عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-05-2017, 04:48 PM
 
فتنةُ أطلنتا || "مَهرَجان المَوتَى .

-روز









" سأكون بانتظارك ".
شد قبضته على مسند الكرسي المهتريء ،وهو يتذكر ثغرها المبتسم عندما قالت هذا الكلام ،
تسلل الحزن إلى تقاسيم وجهه ، استيقظ من شروده إثر ضربة أصابت رأسه ،
فنظر خلفه باسرًا وجهه ،
فقال الشخص الذي خلفه بنفاذ صبر : "فرناندو ، تعلم أننا يجب أن ننتهي من التحضيرات قبل المساء ".
أخد فرناندو نفسًا عميقًا وتبعه بإطلاق تنهيدة يأس : "ماذا سيحدث إن فشل الأمر ، مارينو؟ تعلم أن لا أحد قبلنا أجرى مثل هذا السحر ".
ربت مارينو على كتفه ، ثم مد يده ليجلب مقعدًا ،
وجلس وهو يردد : "لا تقلق ، كل شيء سيكون على ما يرام
ثم أردف قائلًا : "هيا ، يجب عليك التدرب لإلقاء التعويذة بالشكل المناسب
ولا تنسى المرور على العم خوان لإحضار ماء بيوسا.
"
غادر مارينو ،و التفت فرناندو إلى كتاب ثخين موضوع على طاولة مستديرة ،
جذبه نحوه ، ثم بدأ بتقليب صفحاته ، حتى وصل مراده ،
بدأ بتحريك عصاه في الهواء لتترك بريقًا في كل انثناءة ثم بدأ بترديد التعويذة .
استمر على هذه الحال قرابة ساعتين ، ب
عدها جال بمقلتيه حتى وقع نظره على باقة من الزهور الصفراء ،
تلك النظرة كانت كفيلة بسحبه إلى ماضٍ قريب .
(استلقت أسفل شجرة كبيرة ، فتلامست خصلات شعرها الفاحم مع الأوراق المتساقطة،
وانعكس ضوء الشمس المتسلل من بين الأماليج ، مع لون عينيها العسليتين ،
ما دفع عضلات وجهها على الإبتسام ، أسندت ظهرهاعلى الشجرة
عندما سمعت خطوات شخص ما ، نظرت باتجاه الصوت ثم قالت بحماس وهي تلوح : "فرناندو ، أنا هنا ".
تبسّم لرؤيتها ، ثم جلس بجانبها بهدوء وهو يقول : "بلانكا ،تبدين في مزاج جيد اليوم ، هل حدث شيء ؟".
أصدرت بلانكا ضحكة خفيفة ثم قالت : "حقيقة لاشيء جيد حدث اليوم ،
والدي يرفض ذهابي الى أمريكا الشمالية ، لذا ليس هناك فرصة لرؤية الأزهار المخملية القائمة ،
وأيضا أنا ..
"،،صمتت قليلا ،ثم أردفت : "لاشيء ، لا تهتم بالأمر ".
ضاق صدره عندما رأى الابتسامة تتلاشى عن محياها ،
ليقول بصوت مرتفع :" سأذهب أنا ".
نظرت اليه باستغراب ثم قالت: "ماذا تقصد ؟"
فوقف بحماس ،
وأمسك بكلتا يديها وهو يقول : "أعدك بأنني سأحضر لك من تلك الازهار ، ولو كلف ذلك الكثير ".
"ولكن .." لم يدعها تكمل كلامها ،و أضاف على كلامه : "أعلم كم تتوقين لرؤية هذه الأزهار ، و كم تعبتي بالتحضير لهذه الرحلة ، ولكن لا تقلقي ، حسنا ؟ ".
رسمت بسمة لطيفة على شفتيها : "حسنا ، سأكون بانتظارك .")

"وعندما عدت هل كانت بانتظارك ؟ "
هذا ما قاله الرجل العجوز وهو يضع وعاء كبير يحتوي على سائل ملون على الطاولة ،
استيقظ فرناندو من ذكرياته وارتسمت علامات التعجب على وجهه
ليقول بتوتر : "أوه سيد خوان ، آسف لجعلك تحضر كل هذه المسافة" .
رد عليه العجوز بعد أن أصدر ضحكة :” لا مشكلة ، ولكن لم تجبني على سؤالي بعد" .
وضع فرناندو يده على جبينه وقال :” لقد توفيت ، ولكن كيف علمت انني أفكر بهذا الأمر “.
قال وهو ينظر الى باقة الأزهار المخملية :" لا تنسى انني الساحر خوان ، وقراءة العقول ليس
أمرا صعبا علي
".
اختفى العجوز ، ثم خرج الآخر لرؤية تجهيزات الآهالي للمهرجان ،
مر بمجموعة من المتاجر الصغيرة التي تبيع الجماجم بالسكر ،
وهو عبارة عن خبز بشكل جماجم يرش عليه السكر ،
وعادة ما يتم صنعه في هذا المهرجان ،
مر أيضا بمجموعة من الأطفال فأوقفه أحد الأطفال مستفسرًا : "سيدي هل يمكنك اخبارنا لما سيقام اليوم مهرجان ؟".
تبسم فرناندو وجمع الأطفال حوله ثم قال : "اليوم هو يوم الموتى ،
نقيمه كل عام لنحيي ذكرى أحبائنا وأقرابنا الذين فارقوا الحياة ، حتى لا يظنوا أننا نسيناهم ،
وليبقوا دائمَا أحياء في قلوبنا ، ولكن اليوم سيكون هذا المهرجان مختلفا ، والآن استمتعوا باللعب
".

حل المساء ، وتزينت المقابر والزوايا بالأضواء البهية ،
وتجمع الناس حول منصة لتقديم الطعام والشراب كقرابين للأموات ،
ومنهم من قدم تذكارات بسيطة ووضعوها على المنصة ،
ظنوا أن هذا المهرجان سيمر كعادته ،
عندما انتهوا من ذلك تقدم فرناندو ومارينو واثنين آخرين ووقفوا أمام المنصة ،
بدأ فرناندو بالكلام قائلًا :" أيها الناس ، هذا المهرجان سيكون مختلفا ،
لن يكون علينا الندم لعدم قدرتنا على الاعتذار لشخص قد مات أو حتى الاعتراف له ،
اليوم نحن السحرة الأربعة سنقيم استدعاء للموتى ،
لذا رجاءا أمسكوا بأيادي بعضكم البعض وأغمضوا أعينكم
" .
أطاع الأهالي تعليمات فرناندو بصمت ،بدأ مارينو ورفاقه برسم نقوش غريبة على الأرض ،
ثم وقفوا حول فرناندو أخرج كل واحد منهم عصاه السحرية ، وبدؤوا بتحركيها ،
ثم قرأ فرناندو التعويذة بصوت مرتفع:
ستيلاي ستيكندي شالو
" النجوم التي سقطت من السماء"
ميساك بيريوس تيلا امنتا تيرا
" الارض التي نبذت العشاق "
بير فيدم كواس لاتيريس
" الوعد الذي جاء في الاسفار"
كود غارنيس جوات مور سانتي ايس
" حكايا الشياطين التي ماتت"
سبيريت بيتبان سينسترام
" الارواح التي ذهبت "
ابيريام انيام ايترسم اد فوس فيري كونسيت
"نفتح لكم الباب مجددا لتعودوا"
فريغ كاب , لوكيس كارفيار , سنكس كاتيوم
" كاس بارد , جمجمة ,اغنية قديمة "
هوداي ريجونيبوس مالاكون
"استعدوا فاليوم الاحياء ملاقون للاموات"
كومباراراريم برو ديفونكتيس
"فلتملأ القلوب دفئا من اللقاء"
فيلمول ان كوردديبوس فيستريس بايرتا
"فليسطع وهج القوى في السماء"
ايت لاكوس فاتايا اي فاسيري فيربا تراهينتم
"ولتتمايل الكلمات ولتصنع تعويذة الحياة"
ايس اوتم تمبس كونفينتو دوماين مورتوس فيلتستكزاوا
"حان الان وقت اللقاء فلتستيقظوا ايها الاموات"



كان الكون كله بعد تلك اللحظات قد سكن ، استمر الوضع هكذا لدقيقتين ،
ثم فجأه بدأت المقابر تتجمع مع بعضها وتعلو شيئئًا فشيئًا حتى شكلت بوابة ،
نقشت حدودها بالجماجم وعظام الفخذ لجثث الموتى ،
لم يستطع أحد من الحضور أن يحرك عينيه بعيدًا عما كان يجري ، لقد تسمروا جميعا.
هبت نسائم باردة بعد أن فتحت البوابة وبدأ البعض يشهق عند رؤية أحبائه من الموتى وهم يخرجون ،
لم تكن جثثا متعفنة بل كانت تلكَ ارواحهم كما عهدوها قد عادت اليهم ،
بعد نصف ساعة كانت كل القرية تقضي وقتًا دافئًا ،الأم التي تشكو لزوجها من وحدتها بعد رحيله ،
والعجوز التي مازالت تتظاهر بالقوة حتى بعد أن بقيت وحدها بدون أبنها الراحل .
كان الجميع مع من فرقهم الموت مرة ، يتسامرون ويضحكون إلا هو،
كان فرناند يركض هنا وهناك وبيده باقة الزهور ،يحاول أن يلتقط أنفاسه لكن عبثًا ،
لم يستطع ايجادها حتى الذين يسألهم لم يروها ،
همس بصوت خائف : " لماذا ليست بلانكا معهم ؟"
سمع أحدهم يناديه من بعيد , كان خوسيه وألفريدو الذي يتبعه .
قطب حاجبيه فلم تكن تعابيرهما توحي بخير قادم .
"هناك مشكله"
لم يستطع خوسيه اأن يتحدث أكثر بل سقط أرضا وراح يتنفس بصعوبه ،
أكمل ألفريدو الكلام عنه:" نحن لم نضع بالا للأرواح التي ستأتي ،
لذلك نسينا خوليو يا فرناندو
".
انبلجت عيناه من الصدمه،صحيح لقد كان خوليو معروفا بالسفاح القاتل ،
ولو لم يغدر به مرض الطاعون لما استطاعت القرية أن تتخلص منه ،
أمسك فرناندو ألفريدو من كفيه بقوه وصرخ : " أين هو؟؟" .
تكلم خوسيه أخيرا : " نحن لا نعلم بعد لكننا انتبهنا للأمر فقط الآن يجب أن نبحث عنه قبل أن يفعل أي شي " .
فجأة بدأت تعلو صراخات من الجهة الشرقية فركضوا جميعا إلى هناك بينما كان السكان يركضون في الجهة المعاكسة ،
عند احد المنعطفات ظهرت فتاة تجري ولكنها سرعان ما تعثرت وسقطت ،
حين أظهر رأسه بكل شيطانية وابتسامة عفريت ، كانت الديدان تخرج من جمجته المتصدعة ،
وكان يغطيه بعض الجلد فقط في مناطق قليلة كان مشوها لأبعد حد ،
رفع قطعة الحطب المدببة بالسكاكين الصدئة ووجه ضربة قاتله نحوها ،
لم تستطع إلا أن تغمض عينيها وتصرخ على أمها ،
الأخيرة التي ظهرت وتلقت الضربة :"غابريلا فلتهربي حالًا"
تساقطت دموع الفتاة لكن والدتها ابتسمت وقالت :" أنا مجرد روح هذا لا يؤذيني أسرعي ولتهربي " ،
ما إن قالتها حتى تلاشت روحها في العدم ، كان خوليو سيوجه ضربة أخرى لكن أسهم فضية هاجمته من الخلف ،
هتف الشبان الثلاثة معا : " مارينو"
صرخ مارينو بقوة : " أسرعوا نحتاج الى دائرة الختم لايقافه ،يجب أن نعيده من الجحيم الذي أتى منه"
تردد فرناندو وقال بصوت خافت :" لكن هذا يعني إغلاق البوابة وأنا لم .."
وضع خوسيه يده على كتفه وقال :" يجب أن نوقفه "
تنهد كلاهما بقوة , ثم تقدم الفريدو نحو خوليو بحذر:" لطالما أردت أن ارسلك للجحيم " .
قام كل واحد منهم بمحاصرته من الجهات الأربعة وبدؤوا بترتيد التعويذه الاولى عند فتح البوابه بطريقة عكسية ،
لوح خوليو بقيضته وصرخ :" كما لو أني سأدعكم تفعـ.." نظر إلى رجله فوجد الأرواح الأخرى تحاول إيقافه ،
جعله هذا غاضبا أكثر فبدأ بقتل ورمي الجميع في الأرجاء ، لكن لم يدعه أحد يخرج عن الدائرة السحرية ،
أمسكه طفل صغير كان قد مات منذ زمن بالمرض :" لقد قتلت أمي والآن سأنتقم منك " ،ضغط خوليو على أسنانه وقال :" بل سأقتلك أيضا " ،
كان يستعد لسحقه ولكن بدأت سلاسل أخرى تظهر وتحيطه وتسحبه للقاع ، لقد أنهى الشبان التعويذة
وبينما الجميع يراه وهو يسقط ويصرخ صائحا :" كلا , لا اريد العودة , انا آسف , ساعدوني كلاااااا"
بدأ سكان القرية يعودون أدراجهم شيئا فشئيا أما أمواتهم فكانوا يتلاشون أيضا ،
انتبه فرناندو وصرخ : " لم أجد بلانكا حتى الان " ،
حمل الأزهار التي سقطت لكن خوسيه اوقفه وابتسم قائلا : " فلتذهب الى الشجرة , كانت تنتظرك هناك " .
همس فرناندو بتعجب : " صحيح الشجره , حيث وعدتها " .
وصل أخيرا بعد عناء الركض ، عندما رأته لم تستطع منع نفسها من أن لا تضحك
وقالت :" أنت لم تكن يوما على موعدك " .
جمع بعض ذرات الهواء في صدرته وقدم لها الازهار وهمس :" لكنني أفي بوعودي " .

أخذ الصغير الذي كان يستمع لحكاية جدته حلوى السكر وراح يتناولها ،
ثم نظر من النافذة إلى ذلكَ الحقل الذي كان الناس يتجمعون حوله كل يقطف تلك الازهار المخملية ،
التي تنمو مرة كل سنة ولمدة اسبوع ثم تختفي بعدها كما السحر ، وقال لجدته : " ماذا حدث بعد ذلك؟ " ،
ابتسمت الجدة وردت عليه : " يجب أن نترك لهما خصوصيتهما ألا تعتقد ذلك ،كاسيلو ؟ " ،
لم يرد عليها فقد دخلت أخته غابريلا بقوة ، تقدمت نحو جدتها بسعادة وأهدتها طوقا صنعته من الازهار ،
علت الابتسامة وجهها وقالت بنوع من الخجل : " جدتي نحن نقدم هذه الازهار للناس الذين نحبهم أليس كذلك ؟
اومأت الجدة براسها وأخذتها منها ثم قدمت لها حلوى السكر أيضا ، اخذتها بلهفة ومعالي الفرح تكسو وجهها لتهمس:"إنها أرض السحر حقا " .


تَمَت



التعديل الأخير تم بواسطة كواندا ; 08-20-2018 الساعة 12:19 AM