عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 05-05-2017, 08:03 PM
 
وجلسة واثقة ، لكنه مع ذلك يمتلك حسا فكاهيا ، أما السخرية اللاذعة فهي إحدى جوانب شخصيته الفريدة .
تكلم ليسندر بصوته الرخيم :
_ لقد أمسكنا به أندريس ، إنه يخضع للاستجواب الآن.
رفع أندريس طرف منشفته ليجفف بها شعره ، ورد مغمض العينين :
_لا داعي لذلك ، فأنا أعلم من بعث به .
اضيقت عينا ليسندر وأجاب :
_وأنا كذلك ولكن الشرطة ترفض القيام بأي تحرك قبل استجواب القناص .
تنهد أندريس بتعب ، ونهض عن مقعده الوثير ، وسار يقطع الأرضية الخشبية اللامعة ، حتى توقف عند النافذة ،
استرعى انتباه ليسندر تقطيبة ظهرت على جبين أندريس ، فهمهم متسائلا عن سببها ، فجاءه الجواب خافتا :
_مصيبة قادمة .
تقدم ليسندر ليرى ما الذي يعنيه أندريس ، وأثناء مروره أمام الباب ، فتح الباب، نظر ناحيته فإذ بفتاة تدخل مسرعة وتصطدم به ثم تقع أرضا . تأوه ليسندر بخفوت وهو يدلك مكان الإصابة في رأسه ، أنزل نظره بهدوء للفتاة الجالسة على الأرض ، وقطب باستنكار وهو يسمع ما تقوله :
_ يا إلهي أنيتا من أين لك بكل هذا النشاط ؟؟ أتساءل من تشبهين ؟؟
وما إن رفعت عينيها حتى عرفت الجواب ، تشبه شقيقها بكل تأكيد ، مد ليسندر يده لساندرا ليساعدها على الوقوف ، شكرته وعلى وجهها علامات الدهشة والذهول ، سألها بهدوء :
_هل أنت بخير يا آنسة ؟؟
هزت رأسها موافقة ، قبل أن تظهر من خلفها فتاة صغيرة ذات شعر طويل حريري أسود ، اندفعت إلى أحضان ليسندر بسرعة ،ليلمها بين ذراعيه مقربا إياها من صدره ، همست أنيتا بفرح :
_اشتقت لك ليسندر .
شدد من احتضانه لها ، وهمس :
_وأنا كذلك يا حلوتي الصغيرة .
أشرقت عيناها بفرح لرؤية شقيقها الذي لطالما أحبته وفضلته على كل شيء في حياتها .
تقدمت ساندرا من أندريس بهدوء وسألت مستفسرة :
_هل هذا شقيقها ؟؟
أجابها أندريس بنعم ،في حين حدق فيها ليسندر بتردد ، وقال بصوت جهوري :
_لا أظن أنك دايزي ، صحيح ؟؟ فلست شقراء ، ولا تمتلكين عينان زرقاوان !!
ردت ساندرا بخفوت :
_ لا ، أنا أدعى ساندرا بروس ، تشرفت بمعرفتك سيد ليسندر .
_تعرفينني إذن ؟؟
لوحت بيدها وهي ترد عليه :
_ كل الناس هنا تعرفك ، فأنيتا أخبرت الجميع عنك !!
نظر إلى شقيقته بعتاب ، وسأل :
_ ماذا قلت لهم عني ؟؟
أجابته بدلال وهي تلقي برأسها على كتفه العريض :
_ أخبرتهم أنك أوسم وألطف وأفضل أخ في العالم .
قهقه ليسندر ضاحكا من وصف شقيقته الشقية ، وتركها لتنزل إلى الأرض وتجلس بجانبه على الأريكة الكبيرة ، وهو يقول :
_ إذن آنسة ساندرا ، هل يمكنك أن تخبريني شيئا عن تلك الفتاة دايزي ؟؟
حدق ساندرا بأندريس باستفهام ، فأشار لها أن تلتزم الصمت ، إلا أنها سألت ليسندر بمكر ونظراتها اللوزية متجهة نحو أندريس الساخط :
_ وكيف عرفت بأمر دايزي ؟؟
أجابها بمكر مواز :
_ من عصفورة صغيرة .
صحح لنفسه :
_ أقصد نمر كبير وثب أمام منزلي ذات ليلة وأخبرني عنها .
ضحكت برقة وأشارت إلى أندريس وهي تهمس :
_ اسأله فهو يعرفها أكثر منا جميعا .
هتف أندريس بضيق :
_هذا ليس صحيحا ، ودعونا نترك هذا الموضوع .
كانوا على وشك أن يتركوه ، إلا أن دايزي زلزلت المكان بصرخة مدوية من فمها الرقيق الصغير ، الذي قال بضيق :
_ هيا أندريس ! أم أنك تسيت أن عليك مساعتدتي ؟؟
ارتفع حاجبا ليسندر في استنكار واندهاش وهو يحدق بالفتاة الشقراء الواقفة بالباب ، أخبرته أفكاره ، بأن هذه الفتاة جميلة حقا ولكنها مع ذلك مصيبة حقيقية . كانت ترتدي فستانا وردي اللون ،تعلوه طبقة من القماش الأبيض، وترفع شعرها الذهبي بشريطة من نفس لون الثوب . كشرت أنيتا بانزعاج لرؤيتها ولم يفت هذا ليسندر وقد عرف أن الغيرة تتآكل شقيقته المدللة ، اجتازت دايزي عتبة الباب بدون اكتراث ، حتى وصلت منتصف الغرفة الفخمة ، وهمست بغضب استعر في عينيها الزرقاوين :
_ لا تقل لي أنك ستظل واقفا مكانك ، لتنظر إلي بعينيك الساخرتين .
هز رأسه بتعب ، وأشار لليسندر ، وهو يقول :
_ ألق التحية دايزي !!
استدارت دايزي لتجد شابا يشبه أندريس لحد ما ، فعلقت باستهزاء :
_لا تقل لي أنه شقيقك ، لأنني في اللحظة التي تنوي قول ذلك فيها ، سأكون قد انتحرت .
هز رأسه بأسى ، وحدثها بتأنيب :
_ألم أقل لك أنه ليس لدي إخوة ؟؟ إنه ابن خالي وشقيق أنيتا ، ليسندر .
حدقت بليسندر ، بنظرات تفحصية أثارت حفيظته ، ثم قالت :
_ يبدو أن ابن خالك يتمتع بذوق رفيع ، فاطلب مساعدته لاختيار ملابسك .
ثم أمسكت بيده وجرته خلفها وهي تصيح ببعض العبارات التي لم يفهمها في حين ارتسمت علامات الاستغراب على وجه ليسندر ، أما سان فقد ابتسمت بهدوء وقالت :
_ لا تقلق هذه حال اعتيادية ، شجار وصراخ ومن ثم صلح .



حسنا لم أكن أظن ذلك !! أندريس ينصاع لفتاة !! لا أصدق ما رأت عيناي !! تلك الفتاة شرسة جدا ،ولكنها مع ذلك جميلة ، وتبدو طيبة ورقيقة ، ويبدو أنه مرتاح جدا هنا ، فلم يشكو أو يتذمر ، ولكن يبدو أن دايزي تثير غيظ أنيتا التي اعتادت أن تسترعي اهتمام الجميع .

_ سيد ليسندر ، هلا تفضلت معي ؟؟
كانت هذه سان تطلب منه التوجه إلى مكتب السيد هاري ، التفت لها وهمس باسما:
_ كما تريدين يا آنسة .



_ أتظنين أنهما سينزعجان لرؤية هذه الصور ؟؟
سألها بقلق ، فأجابته بلا مبالاة :
_ ولم سيغضبان ؟؟ بل أنا أعتقد أنها ستصلح قليلا مما أفسده ذلك الغبي .
ابتسم لحماسها الذي تألقت معه عيناها الخضراوان ، تدلت إحدى خصلات شعرها على وجهها ، فمد يده لتزيحها إلى الخلف ، ارتبكت صوفيا للمسته ، وقالت بتشتت :
_ هلا ذهبنا الآن ؟؟
_ لم تتهربين ؟؟
سألها مستنكرا ، فأجابت بارتباك ، والاحمرار يعلو وجنتيها السمراوين :
_ أنا لا أفعل !! ولكن علينا أن نساعد الباقين .
لم ترق الفكرة لكايل الذي كان يفضل السير برفقتها طوال النهار على رؤية الباقين ومساعدتهم . فلقد استدعاها منذ الصباح لتصحبه إلى استديو ، من أجل الحصول على الصور التي التقطاها في المشفى لأندريس ودايزي ،
والأهم ، لنيكول و ميديا ، اللذان لم يكلما بعضهما منذ حادثة الأمس . هذا الأمر أثار قلق الجميع ، خاصة والدة نيكول التي قالت بأنه حبس نفسه في الغرفة ولم يتناول شيئا .

سارا معا على الحشائش الخصراء ونسائم الهواء تحرك شعرهما ليتناثر حول وجهيهما ، قطف لها زهرة وردية اللون و قدمها لها ، وهو يقول :
_ إنها تشبه في لونها ، لون خديك عندما تحمرين خجلا ، عزيزتي !!
اشتمتها برفق ، وابتسمت لسماع كلمة عزيزتي ، تخرج من بين شفافهه .



رفع هاتفه النقال ، داعبت أصابعه أزراه برفق وسرعة ، وسرعان ما رفعه ليضعه على أذنه ، جاءه الصوت بعيدا ، كان صوتا لفتاة شابة يعرفها وهو موقن بأنها ستساعده :
_ سوزي جورج معك ..
تكلم بوضوح :
_مرحبا سوزي ، إنه أنا نيكول !!
ابتهجت الفتاة لسماع صوت صديق طفولتها ، وراحت ترحب به بحرارة ، وتلومه وتعاتبه على عدم تكليمه لها طوال هذه المدة .

ابتهج لسماع صوتها الطفولي ، إنها لم تكف عن عادتها القديمة ، تظل تثرثر وتثرثر حتى تفرغ من كل ما تريد قوله . شقت ابتسامة شقية طريقها إلى فمه ، أصدر قهقهة خافتة ، وصلت إلى أسماعها ، فسارعت تسأل بفضولها المفرط :
_ هل قلت شيئا مضحكا ، سمو الأمير ؟!
أجابها بصوت من اشتاق لماضيه وأيامه الفائتة :
_ لا ، لقد كنت أتذكر أيام الثانوية لا غير .
وصلته ضحكتها شقية مداعبة ، ثم صوتها يهتف بغضب مصطنع :
_ متأكدة من أنك ستشتاق لتلك الأيام ، فقد كنت دائما المنتصر وأنا الضحية .

تنهد بصوت عال ، فعلمت أن الأمر جدي لا مجال للمزاح فيه أكثر من ذلك ، فسألت بصوت خافت :
_نيكول ، ماذا تريد مني ؟؟
التمعت عيناه الخضراوان ، وشعتا بكره عميق ، ونطق ببطء :
_ أن أتخلص من ألبرت ................
_ هل تريدين هذه الصور ميديا ؟؟
تطلعت ميديا في الصورة بين يديها ، وابتسمت برقة وهي تمرر يدها على ملامح وجهه الوسيمة ، تدلت إحدى خصلات شعرها المجعد فمدت يدها ، وأرجعتها خلف أذنها ، من ثم نظرت بود لصوفيا ، وأومأت بأنها ستحتفظ بهذه الصور . كان هذا الأمر كافيا ليبعث الابتهاج في نفس صوفيا ، ويقلل من قلقها ، فسارعت تسحب ميديا معها
وتهتف :
_ لقد جاء ليسندر ، وأريد أن أعرفك عليه ، ثم أريدك أن تري كيف استطاع أندريس تحقيق الانسجام بينه وبين
دايزي ، في بيع الحلوى لضيوف المخيم .....
قطبت ميديا بهلع غير مصدقة ، وهتفت بعتاب :
_ لا تكذبي علي صوفيا ، أندريس ودايزي ، مستحيــــــــل وأكرر مستحيـــل أن يتفقا .
ضحكت صوفيا ، وحاولت كبت قهقهتا ، ثم جرت ميديا خلفها ، وهي تردد :
_سترين ، سترين !!




_ دايزي ! عاملي الزبائن بلطف أكثر ...
_ دايزي ! لا تفعلي هذا .........
_دايزي ! افعلي ذاك.........
_داااااااااااااااااااااااااااااايزيـــــــ !!

شعرت بصوته يطن في رأسها ، استشاطت غضبا ، وحملت عودا من الحلوى الطويلة الملونة ، وضغطته حتى تكسر بين يديها ، ثم ما لبثت أن صاحت به :
_ لم لا تنهض وتريني قدراتك ؟؟

لم تكد تكمل تهديدها حتى سمعت صوت ضحكة خفيفة ألفتها منذ زمن ، استدارت وقالت بدهشة :
_ميديا !!
هزت ميدي رأسها وأجابت :
_ لا تستغربي الأمر ، لن أبكي طوال النهار ، تعلمين كيف سيصبح شكلي .
قالتها بغير رضا ، فردت دايزي :
_ نعم ، سيكون لديك عينيان منتفختان حمراوان ، ووجه باهت اللون ، و...........

وضعت ميديا يدها على ثغر دايزي ، ومهمست بهدوء :
_لقد فهمت .
أبعدت دايزي يدها وسألت باستغراب :
_ لم أنت هنا ؟؟
فركت ميديا يديها بخفة وقالت :
_قيل لي أنك وأندريس متفقان ، فجئت أرى كيف سويتما الأمر ؟؟

نظرت إلى أندريس وتابعت مبتسمة :
_ أرى أن أندريس قد وجد الحل فعلا ....
ردت دايزي بحنق :
_تظنين ؟؟؟

كان أندريس قد نصب له مظلة تقيه الحر ، ووضع تحتها كرسيا مريحا ، إلى جانبه طاوله مليئة بالمشروبات ،
وقد غطى عينيه بالنظارات ، واستلقى إلى مقعده ، متخذا من توجيه الأوامر لدايزي مهمة له .

تطلعت ميديا بهدوء لأندريس ، وسألته :
_ لم لا تجلس مع ابن خالك ؟؟
رفع كأس العصير بعد أن رشف منه رشفة صغيرة ، ثم أشار به نحو دايزي الغاضبة ، وقال يستفزها :
_ لأن الآنسة التي أمامك لم تسمح لي .... إنها أحيانا تشعرني بأنني طفل صغير من الأحداث .

تنهدت ميديا بهدوء ، لقد كانت واثقة من أنهما لم يتفقا ، ولم تخرج لتتأكد من الأمر وإنما أملا بالالتقاء بينيكول ،
الذي اختفى البارحة ولم يظهر بعدها . تمنت بهدوء أن تراه وتحدق في عينيه ، تستشعر أحاسيسه الحقيقية ،
أيكرهها ؟؟ ولكن لم ؟؟

استدارت وخطت خطوتين إلى الأمام ، ثم توقفت ............. تحدق بالعينين اللتين أسرتاها ، وأوقعتاها في شباك الحب ، رفعت بصرها بهدوء ، تفحصت ملامح وجهه . بدت لها باردة لا تدل على شيء معين ، حدق فيها ببرود قاتل ، أرسل قشعريرة برد في جسدها ........... ثم اجتاز المسافة بينه وبينها ومر بها ، دون أن يعلق بشيء أو يتفوه بحرف واحد .........

وتركها خلفه ، دمعتها تهدد بالانحدار ، وشفتاها ترتجفان ، وعقلها يسأل بصمت :
_لماذا ؟؟؟
__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس