عرض مشاركة واحدة
  #110  
قديم 06-16-2017, 04:49 AM
 


-6-
نشر الليل تفاصيله على التفاصيل وأحتل القمر مكانه بوسط السماء , كان الوقت قد تخطى منتصف الليل حينها والرياح راحت تعصف بقوة في أرجاء الوادي وصوتها يتردد هنا وهناك كما لو أنه صوتٌ لأشباح غاضبة , على بعد أميال بعمق الوادي ..داخل أعماق فوهه كهف كبيرة سوداء كان الهدوء يخيم على المكان بشكل كامل حيث لا يخترقه سوى صوت الأنفاس المنتظمة لؤلائك الرجال الستة الذين ينامون بداخله منهم من هو على الأرض وآخرون يستندون على أيديهم ومن بين اولائك المجموعة كان يجلس هو مستداً ظهره ورأسه على الحائط الصخري للكهف وهو يحاول التمسك بالنوم الذي كان يداعب جفنيه بخفه حتى تسلل لمسامعه فجأة صوت حركة شيء ما بالقرب منه ففتح جفنه بتثاقل وبطء في ريبة وأستقر نظره على شخص ما كان يقف أمامه مباشرة بسنتمترات , رفع قرصه الأسود المخملي للأعلى ليتعرف عليه وصعده من الأسفل للأعلى حتى أرتكز نظرة على وجه ذلك الشخص فرمقه قليلاً بدون وعي قبل أن يبدأ بتوسيع عينه بإستيعاب متأخر ورفع رأسه عن الحائط وهو يستطرد بنبره متأثرة بتفاجئه " إندريلا!! " نظرت له بنظراتي الواثقة الحادة تلك فبادلني بنظرة متفاجئة وقلقة نوعاً ما وأردف بنبرة هامسة متعجبة وهو يعدل طريقة جلوسه " ما الذي تفعلينه هنا؟ "
كان شعور الغضب يملئُني حينها من رأسي حتى أخمص قدمي وهو من قادني لهنا لأتعرف أكثر على كاي , علّي أمسك أي خيط يوصلني لمكانه , كانت عيني تلمع بحقد وأصرار على أقتلاع روحه من جذورها! فقلت بصوتي الذي يغلفه الهدوء كالعادة بنبره تتخللها الجدية " جاك ..أود التحدث معك , رافقني قليلاً "
رمق عيني تلك وحدتها بأرتياب ثم ترك مكانه وهو يحدث نفسه برعب , ياللهول ! ضننتها مجرد شابة تعمل عند ليام فقط من بين الكثير لكن أضنني أرتكبت خطأً فادحاً .. خطأً سيكلفني حياتي على الأغلب ! لو علمت أن تحدثي معها سيزجني بهذا لما فعلت , .. رحت أسير للخارج من بين أولئك الرجال وتبعني هو بملامحه المضطربة تلك دون أن ينتبه أحد منا لتلك الأعين الثاقبة التي كانت تراقبنا , توقف معي بالخارج بعيداً عن الكهف بأمتار وقال متسائلاً " ما الأمر؟ "
أجبته بذات نبرتي وجديتي .. بتلهف شديد لأعرف الإجابة, وأنا أتخيل مصرع كاي بين يدي بكل ثقة " أخبرني هل تعرف رجلاً يدعى كاي؟ "
رفع حاجبيه " كاي؟ "
فرددت بإيجاب " أجل , من معارف ليام أو بقول أصح أنه عدوة "
رمقني بشيء من التوتر " لا , لا أضن أنني أعرفه "
استئت بشدة فصحت " هل أنت متأكد؟ أنه رجل ذا بشرة سمراء , له شعره بني وأضن أنه في الخمسينات من عمره "
عاد ينفي معرفته له " لا , لم أرى رجلاً كهذا من قبل .. طأطأت رأسي ببؤس قليلاً عندما خاب ضني فأستطرد بعد رؤيته لملامحي تلك ~ لما لا تسألين جيهان عن ذلك؟ أنه يعرف جميع معارف ليام "
تجاهلت سؤاله فمن المؤكد أنه سيجن جنون جيهان أن علم أنني أبحث عنه وقلت " إذاً لدي طلب منك "
رمقني بتسائل فواصلت " فالتصطحبني للمدينة "
رمقني لوهله بصدمة ثم أشاح نظره عني بتوتر وتنهد " آهه إندريلا , أضن أنك عرفتني كفاية اليوم ! أنا رجل لا يحب التورط بالمشاكل كثيراً "
" أأنت خائف من جيهان؟ "
قالها بشكل صريح " حسناً , يمكنك أن تقولي ذلك "
ضننت أنه سيماطل قليلاً ولن يعترف بخوفه أبداً لكن يبدو أنه رجل جبان , مصاص دماء جبان؟ نوع لم يكن بمخيلتي أبداً .. تناسيت ذلك وقلت بنوع من الرجاء " جاك .. أعاد نظرة لي بملامحه ذاتها فواصلت " أنا لا أملك شخصاً آخر يمكنني أن أعتمد عليه غيرك , أنا أعدك بأنني لن أسمح لأي مكروه بأن يصيبك "
هز كتفيه بأبتسامه كلها عدم أقتناع " حتى وإن وعدتني .., ذلك الرجل المجنون لن يستأذنك قبل أغتيالي , لقد رأيتِهِ اليوم بنفسك "
أجبته وأنا لازلت أحاول أقناعه " لا تقلق , جيهان لا يمكن أن يعصيني أبداً , لن يقتلك إن كنت أنا معارضة لذلك "
صمتت قليلاً وهو لا يزال غير مقتنع ثم قال بتسائل وفضول " ما الذي تريدينه من المدينة؟ "
عدت أرمقه بملامح أصرار " أريد مقابلة رجل ما مهما تطلب الأمر مني "
صمت قليلاً والأحتيار بادٍ على وجهه فهو لم يضمن حياته بعد ثم قال فجأة " وإن قمت بإيصالك؟ ماذا ستدفعين لي؟ " فوجئت من سؤاله للوهله الأولى لكني أجبته مباشرة " أي شيء يمكنني فعله لك , سأفعله "
رمقني قليلاً ولم يلبث حتى أبتسم عندما برق برأسه شيء ما وأردف " ما رأيك أن .. أختلس النظر لعنقي " تمنحيني قليلاً من دمك؟ " فصدمت أنا الأخرى , كان هذا غير متوقع فعلاً ! رأيته يرمقني بحماس لسماع جوابي .. سرحت بخفوت أفكر , أن أستطعت إتمام هدفي هناك فلن يتبقى لي شيء أحياء لأجله .. بالأحرى منذ أن سلبت روح ذلك الطفل لم أعد أملك الأحقية بالعيش , تحولت نظراتي للجدية مجدداً وعدت أرفع عدستيّ له " أن أستطعت أن أحقق مرادي بالمدينة .. أبتسمت أبتسامه واثقة مرعبه ~ لا أمانع أن أمنحك دمي حتى آخر قطرة .
صعق ذلك الأخير من ردي ورمقني بهلع فقلت " أتفقنا؟ "
أزدرد ريقة بهلع .. هذه الفتاة مجنونة حتماً , لا يمكن أن أزج نفسي معها .
لم يجبني لكنني أعتبرت صمته موافقه وأستدرت بأبتسامه بعد أن قلت " هيا "
وقبل أن أعبر خطوتي الأولى لأبتعد إذّ بي أفاجئ بؤلائك الرجال الذي ظهر لي أنهم كانوا نائمين بالكهف يظهرون فجأة من العدم ليحيطونا من جميع الجهات بشكل كامل وكل منهم يخبأ وجهه دون عينيه وشعره بوشاح داكن ويمسك بكفه سلاح حاد وهو يرمقوننا بشراسه فأكتسىى ملامح وجهي الصدمة فيما راح جاك يرمقهم بتفاجئ
صاح أحدهم بصوته الجهوري الخشن " هذه مفآجأة غير سارة حقاً , من كان يتوقع منك أنت يا جاك خيانتنا مع البشر ! "
تراجعت نحو جاك مباشرة بحذر وشيء من الخوف لأقف أمامه مباشرة بداخل تلك الدائرة المحصنه من قِبلهم لحظة صاح هو الآخر سريعاً بتوتر " كلا ! مهلاً .. أنت مخطئون تماماً ي جماعة , أهدؤا حتى أفسر الأمر " وضعت يدي على حزام فستاني قليلاً ألتمس تلك السكين التي كنت أخبأها لأوقات مثل هذه بينما واصل هو حديثة وهو يحاول تهدأه الموقف بفزع " سأشرح الأمر لكم حالاً "
رد آخر بنفس نبرة العداوة " مهما كان عذرك أنتِ تعلم جيداً أنه لا يجدر بك أحضار بشرية لهنا , وأضنك تعلم عقوبة ذلك أيضاً "
فصاح بذات نبرته سريعاً " أنها ليست بشرية " على جملته هدأت الأجواء بشكل غريب وأرتسم الرجال شيء من ملامح الأستغراب فواصل بأندفاع " أسمعوا أدرك جيداً أنكم متعجبون من ذلك فنحن لم نرى مصاصة دماء منذ سنين لكنها بالفعل مثلنا تماماً " لم يرى منهم أي أستجابة فوجه نظره لي وأردف " إندريلا أثبتي ذلك لهم "
فوجئت للوهله الأولى من قوله لكن سرعان ما تحولت ملامحي للتوتر .. أثبت ذلك؟ كيف؟ .. لاحظ الجميع صمتي وملامحي المضطربة تلك فتبادلوا النظرات قليلاً قبل أن يشير أحدهم بـ رأسه آمراً أياهم بالهجوم .. فلم يلبث البقية حتى تركون أماكنهم بسرعه خاطفة فوسعت عيني بصدمة وبدون ان يسعفني الوقت حتى لأستوعاب الأمر كنت قد وقعت ضحية لهم , وفي اللحظة التي ضننت فيها أن أمري قد أنتهى وأنا أرى أحدهم يمد مخالبة نحوي صاح جاك فجأة بشكل جدي ونبرة عالية حادة " لا تمسّها! "
توقف الرجل مكانه ومخالبة تلك لا تزال ممدودة أمامي كما توقف الجميع فرفعت عيني لذلك الأخير بتعجب معهم فواصل بذات لكنته " أنها تحت وصاية من السيد ليام , ليست أي شيء يمكنك أن تضره ! أن علم ليام بذلك أتعلمون ما الذي سيحل بنا ! "
سمعت حديثة بأهتمام ثم رفعت عيني للبقية لأرى أنهم ترددوا بالهجوم وبدأو يتراجعون للخلف ببطء فاستقمت بوقوفي بتفاجئ وتنفست الصعداء لقد نجوت بأعجوبة حقيقية .. ضننت ذلك للحظات قبل أن يقطع تلك الأجواء فجأة صوت رجل ما وهو يقول " أقلت ليام؟ "
أستدار الجميع واحداً تلو الأخر حتى بدى لي من خلفهم رجل يجلس عند الكهف على صخر كبير في هدوء , وعلى عكس الجميع لم يكن يغطي وجهه بأي لِثام , نهض بهدوء وأمال وجهه نحوي وهو يرمقني دون غيري بنظرة هادئة " أأنتِ أحد قطط ليام أيتها الشابة " راح يدلف نحوي بخطى هادئة بين الجميع وأنا أرمقه بترقب لما سيفعله أو يقوله لكن جاك قطع خطواته تلك بشكل مفاجئ عندما وثب عليه بقوة وهو يمسكه بحرص فأرداه ملقياً على الأرض وصاح " أهربي إندريلا ! "
أدركت متأخرة خطر ذلك الموقف لكن قبل أن أفكر بالهرب كنت قلقة بشأن جاك الذي سأتركه خلفي فصحت " جاك !! .. رفع ذلك الأخير الجزء العلوي من ظهره عن الأرض ليمسك بذلك الأخير ويقذفه بكل سهولة من فوقه وهو يصيح بغضب " أبتعد ! " فأستدرت سريعاً عندما أدركت أنني اصبحت بدون أي حماية هذه المرة , أطلقت العنان لقدمي بأقصى سرعتي لكن ذلك الرجل لم يبذل جهداً عندما وثب من مكانه وثبة خرافية سريعة بالهواء عالياً صوبت نظري للأعلى أرمقه بعدم تصديق مد مخالبة الطويلة الحادة مهيئاً أياها للهجوم وضحك ضحكة هستريه وهو يصيح " الموت لك "
كانت تلك ستكون نهايتي تماماً لولا أني تعثرت بصخرة صغيرة بالأرض وأنا منكبة أرمقه بالأعلى وهويت للأرض بقوة فمرت مخالبة من فوقي بسرعه خاطفة وقصت بحدتها خصلات من شعري الكستنائي , سقطت على الأرض بقوة وأنا أصرخ بألم وعندما فتحت عيني رأيتها تتساقط أمام عيني فشحبت , أنه لا يمزح أبداً ..سأقتل على يديه إن لم أفعل شيئاً ! .
نزل ذلك الأخير على الأرض بعيداً عني بأمتار بعد وثبته العالية تلك وأردف بأستمتاع " الضربة التالية سأشقك لنصفين "
أطبقت عيني بلحظة خوف , وصرخ بداخلي صوت عالٍ خائف بـ أسمه دون أن أدرك ! ليام..أنقذني ! واصل ذلك الأخير " لكن لا تقلقي , سأحرص على الأحتفاظ برأسك لأقدمه هدية لسيدك العزيز ليام في ما بعد "
صاح جاك " هوك! توقفِ .. لا علاقه لهذه الفتاة بما بينك وبين ليام "
فرد بسخط وأنفعال " أخرس! سأمحو كل شيء يخص ذلك اللعين حتى يخرج من جحره لنا "
سمعت حديثهما فأنتباني لوهله الفضول , ليام؟ حاولت تمالك نفسي مجدداً ورفعت جسدي ببطء فأعادد نظرة لي وقال مبتسماً " ما زلت تستطيعين الوقوف ؟ .. "

أنتصبت وقلت " إيً كان ما تحمله ضد ليام , أنا لا علاقة لي بالأمر .. وكأنني سأسمح لك بقتلي " وأخرجت السكين من حزام فستاني , صدم جاك من ردة فعلي وصاح مباشرة " أأنت حمقاء ! سيقضي عليك أهربي وحسب ! "
حتى وإن هربت فسيمسك بي حتماً , إذاً لا خيار سوى مواجهته ! سأحاول البقاء مهما حدث !

ضحك ذلك الأخير ضحكة عالية وصرح " هذا مثير , أرينا ما الذي بقدرتك فعله إذاً ي قطة ليام "
أمسكت السكين بكفيّ بقوة وقلت " أخبرني أولاً , ما الذي فعله ليام لك حتى تكرهه لهذه الدرجه؟ "
أحتدت عينيه بحقد وسخط " ذلك الرجل حياته بذاتها تعتبر ذنب كبير ..وجه نظرة للبقية ~ بينما نحن جميعاً هنا نعاني كثيراً , فلا نستطيع العيش بأريحيه أبداً لأن أهل المدينة أصبحوا يشكون بأمرنا , أن أرواحنا جميعاً على المحك .. حتى أننا لا نستطيع دخول المدينة بسبب تلك الحراسة الفائقة .. وبينما نحن هكذا هو على عكسنا يعيش بدون أي تعب أو أرهاق ويستلى مع الفتيات أمثالك ! "
عقدت حاجبي " لهذا السبب ! تكرهونه لأنه يعيش بأستقرار وأمن أكثر منكم؟ هذا غير منطقي أبداً "
رمقته ورمقت نظرات الجميع التي تحولت للغضب والحقد فواصل الأخير " ما الذي تعرفينه أنت ! ليام كان السبب بقتل سلالة مصاصيّ الدماء من قبلنا بعد أن كانوا يحاولون الحصول على دم بوّر , نحن لن نستطيع العيش حتى ننتقم منه ... وبعد قتله ؟ سيتغير الكثير نحن نخطط لأن نلقي جثته بالقرية وسنقنع أهاليها أنه مجرد رجل مجنون كان يعيش ويسرق أرواحهم وسنجعلهم يبحثون في الوادي حتى يتأكدوا تماماً من خلوه .. وبعد أن تختفي الشكوك بشأننا نحن مصاصيّ الدماء , سنخرج جميعاً من هنا لنيويورك للعيش هناك فهذه القرية اللعينة سببت لبعض أهل نيويورك القلق وأصبح بعضهم يتحرون بالأمر لذا لا يمكننا البقاء هناك "
هؤلاء حقاُ لا يفكرون سوى بأنفسهم , مخلوقات أنانية مقرفه ! قتل أهالي القرية لأجل الدم والراحه , كفوا عن المزاح! حتى البشر لديهم الأحقية بالعيش بأمان , هذا يشبه ما فعله كاي لـ أميلي .. رغم أنه لم يكن لها ذنب أبداً ! شديت على السكين بكفي , لن أموت هنا وسأنتقم مهما ضحيت بنفسي ..سيطر الغضب علي بالكامل فتركت مكاني نحوه وكنت سأهاجمه بالسكين لكنه تجنبني بسهوله فسقطت أرضاً , أستدرت من فوري نحوه لأراه يتقدم نحوي فشهقت وأنا أوسع عيني بهلع .. هدأ المكان فجأة وأرتسم الكل ملامح الصدمة برؤية هوك قد تصنم مكانه , رفعت عيني له هذا يشبه ما حدث مع جيهان , أنا من يسيطر على الوضع , رمقني بغضب " لن تستطيعي أيقافي بهذا أيتها اللعينه "
نهضت من مكاني مجدداً وبصعوبة رفعته عن الأرض بمستوى بسيط وقلت " لن يقتلني من وغد مثلك فأنا لم أحقق انتقامي بعد " دفعته بقوة على جذع شجرة عظيمة وقوية موجودة بالقرب من الكهف فصاح متألم , ألتقطت السكين مجدداً بسرعه وتركت مكاني نحوه وأنا أشرها بوجهه فوسع عينه لمصارعها بقوة قبل أن يراني أغرس السكين بجانب عنقه على الشجرة بقوة .. تهاوى على الأرض من هول الصدمة فوجهت نظري لجاك وقلت بسرعه " جاك "
ترك مكانه بتردد نحوي .. وجرينا مبتعدين من المكان تحت أنظار الرجال المصدومة


لا أصدق ! رغم أنني قلت مراراً أنني لا أثق به , كيف كنت أنتظر قدومه لأنقاذي بثقة منذ قليل .. تذكرت صرخاتي الواثقة بأسمه " ليام ! ليام أنقذني ! "فطأطأت رأسي بضيق .. أنا لم أعد أعرف حقاً ما هو شعوري الحقيقي تجاهه!
شتت جاك تفكيري كله بصوته وهو يقول مبتسماً " لكنك حقاً مذهله , كيف أستطعت الوقوف في وجه هوك المجنون ذاك .. وفوق ذلك قمت بهزيمته أيضاً ! هذا حدث يجب أن يسجل في التاريخ "
" إذاً أسمه هوك "
فقلت بتفهم وهدوء
" أجل , أنه رجل غريب الأطوار يعيش معنا في الكهف منذ مدة طويلة وسمعت أنه لم يغادره قط منذ سنين .. ومع أنه هادئ دائماً عندما يسمع أسم ليام يصبح هائجاً كالمجنون , مثلما رأيته أنتِ "
" هكذا إذاً.. ثم عبست وقلت " يبدو أن ليام مكروه من بين الجميع هنا "
قال بأستنكار " بالطبع ! ماذا تضنين .. ضحك وواصل " كوني شاكرة أن البقية لم يكونوا موجودين , لن تتخيلي ما كان سيحدث ! " ازداد عبوسي فتأمل ملامحي تلك قليلاً بتعجب وقال " لم تخبريني ما علاقتك حقاً بليام؟ ولماذا قد يوصي بك؟ "
أجبته بكل هدوء " أنا بنفسي لا أعلم ما الذي يفكر فيه ..وماذا يعتبرني بالنسبة له حقاً , أنه يخفي عني الكثير ! "
أطلق همهمة تفهم وأستطرد " ومن هو كاي هذا؟ "
توقفت لوهله فتوقف وأعاد نظره لي بتعجب فقلت " الشخص الذي سلب مني كل شيء كنت أعيشه .. فردت كفاي أمامي وقلت بحقد " لو أطريت لأن اضحي بحياتي حتى سأقتله " فتأملني بخفوت قليلاً ثم أردف وهو يشيح نظره عني " والى أين تودين الذهاب بالضبط عندما نصل؟ "
أجبته بذات لهجتي " سنذهب لمقابلته , سأجعله يعترف بكل ما يعرفه عني وثم أقتله " فأعاد نظرة لي بتعجب " يعرفك عنك؟ " لم يجد مني أي جواب فعاد يوجه نظره للأمام بخفوت

.
.
وبعد ساعتين تقريباً من السير , ها نحن نصل أخيراً لحدود المدينة ..رفعت بؤبؤ عيني أرمق ذلك العدد من الحراس الذين يحوطون المدينة .. أمسك جاك كفي بعد أن كنا نجلس مختبئين خلف أحد الصخور الكبيرة وقال " إندريلا من هنا "
رحنا نعبر بخلسة لنتجاوزهم , لكن إلى إين؟ المكان يملؤه الحراس بالكامل , كيف سندخل؟ .. تساءلت بخلدي فوجهت نظري لجاك سريعاً " الى إين سنذهب؟ "
وجه نظرة لي بابتسامه مشاكسة " أعرف مكاناً سرياً نستطيع الدخول منه دون أن يشعر أحد بنا "
وسعت عيني قليلاً .. هيهيات هيهيات على أمنك ي نيويورك .
.
.
توقفت , فتوقف بجانبي ورفع عينه يرمق المكان " هنا؟ "
رمشت المكان بشحوب , كانت نفس الغابة سوداء التي دخلتها عندما قابلت كاي لأول مرة وقلت بنبره متأثرة بشعوري حينها " أجل " تقدمت داخلها فتبعني جاك بصمت وهو يوجه عينه هنا وهنا .. كنت أسير بخطوات حذرة وأنا أتذكر تلك الليلة الكئيبة , وظلمتها وبرودتها التي ما زالت تقبع بقلبي .
تمكنت من تمييز الطريق الذي كنت قد سلكته سابقاً بصعوبة حتى حددت المكان الذي قابلت فيه كاي أخيراً .
أزحت تلك الأغصان المنسدلة بطريقي فبدى لي المكان كما كان آخر مرة , تقدمت وتقدم جاك خلفي فجلت بنظري قليلاً فيه بتمعن أتأكد من ذلك حتى لفت أنتباهي ذلك السهم المغروس في جذع شجرة ما وتذكرت فخ كاي لي فتوجهت نحوه ونزعته من مكانه .. أنه المكان الصحيح بلا شك .
قال جاك الذي راح يتجول في المكان بأستغراب " وما الذي ستفعلينه هنا؟ "
وجهت نظري له " سأبحث عن أي دليل قد يوصلني للرجل الذي أريد قتله "
شدة كلامه " دليل؟ .. صوب نظرة لي " لا يوجد شيء هنا " فرحت أسطر المكان بنظراتي قليلاً بأهتمام


عدنا أدراجنا في النهاية بدون أي شيء يذكر .. بئساً , هذا لم يكن متوقع ! تجاوز جاك أرضية الغابة الرملية الخصبة وما إن وضع قدمة على الشارع دنى بملامح أستياء ليزيح تلك الأشواك التي علقت ببنطالة البني الواسع وأردف " في النهاية لم يكن لقدومنا أي فائدة " وخرجت أنا خلفه بإحباط شديد وقلت " لقد قابلته مسبقاً بهذا المكان فظننت أنه بقدومي لهنا مجدداً قد أجد دليلاً يوصلني لمكانه لكن يبدو أنني لن أجده بهذه السهولة "
هتف جاك وهو لا يزال على وضعيته ذاتها " ما العمل الآن إندريلا؟ إين ينبغي بنا الذهاب؟ "
كل شيء أختلف عما خططت له! ..ألتقطت نفساً هادئاً بأكتئاب يرافقه خمول شديدفلقد كنت أشعر بأرهاق غريب منذ دقائق وأنا أجهل السبب .. رفعت قرصي لجاك بلا أيً مبالاه.. علها مجرد أثار نوم ضننت ذلك قبلأن أصدم بصورة جاك لوهله التي أهتزت أمام ناظري فوضعت كلتا يدي على رأسي ولم ألبث حتى بدأت أشعر بصداع رهيب يغطي رأسي وصوت أشبه بصوت صفير عالٍ يرج مسامعي شددت كفيّ على رأسي بألم رهيب وأنا اشهق بصوت مبحوح فلم ألبث حتى شعرت بجاك الذي أستقام بوقفته ووجه جسدة لي وهو يرمقني بشيء من الغرابة رفعت رأسي قليلاً أرمقه بطرف عيني كان صورته لا تزال مشوشة بعيني بالكامل , تهاويت على الأرض مباشرةً وأنا أتاوه بصوت مكتوم بألمأنحنى لي بريبة" هيه , ما بالك؟ .. وضع يده على كتفي وصرح بشيء من القلق " إندريلا .. هدأت حينها فجأة فحدق بي قليلاً لدقائق قليلة قبل أن يراني أرفع رأسي مجدداً وقد أختفى بريق عيني الأخضر خلف لون الدم الذي غطى حدقتيّ فأردف وهو يبتعد قليلاً " آوه كلا .. توقف مجدداً وتراجع خطوة وهو يرمقني بشيء من الاستياء والانزعاج " أنتِ تمزحين ..وبدون أن أفسح أي مجال للحديث نهضت سريعاً وانقضيت عليه فأرديته على الأرض وسقطت فوقه فرمقني بعتاب " هي! مهلاً! نحن لم نتفق على ذلك "
بدون أي ردة فعل على حديثة اقتربت من عنقه لأغرس نابيّ بقوة فتأوه بصوت مكتوم هامس وهو يضيق عينيه بألم قليلاً ثم عاد يرمقني وأنا منكبة على ما أنا فيه , أنزعج من فعلتي بحق حتى بدأ يدرك أنني لست بوعيي أبداً فعقد حاجبيه , هل هي عطشة لهذه الدرجة ! ..
تنهد بنفاد حيلة وأطبق عينيه وهو يرمي رأسه على الأرض بكل هدوء
مرت ثوانٍ قبل يفتح عينه ثانية ويرمقني بأندفاع هادئ يقول بجفاء " هذا يكفي, ستقتليني .. دفعني بقوة عنه في غفلة مني ورفع جسده والعلوي وهو يرفع كفه نحوي ويصرح " أفقي .. صفعني بقوة فلم ألبث حتى شهقت بصوت مبحوح , وبلحظات عدت لطبيعتي مجدداً فرفعت كفي بصدمة لوجنتي وأنا أرمقه بصدمة فأردف " هل أفقت الآن؟ "
" آه؟ ما الذي حدث؟.. " نطقت وأنا بالكاد أجمع حروفي فأردف " لقد غبت عن الوعي بسبب عطشك .. أخفضت نظري بصدمة ورمقته عقد حاجبيه بسخط وقال " أنهضي عني " نهضت من فوق أحضانه لأجلس بالقرب منه طاوية قدمي فوضع يده على عنقه المبلل بالدم وهو يتنهد بشيء من الانزعاج " بئساً , ما الذي سأفعله بهذه الحالة ؟ "
وجهت نظري له بصدمة وأنا لا زلت أستوعب الأمر .. هل فعلتها مجدداً؟ عبست مباشرة , تباً لهذا وقلت " أسفه جاك "
فوجئ من جملتي فرفع عينه لي ليجدني أجمع نفسي بشحوب فأبتسم بتعجب .. أسفه؟ هل كان يوجد في هذا العالم أحد يعتذر؟ كنت أضنهم في الحكايات فقط ضحك بصوت خافت وأردف وهو يعقد حاجبيه بابتسامه ساخرة " لا تهتمي ..وواصل ~ لكنه من السيء أن تهملي نفسك هكذا , هل أعثر لك على أحد ما لتمتصي دمه ؟ "
أخفضت نظري بشحوب " كلا , أنا بخير لا تقلق "

من قال إني قلق؟~ تعجب , تأملني وأنا أمسح ذلك الدم الذي يلوث فمي .. والتعجب يلفه , لا يوجد بحياة مصاصيّ الدماء هذه العواطف أبداً لهذا كانت تبدو له إندريلا غريبة لكنها ليس شخص مقلق أبداً , نهض وأردف " كما تشائين .. واصل يغير مسار الحديث ~ لكن ما الذي سأفعله بهذا؟ إن رآني بشريّ بهذه الحالة ستحدث ضجة "
رفعت عيني ليداه المبللة بالدم بعد أن حاول مسح ذلك الدم عن عنقه فأمسكت بطرف ثوبي وقلت " أنتظر! أمسحه بهذا "
فصرح مباشرة " كلا كلا , لا تفعلي .. رفعت عيني له بتعجب فأردف بأبتسامه " هذا أسراف , فهذا الفستان جميل جداً عليك " فغرت أرمقه بدون أي تعبير فقط بصمت فرمقني بأرتباك لا تعبير ولا خجل , هذه الفتاة ليس من نوعي المفظل ثم أردف ليغير الحديث وينفد من تلك النظرات " حسناً , بما أننا لم نجد شيئاً هنا فلنذهب لنتسلى قليلاً .. تغيرت ملامح وجهه للحماس وهو يقول بأبتسامه " أعرف مكاناً سنجد فيه الكثير من الحسناوات "
زير نساء؟ فهمت الآن .. هو من هذا النوع من الأشخاص ! ضننت الأمر غريباً منذ البداية لأنه راح يبحث عني في الوادي .. تذكرت كلمات جيهان " أنه يستغلك " لا غريب إذاً أن يقلق جيهان علي .
مد كفه لي بأبتسامه عريضة " هيا أنهضي " فرفعت كفي بالنفي " كلا , يمكنك الذهاب أنت .. تذكرت مكاناً علي الذهاب له "
" حقاً ..إذاً سنلتقي هنا بعد ساعتين بالضبط ..
ودّعني وأنصرف سريعاً فتركت مكاني لأقف مجدداً
والآن .. إين سأذهب؟


تردد صوت رنين الجرس في أرجاء ذلك المنزل مرة و مرة حتى وصل صوته لمسامع تلك الشابة بالطابق العلوي حيث كانت تستلقي بمفرشها الخاص بفرد واحد على بطنها وهي ترفع قدميها وتلهوا بها بينما هي منكبة على متابعة الهاتف الذي تحمله بين كفيها , وحالما سمعت صوته صوبت نظرها نحو باب الغرفة وهي ترفع حاجبيها وقالت بسخط " ذلك الأحمق! هل نسيّ مفتاح المنزل ! " تركت مكانها بشيء من الأنزعاج وغادرت غرفتها ثم هبطت من الدرج للطابق السفلي وتوجهت ناحية الباب , وضعت يدها على مقبضه وأدارته وهي تتكتف بتكشيره واضحه قبل أن تقع عينها على ذلك الأخير من الذي برز خلف الباب وهو يبتسم أبتسامه ودية " مرحباً.. "
تبدلت ملامحها مباشرة وعمها التوتر وهي توسع نظرها ثم هتفت بتأتأه " د..دانييل! .. مرحباً " رفعت كفها بتوتر لترتب خصلات شعرها المبعثرة بخجل أنثوي وشيء من الأرتباك وهي تلوم نفسها على ذلك المنظر الفوضوي والوجه الخالي من الزينة أمامه .. وكأنها أرتكبت ذنباً ما , فأشاح ذلك الأخير وجهه عنها وقصد الضحك بسرية على مظهرها ذاك لكنها أنتبهت له فزادها ذلك خجلاً وردت بأمتعاض " كان يجدر بك أن تبلغني قبل قدومك برسالة على الأقل , أنا أحتاج لأن أستعد لذلك " فأعاد نظره لها وقال من بين ضحكاته " أسف لكني لم أتوقع رؤيتك بل توقعت أن تستقبلني عمتي "
" أمي ليست موجودة الآن , أنا ومولن فقط .. واصلت وهي تزيح يدها وترمقه بأبتسامه سعيدة " ما سبب زيارتك المفاجئة؟ "
" أريد رؤية مولن .. هلا أبلغته أن يأتي لمقابلتي "
أرتسمت ملامح حزن لكنها حاولت أخفاء ذلك بجهد وفتحت الباب على أتساعه وأفسحت له الطريق تدعوه للداخل فدخل خلفها وهمتّ هي بأغلاق الباب مجدداً وهي تقول " تعرف الطريق أذهب وألقي نظره , لست ضيفاً هنا "
أكتفى بالأبتسام وترك مكانه ناحية الدرج فرمت تلك الأخيرة نظرها خلفه بأستياء وهو يرقى الدرج أمامها فقد فرحت ضناً منها أنه أتى لرؤيتها , حسنً كونها نجحت في أن تكون حبيبته لا يعني أن دانييل يهتم أو يحبها فعلاً فهو لم يتغير ولو قليلاً عن معاملته لها بالسابق , أنه يعاملها كشقيقة صديقة فقط ! .. رفعت كفها لتمسح على خصلات شعرها مجدداً وتدخل .. رقى دانييل ذلك الدرج الطويل للدور الثاني وتوقف أمام غرفة صديقة المقرب مولن وفتح الباب فبرز له ذلك الأخير وهو يعبث بهاتفه وبرؤيته نهض مباشرة وهو يهتف متفاجئ " دانييل! هذا زيارة مفاجئة , لم تأتي منذ مدة " أعاد أغلاق الباب وتقدم نحوه وهو يقول " أهلاً مولن , لقد كنت محتجزاً هذه الفترة بغرفتي أدرس لهذا فكرت بأن آتي لأرفه عن نفسي قليلاً معك .. جلس بقربه على السرير وقال " هل أنت متفرغ ؟ ما رأيك بجوله في المدينة ؟ "
" في الواقع ما رأيك ان تشاركني أنت بمتابعة هذا الفلم .. التقط جهازه الحاسب من فوق الفراش وقال " لقد أنتهيت للتو من تحميله , لنتابعه معاً .. أضمن لك أنه سيكون ممتعاً "
هز رأسه بالإيجاب " حسناً , لا مانع لدي "
" جيد " قالها بحماس قبل ان يترك مكانه ويتوجه نحو الباب وهو يقول " لكن أنتظر ثوانٍ حتى أقوم بالتجهيز لذلك "
وضع يده على قبضه الباب وفتحه يصيح " رين , أعدّي لنا القهوة وبعض الفشار حالاً "


كنت أسير وحيدة بطرقات المدينة المكتظة بأنواع الناس غارقة بذكرياتي المكدسة بمهملات مشاعري .. الشوارع , المباني , الطرقات .. كنت أرى فيها شريط ذكرياتي يمر أمامي لـ سبعة عشر عاماً قضيتها في أحضانها فارغة من كل شيء .. مبتغاي الوحيد هو أن أعيش في هذا العالم الذي ألقيت فيه وحيدة بدون أن أعرف أيً من هم والديّ , أقابل تقلبات القدر التي كانت تقذف بي من صوب الى آخر بـ الصمت والتقبل , لم أفكر يوماً بمعارضته مهما تعذبت ...حتى قابلتها , مرت صورتها على بالي فابتسمت ابتسامه ذابلة , إيميلي ! إيميلي أشتاق لرؤيتك ..ولـأيامٍ كنت أقضيها بقربك .. لسماع أحاديثك , وصوتك , وضحكاتك .. عاندت كل شيء في سبيل أن لا يختفي وجودك من حياتي , حاولت أن أصبح أقوى.. وبالرغم من كل ذلك تذكرت جثتها وهي ملقاه بيدي فأغروقت عيناي بالدموع ببطء وسالت دمعة حارة على وجنتي , لما أنتهى الأمر بتلك الطريق يا ترى؟ لكني عدت أمسحها بطرف كفي مباشرة بهدوء .. ولوهله وقعت عيني على عمود الساعة بأحد المنتزهات القريبة بطريقي لأجدها أصبحت تشير للثالثة والنصف , لقد مضى الوقت بسرعه دون أن أشعر , كفكفت دموعي ورحت أسير عائدة أدراجي لحيث أتفقت أنا وجاك

.
.
مرت دقائق أبتعدت فيها عن حشد الناس ورحت أقترب فيها من وجهتي وبينما أنا سارحه أسير بصمت شد أنتباهي فجأة ذلك المشفى الذي نقلت له آخر مرة فرمقته بنظرات خالية قليلاً وأنا أقلب الذكريات بداخلي ثم تركت مكاني نحوه ...دخلت بخطوات هادئة ونظرات ميته من الشعور تماماً .. تجاوزت الطابق الأول ورقيت للطابق للثاني ورحت أبحث عن تلك الغرفة .
أربعة وثلاثون , قرأت الرقم المدون على اللوحة بجانب باب الغرفة ووضعت كفي على معصمه وأدرته ببطء فبرزت لي خالية تماماً من أي أحد , تقدمت نحو السرير ومسحت عليه بهدوء وأنا أتذكر تلك الليلة المشؤومة وأنا أصارع ألآمي وروحي كبشرية تسلب مني .. هذه الغرفة هي المكان الذي توفيت فيه كـ بشرية .. رأيت ستار النافذة يتطاير مع الهبوب الذي يدخل مع النافذة فتوجهت ناحيتها ورمقت المكان من الأعلى وأنا أتذكر سقوطي من هنا , صعدت عليها وجلست وأملت رأسي على طرفها بأنكسار .. كُل شيء تبدد في تلك الليلة .. لقد فقدت كل شيء !! أصبحت مُعدمة بالكامل .. راحت الرياح تعبث بخصلات شعري الطويلة وعم الصمت للحظات سكنني الهدوء فيها مجدداً ورتب كومه مشاعري التي فاضت في هذه الليلة وتشوشت بالكامل , ليتني أموت وينتهي كل شيء وحسب .
" لا تفعلي!! "
شدتني تلك الصرخة الحادة الجهورية التي أرتفعت من خلفي فجأة بشكل صادم فوجهت نظري سريعاً نحو مصدرها لأفاجئ برؤية دانييل يقف عند الباب منحنياً وهو يضع يده علي طرفه مستعيناً به ليقف بشكل صحيح بعد أن كانت قدماه لا تقوى على حمله من شدة جريه السريع بالرواق , ألتقط أنفاسه الضائعة بصعوبه وحاول أن يتمسك بالهدوء رغم تلك الفوضى التي تحدث بداخله وقال بصوت مرتجف " أنتِ جويل.. صحيح؟ " بعثر الهواء خصلات شعري بأرحيه وأنا أرمقه بهدوئي المعتاد وشيء من التعجب أتساءل في نفسي .. من هذا؟ لم يتلق جواباً مني فأردف بنبره رجاء تحاول ألتماس رضاي وأقناعي " أسمعي أنا أعلم صعوبة ما مررت به لكن هذا ليس الحل , أرجوك لا تقفزي من عندك "
أقفز؟ تعجبت أنا الأخرى لكني سرعان ما أرتسمت ملامح التفهم وأنا أقيم ظهري مجدداً كنت سأنفي ما يفكر به حالاً لكنه سبقني بالكلام بصوته المرتجف " لا تستلمي بعد , أخبرتك سابقاً أن كل شيء سيكون بخير .. أنا أؤكد لكِ ذلك ثقي بي أرجوك"
رمقته قليلاً بفراغ وأنا أفكك طلاسم كلامه قبل أن اوسع عيني قليلاً جداً .. ذكرت أني رأيته سابقاً .. هذا الفتى سرحت أتذكر تلك اللحظات المريرة على السرير , لوهله فقط عندما كنت أنا أضمن لنفسي أنني سأموت هناك من أكد لي أنني سأكون بخير.. أحد ما .. " شعرت بأنامل ناعمة تمسك كفي التي أقبض عليها بشدة وصوت يبدد كوابيسي تلك لثواني قليلة فقط " ستكونين بخير ! " فأرخيت قبضتي تلك ببطء .. " تذكرته , أنه ذاك الفتى ذاته فتحولت ملامحي للشحوب لحظة واصل " جو.. أزدرد ما تبقى من حروفه عندما قاطعته بصوت متلبد " لقد أعطيتني حينها أملاً كاذباً وأوهمتني بأنني سأكون بخير ..واصلت بنبره عتاب " والآن هل أتيت لتفعل ذلك مجدداَ؟ "
رمقني بتعجب وهو يعقد حاجبيه بأستغراب من ردة فعلي فقلت " أسمع أحياء الأمل بقلب أحدهم شيء جيد لكن الكذب بشأن ذلك يدمر فقط " وسع عينه بصدمه فواصلت أنا ~ من يدري لو أنني بقيت حينها بتلك المشاعر ربما كنت قد أستسلمت لذلك الألم وفقدت حياتي للأبد .. صرحت بشحوب " لم أكن لأعيش هذه الحياة التعيسة الآن ولم أعرف هذا الوجع " فلمعت عينيه بتأثر ثم أستقام بوقفته وراح يتقدم ببطء نحوي وهو يقول بأسى " جويل لا أحد منا يعرف ما الذي تخبأه لنا الأيام , غداً ربما تعود حياتك كما كانت وأفضل "
فقلت بأبتسامه ضاحكة بذبول " الأمر ليس بهذه السهولة "
واصل تقدمه نحوي , وكل همه أن يمسك بي خلسه بأسرع وقت قبل أن يحصل أمر لا تحمد عقباه وهو يحاول ألهائي بكلامه " إذاً فلتواجهي كل ما هو يصعب عليك لذلك , حياتك ثمينه ولا يمكنك التخلي عنها بسهوله هكذا "
كلا , حياتي لم يعد هناك قيمة لها ! أنا أعيش بسلب أرواح غيري فقط .. كيف لهذه أن تسمى حياة؟ فصحت بسخط " ما الذي تظن أنك تعرفه أنتِ ! " أشحت وجهي عنه لخارج النافذة , لن تعود حياتي كما كانت بين ليلة وضحاها ! وما إن فعلت حتى ترك هو الأخر مكانه بسرعه نحوي وأمسك ذراعي بحرص فوجهت نظري له سحبني للداخل أسفل النافذة فأردف وأطبقت عيني بضجر " هي .. أنت تفهم الأمر بشكل خاطئ , أنا لا.. " قاطعني عندما سحبني لأعماق صدرة بقوة ودنسي بين ذراعيه القويتين فوسعت عيني بصدمة أنا الأخرى ووجهت قرصيّ الأخضر المخملي له وصرحت بتوتر وتلعثم نتيجة صدمتي " هـ..هيّ ! ماذا؟ "
ضمني بقوة أكبر وقال " أنا أدرك جيداً أن ما تمرين به شيء لا يمكن لأحد تحمله لكن صدقيني موتك ليس الحل .. أهتز رمشي بأرتباك لحظة واصل هو بجدية ~ تسلحي بالشجاعة أكثر , كوني قوية .. لا أود منك الاستسلام بسبب هذا المرض اللعين , وتمسكي بالأمل لعل الأطبة يجدون له علاجاً قريباً " فوسعت بعيني بأهتمام .. مرض؟ حاولت التحرر من بين يديه فسمح لي بذلك أبتعدته بخفه عني ورمقته فأردف بملامح ضيق " انا لم أتوقع قط أنني سأراك مجدداً , كنت قلقاً عليك طوال المدة الماضية وعندما وجدتك بالمصادفة كنت تحاولين الأنتحار .. هذا ليس سهلاً بالنسبة لي " صمتت وأنا أرمقه بتعجب فواصل " لم تأتني الفرصة لأعرفك بنفسي من قبل أنا دانييل , منذ سقوطك ذلك اليوم وإحضاري لك للمشفى هنا لم استطع التوقف عن التفكير بك وما قد يحدث لك بسبب ذلك المرض الخبيث , الفزع الذي شعرت به وأنا أسمع صرخاتك يومها سبب لي عقدة غريبة " رمشته بتعجب فأردف بشيء من الاهتمام " هل أنتِ بخير الآن! " أومأت رأسي بصمت ولم يكن يخلو من التعجب واصل وهو ينظر لي بتأثر وشفقة واضحه " أخبريني كم عمرك؟ أنت لا تزالين صغيرة على مصارعه هذا المرض "
" أنا في السابعة عشر من عمري " بادلته بنظراتي الهادئة فعبس قليلاً وهو يطأطأ نظره للأسفل بخفوت فتأملت ملامحه قليلاً بصمت .. ما قصة هذا الشاب؟ لفت أنتباهه لوهله خصلات شعري التي راحت تتطاير مع نسمات الريح فرفع عينه مجدداً وأمسك بأحد الخصل وهو يقول وهو يعقد حاجبيه " ما هذا؟ هل هذه وصلات؟ لم يكن شعرك بهذا الطول عندما قابلتك آخر مره "
توترت أنا الأخرى لكن يبدو أنه وجد جواباً من نفسه " أ..أجل " فأردف " رأيتك بالمصادفة وأنا أعبر بالشارع من النافذة وتعرفت عليك سريعاً رغم أنني شككت بأنه لست أنتِ بسبب شعرك الطويل .. ثم واصل بجدية " أخبريني ماذا قال الأطبة عن مرضك ؟ "
وإيّ مشفى ترتادين؟ ما أسم المرض؟ ..
وأستمر دانييل يستفسر بأهتمام لوقت وأنا اجيبه بأجوبه سطحية لأنجو من ذلك الموقف فقط
" سمعت أن والديك متوفيان إن احتجت لأي مساعدة فلا تترددي بالطلب مني , أنا سأساعدك بكل ما أستطيع " أومأت رأسي بالإيجاب " شكراً " كان دانييل يبدو من النوع الذي سرعان ما يظهر على وجهه كل ما يفكر به وهذا أشعرني بشيء من الارتياح تجاهه .. بعد ربع ساعة أنقضت وأنا أتبادل الأحاديث معه تذكرت جاك .. لقد تأخرت عليه كثيراً فقلت سريعاً " يجب علي الرحيل الآن "
وسع ذلك الأخير عينه بأنتباه ورفع معصمة ليرمق ساعته الجلدية تلك " محقه الوقت أصبح متأخر فعلاً "
فتركت مكاني أقول " سأغادر .. فنهض هو خلفي وقال " جويل أرجوك لا تفعلي ذلك مجدداً , قدّري حياتك أكثر "
رمقت حدقتيه بخفوت , كنت أرى الشفقة والأسف باديين عليها .. لماذا؟ فتى غبي؟ ألم يتعلم الأ يثق في الغرباء بسهوله ! أومأت رأسي بالإيجاب ورفعت نظري عنه وأنا اشق طريقي نحو الباب .. حالما يعرف حقيقي أراهن بأنه لن يظل ودياً هكذا , لن يظل كذلك ! تجاوزت عتبة الباب وألقيت نظرة أخيرة خاطفة عليه , لكنه محق .. " حياتك ثمينه ولا يمكنك التخلي عنها بسهوله " لو كنت فقط أملك الخيار لأقرر لما كنت سأرغب بالموت بهذه الطريقة .. كنت سأقدر حياتي أكثر , سأعيش بقوة .. سأحلم .. سأدرس .. سأتزوج .. سأقع بالحب ..وأتمسك بالحياة ! لم أكن لأرغب بالموت .. وبدون أن اشعر كنت قد فتحت المجال للندم بقلبي , ليتني لم أهدر وقتي من قبل؟ ليتني لم أترك الدراسة وحققت أحلامي؟ ليتني وليت لكن .. وسعت عيني بصدمة , ما الذي أفكر فيه ؟ .. توقفت ووجهت نظري للخلف بذات ملامحي المصدومه .. يبدو أن تحدثي مع دانييل أوهمني بأنني لا زلت حقاً أمتلك الأمل بالعيش .. ضحكت بذبول , وكأنني لا زلت بشرية ! أستدرت مجدداً لأتابع طريقي .. وكأنه أثر حقنه صغيرة , أنتهى مفعولها بعد أن توقفت عن سماع أحاديث دانييل ذاك .. لكنني لا أملك الوقت حقاً لأفكر بهذه السذاجات , أنا لست أعيش بذلك العالم الوردي بعد الأن .. أنفجر ألم صدري مجدداً بقوة وكأنه يعيدني مجدداً للواقع فتهاويت للأرض أتألم .. فمرت ببالي مباشرة صورة ذلك الطفل الذي قتلته بالباحة للوهله فكابرت لأقف من مكاني مجدداً بصعوبة , بشيء من الخوف .. من سيكون ضحيتي الآن؟ .. لن أسمح لنفسي بإيذاء أحد آخر , وجهت نظري لأقرب نافذة وفتحتها لأرى أن الأرضية قريبة نوعا ماً فصعدت فوقها وقفزت للخارج ثم رحت أسير مبتعدة عن المكان , مرت دقائق قليلة قبل أن اتهاوى بتعب بأحد الأحياء الهادئة الخالية .. جلست على الأرض وأسندت رأسي على الحائط الذي بجانبي بتفكك .. كان ألم صدري قد تلاشى بالحين الذي أستنزفت كل قواي ..أطبقت عيني بأنكسار .. جاك !
" وبعدها لن تصدقوا .. فتحت عيني مجدداً وصوبتها ناحية مجموعه من الفتيان كان يسيرون في الحيّ .. مشكلة! وجه أحدهم نظره لي وهمس " أنظروا جميعاً " سريعاً ما أصبحت محط نظر الأربع أولائك وأردف أحدهم " ما الذي تفعله وحدها بهذا الوقت من الليل , لنجرب التحدث معها قليلاً ربما نحصل على تسلية لنا الليلة " بدؤوا يتقدمون نحوي ببطء , تباً لهذا .. ثرثرت بخلدي بأستياء كبير ثم تماسكت لأنهض مجدداً هامّه بالأبتعاد لكني لم اكن أملك الطاقة للسير بعد , وما إن توقفوا حولي حتى أردف أحدهم مبتسماً " مرحباً ي فتاة , ما الذي تفعلينه وحدك بهذا الوقت ! "
رفعت عيني أرمقهم بصمت وأنا أصارع التعب بداخلي فقال آخر بشيء من التعجب من صمتي " هي؟ ما رأيك بمرافقتنا للتسلية قليلاً؟ "
أنتصبت بصعوبة وصرحت من بين أنفاسي المزدحمه " كلا , أنا أسفه "
فرد ذاته بنبرة مرحه وبعض الرجاء " لما لا؟ لا تكوني باردة هكذا .. رافقينا قليلاً "
وقال آخر " لابد أنك كنت تتسكعين مع شاب ما بهذا الوقت المتأخر صحيح؟ "
أجبته " كلا "
فقال بأبتسامه عابثة وريبة " حقاً؟!! إذاً ما السبب المهم الذي سيجعلك تخرجين بهذا الوقت؟ لم تنجحي في أقناعي أبداً " رمقتهم بأنزعاج واضح .. يبدو أنهم لن ينصرفوا بسهوله , يالل الأزعاج ! ما الحل معهم الآن؟ كنت في حالة يأس تامة قبل أن يقطع حديثنا صوت هتاف " أنتم هناك !!.. " تعرفت سريعاً على الصوت فوجهت نظري مباشرة ناحيته .. دانييل! كان يجري بأتجاهنا في عجله وسرعه ومع أقترابه بدأ يبطء سرعته وقال وهو يسير نحوي وقد أصبح محط أنظارنا جميعاً " أنتم .. تقدم لي وأمسك ذراعي ووهو يواصل بعتاب " ماذا تضنون أنفسكم فاعلين , أنها فتاتي أنا! "
تناسيت الأمر وأنا أرمقه بريبة .. ما الذي أتى به لهنا! هل تبعني؟.. رمق البقية بعضهم البعض وسرعان ما قال أحدهم بنبره أحباط " إذاً كنت مع فتى كما توقعت .. بادلني النظرات وهو يقول ذلك وأنا أرمقه بتفاجئ ثم ابتعد وهو يتمتم بكلام غير مفهوم بتذمر فتبعه الجميع بنفس الأحباط .. تناسيت أمرهم ووجهت نظري لدانييل بعتاب طفيف أقول وانا أرمقه وهو ينظر لي بملامح القلق " هل تبعتني؟ " فتحولت ملامحه مباشرة وقال بتوتر وهو يوسع عينيه " كلا , كلا! من المستحيل أن أفعل ذلك! كنت سأعود للمنزل أنا أيضاً ورأيتك بالصدفة فقط .. تحولت ملامحي للريبة وأنا أرمقه " يبدو أن المصادفات تحدث كثيراً بيني وبينك "
قلص في أبتسامته بتوتر وقال " ءء أيً كان بما أننا معاً دعينا نذهب سوياً "
رمشته بنظرتي ذاتها قليلاً ثم أستدرت فتبعني .. بقينا نسير لثوان وهو يختلس النظر لي , كنت أشعر بنظراته لكنني لا أعطيها أي أهتمام , تخلصت من أولائك الفتيان ليحل دانييل مكانهم , هذا رائع جداً ..وجهت نظري له وقلت " إين يقع منزلك بالضبط؟ "
إبتسم " دعيك مني , منزلي في الطريق المعاكس.. إين يقع منزلك أنتِ؟ سأوصلك .. وجهت نظري له بأهتمام وقلت " الطريق المعاكس ؟ لا يوجد أي فرصة لتراني إذاً "
أنتبه ذلك الأخير على حمقه متأخراً فتوتر ونظر لي بأبتسامه وهو يتصنع الضحك " أكتشفت إذاً , لقد تبعتك لأني لم أرد أن تذهبي وحدك بهذا الوقت المتأخر هذا كل شيء " فوجئت للوهله الأولى لكني سرعان ما أعدت نظري للأمام بتنهد فلا مجال لأغضب بعد أن سمعت سببه فقال " في الحقيقة هذا أحد الأسباب لكن هناك ما أردت أن أطلبه منك أيضاً "
تعجبت " ماذا؟ "
رد بأبتسامه مداعبة " ءء.. ستغضبين مجدداً إن عرفته لذا أفظل الصمت " رمقته بتفاجئ ثم عدت أوجه نظري للأمام بصمت , عمّ الصمت قليلاً فسريعاً ما قال بأبتسامه , ببلاهه وشيء من الأستياء " ءء إن كنت تشعرين بالفضول فلا مانع لدي بأخبارك "
ضحكت ضحكة هادئة.. وآهه كم مر منذ أن ضحكت بهذا الشكل , ووجهت نظري له.. هل كان يود أن أصر على ذلك , أنه رجل بسيط حقاً ثم قلت " ماذا تريد ؟ سأنفذة إن أستطعت "
فأبتسم برضا وقال وهو يدس يده بجيبه ليخرج هاتفه " ليس طلباً مكلفاً , أريد فقط رقم هاتفك .. كنت سأطلبك قبل قليل لكني صدمت عند رؤية الفتيان وقلت بأن هذا لا يجعلني مختلف عنهم في نظرك وخجلت ان أفعل " ضحكت مجدداً فواصل " وخصوصاً أنكِ غضبت لأني تبعتك .. وواصل بنبره جادة " لكنني أظن أنني سأقلق بشأنك في ما بعد أريدة فعلاً لأطمئن عليك بعد الفترة والأخرى "
فهزيت كتفي وقلت " أنا لا أملك هاتفاً "
فعبس وأستاء فعلاً وهو يقول " للأسف .. رمقت ملامحه التي بدت صريحة وصادقة بأبتسامه لحظة واصل " إذاهلا أخبرتني إين يقع منزلك؟ أو ..المشفى الذي ترتادينه؟ "
قلت بأبتسامه زائفه " ءء أنا لا أسكن بالقرب من هنا دانييل ..إنما أعيش في نواحي حيّ ____ "
وسع عينه بتفاجئ " ووهه هذا بعيد "
" أجل .. واصلت السير قليلاً معه قبل أن أنتفضت مجدداً على ألم صدري فتوقفت مباشرة وانا أضع يدي عليه وأتأوه بصوت مكتوم , توقف دانييل ووجه نظره لي بتعجب " جويل؟ " فرفعت رأسي مباشرة له ورمقته بأبتسامه شاحبه أهتف " كما أخبرتك منزلي بعيد نوعاً ما لا يمكنك مرافقتي "
فرمقني وأبتسم " لنصف الطريق فقط .. " أستدار يتابع طريقه فتبعته , في الوقت المتبقي قبل أن نخرج من الحيّ كنت أصغي لدانييل الذي كان يثرثر في أمور مختلفه فهو كان يبدو على عكسي تماماً يحب التحدث كثيراً وشاب أجتماعي جداً ! تجاوزنا ذلك الحيّ أخيراً وحالما خرجنا من الحيّ صادفنا رؤية آله بيع العصير فتوقف دانييل ورمقني بأبتسامه يقول " هل تشربين؟ " .. تقدم نحو الآلة وأخرج محفضته وهو يقول بأبتسامه مرحه " هنا يباع عصيري المفظل بالتوت , دائماً آتي لشراءه من هنا فأنا لا أجده أبداً بأي مكاني ثاني وهذا مزعج نوعاً ماً لأن هذه الآله بعيدة عن منزلي .. ماذا ستشربين أنتِ ؟ .. وجه نظرة للخلف وهو يقول جملته الأخيرة ليفاجئ بأنه لا أثر لي فأستقام بوقفته مباشرة بأستغراب وصرح " جويل؟ ..وصاح~ جويل إين ذهبت؟ "
داخل أحد الأزقة الضيقة رحت أعرج بخطوات مرتجفه مهلكة وأنا أرمي ثقلي على كفي التي أتزن بها على الحائط وأقبض بكفي الأخرى بقوة على فستاني من عند صدري .. أصارع ألم صدري الغير طبيعي مجدداً والذي كان يبدو أنه لن يهدأ حتى أروي عطش حلقي الذي كنت أتجاهله كعادتي!
واصلت خطواتي أكابر على ذلك الألم خطوة خلف خطوة

عند أحد النوافذ الخشبية كان هناك من يحاول فتح بابيها المؤصدين بقوة وصعوبة بالغة وصوت صرير حركتها الناتج عن هزها يسمع في المكان , وبعد جهد فتحت أخيراً وصفق بابيها بالحائط الخارجي فبرز من خلفها ذلك الصغير ماكس الذي لم يلبث حتى أردف بملامح متجهمه " جيد " ومن ذلك الكرسي الذي كان يقف عليه ليصل لطولها الفارع صعد فوقها وبدأ يحاول النزول للأسفل بهدوء وبطء فلو أكتشفت والدة أنه خرج سيجن جنونها حتماً !
ثبت قدميه على الأرضية وهذا كان بمثابة أنتصار له فبعد مدة من الحبس في هذه الغرفة اللعينة كالسجين من قِبل أمه بسبب لا زال يجهله هاهو ذا يخرج أخيراً .. عبر بخطوات هادئة مبتعداً عن منزله وتجاوز عدة بيوت قاصِداً منزل أحد أصدِقائه وهو يرتسم على وجهه ملامح الشِّدة والإصرار .. فلن يسمح لوالدته بأن تمنعه عن إتمام هدفه ! ..توقف أمام نافذة أحد المنازل بخلسه وهو يترقب حوله ثم فتح النافذة بهدوء وأختلس النظر لداخلها فوجد صديقة المقصود ينام على مفرشه وحيداً فهتف بصوت منخفض نسبياً " فريك .. فريك "
بدأ ذلك الصبي يفيق على صوته ففتح عينه بخمول ووجه نظره ناحية الصوت , ما إن رآه حتى نهض مذهولاً وقال " ماكس! .. ألم تكن محبوساً في المنزل؟ " رفع كفه وأمسكه مع شاخصة ثوبه وقال يتفرس فيه " هل أنت من أخبر أمي بأنني ذهبت يومها للوادي؟ "
هلع ذلك الأخير وقال بسرعه " والدتك كانت قلقة ولم أستطع ان أكذب عليها "
أجابه بذات نبرته " لقد كانت والدتك غاضبه ولم أستطع أن أكذب عليها "
" اللعنة ! كم أنت جبان .. حرره بلا مبالاه وقال " لا يهم! , أريد منك أن ترافقتي الآن! هناك أمر مهم يجب أن أفعله قبل أن تحبسني أمي مرة أخرى "
أستغرب الآخر " أي أمر؟
"
end

-ما الذي يخطط ماكس لفعله ؟
-هل ستنجح إندريلا بالوصول الى كاي؟
-هل سيكون هذا آخر لقاء بين دانييل وإندريلا؟





__________________
خَلفَ أكْبادِ آلّسنِين وَآلشُهُور لِقَآء مَحّتُوم .. وَقَدَرٌ صعْب .
حُبٌ تَرَآقصت نَغَماتُهُ تحْت بُقع آلدَمّ , وحِقدٌ غَلَفتُهُ مَشَآعرُ رَقِيقَة .
رَأيُكُم يٌهِمٌنِي
رد مع اقتباس