أيام سالفة...أناديها، فتهجرني دون رحمة ..
لحظات سابقة...ألاحقها فتتجاهلني دون اكتراث...
أبي، أمي...
وهباني الحياة و ودعاها حين سعادتي !
فهل لي السعادة بعدهما..؟!
ذلك وهم ..لا صحة له..
-------
-------
كنت معها دوما ...
كانت معي دائماً...
هيَ أختٌ لا بل صديقة ..
عندما أرغب بالبسمة أجدها جواري و عندما أذرف الدموع أجد دموعها تنزل قبلي ...
تلك هي من تبادلت حياتي معها ..!
تلك هي..
"فينيسيا"
---------
----------
أذكر للآن تلك البداية لتحطيمي
فتاةٌ فقدت والديها أصبحتُ بعد ذلك الحادثِ المريع..
في تلك الساعات التي كنتُ بها أرسم آمال السعادة ، منتظرةً وصولنا للريف
والدي يوجه حدقتيه للأمام و ذراعيه ملتصقتان بالمقود الجلدي ، بينما يحادث أمي ..
لآخر جملٍ و حوار ..!
" آزابلانكا ، من هنا أشم رائحة أوَّلِ لقاءٍ لنا..أتذكرين؟"
أمي..بدى صوتُ أمي...
نغمة الفرح ممزوجةً بالمرح ، و هي تطلق عنان لسانها الساخر من زوجها الموقر الذي بدأ محادثة الماضي بلكنة فارهة: بالطبع ، تقصد عندما سقطت من شجرة التوت الأحمر لشدة ذهولك لجمالي الساحر ..كيف لي أن أنسى أنفك المحمر ، فهو أوَّلُ ما رأيت.
إعتراضٌ تجلَّى في تقطيبة خفيفة على ملامح والدي ، هذا الرجل الذي مازال يحتفظ بسيماءِ شبابه قال لها : كفِّ عن سرد القصة من طرفك فقط عزيزتي ...لقد فاجأتني فقط بصرختك المرعوبة من دجاجة الحظيرة التي خرجت عن السيطرة .
كنتُ أصغي بصمت ...
واضعة ذراعي تحت ذقني ناظرة لما حولي من طبيعة خضراء أبدعها الباري من خلال النافذة المفتوحة التي تقود النسيم لمداعبة قسماتي و شعري الأرجواني الداكن الذي ورثته من والدتي...
لها جمالٌ أخاذ يأسر القلوب ..هذه الطبيعة ...
سلبني التركيز جملة مغتاضة وجهتها أمي لزوجها ..الذي يكون أبي : ماذا ..؟..تقصد أني لم أكن جميلة عندما رأيتني؟!
كنتُ مستغربة...
لمَ هذا الطبع الطفولي يظهر فجأة بينهما ، و مع ذلك...
لوالدي أسلوبه الذي يقلب موازين الأمور..بل المشاعر : عزيزتي ، لم أقصد ذلك... لكنني أراك أصبحتِ أكثر جمالا بعدما امتلكتك .. لذا لا أقيسك بما مضى..
حمرة أمي..خجل أمي، و بهاءً ظهر من محياها جر والدي للإبتسامة...
كانت فخرا بنصره، أم فرحاً لابتهاجها ...لا أعلم...
صمت هو ما حصل ، بها نظراتٍ مكشوفة بينهما ...
لذا وجهت جسدي ليستقر خلفهما بالوسط حتى أتمكن من ملامسة كتفيهما بذراعي التي مددتهما : أتمنى..أنكما لم تنسيا أن ابنتكما جالسة في الخلف عزيزَي.
قالت والدتي: ذكرياتٌ نتصفح ساعاتها، و أنتٍ ستمرين بمثلها يا ابنتي ...عندها ستسردين قصة أول لقاء لك مع زوجك لأطفالك .
تظاهرت بشهقة لأقل بعدها مخفية خجلي الذي اكابره : ليس عدلاً ..لديك ابنة واحدة و تطلبين مني أن انجب اطفالاً عدة..!
ضحكنا ،
نحن الثلاثة...
آخر ضحكة، آخر قهقهة ، آخر بسمة ظاهرة ...
بعدها
ظهرت تلك الشاحنة ..
لم أعرف إلا نور المصباح الأمامي الذي غشى نواظرنا ...
جملة أمي المخاطبة للسائق الذي حاول الابتعاد : ليفاند، انتبه.
بعدها ، ساد الظلام ...!!!
------------
------------
فتحت عيناي ، وجهت بؤبؤتاي السوداوان نحو مجاورتي ...
لم تكن أمي، لم يكن أبي ...
و لم يكن شخصٌ مجهول !
صديقتي ..كانت ..
بأعينٍ حمراء متورمة ..
نطقتُ اسمها بهدوء.. لتفزع هي آتيةً قرب رأسي : كالين..
احتظنتي بدفء ، بل بقوة لأنطق أنا: مؤلم!
ابتعدت من فورها...
جلست تنظر لي بحنانٍ فاق عادتها ...
لأسئلها أنا بخوف: والدَي ، أين هما؟!
لقد ..بكت..
بكائها ، إجابتي ...
عضضتُ شفتي ،حتى تلامست بسائل قانٍ خرج ..
أظنه يسمى الدم !
كنت بهذا أقاوم شهقاتي ..
لكنها خرجت...ثم خرجت ، حتى اضطر الطبيب لإسكاتي بإبرةٍ مهدئة...
و هل لمصابي هدوء ؟!
-------------
-------------
أنا الآن ...في منزل فينيسيا
عائلتها ، عائلتي ...
ابتسامتها ، فرحتي..
فأنا لا قدرة لي على الإبتهاج !
لكنها أنسي ،أنيستي ...
لقد تكفَّلت عائلة فينيسيا بنقلي لهم كليًّاً ..
و لا مشكلة كبيرة و أنا قد تعديت الثامنة عشرة منذ عام ..
و لم أتصوَّر أن أكون بهذا بديلتها...
مضت الأيام حتى عدت أستطيع تصنع المرح و أفتعل الفوضى في المنزل العائلي الجديد...
آثار الرضوض اختفت و كسر يدي قد شفي ...
و انطوت صفحات الماضي مع ختم اليتم الذي ما زال يختم كل يوم ...
أنا و هي ...
صعدنا بشقاءٍ على سطح المنزل ، تلك عادة الطفولة التي لا نستطيع تجاهلها...
هذا السقف و سقف مشابه كان لي ...
كان محطتنا السرية غالباً...
كانت تضع رأسها على كتفي ، مسدلة جفنيها برخاء يكتم على حدقتيها العسليتان
قالت لي : اتعرفين ؟.. أشعر أنكِ أنا كالين.
قلتُ أنا و كفي تمرِّر نفسها على خصلاتها الناعمة الشقراء: لستُ بروعتك ، أنت صديقةٌ رائعة .
اعتدلت فينيسيا بجلستها تنتظرني بمفاهيم دون كلمات ..
ثم نهضت تحوم حولي ، تدور و تدور : أنا لستُ ملاكا كالين ، لكنني أفضل من قد تواجهينهم في حياتك ، بل لن تجدي أفضل مني.
أبديت نوعا من الإستهزاء رافعةً كتفي : يا التواضع .
كانت لحظاتٌ عادية لولا ما حصل...
عندما وقفت على الحافة ، و فجأة ظهر صوت صراخ أخيها الصغير الذي أتانا لينادينا للغداء ...
عندها ، اختل التوازن من جسدِ صديقتي ...
لأصرخ أنا دون وعي...
ذهبت لدى موقفها أتفحصُ ما حصل ...
تلك العينان الشابحتان نحوي، و ذلك الثوب القطني المطرز مملوء بالدماء ..
شعرها الاشقر يسيل من ثناياه ذلك الدم ...
شفتيها مفتوحتان قليلاً..
و روحها مغادرة...!!!
منذ ذلك الحين ، أنا بديلتها ...
مكانها، أسرتها ...كلها أصبحت لي ..و مجاورة والدي أنا
..كمنت حقيقة لها هي..!
بينما سِيد بات يداوى إثر صدمته...
أنَّهُ قاتل أخته...
قاتلٌ قتلَ دون وعي..
--------------
------------
أتمنى أن تنال الحكاية إعجابكم