عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 05-05-2017, 07:52 PM
 
-
نيــــكول البارت الرابع عشر

انطلقت الأضواء الساطعة ، لتتركز على شاب وقف مسندا جسده النحيف إلى الجدار ، واضعا يديه على عينيه حاميا إياهما من الضوء القوي . ارتجف جسده بقوة ، واصطكت أسنانه ببعضها البعض معبرة عن خوف بدا جليا على ملامحه الواهنة ، إذ اتسعت عيناه صدمة وخوفا ، واهتز صوته رعبا ، وهو يسأل :
_من أنت ؟؟
كان السؤال موجها لشاب قوي البنية ، واثق الخطى سار بقامته المهيبة مخترقا حشود الشرطة ، حتى وصل للشاب المرتجف ، رمقه بنظرة استصغار ، ثم قال بصوت قوي مجلل ، وعيناه تقدحان شررا :
_أريد أن أعلم من يقف خلفه !!
تقدم ضابط من ليسندر وربت على كتفه هامسا بهدوء:
_سنتكفل بكل شيء سيد سوفاكيس ، لا تلق بالا للأمر .
هز ليسندر شعره الأسمر اللامع بهدوء ، ثم استدار وسار مبتعدا متمتما ببعض الكلمات ، التي تنم عن عدم الرضا.



نظرت بعينيها الخضراوين الواسعتين ناحية ساندرا ، بنظرة تائهة ، ما لبثت أن تحولت إلى ابتسامة واسعة شقت
وجهها البريء الصغير ، وهي تنهض عن كريسها وتلقي بنفسها في حضن ساندرا التي احتضنتها بقوة ، فصاحت الأخيرة:
_ اهدأي أنيتا ....
تراجعت أنيتا قليلا ، ثم ما لبثت أن اقتربت وطبعت قبلة صغيرة على خد ساندرا لتعبر عن امتنانها ، ثم سألت بلهفة :
_أين هو الآن ؟؟؟

_ من هو هذا ؟؟
كانت هذه دايزي ، التي يبدو أن جلوسها كالغبي على بعد عدة أمتار منهما لم يعجبها ، فسارعت لطرح سؤال يدخلها في الحوار ، غير أن أنيتا على ما يبدو لم تكن تريد إشراكها إذ تجاهلت سؤالها ، وأزاحت وجهها بترفع ،
ظهر الارتباك على وجه سان ، وهي تعتذر عن تصرف أنيتا التي أصرت على أنه لا داعي للاعتذار ، وأمسكت بيد سان وسارعت تسحبها خلفها وهي تصيح بفرح منقطع النظير :
_ عاد أخي ، عاد ليسندر !!

حكت دايزي رأسها بضجر ، قبل أن تقرر الانصراف إلى عملها ، لكن ما حدث البارحة لا يزال عالقا في ذهنها،
كان أندريس حنونا ومتفهما ، ساخرا ولكن طيبا . إنها لطالما نجحت في تحليل شخصيات الناس ، لكن أندريس يبدو مزيجا مختلفا كليا عما عهدته ، فهو مزيج من الرقة والعنف ، الحنان والقوة ، الثقة والغرور ، والسخرية
والعطف ، كل هذا يجعله شخصا مميزا ، مختلفا عن الباقين . تنهدت ببطء وهي تتدرك أن هذا الجدال مع نفسها عقيم ولن يعود عليها بفائدة ، ولو كانت صغيرة .




_ الناس طيبون جدا هنا .....وساذجون كذلك .
خرجت هذه الكلمات باردة متحجرة من بين شفافهها المصبوغة ، أدارت عينيها لتستطلعا المكان ، فلم يكن مما يطيب لنفسها ، فهي لا تعجبها أكاليل الزهور الفواحة العطرة ، ولا المروج الخضراء اليانعة ، ولا الطرقات البسيطة الموحلة ، ولا تروق لها أشعة الشمس التي تحرق جلدها الذي اعتاد برودة لندن . ألقت نظرة خاطفة على صاحب العينين الزرقاوين الذي يسير خلفها وهمست :
_المكان هنا مقزز !!
أجاب الشاب بنزق :
_ إنك في إحدى القرى البسيطة ، ولست في العاصمة سيدني .
نظر إلى حذائه الذي اتسخ بالطين وعلق بغير رضا :
_ألست من أراد أن يعرف المزيد عن حياة تلك الفتاة المدعوة ساندرا ؟؟
كشرت باستياء وهي تقر بأنها من أراد ذلك حقا ، فعقب جفاف :
_ هل لي أن أعلم سبب اهتمامك بهؤلاء الأشخاص ؟؟
ابتسمت بمكر وهي تحدق في عيني طفلة بريئة ارتعبت لرؤيتها ، فهرولت تجري بعيدا ، ثم نقلت نظراتها المتعالية في المكان البسيط الذي تقصده ، وقالت :
_ ذنبهم أنهم أصدقاء دايزي !!
_ وأنت تغارين من دايزي !!
أجابها ساخرا ، فقالت بسخط وغضب عارم ، وهي تشد على قبضتها :
_ أقفل فمك !! فما الذي تمتلكه تلك الفتاة المدللة لأغار منها ؟؟
أجاب ببرود غير عابئ بغضبها أو سخطها :
_ تمتلك الجمال ، المال ، الأسرة المعطاءة ، الأب الحنون ، بالإضافة إلى الشقيق اللطيف ، ألا يبدو هذا كافيا ؟؟
أجابته بغرور منفر :
_أنا أكثر جمالا ومالا منها ولدي عائلة تتكون من أب وأم وأخ حقيقي ، الكل يعلم أن كايل كان ابن الطباخ لا أكثر ولا أقل ، فهو ليس ذو نسب شريف .
سألها بدهاء وعيناه تنطقان شررا :
_ولم تجرين خلفه ، ما دام ليس بمستواك الرفيع ؟؟
أجابته باختصار شديد :
_لا شأن لك ..
_ألأنه وسيم فقط ؟؟؟
لم تجبه ، وإنما تابعت مسيرها ببطء وقدماها تجاهدان للمسير ، فعلو الحذاء لا يسمح لها بالسير المريح ، كما أنها لم تعتد على السير في مثل هذه المناطق . مسحت قطرات عرق سالت على جبينها ، وهمست باستحقار :
_ألا زال هناك مثل هذه الأماكن الحقيرة في البلاد ، نحن في القرن الواحد والعشرين ، بحق السمااء !!
لم يعر بالا لتذمراتها التي لم تتوقف ثانية واحدة منذ انطلقا ، فقد كان عليه أن يعرف أنه إن كان سيرافقها فإنه سيواجه العديد من المشاكل التافه التي لا تستحق التوقف عندها ولو لثانية واحدة .
سارا بهدوء لبضع ثوان قبل أن يفتح فمه لينطلق منه سؤال جعلها تتوقف لبرهة قبل أن تتابع مسيرها :
_ لم أنت مختلفة عن شقيقك مايكل ؟؟
غيمت عيناها ، واحتدت ملامح وجهها الهزيل وهي تسأل بحدة :
_ماذا تعني يا ألبرت ؟؟
أجابها وهو يزيح خصلات شعره الحريرية عن جبهته التي تنضح عرقا:
_ما أعنيه هو أنه لطيف وودود ، في حين أنك ..... حسنا تعلمين ما أقصد !!
تحاملت على نفسها لتتابع الجري ، وصوت لهاثها قد أصبح مسموعا ، ثم أجابت بعد برهة :
_ لأنه ساذج ، في حين أنني واعية لما يدور حولي !!
ظهرت ملامح الاستخفاف على وجهه ، فهذا ليس بجواب منطقي خاصة أن والديها لطيفان نوعا ما ، فهما لا يسعيان لإيذاء الناس كما تفعل هي ، كما أنه واثق من أن ما تفعله ليس سوى غيرة عمياء من دايزي ، لأنها محبوبة . أمسك بيدها ليوقفها وسألها بملامح جادة :
_ هل تحبين شقيقك ؟؟
أغمضت عينيها بقوة وهزت رأسها غاضبة ، ثم دفعته ليفلت يدها وصاحت به :
_إنه شقيقي أيها الأحمق بالتأكيد أحبه أيها المعتوه ، والآن هلا سمحت لي فعلي أن أجد أحدا ليخبرني عن حياة تلك الفتاة اللعينة ، لأحيل حياتها وحياة شقيقها الغبي جحيما .

تابعت سيلفيا مشيها ، وكانت تقطع الطريق بخطوات واسعة قدر ما أمكنها ، وكانت كلما رأت قطا أو كلبا شاردا أطلقت شتيمة ، وكلما رأت طفلا صغيرا أرعبته حتى يهرب من طريقها ، أما ألبرت فقد نظر إلى السماء الزرقاء التي تخللتها خيوط الشمس الذهبية ، وهو يضع يده على جبينه لتقيه حرارة تلك الأشعة ، وابتسم ابتسامة جذابة قبل أن تناديه سيلفيا وهي تطلق إحدى لعنتها الصاخبة .



جلس أندريس مسترخيا إلى إحدى الآرائك الوثيرة ، كان شعره مشعثا ومبللا بقطرات الماء ، ومنشفته كانت على كتفيه ، وقد فتح أزرار قميصه الأزرق لتظهر الضمادة من تحته ، التمعت عيناه الزرقاوان بفرح لؤية ابن خاله الذي يجلس قبالته . كان ليسندر شابا يونانيا بكل ما في الكلمة من معنى ، فلديه شعر أسود كثيف وناعم ، وجبهة سمراء عريضة ، وعينان شديدتا الخضرة ، وملامح وسيمة حادة ، وجسد رشيق قوي ، كما يملك طلة بهية ،
__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس