بنبرة فضولية مبطنة سألها لينتشلها من عالم السرحان الذي كانت تعيشه: اين ستبقين؟!
بصوت هاديء اشبه بصوت الاحتضار و بعيون استكان فيهما طابع حب الخلوة رمقت البحر الهائج فيما كانت جالسة فوق المنحدر: بالطبع لن أجد غير اللحد مترعا لي و سأبيت فيه حتى لا يتذاكرني انسان، فأكون في غياهب النسيان، دون ان يدروا اني تحت التراب في سبات
اعترض على كلماتها الساكنة بنبرته المرتفعة و نظراته الحارة التى حملت قلق مخفي بين لون كريمتيه الاحمر:ما الذي تقولينه؟! لا زالت لديك حياة لتعيشينها، مكوثك في هذه الجزيرة خاطيء غادريها، ما كان عليك القدوم الى هنا، غادريها الان مارغريت
و كأن صوته العالي و نبرته الآمرة لم يهزا روحها الثابتة حينما فاجأته بضحكها و تأرجح جسدها، نطق قلقلا عليها:مارغريت؟!
نظرت اليه من اكتسبت خصيلاتها القصيرة صفار الشمس، و بصوت رنان صرخت بأسة مع نظرات قتلها الخوف ففقدت مقلتيها الخضراوتين بريقهما:أنا سأموت هنا، فكيف تقول ان قدومي الى هذه الجزيرة خاطيء؟!، الموت جلبني الى هنا و انه ليتهادّ الي يريدني نائمة فوق سرير من تراب!!!، فأنى لي المغادرة؟!
صمتت تاركة له المساحة للكلام لكنه كان ينتظرها ان تسترسل هي الحديث و تعقب على كلِماتها، فحدث ما اراده حينما نهضت و أطرقت برأسها و تجمع السائل الابيض في محجريها فبدأت تتشوش ابجديات الرؤية عندها، لكنه لم يلحظ ذلك و هذا بفضل شعيرات مقدمتها المنتصبة الى عينيها حينما طغت عليهما، لكن نبرة صوتها الاليمة قطعت قلبه الى اشلاء و استدرك من خلالها مدى رغبتها بالعيش لكنها تأبى التصريح بها و تحبسها خلف قناع يتمنى الموت:لماذا تريدني ان اعيش؟! لماذا تريدني ان اهرب؟! لماذا لا تدعني اموت و اندثر تحت التراب؟! لماذا لا تقودني الى للحدي؟! لماذا اذا جلبت الى هنا ان لم يكتب لي الموت؟!، اجبني لماذا تركت اولئك يرقدون تحت الأجداث و انا لا؟!
مع آخر كلماتها اشارت بيدها الى اشجار فارعة الطول، عارية و خالية من الاوراق، اغصانها الممتدة تتشابك مع بعضها، و جذورها تمتد للعميق، لا هي لم تقصد الاشجار غير المكسوة و انما قصدت ما يقبع خلف الاشجار من أجداث لا نهاية لها.
سحب نفسا عميقا فخيل لها انه سحب الهواء كله فرفعت رأسها ببطيء و الدموع تشكل خطا على وجهها الذي فقد رونقه بسببها، بكريمتيها القلقتين رمقت أسود الشعر الذي بادلها النظرات حينما نطق بنبرة غليظة و قاسية:لأن حياتهم انتهت
أعقبت ذاتِ الفستان الابيض مؤنبة اياه:اذا انت حارس القبر فخذني الى قبري، و انهي حياتي مثلهم
بتر عبارتها بنبرة الجمت لسانها لثواني:قلت لك لا استطيع
ناظرت المتمثل امامها بنظرات شع فيهما رغبة جامحة بالموت، ثم رمت كرمتيها على ما يكسو جسده من ملابس اشتاحها السواد سواء كان قميص او معطف او حتى بنطال، و عانق عنقه شال أسود مهتريء، فبدا ان ملك الموت يتشح السواد امامها و لا ينقصه غير منجله الدامي.
تأففت و قالت صارخة بعدما شعرت بشحنات الغضب توشك على الانفجار و دموعها الحارة تحرق وجنتيها و قلبها معا: ها انت ذا تتفوه بالحماقات مجددا، انا لن اغادر الجزيرة حتى تعطيني سببا مقنعا لكي اغادرها غير سببك الممل اني ولجتها بالخطأ، ثم ان اللحد ليتضاحك من الجثث التى تنام داخله فلماذا لا تدعه يكمل ضحكته حينما انام داخله انا الاخرى؟!
لم يجبها بغير- لا استطيع- نادمة مطرقا برأسه و شادا على قبضته و عاضا على نواجذه.
زمجرت غاضبة و التفتت تسبقها قدميها العاريتين متجهتين الى ما يقبع خلف الاشجار العارية من ظلام ادجن:سأذهب الى قبري بمفردي و لست بحاجة الى حارسه ليرشدني اليه، سادخل نفسي داخل اي قبر فارغ من الجثث
امتدت يداه السمراء بعدما صقرته الشمس حينما كان يترعرع هنا، فاكتسب لونا برونزيا جميلا، لكنه سرعانما اعادها ليبسطها و قال محطما رغبتها للموت الى قطع صغيرة كالزجاج الهش:لن تجدي قبرا فارغا، لأنه لا يوجد قبر لك
نبرة صوته المتألمة ألمتها و جعلتها تتخشب في مكانها صامتة لا تعلم ما تقوله، تحاول ترتيب كلماته في عقلها لكن وقعها كان اقوى من ان تتمكن من استيعابها، فالتفتت اليه متوسعة العينين فارغة الفاه شاحبة الوجه: لماذا ليس لدي قبر؟!
حاول ان يجيبها على سؤال لا يعرف هو اجابته: لربما لست المعنية
حينما شعر انه عليه ان يكمل اكمل مجيبا على استفسارها الباطني:لربما كان يجب ان يأتي شخصا آخر غيرك، لكن لابد من ان خلل ما قد حدث و اتيت الى هنا
رفع رأسه و رمى ابتسامة جذابة على بيضاء البشرة و اعقب:انها فرصة لكي تعيشي
بصوت متقطع و مبحوح تمتمت:أعيش؟!
زلف منها و امسك كتفيها الحاران و اردف:اجل ستعيشين و تعتذري من اختك و تبتسمين ، انها فرصة لكي تفعلي ما لم تتمكني من فعله سابقا
حماس انبلج على محياه، و امل تخلل حروف كلماته، و لمعة شعت في عينيه، تمتمت بما عصر قلبها ندما من كلماته و هي ترى انعكاسها في بؤبؤيه:اعتذر؟! ابتسم؟!
صرخ متحمسا:اجل، و اعدك مارغريت سأخرجك من جزيرة الموتى هذه
.
.
.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اعجبني هذا الموضوع جدا فأحببت ان اضع ما افكر فيه هنا و ان اترك بصمتي فيه
اتمنى ان تعجبكم مشاركتي البسيطة
حبيت انوه عن شيء
انا كتبت في كلام مارغريت ان اللحد يضحك
و هذا التشبيه اخذته من شاعر في العصر الاموي او العباسي اعطى القبر صفة من صفات الانسان و هي الضحك فمعنى بيته ان القبر يضحك من تزاحم المضادين لبعض فمثلا واحد صالح مات و دفونه الين ما تحلل و حطه جثة واحد فوقه فاسد فزي كذا انا جبت التشبيه لانه عجبني و يدل على كثرة الموتى