الزهرة الخامسة والثلاثون : تنين الجليد.
زفرّ هاري و نظر إلى الأعلى : و الآن.. السؤال هو كيفَ سنصل إلى الأعلى ؟
ماركوس : لا بأس !~ ، أنا لدَيّ فكرةٌ جيدة ~
نظر نحو جوليا مردفًا : جوليا تشان.. هل تستطيعين اقتلاع جزءٍ من الأرض ؟، بدائرةٍ قطرها سبع أمتار أو شيء كهذا ؟
أومأت له جوليا بالايجاب ثم هتفت : لا انتيغيوا الكيميا : رَيف
*الخيمياء القديمة **جذر
و داخل الأرض بعيدًا عن أنظارِ الجميع تجمعت كُتل من الطين معًا لتمسي بذورًا نَمت لتصبح أكبر و تتفرع بسرعةٍ كبيرة داخل الأرض و تتخذ شكل كأس نصف مستدير مشققة الأرض لتخرج إلى السطح قليلًا مبينة حواف جزء الأرض الذي طلبه ماركوس منها.
فالتفتَ ماركوس نحو راين هذه المرة ليقول : أيها القائد.. أيمكنك رفع هذه بسحركَ لتعوم فوق الأرض للحظة ؟
اغمض راين عينيه و تنهد شاهقًا بعمقٍ وهدوء : بريسا
*نسيم
و فقط بعد هذه الكلمة إذ بالرياح حولهم تلتمع بسماوي فاتح و تتجمع حلقيًا حول جذورِ جوليا و تخللت الأرض لتمزق ما بقي متصلًا ببعضه منها فتصاعدت سُحيبات غبارٍ خفيفة إلى الجو و سرعان ما تلاشت لترتفع كتلة حجرية مُزجت بالطين عن الأرض محدثةً ضوضاء لا بأس بها، كانت مسطحةً من الأعلى بشكلٍ مخروطي غير منظم من الأسفل كما لو أنها جزيرةٌ عائمة أُحيطت بالجذور التي بدت كما لو كانت دعامة لها
صفق ماركوس كفيه ببعضهما و فركهما بضع مرة قائلًا : و الآن، سنركبُ هذه جاعلين من لوكي تشان يحيط أطرافها بسياجٍ من الجليد مغلفًا بسحر ظل بيا تشان و يرفعنا القائد بسحرِ رياحه !، أهذا ينفع ؟
همهم راين بهدوء ثم اردف : ليس سيئًا...
ثم رفعَ من نبرته قليلًا قائلًا : فيينتو
*رياح
حَملتهم نسمات خفيفة كتلكَ التي حملت بياتريس وسط المحيط العاتي عندما استقلوا سفينةَ غوبر، ارتفعت أجسادهم بخفة ؛ لطف و هدوء ليحطوا فوق كتلةِ الحجر مشرعين بتنفيذ خطتهم أو خطةِ ماركوس إن صحّ الأمر، رفعهم راين رفقة الكتلةِ الحجرية بهدوءٍ و حذر خشيةً من أن يفقدوا توازنهم في البداية و أخذ يسرع شيئًا فشيئًا، فهذه الشجرة لن يصلوا قمتها حتى لو أهدروا أسبوعًا على هذه السرعة، أخذوا يرتفعون و يرتفعون و أنظارهم موجهةٌ إلى الأعلى غير مُبصرين لمبتغاهم إلا و هو قمةُ الشجرة، و فقد بانبهارٍ و لهفة حدّقوا بأعلاهم دون قول كلمة، و بعد كِسارة وقت لم تكن بقليلة أخيرًا توارت لهم أغصان الشجرة فبعد أن كانت لماعة أمست واضحة لهم كما الشمس في السماء، كان شيئًا لا تصفه كلمة عجيب و تعطيه حقه ، فهاهي الأغصانُ الألماسية العريضة تتفرع من جذعِ الشجرة و تنبثق منها فروعٌ أصغر و أصغر، لكن ما كان عجيبًا حقًا هو كون تلك الأغصان بحد ذاتها تصبح ألماسية أكثر كلما دنت من الجذع و تصبح شفافة حين تقترب من نهايتها حتى تمسي ضبابًا، فمن حالةٍ صلبة، و صلبة كالألماس بالذات !، تصبح ضبابية دون مرورها بالحالةِ السائلة !، مدّت بياتريس يدها مرورًا بالسحب حتى أطرافِ الأغصان تتحسس هذا التحول العجيب وكزت أناملها بالجزء شبه الصلب المتبخر لتئن بتكتم مغلقةً لإحدى عينيها مقطبةً حاجبيها عابسة و هامسة
بياتريس : مؤلم
بعد مرور مدة لم تتجاوز النصف ساعة على دخولهم شبكة اغصان الشجرة تلك رسى راين بالكتلة الحجرية بين غصنين متفرعين من غصن آخر لتستقر هناك
سالت جوليا بإستغراب : ما الامر ؟، لماذا توقفنا ؟
اجاب هاري عوضًا عن راين اللاهث الذي يحاول إلتقاط انفاسه : إنه يأخذ إستراحه فهو متعب... نحن نحلق منذ خمسة عشر ساعة تقريبًا دون توقف...
إلتفتت جوليا نحو راين اللذي كان يكابر من أجل ان لايجثوا وقالت : هذا صحيح.. يجب ان تكون متعبًا لان...
فرد بهدوء وهو يستند بساعديه إلى ركبتيه : هذا لاشيء.. وددت رؤية الجانب الاخر من الجاب فقط لاغير...
إعتدل المتحدث بينما يقول جملته الاخيرة وإتجه نحو حافة احد الاغصان وما إن بدأ يتلاشى إلى سُحب زهرية سماوية ثم احاط جسده بالرياح يطفوا نحو الامام اكثر، إتسعت عيناه اكثر فتفاجأ الاخرون بأنفسهم يرتفعون متجهين نحوه على حين غرة، ومالبثوا ان لمحوا ما لمحهُ راين خلفَ تلك الجبال حتى فُتحت افواههم دهشة هم الاخرون، فما كانوا ينظرون إليه ما هو إلا غيوم وسحب كثيفة أحاطت بها سماء زرقاء صافية بدت وكانها بلا نهاية وتتربع وسطها جزيرة عامت في الهواء بشموخ، إكتسى البياض سطحها فما كان إلا ثلجًا، وتوسطها بركان يتصبب حممًا زرقاء اللون بدت كما لو إنها صُنعت من الثلوج، ويحلق حولها تنين يرتفع يمينًا تارة ويهبط شمالًا تارة أخرى، هوَ بظهر ازرق كما زرقة البحر الغائم، وفي منتصفه وشم ساعة رمليه بيضاء وبطن ومخالب سماوية كما اغشية جناحيه من الاسفل، اما اسنانه فبيضاء كتلك الحلقات اللتي زين ذيله بثلاثة منها، لهُ قرون ظخمة على جانبي راسه لُفت بشكل حلقي وتلونت بلون مخالبه ذاته، كما احاطت ذيله حلقات اخرى من الجليد تعوم في الهواء تابعة له من مكان إلى اخر بينما تهطل الثلوج من جناحيه مع كل رفرفه واخرى وتيارات من الرياح العاتية تصاحبها، وبما إنه يلتف حول الجزيرة صعودًا ونزولًا، بالطول والعرض بدا وكأنه يقول " إنها ملكي " ، إزدردت الفتيات رمقهن بينما افواه هاري وماركوس لاتزال مفتوحه، تنفسَ راين بعمق وهو بذلك التنين وعيناه تلتمعان إعجابًا بما يراه الان وبشدة، اما لوكي فلم يكن مختلفًا عن راين ابدًا
ازدردت بياتريس رمقها لتقول بنبرةٍ شاردة : لم أعد أعلم أهو مخيف أم هو فقط مذهل..
فأجابها راين من فوره دون أن يزحزح عيناه عما تنظران إليه : بل هو مهيب !
أومأ لوكي إيجابًا ببطء ثم قال موافقًا : لقد سمعت الكثير عنهم لكن لم أتوقع أن ألتقيَ واحدًا في حياتي قط !...
التفتت نحوهم جوليا ثم سألت مستغربةً : إيه ؟، حتى مع أنكَ عشتَ كل هذه المدة فأنت لم ترى واحدًا لوكي ؟
ردَ لوكي باندفاع : بكل تأكيد !، أعني إنه تنين !، مخلوق لم يوجد قط إلا في القصصِ الخرافية التي يقرأها الأطفال و الأساطير عن العالمِ القديم !، لا أحد شهد تنينًا حقيقيًا قط من قبل !
ماركوس وبابتسامته المرتبكة المعتادة و نبرته المترددة قال : عفوًا و لكن... أليس لقاءنا بواحد سيء بقدر ما هو جيد ؟... أعني... ألن ننسحب أو شيء كهذا...
اعتلت وجه روبي ابتسامة ساخرة فقامت تكز ذراع ماركوس بكوعها محاولةً استفزازه بنبرةٍ ساخرة : هوووه ، ألستَ تعني الهرب لا الانسحاب مار تشان ~ ، لا تقل لي أنكَ خائف أو شيء من هذا القبيل ~ ، أيها الجباان ~~
أنكرَ ماركوس من فوره : لـ لستُ جبانًا !!
فقال هاري بجديةٍ و هدوء : كما قال ماركوس توًا !، أعني أنه تنين !، لطالما كانَ رمز الخراب و الشر سواءً في القصصِ الخرافية أو الأساطير !، ألن يكون سيئًا إن كُشفنا ؟
فأجابه لوكي بابتسامة : هذا ليسَ صحيحًا هاتشي !، التنين ليسَ أبدًا رمزًا للدمار بل و على العكس فهو أبعد ما يكون عنه !
ليوافقه راين : تمامًا !، التنين هوَ رمز الحكمة و الحياةِ المديدة !، إنهم يعيشونَ لأكثر من خمسين ألفَ عامًا !
لوكي : تمامًا !!، لقد ورد هذا الأمر في النصوصِ الفيلادوسية القديمة كذلك !
فجأة اتسعت حدقتا عيني لوكي فقال محدثًا ذاته : الفيلادسية !، تمامًا كما توقعت !، راين لا بد و أنه كان هناك حقًا !، هذا لأن هذه الكتب ، وتلك اللغة.. هُما لا توجدان إلا في ذلك المكان !
ابتسامةٌ ارتسمت على شفتي راين فقال : لا بد و أنه يعرف الكثير من الأمور !، لو كان بإمكاني لقابلته وجهًا لوجهًا الآن !هتفت الرياح داخل رأسِ الأخير منزعجة : اوي أيها الطفل الاحمق !!، ماذا تفعل بسؤالك تنينًا عوضًا عني !
هيمنت على عيناه نظرة من التململ و الانزعاج بعد أن أرخى جفنيه فردّ محدثًا ذاته : أجل أجل كأنكِ ستجيبينَ إن سألتكِ... أنتِ و ذاك العجوز من عالمِ البشر على حد سواء مهما كان السؤال فإن الجواب دومًا سيكون من يعلم !، فيينتو ساما...
في مكانٍ ما كالفضاء حالك السواد قَوست شفتيها إلى الأسفل عن انزعاج و غطت خصلات شعرها البيضاء المثلجة و الطويلة كامل عينيها فقالت محدثةً ذاتها : أحمق.. أنا من عليها مناداتكَ بساما تلك.. حقًا، أنتَ فقط أنتَ تشبهه تمامًا، لدرجةٍ مزعجة ...
أما حيث راين و البقية تساءلت بياتريس قائلة : لكن أليست الرياح وجود سبق الحياة ؟، أليست تملك من المعرفة أكثر مما يمتلكه هذا التنين ؟
أغمض راين عينيه و زفر بضيق : تمامًا !، لكنها ترفض التحدث مهما سألتها !
ابتسامةٌ مترددة ظهرت على شفتي بياتريس فقالت : هـ هيـ~ـه...
أخذ نفسًا عميقًا ثم التفتَ نحو الجميع مبتسمًا : إذًا ؟، هل نتابع ؟
عاود السبعة الصعود على متن الصخرةِ العملاقة التي اقتلعوها من الأرض قبل حين و أخذوا بالاتجاه نحو الأعلى
قال ماركوس بمرح : و لكن حقًا !، القائد و لوكي تشان منسجمان مع بعضهما بشكلٍ مذهل أليسا !
فقهقهت روبي بخفة لتقول : معكَ حق !، ربما يكون رايتشي سنجابًا ناطقًا يتخذ هيئةً بشرية هو الآخر !
ضحكت جوليا ضحكةٍ مكبوته فجأة ليهتف راين منزعجًا : اخرسوا !!
وهنا انفجرت جوليا بالفعل لتتبعها بياتريس ثم البقية و بمن فيهم لوكي
فأردف راين بنفس النبرة : أقسم أني ساتوقف الآن عن رفع هذا الشيء و أتجه نحو القمة وحدي تاركًا إياكم لتتحطموا رفقة هذا الشيء !!!
ردت عليه بياتريس من بين ضحكاتها و عيونها دامعة : آ.. آسفة !، راين !، حقًا !، الأ.. الأمر فقط هو أنني لا أستطيع تخيلكَ كسنجاب أبدًا !، أقسم أن هذا مضحك !! لا أستطيع التوقف !!
ازدادت ضحكات الجميع من حولهما بينما أطلق راين تش خفيفة من بين أسنانه
" بياتريس : ومنذ ذلك الوقت و نحن نتجه صعودًا نحو القمة دون انقطاع، طوال تسع إلى إحدى عشرة ساعة بينما نرتاح لثلاث ساعاتٍ فقط ، و بعد مرور ستةِ أيام على ذلك الوقت ، و عشرة أيام بالمجموع ، بدا و كأننا بلغنا وجهتنا "