*** الفصل الخامس ***
انتقل صوته الى مسامع تلك الفتاة ذات الشعر الذي بدا كأن الشمس حاكته ... ذهبياً لامعاً لكن قصيراً فهي صارت
تقصره باستمرار ... عيناها الخضراء العشبية اتسعت قليلاً حين سمعت كلماته المعدودة ( هو وحيد الآن ...
اذهبي ) ... أغلقت الهاتف بسرعة و أدارت مفتاح سيارتها
مسرعة الى منزل رايان ... بينما أغلق الآخر الخط ليغطي عيناه العسلية اللامعة بكفيه من شدة تعبه ...
أما كين انشغل بمحاولة ايجاد توازن بين سرعة ركضه و ادخاله لأنفاسه فكادت الثانية تخذله من شدة تقطعها ! ...
هو في هذا الاستعجال الشديد لأن ما سمعه منذ قليل كلام خطير حقاً !
********************
منذ لحظات هو لم يستوعب الكلام الذي قاله روبرت ... تداخلت تلك الكلمات مع مسامعه لتدور بداخل عقله ثم
تخرج فوراً دون أن يصدقها فانعكس ذلك على تعابيره الحائرة ... ( هناك خائن ) كلمتان فقط جعلتا قلبه مثل
مايسترو فرقة موسيقية صاخب لا يشير الا الى قارعي الطبول ! ...
استعار روبرت من الهواء عدة أنفاس طويلة ثم أرجعها بزفير متهيأً للكلام ( الجميع يعرفون أن حوادث موت
حاملي الظلال الحية تصنف على أنها موت طبيعي ، هذا ما يتم ذكره حتى في تقارير الشرطة ، و يتم اخفاء أي أثر
للتقارير المختبرية أو التشريحية ...بسبب جهلنا لسبب موت سام لم يفارقني الشك أبداً ... استمريت بالبحث خلف
تلك التقارير المدفونة حتى وصلت الى حقيقتها ... كان دمه يحتوي على نسبة كبيرة من السم ممزوجاً مع عقار
خاص للهلوسة ... هذا هو سبب كوابيسه ثم انهيار صحته )
نظرات منكسرة من كين كانت تتوجه نحوه ... تتوسله بأن يكون كلامه خاطئاً ( مهلاً ! لماذا تفترض أن الفاعل هو
أحدنا ! ) ... صمت قليلاً ثم صرخ بفزع ( أرجوك لا تقل لي أنك تشك بنايت لأنه الوحيد الذي كان معه في
سفرهما وقتها ! )
( من يعلم ! لا تدع الشكوك تغادرك بشأن أحد و لا تبعد أحداً عن دائرة الاتهام دون دليل قاطع للبراءة ! ... أنا
هنا أخبرك ألا تثق حتى بي ! ... أما بالنسبة لك فتصرفاتك أثبتت عدم تورطك لذا أخبرك بالأمر ... ) صمت قليلاً
ثم ابتسم عابثاً بكوب القهوة أمامه و هو يهزه ( أتعلم أن سام كان يحب الأشياء الحلوة كثيراً و يضيف السكر
لمشروباته دائما ً؟! ... بينما نايت ذو طبع غريب حقاً فهو لا يفضل شيئاً معيناً بل حسب مزاجه المتقلب ! )
انقسمت تعابير عدم الفهم أكثر و أكثر لتشكل نسيجاً من الحيرة على وجه كين فهو يعرف ذلك بالطبع و لكن ما
دخله بما كانا يتحدثان عنه منذ قليل !
أحب روبرت بطريقة ما رؤية تلك المعالم المصدومة لذا كان يتكلم بذلك الغموض و يصمت دقائق ثم يتابع ...
تحدث مع قليل من الانفعال الذي لا يحب ابداءه ( هل تعلم أين وجدت خليط السم و العقار ؟! ... في السكر يا كين
! في السكر ! فهل تفهم معنى ذلك ؟! ... لذا أنا أخبرك أن الفاعل شخص مقرب فهو يعرف طباع و عادات كل من
سام و نايت ! ... ان استبعدنا أن الفاعل هو نايت نفسه سنفترض أن من فعلها حقاً كان حريصاً على قتل سام فقط
... فهو يعرف أن نايت في وضع كهذا سيكون سيء المزاج و لن يضيف السكر أبداً ! ، و أنا أخبرك الآن أيضاً أن
الفاعل لن يهدأ قبل قتل رايان أيضاً ! فالمجرم لن يترك أثراً للجريمة خلفه ، و بالنسبة له رايان أثر يذكره بفعلته
تلك )
مع آخر كلمتين بدأ سباق كين مع أنفاسه و مع الزمن ... ليصل الى رايان ... لكن لماذا يريد ذلك ؟!
في جانب آخر انهى جيمي شراء الأغراض التي طلبها منه روبرت ... و اشترى بعض الأشياء لمنزل رايان أيضاً
متوجهاً الى هناك لايصالها فهو رأى ان ساكنيه لا يهتمان كثيراً ...
أما نايت راوده ملله المعتاد من انتظار جيمي ... لذا قرر العودة للمنزل ...
بينما تطاير شعر تلك الفتاة الأشقر في طريقها نحو المكان ذاته ! ...
*************************
*** ظلال الماضي ***
قبل سنوات تدفقت أيامها متسارعة كشلال تتهاوى قطراته نحو نهايتها تختلط في وادٍ سحيق ، اجتمع ثلاثة أطفال
في مكان واحد كل منهم في ربيعه الثالث عشر ..داخل ذلك الميتم الصغير .
و من بعيد إن ركزت أنظارك عليهم في تلك الغرفة ستلمح ذاك الفتى الأشقر الصغير الذي لطالما كان منعزلاً "
جيمي " ، و في ركن من المكان يسترسل ذو الشعر الأحمر و الياقوتتين الزرقاء " كين " بحديثه مع من ناقضه
بما اصطبغ به شعره .. فتى بخصلات زرقاء داكنة و محجرين يلتمع الرمادي فيهما " سام " .
دلف إلى الغرفة يمنحها شيئاً من الفوضى ذو الإسم الظلامي " نايت " المتلائم مع عينيه و شعره بالداكن كليهما ،
اتجه أولاً يلقي التحية على كين و سام بينما يصطاد من جيبه الحلوى التي بداخله و يقدمها للثاني ، فتقبلها بسعادة
كما دائماً ، و لطالما قدم الجميع الحلوى إلى سام معرفةً بحبه الشديد لها .
اقترب نايت من جيمي يبعثر شعره محاولاً إزعاجه لكن الآخر كان شارداً و كل أفكاره تلتف حول والده الذي توفي
حين كشف فساداً لأحد رجال الأعمال ، فانتهى الأمر بموته ... و هو في ذلك الميتم ، و هذا ما لم يعرف به أحد
بالطبع حتى نايت الأقرب له .
" جيمي ! " صرخ بها نايت منزعجاً ينبه صديقه الذي لم يمنحه أي اهتمام ، فاجتُذب انتباه الآخر يفلت أفكاره
تلك بعيداً و يصب حواسه على نايت .. ابتسم له يومِئ برأسه مرحّباً بسعادة ، و بطريقة ما على الرغم أن كين و
سام معه في الميتم حقاً لكنه لا يتعامل معهما كما مع نايت
الذي يكون ابن أحد أصحاب الميتم و هو كان يزور أصدقاءه الثلاثة باستمرار .
أراد نايت أن يوبخ جيمي على شروده و لم تكن تلك سوى طريقة خاصة يعرب بها عن قلقه ! ، لكن قاطعه دخول
صديقهم الأخير ذو عينا العسل البراق و الشعر الحالك سواده ، نعم هو روبرت بهدوءه المعتاد يرمق الجميع حوله
ببرود اعتادوه مع معرفتهم جيداً كم هو يهتم لهم .
روبرت هو الآخر لم يكن من قاطني الميتم بل هو أيضاً ابن لمالكه الثاني .. حيث كان والده شريكاً مع والد نايت .
تنبه سام إلى تلك الأجواء المتجمدة و التي يكرهها ، لمَ لا يتحدث أحد ؟ ، نهض من جانب كين يرتمي بعناق طفولي
على أكثر من كان يطغى بروده " روبرت " ، فسقط الاثنان على الأرض وسط ضحكات سام التي تلاها بعض من
ضحكات روبرت ... لَكَم دافئ صديقهم سام هذا ! هو من
يجمعهم أغلب الأحيان و ينوي فعلها الآن حين نهض يتحدث بحماس
" لنخرج إلى الحديقة و نلعب معاً ! "
وافقه نايت من فوره يحث الجميع " نعم ! ، سام محق يكفينا مللاً ! "
هكذا كانت طفولتهم ، خمسة أطفال ... حمل أربعة منهم تلك الظلال الحية المتجسدة " سام ، نايت ، كين و روبرت
" ، أما جيمي كان طبيعياً و حسب على الرغم من إطلاعه على سرهم هذا .
مرت ست سنوات ليست بالقليلة حقاً ، لكن لمن يستعيد ذكرياتها يراها كلمحة من ضوء آلة تصوير فقط ..
لا يزال روبرت يذكر حين توفي والده بعد بلوغه الثامنة عشر بعدة أيام ، و كعادته لا يرجح كفة حزنه على
مسؤولياته .. هو تولى إدارة الميتم بكفاءة على الرغم صغر سنه و قلة الموارد ، لكن انكساره الأكبر حين تخلى
شريك والده عنه و انتقل إلى مدينة أخرى نابذاً الميتم و كل ما فيه على روبرت و كأن ذلك الشاب حديث العهد
بالميتم ليس ابن شريكه الراحل ! هو ترك كل شيء و ذهب فقط ... يساهم بين فترة و أخرى بإرسال مبالغ لا تغني
شيئاً من الاحتياجات ، واضعاً روبرت أمام خيار صعب جداً .
خياره الصعب هذا عند عجزه كان إغلاق الميتم ... لكن هل حقاً سيتخلى عن الأطفال ؟ ما مصيرهم إن فعل ؟ .
و في نفس الوقت أصدقاؤه الثلاث بلغوا الثامنة عشر و حان وقت خروجهم للحياة و اعتمادهم على أنفسهم ..
دعاهم حينها للعيش معه في منزله ريثما يستطيع كل منهم الاعتماد على نفسه ووالاستقرار فهو وحيد بعد وفاة
والده .
أما نايت ساءت علاقته مع والده و تشاجر معه رافضاً الانتقال مع عائلته إلى مدينة أُخرى ، رأى أن ترك كل شيء
على عاتق صديقه روبرت خيانة ، لذا فضل البقاء معه و مساعدته عوضاً عن والده .
و لا يزال روبرت أيضاً يذكر ذلك اليوم حين طرقُت باب منزله منتصف ليلة ماطرة فكان هو أول المستيقظين ،
فتحها ليصدمه صديقه المبتسم على الرغم من كونه مبتلاً تماماً و قد انسدلت خصلاته السوداء تغطي عينيه التي
شابهت نقاء ظلام تلك الليلة .
ظن حينها أن نايت سيغادر مع عائلته ، و كعادته يكبح مشاعره من الظهور حتى لنفسه ، أزعجته مغادرة صديقه
لكنها أقفل على انزعاجه و خيبته داخل صندوق لا يتسرب منه شيء مما يشعر به عدا غضبه الذي يتسلل رغماً
عنه و يجعله أحياناً يرغب بتحطيم كل شيء .
رمش عدة مرات بعينيه العسلية الناعسة و التي تسللت بعض من دموعها المترقرقة دونما سبب يذكر ، بل هي
دموعه تلك التي تتواجد باستمرار ، طرد صدمته نايت الذي دفعه مبعداً إياه عن الباب داخلاً إلى المنزل متذمراً
" أنا أرتجف و أنت هنا غير مدرك إن كنتَ في حلم أم واقع ! " ، فرقع بأصابعه أمام روبرت يضحك بخفة
" هو واقع يا عزيزي و قد استيقظتَ تواً ! "
انضم نايت إلى أصدقاءه في سكنهم يساعد روبرت بما يستطيعه في إدارة الميتم ، أما البقية وجد كل منهم عملاً
يجمع منه المال كي يستقر وحده لاحقاً .
لم تمضِ أشهر إلا و قد لاحظ الجميع ذبول روبرت و إرهاقه الشديد على الرغم من مساعدة نايت له ، لكنه و بكل
حال لن يستطيع إرجاع الميتم كما كان في عهد شراكة والده و والد نايت .. فاتفق الجميع حينها
" سام ، كين ، جيمي " على مساعدته أيضاً ..و هو لم يقبل بأي شيء منهم سوى حين وافقوا على البقاء في
منزله للأبد ، لا يريدهم أن يضاعفوا عملهم و يُرهقوا لتفكيرهم في مساعدته و ترك المنزل في وقت واحد ، بل أن
يطفو فكرهم على شيء واحد و هم بالطبع آثروا معاونته على كل شيء آخر لذا وافقوا على شرطه .
أما ايان فهو من أطفال الميتم بل و أكبرهم سناً ، و مع ذلك هو كان شديد التعلق بروبرت .. فما كان من الآخر
سوى أخذه للعيش معه أيضاً و عذره هو كون ايان مساعداً له ، لكن السبب الرئيسي بالطبع أن ايان كان يراه
كشقيق أكبر له حقاً فلم يرد ابعاده عنه .
أعقبها بفترة حصلت حادثة اكتشاف مرض الطفلة و موت سام .
*************************
*** عودة للحاضر ***
لقد كان أول الواصلين ... محا الملامح اللطيفة عن وجهه ليستبدلها بأُخرى خبيثة ... انقلبت شخصيته تماماً و هو
يهيأ سلاحه بين يديه ... و كأنه كان يرتدي قناعاً ليس حول تعابيره و حسب بل مغلفاً روحه أيضاً ! ...
قلب شعره الأشقر نحو الخلف كاشفاً و بوضوح عن مكر اختبأ لوقت طويل خلف تلك العيون الزرقاء الفاتحة كسماء
صحوة تخدع مراقبيها بمطر غير متوقع ... أزال زر الأمان عن مسدسه مقابلاً لرماديتي رايان الناعستين ...
قطب حاجبين بانزعاج لسماعه صوت خطوات مسرعة قريبة توقفت مع مسدس موجه نحوه ... كين الذي كان
حرفياً يطبق كلام روبرت بعدم الثقة بأحد لذا لم يتردد بتوجيه سلاحه نحو جيمي ... ان كان هو الخائن سيوقفه و
ان لم يكن فلا بأس بتوضيح سوء الفهم لاحقاً ... سوء الفهم الذي لم يتواجد لأن الفاعل كان جيمي حقاً !
لم يكن لأي منهما أي ينطق وسط تلك النظرات الحادة من كليهما ... و كأن ذلك الجو المشحون بالغضب لم يكن
كافياً بين اثنين ليتدخل شخص يكمل العدد الى ثلاثة رافعاً شحنات الغضب الى أقصاها ! ... هو نايت بالطبع الذي لم
يفهم شيئاً سوى أن سلاح جيمي نحو رايان الذي وقف بهدوء كعادته و خوف من المجهول حاول اخفاءه ... و
سلاح كين الموجه نحو جيمي ... فلم يقصر هو الآخر و أظهر سيفه دون أن يعرف حقاً كيف أو لماذا أو حتى من
سيشهره بوجهه ! ...
دقائق مرت فسقطت كل تلك الأسلحة أرضاً بسبب تلويحة من منجل أسود بين يدي سيده الذي بدا في غضبه كثقب
أسود قد يبتلع أي شيء و يدمر كل شيء ! ( البشر كعجلة ألوان تدور بسرعة ، على الرغم من اختلاف ما بداخلها
، في النهاية تعكس لوناً واحداً ... و بالنسبة للبشر يعكسون
لون الخيانة ! ) نطقها بهدوء و حدة مردفاً ( لن يلمسه أحد قبل أن أعرف أسبابه و يجب أن تكون منطقية حقاً
لئلا أقتله !
التقط روبرت تلك الصورة التي ارتمت نحوه مع ابتسامة ساخرة من جيمي ( هل تذكره ؟! ... رجل الأعمال الذي
كان ضحيتك قبل عامين )
رده الآخر بابتسامة ساخرة أيضاً مع نبرة من النمط ذاتها اختبأ غضبه خلف ظلالها ( اذاً هي تلك القصة المعتادة
عن كون ذلك المجرم والدك ... هذا يناسبك حقاً ! ، أهو من رماكَ في الميتم ؟ )
قالها و هو يعرف أن كلماته سواء كانت صحيحة أم لا فهي ستسحق مشاعر الآخر و بشدة لكن ليس و كأنه يهتم لأي مما حوله حين يصل غضبه أقصاه .
قاطعه جيمي بحدة ( ليس كذلك ! بل هو المجرم الذي قضيت حياتي أحلم بكيفية الانتقام منه فهو قاتل عائلتي !
... هو المجرم الذي امتلأ عقلي أفكاراً طوال الوقت بكيفية قتله ... هو الشخص الذي قاده القدر نحوي مصادفة
لأعلم أن مهمة قتله تم اسنادها اليك ... ثم يأتي سام ليرفض بكل بساطة و يقنعك ! وقف عقبة في طريقي بعد أن
رغبت بشدة بأن توافق و تقتله ... و هكذا لم يكن الأمر يحتاج مني سوى التسلل كل يوم الى شقته الصغيرة هو و
نايت و دس السم له لينهار و يقتله ظله فتختفي آثار الجريمة تماماً لأنها لم تكن جريمة أصلاً ! لم أقتله بيدي و
ليس اللوم علي بل عليه لأنه رفض قتل ذلك الشخص فنال ثمن أفكاره تلك و عالمه الوردي الذي لم يخرج منه ! )
دار المنجل بخفة مع كلمتين ( ودع حياتك ! ) ...
التعديل الأخير تم بواسطة Rin067 ; 06-25-2017 الساعة 02:24 PM
سبب آخر: التنسيق
|