| | | | وجلسة واثقة ، لكنه مع ذلك يمتلك حسا فكاهيا ، أما السخرية اللاذعة فهي إحدى جوانب شخصيته الفريدة . تكلم ليسندر بصوته الرخيم : _ لقد أمسكنا به أندريس ، إنه يخضع للاستجواب الآن. رفع أندريس طرف منشفته ليجفف بها شعره ، ورد مغمض العينين : _لا داعي لذلك ، فأنا أعلم من بعث به . اضيقت عينا ليسندر وأجاب : _وأنا كذلك ولكن الشرطة ترفض القيام بأي تحرك قبل استجواب القناص . تنهد أندريس بتعب ، ونهض عن مقعده الوثير ، وسار يقطع الأرضية الخشبية اللامعة ، حتى توقف عند النافذة ، استرعى انتباه ليسندر تقطيبة ظهرت على جبين أندريس ، فهمهم متسائلا عن سببها ، فجاءه الجواب خافتا : _مصيبة قادمة . تقدم ليسندر ليرى ما الذي يعنيه أندريس ، وأثناء مروره أمام الباب ، فتح الباب، نظر ناحيته فإذ بفتاة تدخل مسرعة وتصطدم به ثم تقع أرضا . تأوه ليسندر بخفوت وهو يدلك مكان الإصابة في رأسه ، أنزل نظره بهدوء للفتاة الجالسة على الأرض ، وقطب باستنكار وهو يسمع ما تقوله : _ يا إلهي أنيتا من أين لك بكل هذا النشاط ؟؟ أتساءل من تشبهين ؟؟ وما إن رفعت عينيها حتى عرفت الجواب ، تشبه شقيقها بكل تأكيد ، مد ليسندر يده لساندرا ليساعدها على الوقوف ، شكرته وعلى وجهها علامات الدهشة والذهول ، سألها بهدوء : _هل أنت بخير يا آنسة ؟؟ هزت رأسها موافقة ، قبل أن تظهر من خلفها فتاة صغيرة ذات شعر طويل حريري أسود ، اندفعت إلى أحضان ليسندر بسرعة ،ليلمها بين ذراعيه مقربا إياها من صدره ، همست أنيتا بفرح : _اشتقت لك ليسندر . شدد من احتضانه لها ، وهمس : _وأنا كذلك يا حلوتي الصغيرة . أشرقت عيناها بفرح لرؤية شقيقها الذي لطالما أحبته وفضلته على كل شيء في حياتها . تقدمت ساندرا من أندريس بهدوء وسألت مستفسرة : _هل هذا شقيقها ؟؟ أجابها أندريس بنعم ،في حين حدق فيها ليسندر بتردد ، وقال بصوت جهوري : _لا أظن أنك دايزي ، صحيح ؟؟ فلست شقراء ، ولا تمتلكين عينان زرقاوان !! ردت ساندرا بخفوت : _ لا ، أنا أدعى ساندرا بروس ، تشرفت بمعرفتك سيد ليسندر . _تعرفينني إذن ؟؟ لوحت بيدها وهي ترد عليه : _ كل الناس هنا تعرفك ، فأنيتا أخبرت الجميع عنك !! نظر إلى شقيقته بعتاب ، وسأل : _ ماذا قلت لهم عني ؟؟ أجابته بدلال وهي تلقي برأسها على كتفه العريض : _ أخبرتهم أنك أوسم وألطف وأفضل أخ في العالم . قهقه ليسندر ضاحكا من وصف شقيقته الشقية ، وتركها لتنزل إلى الأرض وتجلس بجانبه على الأريكة الكبيرة ، وهو يقول : _ إذن آنسة ساندرا ، هل يمكنك أن تخبريني شيئا عن تلك الفتاة دايزي ؟؟ حدق ساندرا بأندريس باستفهام ، فأشار لها أن تلتزم الصمت ، إلا أنها سألت ليسندر بمكر ونظراتها اللوزية متجهة نحو أندريس الساخط : _ وكيف عرفت بأمر دايزي ؟؟ أجابها بمكر مواز : _ من عصفورة صغيرة . صحح لنفسه : _ أقصد نمر كبير وثب أمام منزلي ذات ليلة وأخبرني عنها . ضحكت برقة وأشارت إلى أندريس وهي تهمس : _ اسأله فهو يعرفها أكثر منا جميعا . هتف أندريس بضيق : _هذا ليس صحيحا ، ودعونا نترك هذا الموضوع . كانوا على وشك أن يتركوه ، إلا أن دايزي زلزلت المكان بصرخة مدوية من فمها الرقيق الصغير ، الذي قال بضيق : _ هيا أندريس ! أم أنك تسيت أن عليك مساعتدتي ؟؟ ارتفع حاجبا ليسندر في استنكار واندهاش وهو يحدق بالفتاة الشقراء الواقفة بالباب ، أخبرته أفكاره ، بأن هذه الفتاة جميلة حقا ولكنها مع ذلك مصيبة حقيقية . كانت ترتدي فستانا وردي اللون ،تعلوه طبقة من القماش الأبيض، وترفع شعرها الذهبي بشريطة من نفس لون الثوب . كشرت أنيتا بانزعاج لرؤيتها ولم يفت هذا ليسندر وقد عرف أن الغيرة تتآكل شقيقته المدللة ، اجتازت دايزي عتبة الباب بدون اكتراث ، حتى وصلت منتصف الغرفة الفخمة ، وهمست بغضب استعر في عينيها الزرقاوين : _ لا تقل لي أنك ستظل واقفا مكانك ، لتنظر إلي بعينيك الساخرتين . هز رأسه بتعب ، وأشار لليسندر ، وهو يقول : _ ألق التحية دايزي !! استدارت دايزي لتجد شابا يشبه أندريس لحد ما ، فعلقت باستهزاء : _لا تقل لي أنه شقيقك ، لأنني في اللحظة التي تنوي قول ذلك فيها ، سأكون قد انتحرت . هز رأسه بأسى ، وحدثها بتأنيب : _ألم أقل لك أنه ليس لدي إخوة ؟؟ إنه ابن خالي وشقيق أنيتا ، ليسندر . حدقت بليسندر ، بنظرات تفحصية أثارت حفيظته ، ثم قالت : _ يبدو أن ابن خالك يتمتع بذوق رفيع ، فاطلب مساعدته لاختيار ملابسك . ثم أمسكت بيده وجرته خلفها وهي تصيح ببعض العبارات التي لم يفهمها في حين ارتسمت علامات الاستغراب على وجه ليسندر ، أما سان فقد ابتسمت بهدوء وقالت : _ لا تقلق هذه حال اعتيادية ، شجار وصراخ ومن ثم صلح . حسنا لم أكن أظن ذلك !! أندريس ينصاع لفتاة !! لا أصدق ما رأت عيناي !! تلك الفتاة شرسة جدا ،ولكنها مع ذلك جميلة ، وتبدو طيبة ورقيقة ، ويبدو أنه مرتاح جدا هنا ، فلم يشكو أو يتذمر ، ولكن يبدو أن دايزي تثير غيظ أنيتا التي اعتادت أن تسترعي اهتمام الجميع . _ سيد ليسندر ، هلا تفضلت معي ؟؟ كانت هذه سان تطلب منه التوجه إلى مكتب السيد هاري ، التفت لها وهمس باسما: _ كما تريدين يا آنسة . _ أتظنين أنهما سينزعجان لرؤية هذه الصور ؟؟ سألها بقلق ، فأجابته بلا مبالاة : _ ولم سيغضبان ؟؟ بل أنا أعتقد أنها ستصلح قليلا مما أفسده ذلك الغبي . ابتسم لحماسها الذي تألقت معه عيناها الخضراوان ، تدلت إحدى خصلات شعرها على وجهها ، فمد يده لتزيحها إلى الخلف ، ارتبكت صوفيا للمسته ، وقالت بتشتت : _ هلا ذهبنا الآن ؟؟ _ لم تتهربين ؟؟ سألها مستنكرا ، فأجابت بارتباك ، والاحمرار يعلو وجنتيها السمراوين : _ أنا لا أفعل !! ولكن علينا أن نساعد الباقين . لم ترق الفكرة لكايل الذي كان يفضل السير برفقتها طوال النهار على رؤية الباقين ومساعدتهم . فلقد استدعاها منذ الصباح لتصحبه إلى استديو ، من أجل الحصول على الصور التي التقطاها في المشفى لأندريس ودايزي ، والأهم ، لنيكول و ميديا ، اللذان لم يكلما بعضهما منذ حادثة الأمس . هذا الأمر أثار قلق الجميع ، خاصة والدة نيكول التي قالت بأنه حبس نفسه في الغرفة ولم يتناول شيئا . سارا معا على الحشائش الخصراء ونسائم الهواء تحرك شعرهما ليتناثر حول وجهيهما ، قطف لها زهرة وردية اللون و قدمها لها ، وهو يقول : _ إنها تشبه في لونها ، لون خديك عندما تحمرين خجلا ، عزيزتي !! اشتمتها برفق ، وابتسمت لسماع كلمة عزيزتي ، تخرج من بين شفافهه . رفع هاتفه النقال ، داعبت أصابعه أزراه برفق وسرعة ، وسرعان ما رفعه ليضعه على أذنه ، جاءه الصوت بعيدا ، كان صوتا لفتاة شابة يعرفها وهو موقن بأنها ستساعده : _ سوزي جورج معك .. تكلم بوضوح : _مرحبا سوزي ، إنه أنا نيكول !! ابتهجت الفتاة لسماع صوت صديق طفولتها ، وراحت ترحب به بحرارة ، وتلومه وتعاتبه على عدم تكليمه لها طوال هذه المدة . ابتهج لسماع صوتها الطفولي ، إنها لم تكف عن عادتها القديمة ، تظل تثرثر وتثرثر حتى تفرغ من كل ما تريد قوله . شقت ابتسامة شقية طريقها إلى فمه ، أصدر قهقهة خافتة ، وصلت إلى أسماعها ، فسارعت تسأل بفضولها المفرط : _ هل قلت شيئا مضحكا ، سمو الأمير ؟! أجابها بصوت من اشتاق لماضيه وأيامه الفائتة : _ لا ، لقد كنت أتذكر أيام الثانوية لا غير . وصلته ضحكتها شقية مداعبة ، ثم صوتها يهتف بغضب مصطنع : _ متأكدة من أنك ستشتاق لتلك الأيام ، فقد كنت دائما المنتصر وأنا الضحية . تنهد بصوت عال ، فعلمت أن الأمر جدي لا مجال للمزاح فيه أكثر من ذلك ، فسألت بصوت خافت : _نيكول ، ماذا تريد مني ؟؟ التمعت عيناه الخضراوان ، وشعتا بكره عميق ، ونطق ببطء : _ أن أتخلص من ألبرت ................ _ هل تريدين هذه الصور ميديا ؟؟ تطلعت ميديا في الصورة بين يديها ، وابتسمت برقة وهي تمرر يدها على ملامح وجهه الوسيمة ، تدلت إحدى خصلات شعرها المجعد فمدت يدها ، وأرجعتها خلف أذنها ، من ثم نظرت بود لصوفيا ، وأومأت بأنها ستحتفظ بهذه الصور . كان هذا الأمر كافيا ليبعث الابتهاج في نفس صوفيا ، ويقلل من قلقها ، فسارعت تسحب ميديا معها وتهتف : _ لقد جاء ليسندر ، وأريد أن أعرفك عليه ، ثم أريدك أن تري كيف استطاع أندريس تحقيق الانسجام بينه وبين دايزي ، في بيع الحلوى لضيوف المخيم ..... قطبت ميديا بهلع غير مصدقة ، وهتفت بعتاب : _ لا تكذبي علي صوفيا ، أندريس ودايزي ، مستحيــــــــل وأكرر مستحيـــل أن يتفقا . ضحكت صوفيا ، وحاولت كبت قهقهتا ، ثم جرت ميديا خلفها ، وهي تردد : _سترين ، سترين !! _ دايزي ! عاملي الزبائن بلطف أكثر ... _ دايزي ! لا تفعلي هذا ......... _دايزي ! افعلي ذاك......... _داااااااااااااااااااااااااااااايزيـــــــ !! شعرت بصوته يطن في رأسها ، استشاطت غضبا ، وحملت عودا من الحلوى الطويلة الملونة ، وضغطته حتى تكسر بين يديها ، ثم ما لبثت أن صاحت به : _ لم لا تنهض وتريني قدراتك ؟؟ لم تكد تكمل تهديدها حتى سمعت صوت ضحكة خفيفة ألفتها منذ زمن ، استدارت وقالت بدهشة : _ميديا !! هزت ميدي رأسها وأجابت : _ لا تستغربي الأمر ، لن أبكي طوال النهار ، تعلمين كيف سيصبح شكلي . قالتها بغير رضا ، فردت دايزي : _ نعم ، سيكون لديك عينيان منتفختان حمراوان ، ووجه باهت اللون ، و........... وضعت ميديا يدها على ثغر دايزي ، ومهمست بهدوء : _لقد فهمت . أبعدت دايزي يدها وسألت باستغراب : _ لم أنت هنا ؟؟ فركت ميديا يديها بخفة وقالت : _قيل لي أنك وأندريس متفقان ، فجئت أرى كيف سويتما الأمر ؟؟ نظرت إلى أندريس وتابعت مبتسمة : _ أرى أن أندريس قد وجد الحل فعلا .... ردت دايزي بحنق : _تظنين ؟؟؟ كان أندريس قد نصب له مظلة تقيه الحر ، ووضع تحتها كرسيا مريحا ، إلى جانبه طاوله مليئة بالمشروبات ، وقد غطى عينيه بالنظارات ، واستلقى إلى مقعده ، متخذا من توجيه الأوامر لدايزي مهمة له . تطلعت ميديا بهدوء لأندريس ، وسألته : _ لم لا تجلس مع ابن خالك ؟؟ رفع كأس العصير بعد أن رشف منه رشفة صغيرة ، ثم أشار به نحو دايزي الغاضبة ، وقال يستفزها : _ لأن الآنسة التي أمامك لم تسمح لي .... إنها أحيانا تشعرني بأنني طفل صغير من الأحداث . تنهدت ميديا بهدوء ، لقد كانت واثقة من أنهما لم يتفقا ، ولم تخرج لتتأكد من الأمر وإنما أملا بالالتقاء بينيكول ، الذي اختفى البارحة ولم يظهر بعدها . تمنت بهدوء أن تراه وتحدق في عينيه ، تستشعر أحاسيسه الحقيقية ، أيكرهها ؟؟ ولكن لم ؟؟ استدارت وخطت خطوتين إلى الأمام ، ثم توقفت ............. تحدق بالعينين اللتين أسرتاها ، وأوقعتاها في شباك الحب ، رفعت بصرها بهدوء ، تفحصت ملامح وجهه . بدت لها باردة لا تدل على شيء معين ، حدق فيها ببرود قاتل ، أرسل قشعريرة برد في جسدها ........... ثم اجتاز المسافة بينه وبينها ومر بها ، دون أن يعلق بشيء أو يتفوه بحرف واحد ......... وتركها خلفه ، دمعتها تهدد بالانحدار ، وشفتاها ترتجفان ، وعقلها يسأل بصمت : _لماذا ؟؟؟ | | | | |
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
|