- | | | | نيــــكول البارت الرابع عشر انطلقت الأضواء الساطعة ، لتتركز على شاب وقف مسندا جسده النحيف إلى الجدار ، واضعا يديه على عينيه حاميا إياهما من الضوء القوي . ارتجف جسده بقوة ، واصطكت أسنانه ببعضها البعض معبرة عن خوف بدا جليا على ملامحه الواهنة ، إذ اتسعت عيناه صدمة وخوفا ، واهتز صوته رعبا ، وهو يسأل : _من أنت ؟؟ كان السؤال موجها لشاب قوي البنية ، واثق الخطى سار بقامته المهيبة مخترقا حشود الشرطة ، حتى وصل للشاب المرتجف ، رمقه بنظرة استصغار ، ثم قال بصوت قوي مجلل ، وعيناه تقدحان شررا : _أريد أن أعلم من يقف خلفه !! تقدم ضابط من ليسندر وربت على كتفه هامسا بهدوء: _سنتكفل بكل شيء سيد سوفاكيس ، لا تلق بالا للأمر . هز ليسندر شعره الأسمر اللامع بهدوء ، ثم استدار وسار مبتعدا متمتما ببعض الكلمات ، التي تنم عن عدم الرضا. نظرت بعينيها الخضراوين الواسعتين ناحية ساندرا ، بنظرة تائهة ، ما لبثت أن تحولت إلى ابتسامة واسعة شقت وجهها البريء الصغير ، وهي تنهض عن كريسها وتلقي بنفسها في حضن ساندرا التي احتضنتها بقوة ، فصاحت الأخيرة: _ اهدأي أنيتا .... تراجعت أنيتا قليلا ، ثم ما لبثت أن اقتربت وطبعت قبلة صغيرة على خد ساندرا لتعبر عن امتنانها ، ثم سألت بلهفة : _أين هو الآن ؟؟؟ _ من هو هذا ؟؟ كانت هذه دايزي ، التي يبدو أن جلوسها كالغبي على بعد عدة أمتار منهما لم يعجبها ، فسارعت لطرح سؤال يدخلها في الحوار ، غير أن أنيتا على ما يبدو لم تكن تريد إشراكها إذ تجاهلت سؤالها ، وأزاحت وجهها بترفع ، ظهر الارتباك على وجه سان ، وهي تعتذر عن تصرف أنيتا التي أصرت على أنه لا داعي للاعتذار ، وأمسكت بيد سان وسارعت تسحبها خلفها وهي تصيح بفرح منقطع النظير : _ عاد أخي ، عاد ليسندر !! حكت دايزي رأسها بضجر ، قبل أن تقرر الانصراف إلى عملها ، لكن ما حدث البارحة لا يزال عالقا في ذهنها، كان أندريس حنونا ومتفهما ، ساخرا ولكن طيبا . إنها لطالما نجحت في تحليل شخصيات الناس ، لكن أندريس يبدو مزيجا مختلفا كليا عما عهدته ، فهو مزيج من الرقة والعنف ، الحنان والقوة ، الثقة والغرور ، والسخرية والعطف ، كل هذا يجعله شخصا مميزا ، مختلفا عن الباقين . تنهدت ببطء وهي تتدرك أن هذا الجدال مع نفسها عقيم ولن يعود عليها بفائدة ، ولو كانت صغيرة . _ الناس طيبون جدا هنا .....وساذجون كذلك . خرجت هذه الكلمات باردة متحجرة من بين شفافهها المصبوغة ، أدارت عينيها لتستطلعا المكان ، فلم يكن مما يطيب لنفسها ، فهي لا تعجبها أكاليل الزهور الفواحة العطرة ، ولا المروج الخضراء اليانعة ، ولا الطرقات البسيطة الموحلة ، ولا تروق لها أشعة الشمس التي تحرق جلدها الذي اعتاد برودة لندن . ألقت نظرة خاطفة على صاحب العينين الزرقاوين الذي يسير خلفها وهمست : _المكان هنا مقزز !! أجاب الشاب بنزق : _ إنك في إحدى القرى البسيطة ، ولست في العاصمة سيدني . نظر إلى حذائه الذي اتسخ بالطين وعلق بغير رضا : _ألست من أراد أن يعرف المزيد عن حياة تلك الفتاة المدعوة ساندرا ؟؟ كشرت باستياء وهي تقر بأنها من أراد ذلك حقا ، فعقب جفاف : _ هل لي أن أعلم سبب اهتمامك بهؤلاء الأشخاص ؟؟ ابتسمت بمكر وهي تحدق في عيني طفلة بريئة ارتعبت لرؤيتها ، فهرولت تجري بعيدا ، ثم نقلت نظراتها المتعالية في المكان البسيط الذي تقصده ، وقالت : _ ذنبهم أنهم أصدقاء دايزي !! _ وأنت تغارين من دايزي !! أجابها ساخرا ، فقالت بسخط وغضب عارم ، وهي تشد على قبضتها : _ أقفل فمك !! فما الذي تمتلكه تلك الفتاة المدللة لأغار منها ؟؟ أجاب ببرود غير عابئ بغضبها أو سخطها : _ تمتلك الجمال ، المال ، الأسرة المعطاءة ، الأب الحنون ، بالإضافة إلى الشقيق اللطيف ، ألا يبدو هذا كافيا ؟؟ أجابته بغرور منفر : _أنا أكثر جمالا ومالا منها ولدي عائلة تتكون من أب وأم وأخ حقيقي ، الكل يعلم أن كايل كان ابن الطباخ لا أكثر ولا أقل ، فهو ليس ذو نسب شريف . سألها بدهاء وعيناه تنطقان شررا : _ولم تجرين خلفه ، ما دام ليس بمستواك الرفيع ؟؟ أجابته باختصار شديد : _لا شأن لك .. _ألأنه وسيم فقط ؟؟؟ لم تجبه ، وإنما تابعت مسيرها ببطء وقدماها تجاهدان للمسير ، فعلو الحذاء لا يسمح لها بالسير المريح ، كما أنها لم تعتد على السير في مثل هذه المناطق . مسحت قطرات عرق سالت على جبينها ، وهمست باستحقار : _ألا زال هناك مثل هذه الأماكن الحقيرة في البلاد ، نحن في القرن الواحد والعشرين ، بحق السمااء !! لم يعر بالا لتذمراتها التي لم تتوقف ثانية واحدة منذ انطلقا ، فقد كان عليه أن يعرف أنه إن كان سيرافقها فإنه سيواجه العديد من المشاكل التافه التي لا تستحق التوقف عندها ولو لثانية واحدة . سارا بهدوء لبضع ثوان قبل أن يفتح فمه لينطلق منه سؤال جعلها تتوقف لبرهة قبل أن تتابع مسيرها : _ لم أنت مختلفة عن شقيقك مايكل ؟؟ غيمت عيناها ، واحتدت ملامح وجهها الهزيل وهي تسأل بحدة : _ماذا تعني يا ألبرت ؟؟ أجابها وهو يزيح خصلات شعره الحريرية عن جبهته التي تنضح عرقا: _ما أعنيه هو أنه لطيف وودود ، في حين أنك ..... حسنا تعلمين ما أقصد !! تحاملت على نفسها لتتابع الجري ، وصوت لهاثها قد أصبح مسموعا ، ثم أجابت بعد برهة : _ لأنه ساذج ، في حين أنني واعية لما يدور حولي !! ظهرت ملامح الاستخفاف على وجهه ، فهذا ليس بجواب منطقي خاصة أن والديها لطيفان نوعا ما ، فهما لا يسعيان لإيذاء الناس كما تفعل هي ، كما أنه واثق من أن ما تفعله ليس سوى غيرة عمياء من دايزي ، لأنها محبوبة . أمسك بيدها ليوقفها وسألها بملامح جادة : _ هل تحبين شقيقك ؟؟ أغمضت عينيها بقوة وهزت رأسها غاضبة ، ثم دفعته ليفلت يدها وصاحت به : _إنه شقيقي أيها الأحمق بالتأكيد أحبه أيها المعتوه ، والآن هلا سمحت لي فعلي أن أجد أحدا ليخبرني عن حياة تلك الفتاة اللعينة ، لأحيل حياتها وحياة شقيقها الغبي جحيما . تابعت سيلفيا مشيها ، وكانت تقطع الطريق بخطوات واسعة قدر ما أمكنها ، وكانت كلما رأت قطا أو كلبا شاردا أطلقت شتيمة ، وكلما رأت طفلا صغيرا أرعبته حتى يهرب من طريقها ، أما ألبرت فقد نظر إلى السماء الزرقاء التي تخللتها خيوط الشمس الذهبية ، وهو يضع يده على جبينه لتقيه حرارة تلك الأشعة ، وابتسم ابتسامة جذابة قبل أن تناديه سيلفيا وهي تطلق إحدى لعنتها الصاخبة . جلس أندريس مسترخيا إلى إحدى الآرائك الوثيرة ، كان شعره مشعثا ومبللا بقطرات الماء ، ومنشفته كانت على كتفيه ، وقد فتح أزرار قميصه الأزرق لتظهر الضمادة من تحته ، التمعت عيناه الزرقاوان بفرح لؤية ابن خاله الذي يجلس قبالته . كان ليسندر شابا يونانيا بكل ما في الكلمة من معنى ، فلديه شعر أسود كثيف وناعم ، وجبهة سمراء عريضة ، وعينان شديدتا الخضرة ، وملامح وسيمة حادة ، وجسد رشيق قوي ، كما يملك طلة بهية ، | | | | |
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
|