لعق البوظة :
_اعذريني ،فسرعة الاستيعاب لدي منخفضة ، هلا أعدت ما قلته؟؟؟
تنهدت بأسى وقد زال حماسها وخبا شعاع المرح الذي لطالما التمع في عينيها الفحميتين الكبيرتين ، شعرت بيد توضع على كتفها ، فاستدارت لتجد دايزي التي سارت تقول مخففة :
_على الأقل أنت لا ترتدين لباسا كلباسي ، ولا تخضعين لسلطة حاكم دكتاتوري ..
ألقت صوفيا برأسها على كتف دايزي وهي تقول بصوت بدا من خلاله أنها ستبكي في أي لحظة:
_أووه دايزي ، على الأقل أندريس لديه عقل ، وهو لطيف ، والتعامل معه سهل ، أما كايل ...
تابعت دايزي عنها وهي تبعد رأس صوفيا عن كتفها ، وتنظر إلى أعماق عينيها اللتين كشفتا عن حب عميق مخفي:
_فهو لطيف ، والتعامل معه سلس للغاية ، كما أنه يحبك ...
ظهرت تعابير اليأس على وجه صوفيا ، وهي تقوس فمها الصغير المكتنز بغضب طفولي ، وتقطب حاجبيها
الرقيقين ، شكبت يديها على صدرها فأظهرت يداها المرتعشتان مدى توترها ، ودلت وقفتها غير المتزنة على ارتباكها :
_حسنا دايزي ،لنفترض بأنه يحبني ، لماذا يقوم بتعذيبي؟؟
ابتعد كايل عن الشجرة ، وسار بخطوات بطيئة ناحية دايزي وصوفيا ،و ألقى ما تبقى من حبة البوظة ، في سلة مهملات قريبة ، توقفت قدماه على بعد مسافة قصيرة جدا من صوفيا ، أخذ يوجه لها نظرات لم تفهم مغزاها ، ثم وقبل أن يفهم أحد ما يجري كانت صوفيا تستمتع بدفء حضنه الحاني ، وهو يتمتم بأذنها :
_أعطني فرصة واحدة لأثبت لك مدى حبي ، فرصة واحدة...
شعرت بالخدر بين ذراعيه ، واحمر وجهها بخجل ، حاولت إبعاده ، فأخذت تضرب صدره القوي بيديها بقوة ،
ولكنها لم تفلح وسرعان ما خبت طاقتها ، ووجدت نفسها تبادله العناق الحميم .
تعالت أصوات التشجيع والتصفير ، والكلمات المذهولة من شدة جرأة كايل ، الذي ترك صوفيا وعاد ليتكأ إلى الشجرة ، حدقت به صوفيا بعينين دامعتين وهي تسأل نفسها : ((هل يعقل أنه يحبني ؟؟ هل يعقل أنه يشعر بالشعور اللطيف الذي أشعر به ؟؟ أتمنى ذلك كايل ....أتمنى أن تكون مخلصا بحبك لي ......أحبك!!))
وقف الجميع في ساحة كبيرة جدا جدا ، وهم يرتدون أثوابا بلاستيكية ، وكل ينظر إلى الآخر كأنه عدو سينقض عليه في أية لحظة ، وبعيدا قليلا كان أندريس يجلس على كرسي مريح ، وبجانبه طاولة مليئة بالمرطبات اللذيذة ،
نظر إلى الجميع ، كلهم متحمسون ، الأطفال ، المشرفون ، حتى السيد والسيدة بروس سيشاركان ، هتف بصوته العالي :
_ابدأوا ...
ما إن قالها حتى تعالت الصيحات ، وبدأ الجميع بتراشق البلالين المملوءة بالأصباغ ، وفي غضون ثوان معدودة تحول المكان، من مساحة لا لون فيها ، إلى لوحة برئية اجتمعت فيها كل الألوان .
التمعت العينان الخضراوان بمكر ، وهما تحدقان بالفتاة ذات الشعر الذهبي المرفوع كذيل فرس ، تقدمت أنيتا بشعرها الفحمي الطويل من دايزي وبرفقتها مجموعة من الصغار ، لم تكن دايزي متنبهة لمخططات أنيتا الشريرة إذ كانت مشغولة بتراشق الأصباغ مع كايل ، فلقد اشتاقت كثيرا للعب معه ، سمعت صوت فتاة تعرفها جيدا تقول بقوة:
_هجووووووووووووووووووووم....
التفتت لترى ما خلفها ، وما كادت تفعل ، حتى اصطدم شيء ما بوجهها ، كان لزجا ومقززا ، رفعت يدها وأزالته، ثم نظرت ليدها الملوثة بالطلاء الأزرق ، وكشرت باشمئزاز ، استرعى انتباهها صوت ضحكات خفيضة ، كانت أنيتا ومجموعتها الشقية ، يضحكون بأصواتهم الطفولية ، كتفت دايزي يديها وقالت بعينين مشتعلتين:
_ألن تتوقفي عن هذا أنيتا؟؟
توقفت أنيتا عن الضحك ، وقالت بتعال وهي تزيح خصلات شعرها عن عينيها :
_ لا ، لن أفعل ...
لم تستطع دايزي أن تتحمل أكثر من ذلك ، فرفعت بالونا مملوءاً بسائل لزج أخضر اللون ، وقذفت به أنيتا ، التي راحت تصيح ، وتطلق بعض العبارات معبرة بها عن مدى اشمئزازها ، قالت دايزي بلهجة ودودة مصطنعة:
_لقد أصبح لون وجهك مجانسا للون عينيك .
وانخرطت في الضحك ، حدقت أنيتا فيها بكره وحقد ، لم يدوما سوى عدة ثوان ، إذ جذبتها الملامح البريئة التي تتمتع بها دايزي ، فوجدت نفسها تشاركها الضحك .
تتالت الفعاليات واحدة تلو الأخرى ، حتى وصل النهار إلى آخره ، وتلونت السماء بألوان الغروب البديعة ، مكونة لوحة يعجز الكتاب عن وصفها ، والرسامون عن رسمها ، والشعراء عن مدحها ، حيث امتزجت تدرجات اللون الأحمر بشكل يلفت الأنظار و خالطها لون بنفسجي لطيف ، ومالت الشمس ملقية بآخر خيوطها قبل أن تختفي، وتسلم القمر مهمة حراسة سماء الأرض البديعة.
أشعلت النيران وحفت بأحجار صغيرة لتصنع حاجزا بين ألسنة اللهب والأيادي التي امتدت تلتمس الدفء ،
توزع الأطفال في جماعات ، كل مجموعة تحوي ما بين 5 إلى 7 أطفال ، يجلسون حول ما بدا لهم كموقد صغير، وكذلك كان الحال عند دايزي والبقية ، فقد التموا حول النار ليقوا نفسهم من نسمات الهواء الباردة التي تجلب القشعريرة إلى النفس . شدت دايزي قميصها الصفوي على جسدها الذي ارتعش فجأة ، من أثر نسمة هواء أثارها أندريس عند مروره من خلفها ، فهتفت بضيق :
_هلا جلست رجاء؟؟؟
جلس بهدوء إلى جانب صوفيا التي تحمل بين يديها كوبا من القهوة الساخنة ، وهو يقول بسخرية :
_أرى أنك قد حسنت ألفاظك ، وبدأت تقولين رجاء؟؟
أغاظها تلميحه الساخر إلى فظاظتها ، فزمت شفتيها وهي تقول :
_ألا يفترض بك التزام الفراش؟؟؟
أجابها وهو ينظر إلى النار التي انعكست في عينيه ، فبدا أن تلك النار تشتعل في عينيه الجليديتين :
_لا تبدأي مجددا ...
كورت يديها بغضب وصاحت به :
_ الذنب ذنبي لأنني أهتم بصحتك .
لم يلتفت إليها وهو يجيب ببرود قاتل :
_نعم إنه ذنبك، فعلى حد علمي ، أنا متوحش ، ولا يفترض بالأميرات الاهتمام بالوحوش أمثالي ، فأنا حقيقة لا أؤمن برواية الأميرة والوحش ..
حل صمت رهيب على الجلسة ، لم يقطعها سوى أصوات صراصير الليل ، التي كانت تراقب الجميع من أعاليها،
فقد فردت أجنحتها وأطلقت العنان لها لتقودها إلى بر الأمان المنشود ، ذاك الذي تحاول دايزي جاهدة الوصول إليه لكنها في كل مرة تصطدم بعقبة . بدا لنيكول أن هذا الصمت سيدوم للأبد ، وأن أنفاسه ستنقطع بسبب ثقل الجو ، فقال موجها سؤالا عاما :
_ ما الذي حل بذاك الذي أطلق النار عليك ؟؟
لم يكن لدى أي واحد منهم رغبة في الحديث ، وظن نيكول أن سؤاله لن يجد جوابا ، لكن أندريس أجاب وهو يحرك الأخشاب المشتعلة بعصا صغيرة :
_لم يتم القبض عليه ، ولا أحد يعرف كنته وذلك أنه كان مقنعا ...
بعدها عاد الصمت الثقيل مجددا ، لم ترد صوفيا دائمة الحماس أن تخبو شعلة المرح فقالت وهي تصفق يديها بقوة:
_لنبدأ ، هيا ..أريد أن ألعب وأعرف كل شيء عنكم ...
وعلى الفور قال كايل بسرعة :
_لم أطلت شعرك ؟؟؟
تفاجأت بالسؤال ، وارتبكت قليلا للسرعة التي ألقى بها سؤاله ، لكنها أخذت نفسا عميقا ، وهمت بأن تجيب لولا أن قاطعتها ساندرا بتحذير :
_بكل صدق صوفيا ، بكل صدق ..
هزت صزفيا رأسها الأصهب ، وهي تقول بحدة :
_أعلم ! أعلم !
وجهت نظراتها لكايل وهي تجيبه :
_حقيقة يفترض بالسؤال أن يكون لم قصصت شعرك ؟؟ فشعري كان دائما طويل ، لكن...
وجهت نظراتها العاتبة نحو أندريس وهي تقول بحقد :
_أحدهم قام بحرق أطرافه .
رفع أندريس يديه للأعلى دلالة على ألا دخل له وهو يقول بدهشة :
_أقسم ألا دخل لي ، كم مرة علي أن أقول لك ، ابن خالتي أندريا ، هو من قام بذلك ؟؟
يبدو أنها لم تقتنع برده إذ أدارت رأسها بتعال وهي تتمتم:
_عائلة مجنونة ، أنا الغبية التي قبلت بالعمل مع العائلة الكريمة .
كانت الصدمة تبدو على وجوه الجميع ما عدا كايل الذي راح يقهقه بعلو جالبا الأنظار ناحيته ، وهو يتمتم :
_ يا إلهي !! كان علي أن أرى ذلك ...كم أحب هذا الصبي .
حدقت صوفيا ناحيته بحنق ، وسرعان ما قالت بحدة :
_ إنه دوري لم أنت مزعج كايل ؟؟
حرك كايل يديه دلالة على أن ما تقوله خاطئ وهو يقول :
_أنا لست مزعجا وإنما منزعجا ، والسبب...
رفع يده وأشار إليها وهو يتابع بغضب طفيف :
_ هو أنك تجلسين بجانب أندريس في حين أنه يفترض بك الجلوس بجانبي ..
أشار إلى نيكول وميديا وهو يكمل :
_انظري إليهما ، إنهما لا يفترقان ، أنت محظوظ نيكول ...
علق نيكول بمرح ، وهو يحيط كتفي ميديا بذراعه :
_أعلم ذلك ..
لاحظت دايزي ، ذاك اللون الوردي الذي علا خدي صوفيا ، فابتسمت برقة ، وهي تتمتم لنفسها :
مسكينة صوفيا ، لن يتركها كايل حتى تعترف بشعورها نحوه ، أنا حقا أشفق عليها ، فعندما يريد كايل أن يعرف أمرا ما فإنه يعرفه ولو كان على سرا دوليا ، فما بالكم بإحساس فتاة ، يظهر في عينيها الحب ، ويشتعل خداها بخجل ، ويظهر الارتباك على حركاتها ، ويتحول حماسها إلى حذر .
_حسنا ، لدي فكرة ، كل واحد يطرح سؤالا وسيجيب عليه الجميع ، موافقون؟؟
هتفت ساندرا بذلك ، مبددة الجو الصمت ،وافقتها ميديا بابتسامة ودودة ، فوافق نيكول بالتالي ، سألت سان :
_لنبدأ بأفراد العائلة ، بالنسبة لي ، هناك أنا ونيكول وأبي وأمي فقط ..
نظر الجميع إلى أندريس الذي راح يقول بشرود :
_أمي وأبي ميتان ، وأنا أعيش عند خالي وزوجته ، ولديهما أنيتا وليسندر ...
همست دايزي بتردد :
_ أووه ظننت أن أنيتا شقيقتك ..
وعلقت ميديا بمرح :
_وأنا ظننتها ابنتك ..
حرك أندريس يده جيئة وذهابا ، وهو يقول نافيا :
_لا هذا ولا ذاك...
رفع كايل يديه إلى النار وهو يقول :
_أما عني فوالداي متوفيان كذلك ، لدي أخت غير شقيقة وهي دايزي .
أكملت دايزي :
_أمي متوفية ، لدي أبي وكايل ..
جاء دور صوفيا التي قالت بحنان :
_لدي شقيقان ، وأمي وأبي ، لكنني أعيش مع جدي وجدتي ...
سأل كايل بعفوية ، جلبت انتباه صوفيا :
_لم ؟؟
أجابته بهدوء وهي ترسم دوائر على الأرض الرملية:
_ قرر أبي منذ مدة أن يترك أستراليا ويذهب إلى أميركا، وذلك أن إدارة شركة سوفاكيس عرضت عليه عملا هناك ، وأنا حسنا ! كنت أريد أن أكمل دراستي هنا بين أهلي ، وأصدقائي ، فتكفل جدي برعايتي ، وعندما أنهيت دراستي ، كانت شركة سوفاكيس قد افتتحت فرعا في أستراليا ، وأصبحت أعمل فيها ، وأحيانا أزور أهلي في أمريكا .
ما كادت تنهي كلامها حتى سألها مجددا :
_كيف تعرفت على أندريس ، وعائلة سوفاكيس ؟؟
قطبت تتذكر جزءا من طفولتها وهي تهمس :
_ أذكر أن جدي وجده صديقان من أيام الدراسة وبينهما صداقة متينة ، كنا نلعب معا دائما .
قاطعت تأملاتها وهي تنظر لميديا وتقول :
_دورك ميدي ، حدثينا عن عائلتك .
شرعت ميديا تقول بهدوء وابتسامتها لا تفارق شفتيها :
_ هناك أبي وأمي وأنا ، وثلاث شقيقات ، وشقيق واحد أرعن.
كشرت دايزي باستياء وهي تؤيد ميديا :
_إنه أرعن حقا !! كاد أن يسحقني تحت عجلات دراجته النارية .
اعتذرت ميديا بخفة ، فهزت دايزي رأسها تومئ إليها أن ليس شيئا مهما ، هتف نيكول بمرحه الطفولي المعتاد:
_ليخبرنا كل واحد فيكم عن عمله ، عني أنا لدي شهادة في إدارة الأعمال ، لكنني أعمل هنا ..
قالت ساندرا بحنان تجلى في صوتها ، وهي تنظر إلى النار :
_أنا لدي شهادة في علاج النطق ، لكنني أعمل هنا أيضا ..
علقت دايزي بهدوء وهي ترى مدى الحنان الذي تتكلم به ساندرا :
_يبدو أنك تحبين عملك ؟؟
أومأت سان بهدوء وأكملت :
_كم هو مفرح أن ترسم الفرح على الوجوه !!
حان دور صوفيا التي قالت بحماس :
_أنا لدي شهادة في السكرتارية ، وأعمل في فرع شركة سوفاكيس الموجود في أستراليا .
تمتم كايل بهدوء :
_أراهن على أنك تسببت للشركة بخسائر جمة ، نتيجة طيشك .
كم ودت صوفيا في تلك اللحظة أن تشعل شعره الذي يتطاير بفعل نسمات الهواء الباردة ، من ثم يحط مجددا على جبينه الأبيض ، كورت يدها بغضب وهي تقول :
_وأنا أشك بأن البنايات التي بنيتها لازالت قائمة إلى الآن ؟
رفع حاجبيه استنكارا وقال بذكاء :
_ أريد أن أطمئنك إلى أنها لازالت قائمة ، فلم يصلني بلاغ بأمر كهذا .
كادت صوفيا أن تجيبه ، إلا أن نيكول قاطع جدالهما العقيم وهو يسأل ميديا برقة :
_وأنت يا حلوتي ؟؟
ضربته بخفة على كتفه وهي تبتسم بخجل :
_أنا لدي شهادة في الهندسة الداخلية ( الديكور).
رفع أندريس رأسه وقال مقطبا وهو يوجه نظراته إلى دايزي ، التي تشد قميصها على جسدها الرقيق :
_كنت أظن أن دايزي ، هي من سيدرس شيئا كهذا نظرا لاهتمامها بالموضة ، والتصاميم .
انتفخ وجه دايزي من الغضب وهي تقول :
_اهتماماتي ليست من شأنك يا سيد سوفاكيس .
عاد إلى سخريته المعهودة وهو يقول :
_نعم نعم ، ليست من شأني ، أظن أنك درست الطب ، صحيح؟؟
نظرت إليه من طرف عينها وهي تجيب بوجوم :
_نعم أنا طبيبة ، ألا يعجبك ؟؟
أرجع نفسه إلى الخلف مستندا إلى ذراعيه القويين ، وهو يرد بمرح :
_بلى ، فلو لم تكوني طبيبة لكنت مت من الألم ذاك اليوم عندما قمت بتجديد ضمادي .
أثارت الذكرى مشاعر عديدة في نفسها ، مشاعر الخوف والقلق عليه ، مشاعر الرغبة في أن يكون سليما ، آمنا ، محفوفا بالأمان والطمأنينة ، بعيدا عن الآلام والجروح ، كم انتفض قلبها ذلك اليوم ، وكم دعت ربها ألا يصيبه مكروه . أبعدت تلك الأفكار عن عقلها ووجهت نظرها نحو كايل وقالت :
_إنه دورك كاي ، هيا تكلم .
رمقها بنظرة حارقة وهو يجيب :
_كم مرة قلت لك لا تنادني بـ كاي ، اسمي كايل .
قال كلمته الأخيرة وهو يمدها ويشدد عليها بطريقة مضحكة جعلت الجميع ينخرط في الضحك ، تنهد كايل بغضب ، ورفع يده ليبعد خصلات شقراء تساقطت على عينيه ، و تمتم بحقد:
_علي أن أقص شعري فقد أصبح طويلا ، ما الذي كنا نتحدث عنه منذ قليل ؟؟ أوه نعم ،صحيح ، أنا مهندس معماري و.......
مد حرف (و) كثيرا ،وصمت برهة من الزمن وأغلق عينيه بتركيز ، أخذ الجميع يصغي إليه باهتمام ترقبا لما سيقول ، لكنه قال ببساطة:
_فقط.
علق نيكول متسائلا باستنكار :
_فقط؟؟
فرد كايل موافقا :
_نعم ، فقط ...في المستقبل سأكون أبا وهذا الأمر بحد ذاته وظيفة .
صمت قليلا ثم تابع وهو يشبك أصابعه :
_حسنا الآن دوري ، ليخبرنا كل واحد عن حياته العاطفية .
بدأت دايزي وهي ترفع يديها وكأنها تبرئ نفسها من تهمة ما :
_لا أحد في حياتي !
سألها نيكول بدهشة :
_هكذا وبكل بساطة ؟؟
أومأت بهدوء موافقة وهي تعيد :
_أجل ، وبكل بساطة .
حول نيكول نظره إلى ميديا الجالسة بجانبه ، وسألها وهو يحتضن كفيها بين كفيه :
_وأنت ؟؟
ارتبكت قليلا ، واحمر وجهها ، وبدا التردد عليها وهي تقول :
_أنا؟؟حسنا ، لقد خرجت مع شابين أو ثلاثة ، على ما أذكر .
رفع نيكول يديها إلى شفتيه ولثمهما برقة ، وهو يسألها بقلق :
_وهل لهما أثر في حياتك؟؟
هزت رأسها بعنف تنفي قوله :
_أنا لا أذكر أسماءهم حتى !
أخذها بين ذراعيه برقة ، وهو يتمتم :
_أحبك ميدي ، أحبك ...
ضربته سان بخفة على ذراعه وهي تقول:
_الآن دورك نيك ، أخبرها عن سوزي !
ابتعد نيكول عن ميدي ورفع رأسه إلى السماء وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة ، وسرعان ما حول نظره إلى سان وهو يقول بحدة :
_كم مرة علي أن أقول :أنا وسوزي لم يكن بيننا شيء ؟؟ أنا لا أنكر أنني خرجت مع عدد لا بأس به من الفتيات !
لكن لم يكن لي أي صلة تذكر بسوزي الغبية ، صاحبة الرأس العنيد .
صرفت دايزي نظرالجميع عن نيكول وهي تقول لسان :
_انسي أمر نيك وأخبرينا عنك .
حركت سان يديها دلالة على أن الأمر كان روتينيا :
_ككل فتاة ، شاب وسيم ، أعجبه ، يعجبني، نخرج معا بضعة مرات قبل أن نقرر أن الأمر انتهى .
قالت صوفيا بحماس :
_تعجبينني يا فتاة أنا وأنت نفس الشيء .
حولت نظرها نحو أنريس وسألته :
_دورك أندريس .
وضع أندريس يديه على رأسه بأسى وهو يصيح :
_لا تذكريني صوفي ! لا تذكريني!
لم تستطع صوفيا أن تكبت ضحكتها من جراء منظره المضحك ، فأطلقت قهقهاتها الرقيقة ، التي انسلت إلى أذني كايل بخفة ، وترجمها عقلة على أنها سمفونية من أجمل ما ألف بيتهوفن ، أطربته ضحكتها ، وأرجحته برقة في عالم أحلامه ، واستمر هذا الطرب يهزه وهي تتابع بصوتها الموسيقي:
_ عادة أرى الرجال يلاحقون النساء ، لكن في حالة أندريس فالعكس هو ما يحصل .
استفاق من عالم أحلامه على صوت نيكول ، فقال بحسرة ((انتهت الأحلام ، كايل!!)) ، وأخذ يستمع لنيكول :
_ وماذا كانت ردة فعلك؟؟
أجاب أندريس بلامبالاة :
_ أتجاهلهن.
تابع كايل :
_وهل يجدي هذا الأمر؟؟
قست عينا أندريس وشعتا بكره عميق وهو يجيب :
_للأسف لا.
وجد الجميع أن الأمر مسليا فعلت الابتسامات وجوههم ، لكن أندريس كشر مستفسرا:
_هل هناك ما يضحك؟؟
قالت دايزي من بين ضحكاتها التي توازي في رقتها رقة البتلات الوردية ، التي تناثرت عليهم بفعل
نسمات الهواء الباردة:
_ هل تريد طريقة لإبعادهن ؟؟
رفع يديه وكتفهما على صدره وهو يقول بسخرية ، وشبح ابتسامة يلوح على زاويتي فمه :
_تفضلي وأخبريني .
وعلى الفور رفعت يديها وكتفتهما ، ولوت فمها الرقيق بسخرية ، وقالت ترفع حاجبها مقلدة إياه :
_خذهن إلى طبيب العيون ، فيبدو أنهن لا يرين جيدا ، ولهذا فإنهن يرمين بأنفسهن عليك!!
علت الصدمة وجوه الجميع ، ما عدا كايل الذي انخرط في الضحك منذ ذكرت طبيب العيون ، دمعت عينا دايزي وهي تراقب ملامح أندريس المتضايقة ، رفعت أناملها لتزيح الدموع العالقة في رموشها ، وعندما فتحت عيناها مجددا ، تفاجأت من عدم وجود أندريس ، لكن دهشتها لم تدم ، إذ ارتفعت قدماها عن الأرض ، ثم وجدت نفسها فجأة بين ذراعيه ، قرب وجهه من وجهها وهمس بغضب ، وأنفاسه الحارة تلفح عنقها الرقيق:
_ستندمين على ذلك دايزي .
ورفعها على كتفه ، ككيس بطاطا ، وأخذ يسير بها ناحية النهر الصغير الذي يسير في أراضي المخيم ، عرفت دايزي أن مخططه شنيع ، فراحت تضربه بقوة ، وتحرك قدميها ويديها لتصيبه في صدره وظهره ، تأوه أندريس بخفوت ، فقد أصابت ضربتها صدره ، حاول أن يخفي ألمه ولكن دايزي أدركت تلك تلك الآهة المتألمة ، فقالت بصوت باك:
_أندريس !!
توقف عن المسير وقد اتسعت عيناه ، سارع لإنزالها وهو يسأل بلهفة وقلق :
_ما بك دايزي ؟؟ لم تبكين؟؟؟
رفعت يدها لتستقر على صدره بخفة وهي تقول بصوت متحشرج:
_هل آذيتك؟؟
بدا عليه الملل وهو يجيب :
_هل سنعود لذلك الموضوع مجددا؟؟ دايزي أنا بخير ..ولأثبت لك..
وعادت قدماها لترتفعا عن الأرض وبسرعة وجدت قدميها تغوصان في مياه النهر التي اكتسبت برودة الجو ، وتحولت إلى جليد حديث الذوبان ، ارتعشت دايزي بقوة ، وصرخت بفزع :
_أخرجني أيها الغبي ، قلت لك أخرجني.
استجاب أندريس لطلبها الصارخ ورفعها من الماء ، وسار بها إلى حيث يجلس البقية مستمتعين بالعرض الفريد ،
استمرت بالصياح والتوعد طوال الطريق ، وعندما وصل إلى البقية وضعها على الأرض وتراجع بسرعة متفاديا يدها التي كانت ستحط على وجهه ، وقال محذرا :
_لو أنها حطت على وجهي لكنت نلت شيئا قاسيا جدا .
نظرت إليه بحنق وهي ترتجف من البرد وتقول بسخط:
_هل نحن في الصحراء؟؟ في النهار حر ، وفي الليل برد شديد!!
قال لها نيكول بخفة ، ويبدو على وجهه أنه مستمتع بهذه المشاجرة :
_ لا نحن لسنا في الصحراء ، ولكن ذلك لا يمنع وجود بعض الليالي الباردة .
هتفت ميديا بقلق وهي تلاحظ ارتجاف دايزي :
_دايزي ، لربما عليك أن تستحمي وتدفئي نفسك ؟؟
وافقتها دايزي وهي تقول بارتجاف :
_سأعود حالا ، لا تفعلوا شيئا من دوني .
سمعت الموافقات وهي تتجه إلى منزلها الصغير مسرعة ، اتجازت الطريق في ثواني معدودة ، حتى وصلت باب المنزل ، ارتقت الدرجات الثلاث الصغيرة ، وأخرجت المفتاح من جيبها ، ثم دفعت الباب وأنارت الضوء ، وانطلقت بعد أن دفعت الباب لتغلقه خلفها ، وصلت غرفتها ذات الجدران السكرية والتصميم الفخم الراقي ، اتجهت خطواتها إلى خزانة ملابسها ، فتحتها وأخرجت بنطالا من الجينز ، وقميصا ثقيلا أبيض اللون ، ثم سارعت تدخل إلى الحمام ، وبعد بضعة دقائق خرجت وقد ارتدت ملابسها الجديدة ، وغسلت قدميها بمياه دافئة ، لتبدد البرد الذي غزاهما ، تناولت حذاءها في طريقها للخروج ، وارتدته في أثناء نزولها الدرج ، وكانت ستقع بضع مرات أثناء سيرها السريع المتعثر .
أقبلت عليهم مسرعة ، ببنطال الجينز الضيق ، وقميصها الواسع ، وشعرها المتهدل على عينيها ، رمقها أندريس بنظرات إعجاب خفية ، وهو يراقب وجهها المتورد من الجري ، وتنفسها السريع ، جلست على الأرض وهي تقول بأنفاس متلاحقة :
_هيا فلنكمل.
هتفت صوفيا بهدوء :
_حسنا ، ليخبرنا كل واحد عن أكثر حدث مؤلم مر به في حياته .
تبادل الجميع النظرات المترددة والمرتبكة ، وانتهى الأمر بأن تنهدت سان بتعب وقالت وقد بدأت الدموع تجتمع في عينيها اللوزيتين:
_في الماضي كان لدي صديق ، ظننت أنه سيكون الأخير في حياتي ، لكنه خيب أملي به ...
نظرت بعينين دامعتين إلى نيكول الجالس بجانبها ، ووضعت رأسها على صدره ، فرفع يده يحيطها بحنية ، ثم تابعت:
_أراد توريطي في جريمة سرقة ، قال لي أنه يريد أن يلتقيني في مكان ما ، كان بيتا كبيرا، وعندما ذهبت ، كان قد أنهى السرقة وهرب ، أنا ارتبكت ولم أعلم ما علي فعله ، وجاءت الشرطة ووجدوني هناك ...
شدت قبضتها على قميص شقيقها ، ودفنت وجهها في صدره وهي تتابع:
_لكن ، تمتمت تبرئتي ، وذلك أن الشخص الذي سرق بيته ، كان قد وضع آلات تصوير للمراقبة ، و(جايكوب) لم يكن يعلم بذلك.
نظرت إليها ميديا بحنان وراحت تمسح على شعرها الكستنائي وهي تتمتم :
_لا تبكي سان ، إنه لا يستحق دمعة واحدة .
رفعت سان رأسها وقالت بانكسار وهي تمسح دمعة سالت على خدها المتورد :
_لقد حطمني ميدي .
ضاق صدر نيكول لهذه الذكرى فقال يصرف نظر الجميع عن الموضوع :
_حسنا اتركوني من هذه الحادثة ، وانتقلوا لشيء آخر .
تكلم أندريس بصوت متحجر ، ونظرات شاردة يبدو أنه عاد بها إلى ماضيه الأليم:
_أصعب شيء في حياتي كان ، أن أفقد والدي في نفس اليوم ، كنت في السادسة من عمري ، يومها خرجا ليشتريا هدية لعيد مولدي ، وليتهما لم يفعلا ، فقد انقلبت فيهما السيارة ، وماتا معا ، وبعدها لم أحتفل بعيد مولدي مجددا .
كانت العبرة تخنقه ، وبدا التأثر الشديد على وجهه ، وجدت دايزي أن معاناتها تشابه معاناته فقالت ، وهي تتذكر ملامح أنها الرقيقة ، شعر بني طويل ، وعينان فيروزيتان ، وقد رشيق :
_أصعب ما مر علي كان وفاة والدتي أمام عيني ، وأنا في الثالثة .
اكتفت بذلك ، وتابع كايل :
_وأنا فقدت والدي ، كان قلبه متعبا ، وقال الطبيب أنه لن يستمر كثيرا ، و...
بسط يديه ، دلالة على أن الأمر كان مقدرا :
_حسنا ، لقد مات وتركني .
ضربته دايزي على كتفه بخفة وهي تقول بحزن تجلى في عينيها المتضايقتين:
_وماذا نكون نحن ؟؟
أحاطها بذراعه وهو يجيب:
_أنتم عائلتي الوحيدة .
تضايق أندريس من الجو الخانق ، فقال بخفة ومرح ليبعد هذا الجو الكئيب ، وينشر الفرحة على الوجوه:
_حسنا ، اتركونا من هذه الذكريات المزعجة ، وليقل لنا كل واحد ما هو الجانب الرومانسي في عمله ؟؟
نظر الجميع إليه بدهشة وهمسوا بغرابة:
_الجانب الرومانسي؟؟
هز رأسه بالإيجاب وهو يهتف :
_نعم فالجانب الرومانسي من عملي هو أن تكون جالسا خلف مكتبك ، وفجأة تأتيك إحدى السيدات الغاضبات ، وتصرخ بك مطالبة بإجازة لزوجها ، وذلك أنها تفتقده ، وعندما تحاول أن تخبرها بأن ذلك مستحيل ، فإنها توشك على البكاء وتبدأ بالتوسل ، وتخبرك كم أن زوجها متعب ، ومريض ويحتاج إلى راحة .
قهقه الجميع بمرح ،فقد أزال أندريس جو الكآبة ، أكملت عنه صوفيا بحماس وعينيها تدمعان :
_ الجانب الرومانسي في عملي ، عندما أكون في مكتب مديري ، وتدخل زوجته مبتسمة ، وحالما تراني ، تكشر بغضب ، وتسرع إلى جانبه وتبدأ بتدليله وتدليعه ، وهي ترمقني بنظرات غيورة .
اشتعل كايل غيرة وهو يتخيل صوفيا تمضي النهار بكامله مع مديرها ذاك ، فقال بلهجة مطاطة :
_الجانب الرومانسي في عملي أن العديد من الفتيات الجميلات يمررن عليك يوميا ، إنهن فاتنات ، وجميلات ، ورقيقات.....
وكان سيتابع إلا أن دايزي ضربته على كتفه بخفة مطالبة إياه بالصمت ، وهي تقول :
_إنه دوري .
ما كادت تقول هذه الكلمات ، حتى قال أندريس:
_الجانب الرومانسي في عملها أن هناك الكثير من اللون الأحمر .
رمقته بنظرات حارقة قاتلة وقالت بتكشيرة :
_لا ، الجانب الرومانسي ، وهو عندما ترى شخصا يبكي على عزيز له يعاني من حالة خطرة ، وحالما يرى الطبيب ، فإنه يسرع إليه والدموع تبلل وجهه ، وعندما يخرج الطبيب تجد أن ذاك الشخص لازال يبكي ويبتهل وهو يذرع الممر جيئة وذهابا ، وما إن يرى الطبيب حتى يسرع إليه ، ويبدأ بالسؤال بطريقة مرتبكة ، وكم تكون فرحته عظيمة عندما تخبره بأن المريض قد تجاوز مرحلة الخطر وأنه سيعيش!!
رفع أندريس يديه إلى عينيه وراح يتظاهر بالبكاء وهو يقول :
_يا إلهي ،كم هو موقف مؤثر !!
ثم استطرد ، وهو يقول ساخرا :
_منذ متى أصبح لديك هذه المشاعر النبيلة دايزي ؟؟
اغتاظت بشدة ،و تمنت لو أن بيدها شيء لترميه به ، لكنها تمالكت نفسها وهي تغتصب ابتسامة وتقول :
_حسنا ، دوري ، فليخبرنا كل شخص ماذا فعل في يوم الحب السنة الفائتة؟؟
تبادلت هي وميديا النظرات ، وسرعان ما انفجرتا ضاحكتين ، حدق نيكول بميديا وهو يقول باستنكار :
_ما الأمر ؟؟
قالت ميديا من بين ضحكاتها :
_في السنة الماضية ، كان هناك احتفال يقيمه الأصدقاء بمناسبة يوم الحب ، أنا ودايزي ذهبنا ، لكن لم يكن لدينا مرافقين ، لم نشارك بأي شيء وإنما جلسنا نراقب الجميع ونطلق التعليقات .
تابعت عنها دايزي ضاحكة:
_أوه حبيبتي لا أستطيع أن أتخيل حياتي بدونك .
_ولا أنا عزيزي ، إياك أن تذهب إلى أي مكان بدوني .
تابعت دايزي :
_حتى إلى الجحيم ؟؟؟
أكملت ميديا :
_كان الجميع ينتظر ردة فعلها الرومانسية ولكنها فاجأت الجميع بأن حملت كوبا من العصير وسكبته على رأسه وهي تقول بحقد : تحلم أيها الغبي .
تابعت دايزي وهي تحرك يديها :
_ ثم دفعته ليقع وسط بركة السباحة ، يا إلهي كان الموقف مضحكا جدا ، وبعدها رمقته باستصغار وانصرفت وهي تتمتم بالعديد من الشتائم .
حول نيكول نظره إلى ميديا الضاحكة وسارع يقول بخوف :
_ هل ستفعلين هذا بي ميديا ؟؟؟
وضعت رأسها على كتفه وهي همس :
_بالتأكيد لا ، نيكو ....
ضمها نيكول بحب وهو يقول :
_هذه هي الفتاة الوحيدة التي أحببت ، ماذا عنكم؟؟
كان هذا السؤال ، وهو الشيء الوحيد الذي أخاف صوفيا ، نقلت نظرها إلى كايل فوجدت أنه يحدق بها ، بنظرات نافذة ، ارتعشت بقوة وراحت تكلم نفسها : (( لا ، لا أريد أن أعلم !! لا تقل شيئا كايل ، أرجوك)).
لكن كايل لم يستجب لها إذ سارع يقول :
_أنا أحب فتاة ما ، لم ولن أحب غيرها ولكنني لا أعلم إن كانت تحبني .
تحولت نظرات الجميع إلى صوفيا ، التي اصطبغ خداها بلون وردي لطيف ، وظهر القليل من النمش على خديها المسمرين ، تطلعت في الجميع فوجدتهم ينتظرون إجابتها ، فسارعت تخفي وجهها بين يديها وهي تقول :
_حسنا حسنا ، كايل أنت تعجبني ، ولكن لا أعلم إن كنت أحبك أم لا ، إن كنت تحبني حقا فأمهلني بعض الوقت .
أنهت كلامها ثم أزالت يديها ببطء فوجدت الجميع يحدق بها ، صاحت بهم بإحراج :
_لا تنظروا إلي هكذا .
اتسعت ابتسامة كايل ، وأجابها بصدق :
_ سأنتظرك صوفيا ولو لآخر يوم في حياتي .
نيكول الذي كان يهمه سماع إجابة ميديا ، قال لها بهمس مرتجف :
_وأنت ميديا ؟؟
قالت ميديا بصوت عال جذب انتباه الجميع عن صوفيا :
_أنت الشخص الوحيد الذي أحببت نيكول .
أشرقت عيناه بفرح لم يدم ، إذ جاءهم من الخلف صوت ماكر مألوف يقول :
_ماذا عني ميديا ؟؟
اتسعت حدقتا ميديا بخوف ودهشة ، ومرت العديد من المشاهد على ذهنها ، شاب بني الشعر ، لديه عينان زرقاوان ، وابتسامة جذابة ، كان يمسك بيدها ويجري معها ، ومشهد آخر كان يعطيها البوظة ، وآخر يهديها هدية ، وفي النهاية جاء المشهد الذي قال فيه بقسوة وخبث :
_لم تكوني سوى دمية !!
تردد صدى هذه الكلمات في ذهنها المشوش ، تمنت ألا يكون هو نفسه ، تمنت لو أنه يكون في النصف الآخر من الكوكب ، كان عليها أن تنظر إليه لتراه ، لتتأكد من أنه هو نفس الشخص الذي ظنت في يوم أنها تحبه ،وإذ به في ثوان يصبح الشخص الوحيد الذي تحمل له ضغينة على وجه هذه الأرض ، ويا لدهشتها ، طالعتها تينك العينان الزرقاوان الخبيثتان ، عينان تعرفهما جيدا ، عينان لن تنساهما أو تنسى صاحبهما ، همست بضياع وهي تتشبث بقميص نيكول :
_ألبرت!!
يتبع...
__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
Rojena-wolf
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى Rojena-wolf
البحث عن المشاركات التي كتبها Rojena-wolf