السلام عليكم و رحمة الله
هي خاطرة بسيطة كتبتها قبل مُدَّة لجريدة جامعتي ..
أحببت أن أشارككم بها هنا ..
قراءة ممتعة ❤
"المدينة الفاضلة"
جزء من اللاوعي لكل إنسان
لست أدّعي الخبرة الكبيرة في الحياة ، ولست أعرف الكثير عن الحقائق والدوافع خلف كلّ المشاهد المجنونة التي تتكرّر بحلل متعددة بين يوم وآخر.
ولكنّي إنسان ... و الطبيعة التحليلية جزء من أي بشري !
سواء أدرك ذلك أم لم يدرك، فتلك حقيقة ...
وهذا الإنسان قد وصل في قرارة نفسه إلى بعض ... الاستنتاجات -إن صح التعبير-!
متى سنرى شمس التغيير في هذا العالم المنهك .. المثقل بأحلامٍ قد لا تتحقق .. المثخن بجراحٍ كلّما التمع بريق أملٍ بأنها ستلتئم قريباً، تجددت وازداد ألمها؟
كم سنة سننتظر؟ عشراً؟ ألفاً؟ أكثر؟
ومن ننتظر؟ ولماذا ننتظر؟ ما الذي يمنعنا من تحقيق التغيير الذي نصبو إليه؟
وكيف لنا أن نحققه؟
من أين يبدأ التغيير؟
لطالما كانت الإجابة عصيةً برغم وضوحها.. سهلةً ولكنّها ثقيلة.
التغيير يبدأ من نفسك !
التغيير يبدأ عندما تؤمن بأن لا وجود للمدينة الفاضلة في حياتنا الدنيا ...
كما لا وجود للكمال الأنساني.
عندما يترسخ في قلبك هذا الايمان ستبدأ شيئاً فشيئاً برسم طريقٍ أكثر وضوحاً، أكثر عقلانية، وأكثر واقعية لصناعة التغيير.
ستبدأ بفهم من هم حولك أكثر.
سيتوقف عقلك، بأنانيته وغروره الفطريين، عن صبغ كل من لا يشابهك بألوان الخصوم الذين لا يمكن التّعايش معهم إلا إن انقلبوا إلى ما تريد أنت ... لأنك الآن تدرك بأنّه عالمٌ، كلّ شيء فيه يحتمل الخطأ والصواب، و يحتمل أن يكون أيّ إنسانٍ فيه مخطئاً ... بمن فيهم أنت نفسك !
ستتمكّن من التعايش مع حقيقة أنّك كما يمكن أن تخطئ، يمكن لغيرك أن يخطئ ... وأنك كما ترى نفسك على حق، هم أيضاً يعتقدون أنّهم على حق.
ستدرك أنّهم يملكون ما يبرّرون به أنفسَهم لأنفسِهم، تماماً كما تملك نفسُكَ ما تبرّر لك به أفعالها، وتجعلك على يقينٍ بأنك قمت به لهدفٍ بنظرك هو نبيل.
لن تشعر باليأس عند أول عقبة، لأن عقلك قد تحرر من ذلك الصندوق الضيق الذي كنت ترى فيه العالم من زاوية واحدة
فأنت الآن تدرك بأنّ هذا الاختلاف ما هو إلا سنّةٌ، وارتكابُ الخطايا جزءٌ من النّفس الإنسانيّة، وأن الإخفاق سنّةٌ أيضاً.
ستدرك بأنّ التّغيير الذي تطمح برؤيته لن يتحقّق ولن ينجح إلا من خلال كونك جزءاً منه.
ستدرك بأنّ انتظارك للتّغيير ليس إلا يؤخر حدوثه.
ستؤمن بأهمية دورك مهما كان صغيراً.
أن تنتبه لحقيقة وجود المدينة الفاضلة في نفسك، تلك التي يسعى عقلك لبنائها، وتلغيها، يعني أن تتخلّص من بعض غرور نفسك، وأن تتقبّل غيرك .. وهذه -بنظري- أولى خطوات التغيير.
في النّهاية، نحن لم نُخلَق لهذا العالم، ولن يكون لنا فيه مدينة فاضلة !
ما الفائدة من مساعٍ ضائعة لبناء مدينة فاضلة في عالم مصيره الزوال !
تلك المساعي التي تصبو لها انفسنا، دون انتباهٍ منّا، قد أغفلتنا عن ما هو أكثر أهمية.
ففي حياة أخرى ينتظرنا ما هو أجمل من أي مدينة فاضلة.
ولكنّنا بحاجة للعمل بجهد لنيل مفاتيح ذاك المكان.
قوانين العمل جاهزة في كتاب، ولا تحتاج أي خبرة أو شهادات معتمدة !
الشرط الوحيد هو إنجاز كل ما تستطيع قبل انتهاء عقد عملك ...
فهل حقاً لديك وقت كافٍ لتضييعه في البحث عن المثاليّة التي تُرضي بها غرور نفسك، بين أنقاض هذا العالم العفن ؟
و قبل أن أذهب ... اسمح لي أن أذكرك بأن من أحد أجمل قواعد العمل قاعدة تقول
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
من سورة الحجرات*
فجعل الخالق الاختلاف سنة ... وجعل أكرم الناس عند الله اتقاهم.
والتقوى محلها القلب، إذن، أنت كإنسان، ما أدراك بمكنونات القلوب ؟
وأخيراً، انظر هنا ... قد أخبرنا الخالق بأنه هو أعلم بمن اتّقى ... وهو وحده من يعلم ؛ و لم يكتف بهذا، بل أخبرنا أيضاً بأن للمخطئين سبيلاً لإصلاح أنفسهم
{ولله ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ ليجزيَ الَّذين أساؤوا بما عملوا ويجزيَ الَّذين أحسنوا بالحسنى*الَّذين يجتنِبونَ كبائِرَ الإثمِ والفواحشَ إلاَّ اللَّمَمَ إنَّ ربَّكَ واسعُ المغفِرةِ هو أعلمُ بكم إذ أنشأكُم من الأرضِ وإذ أنتم أجنَّة في بطونِ أمهاتِكم فلا تُزَكُّوا أنفسَكُم هو أعلَمُ بمن اتَّقى}
من سورة النجم*
فما بالنا نمنح أنفسنا الحق بالحكم على بعضنا البعض ونحن لا نعرف أين ترسو قواربنا ... بل وإن كانت سترسو أم ستحطمها عواصف الحياة والشهوات وتغرقنا !
لسفينتك عليك حق يا صاحبي ... فابدأ بإصلاحها
لسنا بالبشر الكاملين ولا وجود للمدينة الفاضلة في حياتنا الدنيا ... لنبدأ من هنا ❤