الماسي : دمعة سجين الزمن//Harsh winters
وهل تراني يا زمن
إن كنت تراني
فأخبرني ما حالي
سجين أنا بين ثناياك
أترقب ذكرى مريرة
وضعتها بألبوم أحلامي
فلما تسألني لما الدموع
قصة قصيرة بقلمي
بعنوان : دمعة سجين الزمن
تراكمت السحب في أنحاء السماء , سماء سطا عليها الديجور ,
وتلك النجوم تضيء درب الساعي في الظلمات من فجوات الديجور, فتأثر القمر فبكى ضياءا فياضا تشدو إليه النفوس ,
أحست السحب بمقدار ألمه وألم تلك اللآلئ التي يتآكل نورها مع كل ليلة فتفنى بنهايته
, إمتلأت أعينها بالدموع فبكت مطرا نديا غلف طرقات تلك المدينة ,
فدوت الريح وعصفت متسائلة لما تبكي السحب , كم اشتاقت ريح هذه المدينة وحنت وطال بها الشوق , إلى بلورات ثلجية تتهادى معها من عنان السماء إلى الأرض لتخيط حلتها البيضاء منها ,
ولكن آه وأسفا لن يحصل ذلك إلا بموت السحب وآه أتتمنى الريح موت شقيقتها
أعرضت عما جال في خاطرها , وزادت قوة عصفها لترتطم بجثمان غطته بعض أسمال البالية ,
جثمان ضخم لرجل قست عليه الحياة , قبعة ممزقة , ثياب مهلهلة , معطف قديم لا وجود لأكمامه , قد انتزعه من جثة رجل أشبه به حالا لم يتحمل قسوة الشتاء , حافي القدمين , بارد أطراف , ميت الجوارح ,
بخطوات متثاقلة,
يمشي والصقيع يخترق كيانه كالإبر, رفع أعينه البارزة من تجاعيد وجهه نحو نافذة وجدت في الطابق الثاني لبناية بيضاء كتب على بوابتها مستشفى أملا أن يسد جوعه بكسرة خبز ترميها إليه نزيلة تلك الغرفة كالعادة,
جلس مستندا على الجدار ينتظر نهاية المطر , ألقى بناظريه إلى السحب , تلك السحب العقيمة التي لم تعرف الثلج يوما , ليس كسحب مدينته التي تظل تثلج
ذلك الثلج البارد الذي أهلك كيان والدته وأخته الرضيعة التي لم يكن لها أن تتحمل الجوع والبرد لترحل روحها بين يدي والدها الذي لم يجد نقودا يوفر بها إحتياجات عائلته التي نخرها الفقر فجن جنونه
وبينما هو عالق في ما مضى , سمع تأوهات قادمة من قريب , لم يهتم للأمر بل ظل يحدق بزوار السماء ,
زاد تللك التأوهات فأمال رأسه ليتفاجئ بتلك الجثة المتشبثة بالجدار
جثة فتاة قد فعل بها المرض ما فعل , فلم يتبقى بها إلى روح على وشك المغادرة ,
حملق بها بعينيه الجاحظتين لتسقط هي
إقترب منها حبوا على قدميه , وسارعت أنوار الشارع لتريه أطلال وجهها , ليزداد تفاجئه ,
كان له أن يتركها فمن قسوت قلبه أنه لا يبالي بأحد , لا يبالي بمن حوله ,
سواء صرخوا سواء بكوا , عذبوا , تألموا , توسلوا , ظلموا , ماتوا , هو لا يهتم بل قد ينغمس أحيانا في زيادة ألمهم إن لم يكن هو سببه
ساعدها على الوقوف
أيساعدها , أيساعد من سجنته أيام بسجون العزلة والعذاب , أيساعد الذي إنتزع قلبه بيديه ,
أيساعد من يشتهي ألم آخرين , أيساعد من صار أنين الغير موسيقاه العذبة , أيساعد الذي لم يساعده أحد غيرها
ببساطة لقد كانت تلك العطوف من فجوة الأمل الملتصقة بحائط هذا المشفى ,
كانت تلك الفتاة التي ترمي إليه كسرة الخبز لتساوي لديه العالم وما فيه
أراد أن ينطق " هل أنت بخير ؟" ولكن أمر كان واضحا , قالت بصوت مبحوح متقطع متمزق
- أرجوك , لا أحد يريد مساعدتي , خذني إلى قبر أمي
هل فقدت قبل أن تفقد , لقد فقدتت قلبا عطوفا فحرمت , فقدت حنانا فياضا فقهرت ,
فقدت حبا متمايزا فعانت , فقدت وجه بشوشا فحزنت , فقدت حضن دافئا فمرضت ,
فقدت أمانا دائما فتعذبت , فقدت كل شيئ فهاهي ستفقد نفسها الأخرى
-------وهنا ولدت الخاطرة-------
على صراخ مدوي وضجيج هائل وصراع دامي , فتحت عينيها سوداوتان بإرهاق شديد , أمالت بيدها لتزيح الغطاء العتيق عن جسدها الصغير ,
حملت رأسها بتثاقل لتجلس بإعتدال على فراشها المفروش على الأرض , مسحت عينيها من تعب لترى زجاجة خضراء تطير في الهواء آتية بإتجاهها
أخذ الرعب يأكل أطرافها , فبتعدت بسرعة لتصيب كتفها , لتتناثر الدماء وشضايا الزجاج ودموعها في الهواء , صرخت ومن يهتم لصراخها فهاهي أمها الحنون ميتة ,
تركت جثتها على الأرض الباردة , ومازالت قدمها مقيدة بأغلال فولاذية قاسية على جسدها الهزيل الذي أرهقه الشتاء
كم كان الشتاء قاسيا عليها فقدت في شتاء قديم ابنتها من شدة الفقر والبرد , وشتاء آخر فقدت فيه صحتها وشتاء أخر فقدت فيه روحها
لم يكتف زوجه بألمها بعدما كان السبب في فقدانها صحتها لأنه كان يجبرها على المجيء بالنقود من أي مصدر كانت , لم يكن مهتما كان يريد نقودا فقط ليشتري بها ما يفقده عقله ,
ما ينسيه فقدانه لإبنته بتلك الطريقة البشعة ,وكان في كل مرةيعود فيها الى رشده بعدما ينتهي مفعول تلك السموم كان يعود أكثر جنونا وأكثر وحشية وأكثر تعطشا للدماء , لم يكتف يوما من صراخها ,
ألم تفقد هي أيضا إبنة أو لم تكن إبنتهما , ألم يهتم لمشاعرها لقد كانت أما , لم يهتم مطلقا بل قام بربطها وتعذيبها إرغاما لإبنه ذو الخمسة عشر ربيعا بأن يجلب له النقود
وقد تأخر اليوم كثيرا , ليصل به تذمره وجنونه المطلق إلى قتلها ,
لم يهتم لتوسلها أو صراخها بل قتلها بأبشع الطرق , أمام إبنتها ذات الخمسة سنوات التي كانت واقفة عند الباب ممسكة لكتفها ,
بقيت صامتة تنظر إلى جنونه في تمزيق جثة والدتها , مصدومة , ميتت الحواس و الأطراف
----------ألديكم قلب-------
- هذا ليس قبر والدتي حقيقية إنما هو قبر المرأة التي ربتني بعدما قتل والدي أمي وقام أخي بقتل والدي وألقيه به نحو السجون , وتركني وحيدة أعاني معاناة أيتام داخل الملاجئ ,
ربما كانت حياة الملاجئ التي عشتها أرحم من معيشتي اللأولى فالحمد لله
بقي صامتا , مختنق الأنفاس, أيعقل أن تكون , أقنعته بكلماتها المقطوعة من تماسك روحها
- كم دعوة الله أن ألتقي بأخي قبل موتي ولكن يبدوا أن أنفاسي الأخيرة آن أن تلفظ ,
أخي أسمه محمد وضع في سجن بعيد , لم أسمع به منذ أن إفترقنا, إن إلتقيت به فأخبره أنني فعلا أحبه وأنا أسامحه ,
فعند فراقنا كان ملطخا بالدماء بين أيدي الشرطة .. لازلت أتذكر أخر كلماته .. قال لي " سامحيني " وأنا أسامحـ...
لم تتمكن من إكمال كلماتها لتقطع أخر أنفاسها رافعة لإصبع السبابة ناطقة بالشهادتين ,
مبتسمة ضاحكة ناظرة لسماء التي إنقطعت عن البكاء وقرر أن تفنى على شكل بلورات ثلجية تتهادى من كبد السماء المدلهمة
بقيت أعينها السوداء الفارغة مفتوحة ليغلقها هو بيده , ويحتظنها ,
وقد عادت دموعه التي فارقته من سنون , زاد ألمه بعد أن عجز على إخبارها أنه هو شقيقها وأن دعوتها استجابة
كان عاجزا فقد قطع لسانه بأحد السجون منذ سنوات ,
ترك جثتها على الأرض جانب قبر المرأة التي ربتها , وأخذ يسير ببطأ شديد بخطوات مترنحة
قطع طريقا طويلا ولم يحس أبدا , كم كره ذلك الثلج , لم تثلج السماء يوما إلا من أجل أن تألمه , ولم يدري أنها كانت تثلج لتواسيه
قال بين خواطر روحه " لما يا الله .. أشهدتني موتهم جميعا "
صمت وقد تذكر بأن الله لا يفعل شيئا إلا لحكمة , تذكر كلام أمه التي ألصقت حب الله رغم كل ألام بقلبه وقلب شقيقته
ونسي ذلك كله حتى ذكرته به شقيقته قبل قليل
وعلى غرار أبصاره الضائعة لفت إنتباهه زجاج متناثر على الأرض إقترب منه وقد تلاعبت كل الشياطين بعقله ,
فجأة نسي كل شيئ وصار يفكر بالهرب من هذا الواقع المرير
وقبل أن يهم بالرحيل سمع صوت بكاء مرير ينبثق من صندوق ورقي ,
إقترب منه ليجد رضيعا يتألم من الجوع والبرد
حمله بين يديه وذهب في طريق مجهول وقد فهم المغزى من كل شيئ .
... النهاية ...
جلست على قارعة الطريق أنظر
كانت ذكرى تنشد
بالله عليكم أخبروني
أواقع هذا أم شبح كابوس
أخبروني
كسرت أجنحتي وتناثر دمعي
ويسألني لما الدمع |
[/COLOR]
__________________
رغم كل شيئ
التعديل الأخير تم بواسطة آميوليت ; 07-05-2017 الساعة 01:35 PM |