عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 05-14-2017, 03:24 PM
 
.














.



واصلي روعتكِ



3

استوطنت المطبخ منذ طلائع الصباح أحاول صنع فطور فاخر كشكر بسيط للؤي، بالأمس فقط وعدني أنه سيصتحبي إلى الميتم، وكأن شيئًا لم يكن ابتسمت معانقة إياه ووعدته بالمثل أنني سأصنع له أفضل فطور على الإطلاق وفي نهاية المطاف انتهي بي الأمر بصنع عجة بيض وقد استهلكتُ أواني المطبخ جماعًا في ذلك!
استندت بيأس على رخام المطبخ : إنها لا تصلح للأكل حتى!

رفعت رأسي عندما استشعرت حركة خلفي فإذا بي أرى سراج جالس إلى طاولة الطعام يطالع جريدته الصباحية بسكون، رفع بصره نحوي لتلتقي أعيننا لثوان وعاود إخفاضه مستأنفًا قراءته، شعرت برهبة من تواجده وأشغلت نفسي بجلي الصحون مدعية عدم الإكتراث.

- كوب ماء رجاءًا.
استعجبت نبرته الهادئة على غير العادة، وكلماته اللبقة؛أيحاول التكفير عن ذنبه؟، لم استطع إخفاء ابتسامتي الساخرة وتناولت الإبريق متقدمةً نحو الطاولة لأسكب بعضًا من الماء في كوبه أناظره بطرف عيني من حين لآخر.

- بشأن الأمس..
- لا أعلم عمَّ تتحدث.
سارعت بالقول منهية الحديث واستدرت عنه عازمةً على إيقاظ لؤي.
- ياسمين.. كان لدي ابنة بنفس الأسم.
وثب قلبي فجأة وتسمرت في مكاني ومزيج من الصدمة والدهشة تعتريني، لقد ظننت لأول وهلة أنه نطق أسمي أخيرًا لكنه لم يكن أنا!، ألجم لساني بعبارته فلا أكاد أجد ما يقال؛ تنهد بأنين وتطرق إلى مسامعي صوت خشخشة الجريدة تلاها صوت خطواته المبتعدة، استدرت ببطء لكنه كان قد رحل بالفعل.

**

لا أدري كم من الوقت مضى وأنا أحدق في أثره حتى دلف لؤي إلى المطبخ متثائبًا يلقي تحية الصباح.

- أصنعتي وليمة؟!
لفظ ضاحكًا موزعًا نظراته في أرجاء المطبخ.
- لا تتوقع الكثير.
قلت بعد أن عدت لوعيي أخيرًا ووضعت طبق العجة شبه المحترق على الطاولة : لست مرغمًا على تناوله!
فقط كي أخلي مسؤليتي نبهته؛ سارع بالتقاط ملعقة ودسها بفمه مصدرًا صوتًا يدل على استمتاعه بلوك الطعام في فمه.
اتسعت ابتسامته بعد أن فرغ : إنه لذيذ عليك تناوله.
فترت شفتاي عن نصف ابتسامة : مستحيل!
- ستندمين.
متذمرًا أجاب واسترسل بتناول طعامه بشراهة، صدقًا إنه يبالغ!
وقع طرفي على كوب المياة الذي ملأته للتو لسراج كان لايزال كما هو لم يمسسه أحد.

- أمتزوج سراج؟
سعل باختناق مفاجئ أدمع عيناه فهرعت له بكوب الماء وما إن أمسكه حتى سكبه في جوفه دفعة واحدة وأعاده إلى الطاولة بشدة تزامنت مع شهيقه المتتابع : من الذي أخبرك ذلك؟
بالكاد أطلق كلماته وسط أنفاسه المتقطعة.
- قال أن لديه ابنة.
رفع حاجبيه دهشة : سراج قال ذلك!!
حركت رأسي موافقة فلانت ملامحه وأردف شجنًا : كان أسمها ياسمين لم تكمل عامها الأول وماتت وانفصل سراج بعد ذلك عن زوجته.. لقد مرت أكثر من عشرة أعوام منذ ذلك الحين.. وها هو في السابعة والثلاثين من عمره ويرفض الإرتباط مجددًا.. على كل حال لا تحاولي تذكيره بذلـكـ..
صك على أسنانه باترًا عبارته وكأنه تدارك شيئًا للتو : لم..
تبسمت بادعاء مجيبة : لا بأس.
أجل فأسمي وحده يكفي ليزيد آلامه.

**

- ياسمين أنظري إلى هذا لقد أحضروا ما طلبت.
انتشر صوت لؤي يهز أرجاء المنزل داعيًا لي فتركت ما بيدي من أوراق كنت أرسم عليها وقدمت مسرعة إليه أتسائل عن مطلبه.

استرعى انتباهي منظر الصناديق الكرتونية متوسطة الحجم المتراصة فوق بعضها في صدر الصالة حوالي عشر صناديق أو يزيد ولؤي يقف أمامها باسطًا ذراعيه باستعراض : ما رأيك؟ لا يمككنا الذهاب بأيدي خاوية.
فغرت فاهي دهشة : ولكن هذا كثير.
تربع على الأرض مسندًا وجنته إلى مرفقه واعتلت بسمة هادئة عرش وجهه : إنها مجرد هدية بسيطة للمكان الذي اعتنى بشقيقتي الصغرى وأعادها إلينا سالمة، ألا تظنين أنه يستحق؟
ابتسمت بدفء : هو كذلك.
لأن لديك هذا القلب أنا لن أكون قلقة أبدًا بجوارك.
- بدلي ملابس بسرعة إذًا، ماذا تنتظرين؟

**

استقلينا سيارة لؤي وانطلقنا إلى الميتم، وفي أعقابنا سيارة النقل بما تحمله من صناديق، اسندت رأسي على زجاج النافذه أتابع الخضار الفسيح الممتد على جانب الطريق عندما تخطينا حدود المدينة وقد بدأ النعاس يثقل جفناي شيئًا فشيئًا.
- هل اشتقت إلى الريف؟
- إنه منزلي في النهاية.
- ألم تحبي أجواء المدينة؟
- لقد كنا نزورها كل عام، في الحقيقة لدي ذكريات جيدة هناك.
- هذا جيد.
همسه الخفيف كان هذا آخر ما سمعته قبل أن أسقط نائمة.

**

ترجلنا فلفح وجهي نسيم الريف البارد مبعثرًا شعري الذي فضلت تركه ينساب حرًا على كتفاي وداعبت أنفي رائحة الياسمين الشذية اتنشقها بنشوة حد الثمالة، لا يزال الميتم يقف شامخًا رغم قسوة السنين بقرميده الأحمر متآكلٌ أطرافه، تحيطه شجيرات من الياسمين موزعة بعشوائية في فنائة العشبي المخضر.
أسندت مرفقيَّ على سوره الخشبي المنخفض فأصدر أنينًا يشكو عمره الطويل، أبصرت ظهر العم رؤوف البستاني فلوحت له بسعادة مناديةً بإسمه ليلتفت إليَّ ولسانه حاله يقول أنه قطعًا لم يتوقع رؤيتي.

تقدم نحونًا مهرولًا وسأل بعد التحية إن كنت قد نسيت شيئًا ربما فأجبته ببساطة : إنها زيارة.
نقل بصره بيني وبين لؤي ثم استقر أخيرًا على سيارة النقل الصغيرة المصطفة خلف سيارتنا.
- أهناك خطب ما؟!
- إنه تعبير عن أمتنانا.
تقدمني لؤي مجيبًا ليهدء من روع العم الذي بدأ القلق يتسرب إلى نفسه.
أصدر همهمات تنم عن راحة جمة وحل سلسلة الباب الحديدية سامحًا لنا بالدخول.
حيانا وانصرف إلى أعماله، فدلفت أتباطأ في سيري ناظرةً حولي بتمعن أصور أبعاد المكان في عقلي خشية نسيانه.
- لؤي أنظر لتلك الشجرة هناك!
هتفت به وركضت نحوها أتلمس جزعها العتيق بأناملي، ترك ما بيده من صناديق واعتذر من العاملين ليستجيب لي.

- شجرة ياسمين! إنها أكبر من الأخريات!
أومأت والحنين يغمرني : عندما كنت في المهد تركتني أمي تحت ظلالها، لهذا أطلقوا عليَّ هذا الأسم.
- ليلى!!
علت نبرة صوته فجأة، وبرقت عيناه مردفًا : كيف يعقل هذا؟! ألم تعيشا معًا حتى مماتها.
- لقد كانت تعيش هنا منذ تسعة أعوام لكنني لم أعلم أنها أمي إلا عندما كانت تحتضر.. أحيانًا أتسائل ما الذي كانت تفعله كل هذا الوقت قبل أن تأتي.
بابتسامة قلت أخفي شعوري بالألم فربت على كتفي مواسيًا : هذا محزن صحيح؟ أأبكاكِ كثيرًا؟
- ربما، قد أبكي على شيء أخشى فقدانه لكنني لن أبكي علي شيء فقدته بالفعل.
لا أدري لمَ تذكرت تلك الكلمات الآن لكنها جعلتني أضحك مرغمة، عقب مشدوهًا : لديك فلسفة غريبة!
قهقهت وقد بدأ حزني يتلاشى تدريجيًا : إنها أقوال رينا المأثورة.

**

استقبلتنا السيدة أماني ومساعداتها بحفاوة وقادتنا إلى قاعة الموسيقى حيث يحتل اللون البني بدرجاته السيادة العظمى في المكان، بدءًا بالجدران السكرية التي تساقط بعض الطلاء عنها وانتهاءًا بالمقاعد المصنوعة من خشب الماهوجني، وحدها الستائر البيضاء المتهادية بفعل النسيم الخفيف من أضفت رونقًا خاصًا للقاعة الشاسعة.
تحلق الفتيات حولي يمطرونني بالأسئلة، وتعلقت بعض الأعين بثوبي الذي يشي بكوني من عائلة ثرية رغم أني أخترت أبسط ما وجدت!
- إنه الشاب من المرة السابقة أهو والدك؟
- إنه أخـ...
- لقد رأيت في بنصره خاتمًا كيف تبدو زوجته؟
- ليسـ...
- هل عائلتك تعاملك بلطف؟
- ماذا عن والدتك؟
- ألديكِ غرفة واسعة؟
أطبقت شفتاي ريثما ينتهين، لا يبدو أنهم يريدون الإجابات فعليًا، هم حتى لم يتركوا لي المجال للرد!

عزفت خلود على البيانو مقطوعتي المفضلة وتلاها عزف شمس على الكمان، كان وقتًا ممتعًا قضيته في تلك القاعة قبل أن تصطحبنا السيدة أماني إلى غرفة الطعام.
- من هنا سيد لؤي.
- من يستحق الإحترام هو أنتِ يا سيدتي على الجهد الذي تبذلينه للفتيات نادني لؤي فقط فلا أزال في الخامسة والعشرين من العمر بعد كل شيء.
أعترض لؤي بدماثة باسمًا وأكملنا طريقنا في صمت.

**


آن لنا العودة عندما أظلمت السماء، ودعتهم جميعًا متمنية لهم السعادة وقدمت لي السيدة أماني صندوقًا صغيرًا نحاسي اللون فشكرتها بامتنان لكنها قالت محرجة : لقد كان لوالدتك ونسيت إعطائك إياه.
- آه لا عليك.
قلبته بين يدي فوجدت أن عليه قفلًا قد زحف الصدى على معظم أجزاءه.
- لقد وجدته في حاجياتها لكنني لم أعثر على المفتاح في أي مكان.
ضممته إلى صدري باسمة : شكرًا لكِ.

لوحت لهم مرة أخيرة من خلف الزجاج وانطلق لؤي بسيارته.
تنفست الصعداء وزفرت براحة : لقد كان ذلك ممتعًا شكرًا لك.
- على الرحب.
وقع بصره على الصندوق النحاسي فاستفسر : ما هذا؟
- لقد كان لأمي.
- ترى ما الذي قد يحتويه صندوق كهذا؟
- من يدري.
هتف فجأة : صحيح كدت أنسى، لقد أتصل رائد أثناء نومك وقال أن أوصل لكِ اعتذاراته كان يود أن يبقى معك أكثر وسألني إن كنت تودين المبيت عنده في العطلة القادمة.
حمستني فكرة أنه بإمكاني قضاء وقت أكثر مع أمل : سيسرني هذا! أسيمانع سراج في ذلك؟
- بالحديث عنه أعتقد أن علي الإعتذار له عند عودتنا، لقد بدا مختلفًا هذا الصباح وعندما حدثته عن الأمس لم يعطني إجابة مقنعة قد يكون ذلك بسبب تأثير الدواء وهو لم يتعمد إخافتك فعلًا.
انقبض قلبي جزعًا : أهو مريض؟!
- ليس تمامًا.. بعض الإرهاق في العمل أعتقد لا تشغلي بالك، حسنًا؟
همست : حسنًا.


xXx



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالكم جميعًا ؟ إن شاء الله بخير
هذا فصل الكرم أشعر أنه قصير فاعذروني على ذلك
أبهجتني آرائكم بحق
إذًا ما توقعاتكم للقادم ؟






.





.
__________________

غدًا ستشرق الشمس!

× شرطة خارجة عن القانون ×

سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

سَلة التفاح ♪|| بلون السماء..!
رد مع اقتباس