-
حِگايَةُ وَرْدَتَان
جَلَسْتُ عَلَىَ كُرسِيٍّ في حَديقَة
ورُوُحْتُ أتَأمْلُ وُرُود ذَلِكَ البُسْتَان
وَإذّ تَتَرَاقَصُ بِعَيّنَيَّ وَرْدَتَان
إحْدَاهُمَا ذاَبِلَةٌ والأُخْرَىَ شَامِخَةٌ عَلَىَ الأغْصَان
وإذَا بي أرَى طِفْلٌ يَلْهُو وَ يَلْعَبْ
فَرَاحَ وَكَأنْمَا نَادَتْهُ تِلْكَ الوَرْدَتَان
وَحِينَ هَمَّ بِقَطْفِ إحْدَاهُمَا
ومَدَ يَدَهُ لِتِلْكَ التَي لمْ تَذْبُلْ بَعْد
نَطَقَت وَقَالَتْ لَهُ :
يَافَتَى أمْهِل القَطْفَ وأنظُر إلَيَّ بِإمْعَان
كَيْفَ تُريدُ إجْتِثَاثَ وَرْدَة يَانِعة مُقْبِلَةٌ عَلَىَ الحَيَاة !
تَحْيَاهَا بِقَلْبٍ يَتَصَدْىَ لِمَتَاعِبِهَا ويَغْزوهَا كَالطُوفَان
قَلْبٌ يُحْسِنُ الظَنَّ بِاللّه ولا يَأسَىَ عَلىَ مَايُلاقي فيهَا مِن هَوَانْ
ويَثِقُ بِاللّه وَيَتَوكلُ عَلَيْهِ حَقَّ التَوَكُلِ بِكُلِّ صَبْر وَجَلَدٍ وَإيمَان .
فَنَأىَ الطِفْلُ عَنْهَا وَاقْتَرَب مِنَ الأخْرَى وَإليْهَا نَزَلَ وَدَانْ
سَائِلاً إيْاهَا في عَجَبْ :
مَالي أرَاكِ مُطَأطِأة الرَأسِ تَقِفِينَ عَلىَ غُصْنَكِ بِذُلٍّ وَ هَوَانْ ؟!
رَدَتْ عَلَيْهِ بِوَهَنٍ قَائِلَة :
يَافَتَىَ عَجِّل فِي قَطْفي ولا تُمْهِل وعَنْ حَالي كَثيرَاً لا تَسْألْ
وَأرِحْني مِنْ دُنْيَا كَسَرَتْ قَلبي والوِجْدَان
دُنْيَا أرَتْني مِنَ الذُلِّ ماَلا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إنْسٌ وَلا جَانْ
حَتَّىَ بَاتَتْ حَيَاتي مُظلِمَة مُحَاطَة بِجُدُرٍ وَ حِيطَان
لا قُدْرَة لي عَلىَ تَخَطّي أسْوَار سِجْنهَا وضِيقُ نَفْسي صَارَ لَهَا السَّجْان
فَذَهَبَ الفَتَى في حِيْرَةٍ مِنْ أمْرِهِ وتَرَكَ الإثْنَتَان إحْدَاهُمَا رَاضِية والأخْرَى في حَالٍ مِنَ الهَذَيَان
وأنَا عَلَيَ الكُرْسِيِّ أجْلِسُ مُتَأمِّلاً أسُوقُ لَكَ عِبْرَة
فَإلَيْكَ مِنّي هَاتَانِ الجُمْلَتَان :
إيِّاكَ واليَأس فاليَأس يُزْهِقُ الرُوُحَ ويَهْدِمُ في الحَيَاة البُنْيَان
وأنْظُر لِلعَالَمِ بِتَفَاؤل أحْسِن الظَنَ باللّه العَلِيّ المَنَّان
وكُن مُؤمِنَاً قَوِيّاً يُوَاجِه الصِّعَاب بِصَبْر وحِكمَة وَأعْبُرْ جِسُورَ الظَلامِ مِنْ حَوْلَكَ بِنُوُرِ اليَقينِ بِالرَحْمَن
وَعِشْ بِقَلْبٍ نَقِيٍّ مَلِئٌ بالحُبِ والعَطَاءِ والإيْمَان
تَحْظَى بِعطرٍ مِنَ الرُوحِ يَفوح ليَغمُرَ أرْجَاءَ قَلبكَ گعِطْر وُرُودِ الرَيْحَان .
.