ذكريات
ـ أنا القرصان وأنتِ صاحب السفينة ، سنخوض مغامرة للبحث عن كنزٍ مدفون في جزيرةٍ طائفة في هذه البحار الواسعة !
أمسكت ليَّا سميث سيفها البلاستيكي العريض ، قد سرقت وشاح والدتها الأسود لتلفَّه حول المقبض وينسدل بحرية في الهواء ، وقفت على دلوٍ حديدي وصديقتها أنيت جالسة داخل عُلبة من الورق المقوُّى ، أقلام الشمع الملونة رسمت نوافذ وحبال لتعطي منظر سفينة بحَّار، أنيت كانت تنظر لـ ليَّا بكل إعجاب ممسكةً مكنسة المنزل بيدها اليسرى ؛ حيث ربطت قميصها الأبيض الداخلي عليه ليُرفرف عاليًا في السماء
ـ إلى أين وجهتنا ؟
ـ إلى الجنوب !
صرَّحت أنيت بلكنة قراصنة مصطنعة ، لتشير ليَّا إتجاه الشمال وتخبرها بالوجّهة المحددة ، أنيت لم تكن أكثر علمًا بالإتجاهات لذا وقفت على أقدامها ومدت ذراعها مع ليَّا
ـ إلى الجنوووب إذًا !
صرخت بصوتٍ عالٍ ومن ثم بدأ كلاهما بالغناء ، ترانيم أهل البحارة التي سمعوها من مسلسل البارحة قد ملأ الحديقة الأمامية لمنزل أنيت ، وكل هذا توقف عندما كساهم ضل ...
ـ لاااا إلى الإستحمااام !
عبَّرت الآنسة كالدير بوجهٍ مرح ولكنةٍ مصطنعة كذلك ، تشير لباب منزلها الصغير ، شهقت ليّا بخوف ومن ثم حوَّلت نظرها نحو أنيت التي عقدت حاجباها بإستغراب
ـ ياااال الهول إنه الكروكاااان ، علينا محاربته وإلَّا سيحاول إغراقنا !
ضحكت الآنسة كالدير على كالمات ليَّا من ثم داعبت خصلات شعرها الشقراء بلطف ، ومن بعدها توجهت لحمل أنيت ذات الخمس سنين من علبة الورق المقوى
ـ إنَّه الكراكن يا عزيزتي ، وعليك العودة للمنزل الآن ... لقد شارف اليوم على المغيب !
ـ ولكن يا آنسة والدة أنيت منزلي في الجهة الأخرى منكم ألا أستطيع البقاء أكثر ؟
ـ هههـ سيكون جميل إن بتي عندنا ولكن غدًا عليكم الذهاب لـ الروضة لذا هيَّا عليك الإستعداد لها !
أنزلت ليَّا رأسها بحزن وقفزت من الدلو الحديدي تلوُّح لـ أنيت وداعًا والسيف يَجرُّ معهاعلى الأرض ، ولكن قبل الذهاب تمامًا نظرت ليا لـ أنيت مطولًا وإبتسمت ببرائة لتظهر سنَّها الأمامي الساقط
ـ للمعلومااات لقد دفنت الكِنز أسفل شجرة التفاح !
ـ ولكن الشجرة في منزلكم !
صرخت أنيت لها كـ إيجابة ، والآنسة كالدير توقفت تعطي هاتين الطفلتين بعد الوقت
ـ إذًا ؟
ـ لقد سرنا في الطريق الخاطئ ، كان علينا الذهاب لـ الجنوب !
أشارت أنيت بإتجاه منزل ليَّا حيث كان غرب منزلها مما جعل الآنسة كالدير تضحك من جديد، من بعدها أكملت مسيرها نحو منزلهم
ـ تصبحين على خييير ليَّا
ـ وأنت كذلك آنسة والدة أنيت !
...
ـ أنيت ... عزيزتي أنيت ؟
استفاقت أنيت من حلمها القصير لتنظر لعينا الآنسة سميث ، كانت منفخَّة والحزن يعتريها ، أنيت ابتسمت بلطف واستقامة في جلستها ، لقد غطت في نومٍ عميق فوق سرير ليَّا في المشفى، نظرت الآنسة سميث وأنيت نحو جسد ليَّا النائم كانت ساكنة وتتنفس بشكلٍ طبيعي ، ابتسمت أنيت لنفسها من ثم وقفت على أقدامها تشعر بتعب جسدها وصداع حاد قد جعلها تترنح قليلًا
ـ هل أنت بخير؟
ـ نعم ، لا بأس سأذهب لأشرب شيء ... هل أجلب لكِ؟
كانت الإبتسامة على وجه أنيت ما خفف همَّ الآنسة سميث ، مع أن ليَّا قد منعت دخول أنيت لغرفتها إلَّا أن أنيت رفضت تلك الحركة منها لذا إتفقت مع الآنسة سميث على زيارتها في أوقات نومها .
ـ كوب قهوة
ـ حسنًا ...
التفتت أنيت وبدأت بالسير نحو باب الغرفة ، أمسكت المقبض وفتحت الباب بسلاسة وقبل أخذها أي خطوة أخرى سمعت جهاز القلب يُصفِّرُ بصوتِ عالٍ ، التفَّت بفزع نحو صديقتها لترى نبضات قلبها تشير لـ الصفر ، الآنسة سميث ركضت نحو ابنتها تصرخ بتوسل ؛ لعدم رحيلها ، أنيت لم تعٍ على شيءِ في تلك اللحظة ، الممرضات فالأطباء قد انهالوا داخل الغرفة يطلبون إخلائها ومن ثم أجهزة صدمات وعد تنازلي ...
رُفِع اللِحاف الأبيض ليغطي وجه إنسانٍ قد عاشرها لسنين طويلة ، جسدها الهزيل رفضل تلك الفكرة ، كـكريات الدم البيضاء حاولت القضاء على هذه اللحظة من دخول ذكرياتها ولكنها فشلَت لضعفها الجسدي ، ومن بعدها سقطت سهوًا على الأرض مستسلمةً للقدر !
.
.
.
ارتجَّ جسد أنيت ليوقظها من أحلامها الكئيبة ، عبق القهوة الجاهزة غلَّفها كاملًا و أصوات البشر من حولِها أخذ يزن مسببًا ألم حاد في رأسها ، شعرت بجسدها قد تخدر ، ركزَّت عيناها على الأرض الرخامية البيضاء حيث عكست حذائها الأسود .
ـ هل أنتِ بخير؟
صوته الجهير قد أراحها ، التفَّت لليمين لترى تلك العينان الزمردية تنظر لها بـ قلق ، ارتدى قبعةً صيفية بالمقلوب ، وحاجباه المتناسقان اقتربوا من بعض ، أنيت هزَّت رأسها على استفساره ومن ثم أرجعت ظهرها للمقعد المصنوع من الألمنيوم
ـ نعم
ـ حقًا؟ لأنك قفزتي من الخوف عندما استفقتي !
ـ مجرد ذكريات
تفَّهم ديفون بأن الذكريات تخص الراحلة ليَّا لذا التزم الصمت وابتسامة ودودة ، كلاهما جلسا في مطار هيثرو ينتظران طائرتهم نحو إيطاليا ، أخذ كلاهما قطارًا من أجل الوصول لـ لندن ومن ثم حجزا تذكرة.
ـ هل أخبرتِ والدتك؟
ـ لا !
إجاباتها كانت مختصرة في كل مرةٍ حاول ديفون بدأ حوارٍ معها ، أراد التقرب منها قليلًا من أجل مساعدتها ولكنَّها في فقاعةٍ منعزلة عن العالم ولا تريد الخروج منها في أي وقتٍ قريب
ـ أعني ... ستغضب وترفض الفكرة ، لذا سأخبرها بعض الهبوط !
ـ هذا جيد .. أظن ؟
مرر يده على بنطال الجينز خاصته يشعر بالتوتر قليلًا ، بطريقةٍ ما بدت أنيت مختلفة عن أول يومٍ قابلها ، بل مختلفة عمَّا وصفتها ليا ، كلاهما بقي صامت لدقيقة حتى قررت أنيت كسره بسؤالٍ بسيط
ـ وأنت ؟ هل أخبرت والدتك ؟
ـ لا !
صرَّح بالطريقة ذاتها التي اتخذتها أنيت ، هي نظرت له بطرف عينها العسلية تنتظر منه تبرير.
ـ ستحاول منعي ، فهذه أول عطلةٍ أقضيها في المنزل منذ رحيلي لجامعة
ـ فقط دعنا ننجز هذا الأمر بسرعة ، لنعود للوضع الطبيعي !
أيدها ديفون في الكلام ، شعرت أنيت بثقل طلب ليَّا منذ سماعه من شفتي ديفون ، فـ أنيت ليست بالشخص المغامر أو المندفع ، كانت بسيطة تحب الجلوس لوحدها في المنزل ، وديفون مثلها تمامًا ... وهذا سببًا بسيط لجمعهم معًا في مغامرة مجهولة .