البارت الثالث عشر | | | | نسمات هواء باردة هبت ، لتحرك أجراس الزينة ، مصدرة صوتا هادئا جميلا ، ورائحة الحطب التي تحترق في النار أضفت على الجو رونقا من الجمال والسكينة . التحفت السماء بردائها الأسود المخملي ، المرصع بألماسات مضيئة ، وبدر مكتمل يلقي بضوئه الأبيض الخفيض على الأرض ، مكسبا الجو مزيدا من الهدوء.
تململت ميديا قليلا وهي تنظر بحذر ناحية ألبرت الذي رسم ابتسامة بريئة على وجهه ، اقتربت بهدوء من نيكول لتحتمي به ، ثم أمسكت بطرف قميصه وشدت عليه بقوة وهي تسأل بخفوت وخوف :
_ما الذي تفعله هنا ؟؟
ابتسم بخبث وعيناه مركزتان على دايزي الحذرة ، وهمس بحب مصطنع :
_أبحث عن قلبي الضائع !!
ارتعدت برعب وقالت بحدة :
_اذهب وابحث عنه بعيدا من هنا .
تقدم خطوات بسيطة وهو يردد بغضب طفيف اصطنعه:
_كيف هذا وقد أخذته معك ؟؟
أجابته بحدة شديدة ، وقد اضطرب صوتها :
_أنا لم آخذ منك شيئا !! فقط اذهب واتركني لحالي .
رسم على وجهه الماكر ، علامات اليأس ، والانكسار ، وراح يقول بصوت مثقل بالحب والشوق :
_لماذا تفعلين هذا بي ؟؟
اقترب منها بهدوء ، ثم مد يده ليمسك بيدها ، إلا أن يدا سمراء قوية أزاحت يده بشراسة ، رفع نيكول عينيه القاسيتين ووجه نظرات حاقدة نحو ألبرت ، الذي خاف من نظراته ، ثم همس :
_ ألا تفهم يا هذا ؟؟ اذهب من هنا !! لقد قالت لك أنك لا تعني لها شيئا !!
أجابه ألبرت ببلادة ، وهو يدلك يده التي أزاحها نيكول :
_تذكر يا سيد ، ما الحب إلا للحبيب الأول .
صرخت به ميديا بقوة مرعبة :
_أنا لم أحبك يوما !!
تراجع قليلا إلى الخلف عندما رأى أنها لا تكن له سوى الحقد ، لقد أدرك منذ زمن أن ميديا لم تحبه ، وإنما كان لها صديقا وحسب ، ولكن رغبته في الانتقام من دايزي جعلته يستمر في إيهامها بأنها تحبه ، وبأنه يبادلها هذا الحب ، همس لنفسه بقلق : (( الموضوع أكثر خطورة مما اعتقدت ، فهذا الشخص المدعو نيكول ليس شخصا بسيطا ، إنه يفوقني قوة ودهاء ، إنه ليس كما وصفته سيلفيا أبدا )) ، أدار رأسه نحو سيلفيا الصامتة ، التي بدا الاستمتاع على وجهها ، إنها تريد أن تتسلى بالجميع ، ولكن إن كان ذلك يحقق الانتقام المنشود من دايزي ،
ويحطم ميديا التي أهانته توا أمام الجميع ، فإنه مستعد أتم الاستعداد للقيام بذلك . شد على قبضته بقوة ، وحاول أن يجعل صوته ثابتا قدر الإمكان وهو يهمس :
_ميدي !! ألا تذكرين شجرة الكرز التي التقينا تحتها ؟؟
اندفع إلى رأس ميديا ، صورة شجرة كرز عملاقة ، محملة بالأزهار الوردية ، وكلما هبت نسمة هواء تطايرت بعض هذه الأزهار مضفية على الجو رونقا وجمالا وسحرا لا مثيل له ، كان المشهد هناك يحبس الأنفاس ،
هناك التقت ألبرت ، كانت تجلس تحت الشجرة وتقرأ كتابها المفضل ، عندما فاجأها شخص بقوله :
_ لكم أحب هذا الكتاب !!
كانت البداية هنا ، ثم أصبح يتبعها إلى كل مكان تذهب إليه ، يساندها ، ويساعدها ، حتى أنها في مرحلة ما ، كانت تعتمد عليه في كل شيء ، ظنت دايزي أنه لم يعد يحبها ، وأنه أحب ميديا بصدق ، فانضم إلى الفريق الثنائي المكون من دايزي وميديا إذ كان كايل مسافرا ذلك الوقت ، ليصبح ثلاثيا مجددا ، ولكنه في يوم من الأيام، وعندما كانا يسيران خروجا من الجامعة معا ، وقف وصرخ بأعلى صوته :
_ أنت لم تكوني سوى دمية !! وقد مللت منك الآن ، سأذهب للبحث عن أخرى ألهو بها ...
وسار في طريقه كأن لم يفعل شيئا . رفعت ميديا عينيها إليه ، وقد امتزج فيهما الكره ، والحقد ، وراحت تصرخ بهستيريا :
_أنت مجرد تافه حقير ، أنت لا شيء ، هل تفهم ؟؟ لاشيء !!
قالتها وهي تصر على أسنانها بقوة ، حتى أنها كادت تكسر ، كانت ترتجف بقوة بين يدي نيكول الصامت ، الذي لم يتفوه بالكثير سوى جملة يتيمة قالها ، تقدم ألبرت من ميديا ، وأمسك بذراعها وراح يجذبها بقوة ، هيأ لنيكول معها أن ذراعها الرقيقة ستخلع من مكانها ، أرعبته الفكرة فسارع لتركها بقوة ، لتستقر بين أحضان ألبرت باكية،
تصرخ وتستنجد قائلة :
_نيكول !! لا تتركني ، رجاء!!
لم يتحرك نيكول شبرا واحدا من مكانه ، بل ظل ينظر إليها بجمود أخافها وزاد من بكائها ، شعرت فجأة أنها انتقلت إلى حضن تعرفه ، حضن التجأت إليه كثيرا ، طالبة عطفا ومحبة .......... إنه كايل الذي كان لها ولدايزي خير الأخ والصديق ، تمسكت بقميصه بقوة والدموع قد شوهت خديها الرقيقين الجميلين ، الناعمين ، وتركت آثارها عليهما ، حرك كايل عينيه ناحية سيلفيا صاحبة الابتسامة الكريهة ، وكشر اشمئزازا لمظهرها المريع ، ملابسها كثيرة الألوان ولا تكاد تعرف بداية القميص من نهايته ، بل لا تعرف إن كان قميصا أم مجرد قطعة من القماش لفت بها جسدها النحيل ، ضم ميديا إلى صدره بقوة ، وأعلن بصوته الجهوري:
_ حان وقت النوم يا سادة كل إلى فراشه .
وأمام صوته الحازم ونبرته الشديدة ، انصاع الجميع لهذا الأمر ، ونهضوا عن الأرض بهدوء وهم يزيلون التراب العالق بها ، نهض الأطفال وهم يتذمرون ، إذ يبدو أنهم استمتعوا بهذا الحدث ، فأنشأوا صداقات جديدة ،
وتعرفوا على بعضهم البعض بصورة أفضل .
لم يتفوه نيكول بكلمة ، وإنما سار مبتعدا عن الجميع وقطع المسافة الفاصلة بين المكان الذي جلسوا فيه ، وبين منزله الخشبي الدافئ الذي يسكنه وأسرته ، في دقائق معدودة ، اعتذرت ساندرا باضطراب ولحقت بشقيقها مسرعة ، في حين تمتمت صوفيا بما يشبه تحية المساء وانصرفت بهدوء وحذر . راقب أندريس كيف أن الموقف أصبح مشحونا بالأخص بعد أن ترك نيكول الساحة بتلك الطريقة التي لا تفصح عن شيء ، وجه نظرات قاتلة إلى ألبرت الذي ارتعد بقوة ، فأندريس مختلف تماما عن نيكول ، فإن كان نيكول مهيبا ، فإن نظرة أندريس تجعلك تحس بأن الدماء تجري في عروقك جليدا . حركت سيلفيا عينيها الصغيرتين في أجاء المكان بتعال ،
ثم استدارت وهي تزيح بشعرها الملون قاذفة إياه بعيدا عن وجهها الهزيل المليء بالزينة ، ألقى ألبرت نظرة أخيرة على دايزي لمحها أندريس من طرف عينه ، قبل أن يستدير ويغادر المكان بهدوء ، بعد أن قضى على جو الهدوء والسكينة محولا إياه إلى حالة مرعبة من التوتر .
تململت في فراشها غير قادرة على إغماض عينيها فما إن تفعل ، حتى يظهر لها وجهه الماكر ، بتينك العينين الزرقاوين والابتسامة الخبيثة ، أزاحت الغطاء عن جسدها وأنزلت قدميها الحافيتين لتلامسا أرض الغرفة الدافئة،
شعرت بقليل من البرد فسارعت ترتدي معطفها الوردي اللطيف ، فوق ملابسها الدافئة ، ارتدت حذاءها البيتي ،
وسارت بخفة ناحية سرير ميديا ، نظرت إلى وجهها المحاط بشعرها المجعد ، وقد تنفخت عيناها من كثرة البكاء، على تصرف نيكول الذي لم تعرف سبببه ، ابتسمت دايزي بحنان وعطف ومدت أناملها الدافئة لتزيح شعر ميديا عن عينيها ، أمسكت بطرف الغطاء ورفعته ليغطي جسد صديقتها بالكامل ، راقبتها لثواني معدودة ، قبل أن تنظر من النافذة إلى القمر المكتمل ، وتقرر أن عليها تصفية ذهنها المليء بالتساؤلات.
فتح الباب الخشبي بهدوء مصدرا أزيزا مزعجا ، أطل رأس أشقر غطي بقبعة صوفية ظريفة من الباب ، مال ناحية اليمين ثم الشمال ، وبعد أن تأكدت صاحبته من خلو المكان ، أخرجت جسدها بالكامل ، وأغلقت الباب خلفها بهدوء ، ثم نزلت الدرجات الخشبية الثلاث بسرعة ، وسارت في الطريق الذي أحضرها منه أندريس أول مرة ولكن بطريقة عكسية ، حتى وصلت الشجرة العملاقة حيث التقته ، وتعرفت على حدة سخريته .
أسندت دايزي ظهرها إلى جذع الشجرة وأغمضت عينيها وراحت تتنشق الهواء البارد المحمل برائحة الأزهار ، وتلك الأجراس لا تزال تهتز مصدرة صوتها الموسيقي الجميل ، شعرت دايزي فجأة بأنها ستغفو بتأثير هذا الجو الساحر ، وشعرت بلذة جميلة أخذتها إلى عالم أحلامها الوردي ، هناك حيث تخيلت نفسها أميرة في ثوب أبيض ،
ووالدها يمسك بيدها ويرتدي بذلته الرسمية ، وكايل يبتسم ويلوح لها ، وكذلك ميديا ونيكول ، كم أنه من الجميل أن تتخيلهما معا !! إنهما ثنائي راااائع ، وهذه هي صوفيا تبتسم ، والدها يقول شيئا ، إنه يقول : هل ستجعلين عريسك ينتظر ؟؟ عريسك ؟؟ إذن هذا هو حفل زفافها . أووه من هذه ؟؟ إنها تعرفها جيدا !! بل تكاد تجزم أنها شخص مهم .
اقتربت تلك السيدة الجميلة بثوبها المرصع بكريستالات متألقة ، تتهادى في مشيتها . بدت كحورية فائقة الجمال ،
أضفى شعرها البني على وجهها رونقا وبهاء ، وتألقت عيناها الفيروزيتان كحجر ثمين ، شهقت دايزي بقوة ، فمن يقف أمامها ليس سوى أمها !! تلك الفاتنة الجميلة هي أمها التي فقدت حبها وحنانها في سن مبكرة ، كانت تحتاجها وبشدة ولكنها لم تجدها ، لديها الكثير لتحكيه ، لكن لا وقت لكل هذا . رفعت الأم يديها الناعمتين البيضاوين وأحاطت وجه ابنتها الذي انسابت الدموع عليه تبلله ، وهمست بصوت خافت خرج كالهمسات من بين شفاهها الرقيقة : شهقت بقوة ، وجرت الدموع شلالات على خديها ، بعد أن سمعت كلماته المتسامحة ، أحاطها بذراعيه وضمها لصدره ، حتى تكمل بكاءها. ما إن لامس رأسها صدره الحاني حتى تفجرت مشاعرها بقوة وتدفقت لتخرج كالسيل الجارف ، ربت على رأسها بحنان ، محاولا أن يغدق عليها من حنانه قدر ما يستطيع ، طبع قبلة رقيقة على قبعتها الطفولية ، وعاد يغني لها تلك الأغنية اليونانية ، التي غناها لها حينما كانت تبكي عليه لإصابته.
انتظم تنفسها ، وقلت شهقاتها ، وتوقفت دموعها عن الجريان ، أبعدها ليرى وجهها المحمر ، وهمس برقته الدافئة:
_أهناك ما تريدين قوله ؟؟؟
ابتعدت عن أحضانه الدافئة ، ومسحت دموعها المالحة بكفوفها المرتجفة ، أبعدت خصلات شعرها عن وجهها ،
وبدا أنها تلملم شتات نفسها قبل أن تبدأ بنبرة مرتجفة :
_ في فترة من الفترات ، أعني عندما كنت لا أزال في المدرسة ، سافرت ميديا مع أهلها إلى أمريكا ،
استغلت سيلفيا وحدتي وحاجتي لكايل وزرعت في رأسه فكرة أنني أشفق عليه ....
ابتسمت باستخفاف وهي تكمل :
_ وبما أن كايل يساويك عنادا وكبرياء ، لم ترق له هذه الفكرة فهاجمني بقوة قائلا ((لا أحتاج شفقتك ، آنسة بريسكوت )) وبعدها رحل ، في تلك الفترة كنت محطمة ، وأشعر بالوحدة ، عندها بدأ ألبرت بالتقرب مني ،
في البداية كان الأمر عاديا كأي صديقين يخرجان معا ، يدرسان معا ، نتشارك في أمور ونختلف في أمور ،
كان يعلم منذ البداية أنني لست أعتبره شخصا مميزا ، ولكن ذلك لم يثنه عن تقديم الأزهار لي .
هزت رأسها بعجز وهي تتابع :
_في البداية اعتبرت الأمر شيئا طبيعيا ، لكن الجميع لاحظ كم أنه كان متملكا ، لا يريدني أن أتحدث إلى أحد أو عن أحد سواه .
خنقت آهة كادت تفلت من بين شفاهها ، وتابعت تحت نظرات أندريس المتفهمة :
_ أخبرته بيني وبينه ، أنني لا أريد هذا النوع من العلاقات وأنني لا أيد لهذه العلاقة أن تستمر ، نفى كل ما أقوله عن اهتمامه الزائد بي ، وقال لي أن كل هذا مجرد أوهام ، واستمر الأمر هكذا ، وفي النهاية أصبح الأمر لا يطاق ، فأخبرته أنني لا أريد أن أكلمه بعد الآن ، وسيلفيا سمعتني عندما قلت ذلك وأشاعت الخبر بين الجميع .
مسحت دمعة فرت من بين قضبان رموشها الكثيفة :
_بعدها اختفى ولم أسمع عنه شيئا . وعادت ميديا وأخبرتني بأنها ستظل فترة هنا ، ثم عاد ألبرت للظهور لاكتشف بعدها أنه قد أرسى قواعد صداقة جديدة بينه وبين ميديا ، كنا نسمع أخبارا عن كايل ، لكنها كانت ضئيلة، سمعنا أنه سيدرس الهندسة ، وأنه سيعود في يوم ما لم يقم بتحديده . رويدا رويدا بدأت أقتنع بأن ألبرت يحب ميديا ، فقد كان لطيفا معها طوال الوقت ، وكانت تخبرني العديد من الأمور الجميلة عنه ، لكن المشكلة كانت في أن ميديا لم تكن تحبه، وإنما أعجبت بشخصيته اللطيفة .
صححت لنفسها بمرارة :
_شخصيته المرحة المصطنعة .
رفعت قدميها عن الأرض ووضعتهما على الأرجوحة التي تمايلت برقة ، ثم أحاطتهما بذراعيها ، متكورة على نفسها ، وهي تكمل :
_ أخبرتني أنه يحاول إقناعها بأنها تحبه ، ولكنها لم تكن ، أخبرها بأن الوقت لا زال مبكرا على اكتشاف مشاعرها ، ولكنها كانت مصرة على أنه مجرد صديق ، وعندما بدت مصرة على أنه ليس مميزا في حياتها ،
جاء يصطحبها من الجامعة التي كنا ندرس فيها أنا وميديا ، وما إن أصبحنا في منتصف باحة الجامعة ، حتى صرخ بأعلى صوته ((لم تكوني سوى دمية )).
تجهم وجه أندريس وبان الغضب في عينيه اللتين تطلقان شرارا متوعدا ، مسحت دايزي دموعا حارة سالت على خدها وأكملت :
_وأخذ يلقي سيلا من التهم الكاذبة عليها ، مدعيا بأنها فتاة فاسقة ، وأن أفعالها قذرة مشبوهة ، وانصرف بعدها ،
تاركا جرحا بليغا لا زال ينزف في قلب ميديا .
رفعت رأسها ونظرت إلى القمر ، وهمست بحنان :
_ميديا ...........ليست كالجميع ، إنها لا تقوى على الفراق ، والخيانة صعبة بالنسبة لها ، إنها لم تحبه يوما ، لكنها تضررت كثيرا بعد تصريحاته ، فالشائعة تنتشر بسرعة خارقة ، لقد عدته كشقيقها ، ولكنه خان ثقتها ، ثم بدأت تحقد عليه ، وفي الحقيقة هو الشخص الوحيد الذي تكرهه ميديا .
وابتسمت بمرارة ، مكملة بشهقات بدأت تعلو :
_ ذلك الوغد لقد حطمني بتحطيمه لها ، هو يعلم ذلك ، أنا وميديا كالتوأم ، ما يصيبها يصيبني وما يصيبني يصيبها .
دفنت رأسها في حضنها وهي تبكي بصوت يقطع القلوب :
_ لكنها لا تعلم أن ما أصابها كان بسببي ، لا أريد أن أخبرها حتى لا أفقدها ، ميديا هي شخص لا أستطيع العيش دونه .
ربت بهدوء على رأسها هامسا ، بصوت عذب رقيق :
_ لن تفعل هذا !! فهي تحبك ، أليس هذا صحيحا ؟؟
رفعت رأسها عن قدميها ونظرت له بعيون دامعة بريئة ، وهزت رأسها مجيبة بنعم . أضاء القمر جانب وجهه الأسمر الفاتن كاشفا عن ابتسامة مائلة ، كشفت عن صف من اللآلئ المرتبة ، أمال رأسه إلى الأسفل قليلا ، وهمس :
_إذن لا داعي للبكاء ، صحيح ؟؟
ابتسمت له بفرح ، وهي تمسح بقايا دموعها :
_نعم ، لا داعي له ، لكنني خائفة !!
تلمس بأنامله خصلات شعرها الذهبية وقال :
_يوما ما ستخبرينها ، وسترين أنها لن تغضب منك ، فلست السبب ، لقد اختبرت شعورك ، عندما حاول ألبرت أن يقنعها بأنها تحبه ، وأنا واثق من أن ميديا ذات قلب كبير ومتسامح .
تطلعت في أعماق عينيه اللتين أبديتا تعاطفا كبيرا ، وهمست له شاكرة قبل أن تقول بشرود:
_لم أنت غامض؟؟
أشار إلى نفسه ، وهو يسألها باستخفاف:
_تقصدينني أنا ؟؟
ضربته بخفة على كتفه ، وقالت معاتبة :
_لا تسخر مني يا هذا!!
عاد لسخريته ، ولهجته المستهزئة وقال :
_لدي اسم يا هذه !!
سألت نفسها (( لم لا يقول لي شيئا عن حياته ؟؟)) وقررت أن تسأله ، فقالت :
_قل لي شيئا عنك !
قطب حاجبيه الكثيفين ، وراح في محاولة لإيجاد شيء يخبرها إياه عنه ، لكن حياته الرتيبة قضت على كل أمل لدى دايزي بمعرفة المزيد عنه ، إذ قال لها :
_لا شيء مميز في حياتي ، فأنا دائما في دوامة من الأعمال المكتبية .
سألته بهدوء ، وهي تريح رأسها على ركبتيها :
_ماذا عن ترك جدك لك ؟؟
أجاب بحزم :
_لقد قلت كل شيء قبل قليل .
لم تقتنع بإجابته فعادت تسأله :
_ولكن لم تخل عنك ؟؟ لا يمكنني أن أصدق أنه تخلى عنك لأنك تشبه أمك فحسب .
يا لها من فتاة عنيدة ، هكذا فكر أندريس الذي لم يجد مفرا من أن يخبرها بقصة والديه ، فهي على أية حال ليست بقصة غريبة كما أنها ليست سرا خطيرا :
_حسنا ، في الماضي كان هناك شراكة بين جدي وبين شخص آخر صاحب نفوذ قوي ، وكانا قد اتفقا منذ البداية على تزويج أبي بابنة شريك جدي ، ليحافظا على صداقتهما ووشراكتهما ، ابنة الشريك كانت موافقة ، فكم من مرة حاولت أن تكسب وده دون جدوى ، فقد كان مغرما بفتاة سمراء يونانية ، ذات عيون فضية ، سحرته برقتها وجمالها ، أحبها بصدق وكذلك فعلت ، وعلى هذا الأساس رفض ابنة صديق جدي ، ومنذ تلك اللحظة وجدي يعتبر أبي شخصا لا يعتمد عليه ، لأنه فضل مصلحته الشخصية على المصلحة العامة ، على حسب قول جدي ، وهذه هي كل القصة وانتهينا .
رفعت رأسها عن ركبتيها ، وقالت بصدق :
_ لقد وصفت حبهما بطريقة رائعة مع أن كلماتك كانت موجزة ، تصلح كاتبا للروايات الرومانسية .
نهض بتثاقل ، وشد يديه إلى الأعلى بكسل وهمهم قائلا :
_ والآن لنذهب إلى البيت .
أدار رأسه ليكلمها بنبرة مستاءة :
_ وأنا لست كاتب روايات رومانسية .
قهقت بمرح ، وهي تتبع خطواته الكسولة ، نظرت إلى البدر الذي عاد ليختفي خلف الغيوم الباردة ، أغمضت عينيها بهدوء ثم فتحتهما ، وهي تتمنى أن يسسير كل شيء على ما يرام .
تأبطت ذراع والدها ، وسارت معه بهدوء ، تتهادى في ثوبها الأبيض على البساط الأحمر ، المزين ببتلات الزهور الرقيقة ، أبصرت أندريس هناك في نهاية الطريق ينتظرها ، حيث ترك والدها يدها وسلمها له ، سؤل أندريس(( هل أنت موافق على الآنسة بريسكوت ، لتكون لك زوجة إلى الأبد ؟؟ ))
أجاب أندريس بثقة وابتسامة ودودة تزين وجهه :
_بالتأكيد .
وتعالت صيحات الفرح مهنئة ، ومتمنية لهما حياة سعيدة ، في ظل حبهما . تساقطت البتلات البيضاء عليهما
متوجة الجو بشذاها .
كان هذا نهاية حلم لم تره دايزي !! فهل سيتحقق أم أنه سيظل حلما مجهولا ، لم يعثر على طريقه إلى الواقع؟؟ | | | | |
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
|