*** الفصل الثاني ***
قد تظن أحياناً أنك تملك أجنحة و ستحلق بها بعيداً لتلقط أحلامك المتناثرة ... لكن ما ان ترتفع قليلاً حتى تبدأ
أجنحتك بالتكسر ، و تدرك أنها لم تكن سوى أجنحة زجاجية لا تحتمل برودة هذا العالم و قسوته !
جلس وحيداً في المقهى ينظر نحو الأرض و قد انسدل شعره الأزرق الداكن ليغطي عينيه ، دون أن يطلب شيئاً
ليشربه حتى ... هو يتردد الى هذا المكان منذ عدة أيام ... منذ خيبة الأمل الكبيرة التي أصابته ... يجلس وحيداً
كل يوم لا يفكر سوى بسرعة انقلاب حياته هكذا ... كان كل شيء مثالياً ، شركة صغيرة ورثها عن والده ، و فتاة
ذكية و رائعة أحبها بصدق و أهداها خاتماً ماسياً كدليل على رغبته بقضاء بقية حياته معها ... لكن كيف انتهى
الأمر ؟!
انتهى بخسارته للشركة التي عمل والده في حياته لأجلها بجد كبير و السبب هو أكثر شخص مقرب منه و أكثر من
وثق به في العالم كله ... حبيبته بالطبع !
لطالما شاركها أسرار الشركة و كل شيء ... و لذكائها منحها ترقيات كثيرة و مناصب عالية ... و هي استغلت
الأمر بالفعل و قامت بتحويل كل الأملاك و أسهم الشركة اليها ! ... و انتهى الأمر به مرمياً خارج أملاكه ... و مع
ذلك هو لم يكن مهتماً للمال بل انصب المه حول استغلالها لحبه ! ...
لم يكن ذو شخصية قوية تسمح له بالتحمل و النهوض مجدداً ... اكتفى بشيء واحد ... تلك الخدوش الواضحة
على معصمه الأيسر ... حاول الانتحار مرات عديدة لكنه كان يفشل في كل مرة ... و الآن هو عالق تماماً ... بين
حياة لا يريدها و موت يرفض أخذه .
أما خلفه جلس نايت و جيمي ...
( اذاً ً، كيف قهوتك اليوم ، أهي مرة أم حلوة ؟! فهذا سيحدد كيف تسير الأمور لبقية اليوم ) تساءل جيمي و هو
يبتسم لصديقه ...
هناك من يحب القهوة الحلوة ... و هناك من يحبها مرة ... لكنه يعلم أن صديقه ليس ذو ذوق أو مزاج ثابت ...
فهو يشربها حسب حالته المزاجية ... ان كان قد بدأ يومه بشكل جيد سيضع لها السكر ، و ان شعر أن اليوم منذ
بدايته سيكون سيء فهي مرة كيومه .
رفع نايت كتفيه بلامبالاة ( مرة ! هي هكذا منذ عدة أيام فكل شيء ممل )
قاطعهما صوت رنين هاتف نايت فرفعه دون أن يتكلم ... سمع بضع كلمات ( قم بتوصيل الطلبية الآن ، احرص
على ايصالها للمنزل ) ... أغلق الخط و ابتسم بينما كان يضيف قطع السكر الى كوبه ...
نظر نحوه جيمي باستغراب و فضول ليتساءل ( اتصال يغير مزاجك هكذا ؟! من يكون ؟ )
( روبرت ، اتصل بشأن العمل ، و هو عمل مختلف تماماً عن كل مرة )
تساءل جيمي مجدداً ( و ما هو العمل الذي قد يجعلك سعيداً هكذا ؟ )
أتاه الرد الصاعق من نايت المبتسم ببراءة شديدة ... قالها ببساطة و كأنها أكثر مهنة منتشرة و منطقية في
العالم ...
( مهمة قتل )
و هو حقاً لا يعلم إن كان مستعداً لفعلها أم لا ! فقط تلاقها موافقاً بصمت مريب .
اتسعت عينا جيمي الزرقاء بصدمة و تكلم بسرعة دون تفكير ( روبرت هذا هل جن حقاً !!! و أنت كيف ستفعلها ؟! )
( تعلم أن روبرت مضطر للقبول بمهمات كهذه بين فترة و أخرى فهي حقاً ذات أجر مرتفع ، و مهما قمنا بأعمال
عادية لن نستطيع تغطية احتاجيات الميتم ) قالها نايت و هو يعلم أنها سبب مقنع جداً بالنسبة لجيمي فهو كان
يحزن حقاً و يعتزل حين يرى نفسه غير قادر على توفير شيء ما للأطفال في الميتم الصغير الذي يديره روبرت و
يساعده البقية ، هم حتى قرروا أن يسكنوا في منزل واحد لتوفير المال .
صمت نايت قليلاً ثم أبعد ناظريه عن قهوته ناظراً نحو الشاب ذو الشعر الأزرق المقارب لعمرهما و الجالس أمامها
،و هو يبدو شارداً تماماً ( هل تعلم لماذا صرت آتي الى هنا مؤخراً يا جيمي ؟! ... المكان جيد بالفعل و لكن
السبب الرئيسي لأنه يأتي الى هنا دائماً ، كنت أراقبه نوعاً ما منذ فترة ... خطيبته سلبته أملاكه ثم خططت
للتخلص منه ، و الآن أعطاني روبرت الأمر باللحاق به و الاجهاز عليه في منزله ) ... قالها ثم أتبعها بنهوضه
ليلحق بصاحب الشعر الأزرق الذي غادر المكان ...
تنهد جيمي بعمق و لاح الحزن في عينيه هامساً لنفسه ( نعم هذا هو الحل ، و لطالما كان كذلك ... لكنك لم تكن
لتوافق عليه ، أليس كذلك سام ؟! ) ...
*****************************
توجه الفتى لمنزله ... كان قد اتخذ قراره حقاً ... حياته لم تعد تستحق شيئاً ... و ربما لن يفتقده أحد أو يفكر به
... دخل لغرفته متأملاً السكين اللامع في يده ، ثم حول ناظريه نحو الأوردة الظاهرة في معصمه ... سيحاول انهاء
الأمر حقاً هذه المرة و لن يكتفي بخدوش جبانة ، سمع صوت خطوات قريبة من غرفته ...
( مهلاً لا تفعل ! )
جاءه صوت نايت من الخلف ... لكنه لم يلتفت اليه مع انه كان مستغرباً حقاً أن هناك من يمنعه !
اقترب منه نايت ليتحدث بسخرية ( سكينك ليس حاداً ، و لهذا ستفشل كالعادة ... هذا واضح من الندوب على
معصمك ، خذ هذه ستنهي الأمر بسرعة ! ) قالها و هو يرمي له سكيناً صغيراً مطوياً شديد الحدة كان في جيبه ,
لا يعلم لمَ تصرف هكذا , لكنه بكل حال لم يتوقع انتحار مَن أمامه حقاً , أراد كبحه بالفعل ... و لسوء الحظ هو
ليس ذلك النوع من الأشخاص الذي يقنع غيره بمجرد طرق عادية .
و أخيراً التفت الفتى نحو نايت ، التفت ليصعق الآخر حقاً مما رآه ! ... هو لم ينتبه لملامحه أبداً من قبل !
كان يحدق بعينين رماديتين ذابلتين بحزن و ضعف شديد ، بينما اعتلت ملامح الدهشة نايت بدلاً عن السخرية ...
ذلك شعره الأزرق الداكن ، العيناه الرماديتان ، هالة الهدوء التي تحيط به و ملامحه بأكملها كانت لتكون نسخة عن
صديقه سام !
توسع على الأرض ظل ذلك الفتى و أخذ لونه يتغير نحو الأحمر القاني ثم بدا و كأنه يخرج من الأرض ليحيط به
... عندها تسارعت نبضات قلبه و صرخ بألم شديد فذلك الظل استغل يأسه و رغبته بالموت مستنزفاً حياته ...
اقترب منه نايت بسرعة ليضمه اليه بقوة فهو لا يحتمل أن يتكرر المشهد أمام عينيه مجدداً ً، تحدث بقلق ( اهدأ
أرجوك ! تنفس بعمق و على مهلك ، لا تفقد السيطرة ! ) و هذا كان له تأثيره بالفعل فهو قد هدأ حقاً ثم انهار
فاقداً الوعي بين ذراعي نايت الذي لم يفلته ، هو فقط وجه ناظريه نحو الأعلى متسائلاً كيف انتهى به الأمر ينقذ
ضحيته ! ...
وضعه برفق على أريكة قريبة و قام بتغطيته محدقاً في ملامحه ، بطريقة ما يشعر أنه قد استعاد جزءاً صغيراً مما
فقده سابقاً ... لم يفارق الفتى بل بقي ينتظر استيقاظه ...
بعد ساعة و نصف فتح عيناه الرماديتان بهدوء ليطالع أمامه نايت ، لأول مرة منذ فترة يستشعر قلق أحدهم حقاً
عليه و لهذا السبب استطاع السيطرة على ظله ... اعتدل في جلسته بتعب و قالها بصوت منخفض ( شكراً لك ! )
ابتسم له نايت بلطف ... تلك الابتسامة التي لم يرها أحد منه منذ فترة طويلة ... لكنه محاها فوراً و هو يشيح
بوجهه ( من المفترض أني هنا لقتلك بناء على طلب فتاة ما ... لكن لا رغبة لي بفعل ذلك ... وداعاً ! ) نهض
من مكانه مغادراً ...
( مهلاً ! اسمك لم أعرفه )
( نايت )
( و أنا رايان ... هل سأراك مجدداً نايت ؟! ) كان يتحدث بصوت منخفض خجول ... فهو لطالما كان هادئاً ،
لطيفاً و خجولاً بطبعه ... و لهذا انتهى الأمر به مخدوعاً
( سآتي لأطمأن عليك دائماً ، لذا حافظ على حياتك لنلتقي مجدداً ... أراك لاحقاً سام ! )
لم يدرك وقتها أنه أخطأ بالاسم الذي نطقه ... فقد تبعثرت مشاعره و أفكاره بشدة ! ...
رفع سماعة هاتفه ليقول كلمتين ( تمت المهمة ) ثم يغلق ... بينما جلس كين على سطح أحد المباني القريبة و
قد رأى ما يكفي ليعرف أن المهمة لم تكتمل حقاً ! ، بعثر شعره الأحمر الداكن بقلق مغطياً عينيه الزرقاء الداكنة
... لم يكن يعلم سبب قلقه الحقيقي الذي لم يعترف به أبداً ... و هو خوفه من وقوع نايت في مشاكل لأنه لم يقم
بمهمته ، لكن في النهاية يجب أن يعلم روبرت بذلك .
توجه نايت الى الميتم الصغير و مشى في ذلك الرواق الذي يقع في نهايته مكتب روبرت ... دخل دون أن يطرق
الباب ... ليرى روبرت و الفتى ذو الشعر البني ايان جالسين على الأرض أمام شاشة يلعبان و بيد كل منهما جهاز
تحكم ...
تفاجأ روبرت من دخول نايت المفاجأ فنهض بسرعة لعله يتمكن من جمع هيبته التي تحطمت و تناثرت خلال لحظات
! فهو كان حريصاً دائماً على فرض صورته الجادة و القوية أمام الجميع ... و لم يكن يحظى بلطفه سوى ايان
المدلل لأنه أصغر مساعديه ...
أبعد شعره الأسود المبعثر عن عينيه الذهبيتين و نظر بحدة نحو نايت ( اطرق الباب مجدداً ! )
( سأفكر في الأمر يوماً ما ! ) قالها مع ابتسامة ساخرة
التفت روبرت نحو ايان يتحدث بنبرة لطيفة ( اذهب الآن ، أنا و نايت لدينا ما نتحدث بشأنه )
خرج ايان ، فتساءل نايت بسرعة ( و ما الذي لدينا لنتحدث بشأنه ! أخبرتك أني أتممت المهمة لذا كان عليك
ابلاغ صاحبة الطلب و حسب ! لكنك عاودت الاتصال لتصر على مجيئي )
رفع احدى حاجبيه و هو ينظر نحو نايت الذي شعر بحدة هاتين العينين الذهبيتين و هما تكادان تخترقان عقله و
أفكاره ( حقاً هل تظن أن خداعي سهل ؟! تذكر دائماً أني أعرف كل شيء ً ، طلبت من كين أن يتأكد من انجازك
للأمر و كان جوابه هو لا ! ) ، مد ذراعه و اختفى ظله عن الأرض فأطبق يده على منجله الأسود و الذي يبدو
أطول منه ... بينما احتدت نظرات نايت هو الآخر و أطبق يده على سيف أسود بلون عينيه ...
تحرك الاثنان بسرعة و بحركة واحدة انتهى الأمر بمنجل روبرت على رقبة نايت ... بينما سيف الآخر كاد يخترق
قلبه بقوة ! ... استمر تهديدهما لبعضهما عدة ثوانٍ ثم أبعد كل منهما سلاحه عن الآخر و هو يتنفس بعمق رامياً
غضبه جانباً ... كلاهما ما كان ليسمح برؤية قطرة دم واحدة من صديقه ! ...
استعاد كل منهما عقله يجلسان على الأرض باتجاهين معاكسين و قد استند كل منهما على ظهر الآخر ...
( لا أستطيع فعلها ، هو حقاً يشبه سام كثيراً ... ملامحه و حتى طريقة كلامه ! ... حين رأيت ظله يحاول قتله لم
أحتمل لذا أوقفته )
( ان لم نفعلها لن نستطيع تغطية مصاريف الميتم ... سأفعل أي شيء لأجل الأطفال ... لذا لا أستطيع أن أقول
بأني سأتركه و شأنه )
اشتعلت نيران الغضب بداخل نايت لكنه أسدل عليها ستاراً من البرود فلم يظهر من نيرانه سوى خيط دخان رفيع
... نهض يتحدث باستياء ( و أنا لا أستطيع القول بأني لن أوقفك ! ان حاولت ايذاءه ستجدني أمامك دائماً ! )
صمت ثم همس لنفسه ( لا أستطيع رؤية سام يموت أمامي مجدداً ! ) استدار ثم غادر بينما بدا البرود و عدم
الاهتمام على وجه روبرت ...
التعديل الأخير تم بواسطة Rin067 ; 05-31-2017 الساعة 02:00 PM
سبب آخر: التنسيق
|