الموضوع: القلب النبيل
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-23-2008, 03:27 PM
 
رد: القلب النبيل

صرخت صرخة مرتعبة ملتاعة ..

ياترى ماذا قد حصل لممدوح ؟؟ و هل حالته خطرة ؟؟ .. و هل من المعقول ان يكون الفارس النبيل هو نفسه ممدوح ؟؟ فلنرى ماذا يسحصل لسعاد و ممدوح و غادة
الجزء السابع :
رائحة الدموع ..
عندما رأيته ممداً فوق فراشه في المستشفى .. و ساقه محاطة بالجبس .. و وجهه ملئ بالجروح و الندوب .. لم أستطع احتمال المشهد فانفجرت باكية و أنا أشعر كأن سكيناً قد غاصت في قلبي ..
و رمقتني أمي بوجه غاضب أشد الغضب و صرخت في : كُفي عن هذا البكاء ياوجه الشؤم ..
تواريت خجلي و أنا أحبس دموعي في قلبي .. و رأيت { غادة } أختي و هي تقترب من فراش { ممدوح } و تتوقف أمامه و تتأمل إصابته .. ثم سألته بعينين ضيقتين : مالذي فعل بك ذلك ؟؟ !! ..
أجابها في ألم شديد : بعد أن غادرتكم بالأمس ركبت سيارتي .. فاصدمت بشاحنة ضخمة حطمت سيارتي و ساقي ..
و كان في عينيه معاناة أليمة .. كأنه يريد أن يقول لها بأن تصرفها معه ليلة الأمس هو السبب في اضطرابه الشديد الذي تسبب في حادث السيارة ..
و قال سكرتيره { صلاح } : لولا ستر الله ما كان قد نجا من الحادث .. و قد اضطررت للإنتظار حتى الصباح لأذهب و أخبركم بالحادث .. حتى لا أزعجكم في منتصف الليل ..
أصابني وجوم قاتل .. إذن فقد أصيب { ممدوح } ليلاً .. في نفس الوقت الذي شاهدت فيه الفارس النوراني و هو يسقط من فوق جواده المجنح ..
و قال { ممدوح } ل { غادة } و هو يجاهد ليخفي آلامه : أردت أن أراك بأقصى سرعة .. أحسست أن آلامي ستخف عندما تقع عيناي عليك .. فوجودك بقربي يخفف عني آلامي مهما كانت ..
جاوبته { غادة } بنظرة صمت متجهمة طويلة .. كان هو مثل بحار فوق سفينة .. قطع آلاف الأميال مبحراً بحثاً عن شاطئ أمين يلقي نحوه مرساته .. و واجه العواصف و الأمواج .. و كانت هي تبدو مثل سراب شاطئ لا أمان له ..
و سألته { غادة } متشككة : ما حجم إصابتك ؟؟ ..
أجابها { ممدوح } و قد أغمض عينيه : كسر مزدوج بالساق يحتاج إلى شهرين لالتئامه .. و بعض الخدوش و الجروح المتفرقة ..
عادت تسأله في شك : أليس هناك أي كسور في العمود الفقري أو أي ماكن آخر يمكن أن ينتج عنها عاهة دائمة ؟؟ !! ..
أحسست بألم يعتصر قلبي و كدت أصرخ فيها أن تصمت تلك الباردة القلب كالموتى .. و كلماتها مثل نصل سيف تذبح و لا ترحم .. و فكرت متألمة .. كان أول ما فكر فيه { ممدوح } بعد إصابته أن يراها عسى أن تكون بلسم جراحه و أمل شفائه .. فكانت كلماتها مُرة الطعم كدواء لا فائدة منه ..
قال { ممدوح } متألماً : هل كنت تتمنين لي أن أصاب بعاهة دائمة ؟؟ ..
أجابته بغضب بارد : هل أنت غاضب لأنني أطمئن عليك ؟؟ ..
كنت اعرف أنها تريد أن تطمئن على نفسها .. هي أختي و أعرفها جيداً .. كان من المستحيل أن تستمر مع إنسان عاجز ..
و جاء صوت الطبيب من الخلف يطمئنها قائلاً : لا تخشي شيئاً .. إن اصابته بسيطة و سيشفى منها و لم تترك أي أثر .. إنها مسألة وقت فقط ..
و قال { ممدوح } و هو يبذل إرادة قوية لإخفاء آلامه : أريد أن أغادر هذه المستشفى .. لا أتحمل وجودي بين جدرانها ..
كنت أعرف أنه يكره المستشفيات بالذات .. بعد أن عانت والدته من المرض وقتاً طويلاً قضته في مستشفى خاص بعد إصابتها في حادثة هي و أبيه .. و بعد أن ماتت أمه صار { ممدوح } لا يطيق بقاءه في أي مكان يذكره بتلك الذاكرى المؤلمة .. سمعته من قبل يخبر { غادة } بذلك ..
قال الطبيب مهوناً ل { ممدوح } : يمكنك العودة إلى منزلك و البقاء فيه طوال فترة العلاج .. بشرط وجود ممرضة بجوارك لتساعدك و تنازلك الدواء بانتظام ..
هتف { ممدوح } في راحة : لا مانع لدي .. المهم أن أغادر المستشفى في أسرع وقت ..
و لكن { غادة } التصقت عيناها بالممرضة الجميلة التي كانت تعد حقنة منومة ل{ ممدوح } و هتفت في عصبية : لا .. لن أسمح لأي ممرضة بأن ترعاه ..
قال الطبيب : إذا كنت تريدين أن تقومي بهذه المهمة فلا مانع لدي .. فهو على أي حال ليس في حاجة لممرضة متخصصة .. فقط يحتاج لمن تسهر بجواره و خاصة في الليل لتلبية أي حاجة يريدها ..
شحب وجه { غادة } و ارتبكت و قالت : أنا .. أنا لم أقصد أنني أريد القيام بهذا العمل .. أنا لا أحتمل السهر ليلاً ..
لمحت وجه { ممدوح } و قد ازرق لونه كأنما هربت كل دمائه .. و اندفعت بلا وعي أقول : سأسهر أنا على راحته .. لن أتركه حتى يشفى و يستعيد قواه .. أما عملي فيمكنني أن آخذ منه إجازة طويلة ..
رأيت وجه أمي يشرق بالراحة لذلك الحل .. و صعدتني { غادة } بعينيها كأنها تريد أن تستشف أهدافي الخفية .. ثم قالت بارتياح : هذا أفضل .. فإن { سعاد } أختي تستطيع تحمل السهر و التعب بلا مشقة .. فهي معتادة على ذلك ..
و كانت المرة الأولى منذ وقت طويل أسمعها تناديني بكلمة { أختي } ..
و وافق { ممدوح } على الاقتراح .. و رأيته يعض على شفتيه ألماً .. و لم أدرِ إن كان ذلك بسبب آلامه أم بسبب صدمته في { غادة } .. و مع الحقنة التي أعطتها له الممرضة الحسناء غرق في النوم ..
و في هدوء نقله الممرضون إلى سيارة إسعاف .. حملته و نحن معه إلى فيلته الصغيرة .. و مدده الممرضون على الفراش .. و ترك لي الطبيب قائمة بواجباتي و مواعيد الأدوية و المسكنات و أنواع الطعام .. ثم غادر المكان ..
و رمقتني { غادة } بنظرة طويلة بلا حياء ثم قالت لي : إذا اشتكى { ممدوح } منك لأي سبب أو قصرت في خدمته فسأكسر رقبتك ..
قلت لها بتسامح : لا تخشي سيئاً .. سأضعه في عيني ..
فقالت ساخرة : لا داعي فربما يصاب بالحول بسبب ذلك فيصير مثلك .. و لاتجعليه يرى وجهك كثيراً .. حتى لا يفقد شهيته للطعام ..
و نهضت و هو تقول متأففة : لا أتحمل رائحة الدواء و الجبس .. سأعود في المساء للاطمئنان عليه ..
و غادرت المكان مع أمي .. و ذهب { صلاح } ليأتي ببعض الطعام و الفاكهة ثم عاد و وضعه في الثلاجة .. و طلبت منه الانصراف لتسيير شئوون شركة { ممدوح } ..
و بقيت وحدي أتأمل ملامحه و هو غارق في سكون النوم .. لأول مرة أقترب من رجل إلى هذا الحد .. و لأول مرة كان قلبي يخفق بهذا الشكل .. كانت له ملامح نبيلة .. و كنت أتمنى لو ظللت عمري جالسة أمامه أحدق في وجهه ..
خيل لي أن وجهه يتألق بأنوار غامضة قادمة من سماوات بعيدة .. كأنما ملامحه قد اكتست بنفس نور الفارس النوراني ..
كان لا يستحق ما جرى له أبداً .. و رأيته يتأوه بألم بسيط برغم وعيه الغائب .. و كنت مستعدة لأن أبادله آلامه براحتي بلا مقابل .. و لم أستطع منع دموعي من أن تنهمر حزناً عليه ..
و توقفت عن البكاء ذاهلة عندما شاهدته يستيقظ فجأة .. و حدق في مندهشاً ثم سألني : لماذا تبكين ؟؟ !! ..
ارتبكت كأنه ضبطني أسرق .. و قلت في خجل : لقد تألمت بسبب ماجرى لك .. فبكيت رغماً عني ..
نظر نحوي لحظة و قد ارتسم في عينيه تعبير من الدهشة .. و تلفت حوله متسائلاً : و أين { غادة } ؟؟ ..
قلت باضطراب : إنها لم تحتمل رائحة الدواء و الجبس .. فخرجت و قالت أنها سوف تعود مساءٍ للإطمئنان عليك ..
اكتسى وجهه بمرارة شديدة و قال : لم تحتمل رائحة الدواء .. و هل كنت سأتركها أنا إذا أصابها مكروه ؟؟ ..
و في مرارة أشد أكمل : إنني حتى لم أرَ الدموع في عينيها لما جرى لي كأنني غريب عنها .. يفصلني عن قلبها آلاف الأميال .. و أراك أنتِ تبكين بدلاً منها ..
قلت ألتمس لها عذراً : أنا ضعيفة القلب .. و هي قوية المشاعر ..
لم يعلق على ما قلته .. و سألته إن كان يريد تناول أي وجبة طعام أو عصائر فهز رأسه رافضاً .. و أدار وجهه بعيداً عني .. كأنه يريد أن يهرب مني و من العالم كله ..
لم أسمعه و هو يبكي .. و لا رأيت عينيه تسقطان الدموع ..
و لكن .. كان للدموع رائحة أعرفها تماماً .. و أحسست بتلك الرائحة تغزو قلبي من عينيه فعرفت أنه يبكي في صمت بعيداً عن العالم كله ..
و في تلك اللحظة أحسست أن دموعه قطرات دماء تنزف من قلبي .. و تمنيت لو أنني منحته حياتي كلها .. فداء دموعه .. حتى لا أراه يبكي مرة أخرى ..

هل يا ترى سعاد تحب ممدوح ؟؟ و هل من المعقول ان يكون يبادلها مشاعرها ؟؟ أم سيكون حب من طرف واحد ؟؟
الجزء الثامن :
{ ماقبل الأخير }
نهر العطاء ..
في المساء عندما أتت { غادة } لرؤية { ممدوح } تظاهر بالنوم كي لا يراها .. و لم تمكث هي طويلاً و غادرت المكان ..
و في الأيام التالية لاحظت أنه لا يتحدث عنها أبداً .. و لم يطلب رؤيتها .. و في أغلب الأحيان كان يتظاهر بالنوم عندما تأتي .. حتى أنها قالت لي غاضبة : هل تضعين له منوماً عندما تعرفين أني قادمة لؤيته ؟؟ !! ..
و لم أستطع أن أخبرها بالحقيقة .. و في المرات القليلة التي قابلها { ممدوح } .. كان اهتمامها منصباً على عمله و شركته .. و ضرورة أن يكون على اتصال بالشركة و أن يحترس من سكرتيره { صلاح } .. لئلا يتلاعب بحسابات و أعمال الشركة في غيابه .. في الوقت الذي كنت أرى فيه { صلاح } يتفانى في عمله لتعويض غياب { ممدوح } ..
و لاحظت أن { ممدوح } كان يتقبل حديثها بلا مشاعر كالسابق .. لم تعد تطل من عينيه فرحة رؤيته لها كما مضى .. و كانت إذا أطالت الجلوس معه يتعلل بالصداع أو حاجته إلى النوم .. و بعد مغادرتها المكان كان يظل مستيقظاً شارداً .. كأنه يسبح بعقله في بحيرة عميقة من الأفكار المتصارعة ..
و بدأت اعتاده و ذاب خجلي منه تدريجياً .. عرفت انه يحب القراءة في الفلسفة فأحضرت له العديد من كتبها .. و ملأت حجرته بالورود التي يحبها و التي ملأت حجرته بعطر رقيق ..
صرت أفعل كل ما يحبه .. أجهز له أنواع الطعام التي يفضلها .. أشتري له الأغاني و شرائط الموسيقى التي تروق له .. تعلمت صنع الفطائر و العصائر المختلفة التي يفضلها .. كنت ألبي طلبه قبل أن ينطق به .. و أقرأ في عينيه ما يريده دون أن يقول ..
و كنت أسهر طوال الليل بجواره .. لا أسمح للنوم أن يتسلل إلى جفوني أبداً .. و كان هو يشفق علي و يحاول أن يجعلني أذهب إلى فراشي لأستريح لإارفض بشده ..
و أحياناً كان يغلبني النعاس و أنا جالسة أمامه فوق مقعدي .. و أستيقظ لأجده قد نهض و تحامل على نفسه و أعد عشاءه أو تناول دواءه دون أن يوقظني .. و كنت ألومه بسبب ذلك .. فكان يبتسم و لا يرد ..
و بدأ يتماثل للشفاء سريعاً .. و طلبت مني { غادة } أن أترك خدمة خطيبها فشعرت بقلبي ينقبض بشدة .. و لكن { ممدوح } رفض أن أتركه قبل تمام شفائه و انتزاع الجبس من قدمه ..
و لاحظت أنه يقضي بعض أوقاته في مشاهدة التليفزيون ثم يمل منه سريعاً .. و كان لاعباً ماهراً في الشطرنج و لكنه لا يجد من يلاعبه لأني كنت أجهل هذه اللعبة .. و اكن جهلي بها لم يستمر طويلاً .. و ذات يوم أحضرت رقعة الشطرنج أمامه و قلت له باسمة : هل تلاعبني ؟؟ ..
فقال بدهشة عظيمة : و لكنك أخبرتني من قبل أنك لا تعرفين كيف تلعبين الشطرنج ..
قلت بخجل : اشتريت كتاباً تعلمت منه أصول اللعبة .. حتى ألاعبك فأخفف من إحساسك بالملل ..
فرمقني بنظرة ودود .. و صار الشطرنج بعدها هو لعبتنا المفضلة .. و صرت ماهرة في الشطرنج لدرجة أني هزمته بعد عدة أيام .. فنظر نحوي بدهشة شديدة و قال : غريبة .. لقد ظننت أنك ..
و بتر عبارته .. أحسست أنه كان سينطق بكلمة { غبية } .. قلت في حزن و وجهي منكس إلى الأرض : لماذا ظننت ذلك ؟؟ !! ..
قال بإحراج : هذا انطباع خرجت به عنك بسبب عدم اهتمامك بأي شيء آخر غير الأعمال المنزلية .. و إطاعتك لأوامر أنك و أختك دون مناقشة ..
قلت في حزن : إنني أفعل ذلك حتى لا أغضبهما .. و أستطيع أن أرفض .. و لكني أجد سعادتي الحقيقة في العطاء .. إن النبع يكون أكثر سعادة عندما يرى الآخرون ينهلون من مائه ليرووا ظمأهم .. فما فائدة النهر إن لم يرتو منه العطشى ؟؟ !! ..
تأملني بدهشة أكبر كأنه يعيد اكتشافي .. و يرى في مناطق كانت مجهولة عنه و قال : أنت أيضاً شاعرة و فيلسوفة ؟؟ !! ..
قلت و أنا أهرب بعيني : القلوب الجريحة لا دواء لها غير فلسفة أحزانها .. حتى يمكنها تحمل قسوة الحياة ..
أطرق برأسه في شرود و قال : معك حق .. لطالما قلت لنفسي ذلك لوقت طويل ..
ثم عاد يسألني : لكن لماذا تعاملك أمك و أختك تلك المعاملة القاسية ؟؟ !! ..
قلت بمرارة : كأنهما يتبرآن مني لذنب لم ارتكبه ..
قال حزيناً : كانت امك تمنعني من إحضار أي هدية لك .. و كانت تقول أنك لا تجيدين غير أعمال النظافة و الخدمة و ارتداء كل ماهو رخيص .. و كانت تمنعني أيضاً من اصطحابك في نزهاتنا .. و كنت أوافقها خوفاً على تمثالي الجميل .. كنت أخاف على { غادة } .. أي أخاف أن أفقدها لأي سبب .. أحببت صورتها الجميلة .. و لأجل ذلك لم أرفض لها أو لأمك طلباً .. و لكن .. منذ سمعتها تسألني إن كانت خسارة المليون جنيه ستؤثر على حياتنا أدركت أن اهتمامها بي ليس إلا اهتماماً بمالي .. على حين رأيت الدموع تتجمع في عينيك بسببي .. أما هي فلم أشاهد دموعها أبداً .. فالتماثيل الجميلة لا تبكي .. كنت أبحث بداخلها عن مشاعر حب و حنان لا وجود لهما ..
أطرقت بدهشة من حديثه و لم أدر بماذا أرد عليه ..
و رمقني بنظرة ود و أكمل : هل تدركين أنك تشبهين والدتي ؟؟ !! ..
قلت مستنكرة : أنا ؟؟ !! ..
و رمقت صورة والدته الجميلة المعلقة في إطار فوق رأسه و قلت : لقد كانت جميلة جداً .. من الظلم أن تشبهني بها ..
فقال و عيناه ترسلان وميضاً من نور : إن الطفل لا يحب أمه لأنها جميلة .. إنه يحب عطاءها .. يحب قلبها الكبير .. يحب نهر الحنان في صدرها .. يحب أنها تمسح عنه آلامه و تبكي لأجل أحزانه .. يحب أنها تفهم لغة عينيه دون العالم كله ..
أصابني إضطراب و لم أدر ما أقوله و أكمل هو دون توقف : منذ ماتت أمي .. لم يمنحني إنسان ما منحته لي من عطاء و حنان .. بالرغم من أنك إنسانة غريبة عني .. و لن تستفيدي شيئاً مما تفعلينه معي .. ولا كانت لك أي مصلحة مما تفعلينه معي .. ولا كانت لك أي مصلحة في ذلك .. فلا مال تنتظرين مني .. و لاحتى كلمة شكر .. و لكنها طبيعتك الصافية السمحة التي تجعلك تفعلين ذلك معي ..
و رفع وجهي بيديه .. أحسست بخدر من لمسة أصابعه لذقني .. قال و هو ينظر في عيني : لقد مرضت و أنا طفل .. و أذكر كيف كنت أمي تسهر على العناية بي طوال الليل .. و كيف كانت تبكي لآلامي .. و تحاول تسليتي بكل الطرق .. كانت أمي ذات قلب من ذهب .. و كنت أظن أن لا مثيل لها في هذا العالم .. حتى رأيتك عن قرب ..
قلت بصوت مختنق : أرجوك .. كفى .. لا أحتمل المزيد ..
قال بابتسامة حب : أعرف أنها المرة الأولى التي تسمعين فيها مثل هذه الكلمات .. و أعرف أننا نعيش في عالم قاسٍ .. يحكمون فيه بمظهر الإنسان .. و لا شك أنك صادفت الكثيرين ممن حكموا على مظهرك .. دون أن ينقبوا عن كنز الجمال الحقيقي في قلبك .. كنز عطائك الإنساني المتدفق مثل نهر يمنح بلا توقف .. لأنه إن توقف عن الجريان نضب و مات و لم يعد نهراً .. بل صحراء قاحلة ..
و شرد بعينيه بعيداً و هو يضيف متحسراً : إنني أحسد الإنسان الذي سيفوز بهذا الكنز .. و ذلك القلب فأنت تملكين قلباً نبيلاً لا مثيل له ..
أحسست بدموعي تتساقط بلا إرادة مني .. و قلت له بصوت متهدج : تكفيني تلك الكلمات التي سمعتها منك .. و لو مت دون أن أسمع سواها فسأموت راضية .. و تكون تلك الكلمات زادي في دنياي و آخرتي ..
قال وجهه يشع ضياءً : ألم أقل لك أنك إنسانة طيبة و بسيطو .. كثيرون يمتلكون أشياء كثيرة جداً لا يحتاجونها .. في حين أنها قد تسعد الآخرين حولهم .. و لكن نهر العطاء قد يبست ينابيعه في قلوبهم .. فلا يعرفون غير لذة الأخذ .. دون أن يجربوا لذة العاء .. قد لا تكون ملامحك حسناء أو فاتنة .. ربما تكونين مثل وردة ياسمين فواحة مبهجة المنظر للعيون .. و لكن هذا لا ينقص من قدرك أبداً .. إنني أراك وردة برية .. قد لا يكون منظرها بهيجاً و لا عطرها فواحاً .. و لكنها تحمل بين أوراقها و ساقها بلسماً يشفي الموجوعين و المتألمين .. إن جمالك بداخلك .. في قلبك و مشاعرك .. جمال حي لا يمكن أن يموت أو ينضب .. و هناك آخرون جمالهم ظاهر لكل عين .. و لكنه جمال ميت .. جمال بارد بلا حياة .. منظر فاتن قد يُمتعنا لحظة .. ثم يُشقينا بقية حياتنا إن أصررنا على التشبث به ..
قلت و أنا أرتعد : كأنني أسمع تلك الكلمات من الفارس النوراني الذي شاهدته في أحلامي ..
سألني بدهشة : أي فارس ؟؟ !! ..
اضطربت .. حاولت الهرب من سؤاله و لكنه أصر .. اضطررت للإجابة .. أخبرته عن حلمي الأول و الثاني .. و كيف سقط فارسي النوراني .. ثم حادثة سيارته في نفس الليلة ..
رمقني { ممدوح } ذاهلاً .. كأنه يعيد اكتشاف ما تبقى من مناطق مجهولة في مشاعري و أعماقي .. ثم لمحت ابتسامة هادئة تطوق فوق ملامحه و تستقر في عينيه .. و لأول مرة لم أستطع أن أفهم معنى تلك النظرة التي حدجني بها ..
و فوجئت به يقول لي بنفس الابتسامة : لماذا ترتدين تلك النظارة الطبية باستمرار ؟؟ !! ..
أجبته : إنني لا أكاد أرى بدونها ..
قال : يمكنك التخلي عنها و استعمال عدسات طبية مكانها ..
ثم زم شفتيه و أكمل قائلاً : و لكني لا أريدك بدونها .. لا أريد للزهرة البرية أن تحاول تجميل هيئتها بألوان زائفة لا قيمة لها ولا فائدة منها ..
أحسست أنه يحادثني كصديق حميم .. تعودت منه هذا الحديث و التبسط ..
و فوجئت به يقول لي : أخلعي نظارتك .. أريد أن أرى عينيك بدونها !! ..
فوجئت .. ارتعدت اصابعي .. لم أجرؤ .. لم أفهم .. و امتدت أصابعه دون تردد تخلع نظارتي فلم أستطع منعه .. كأنني شللت ..
حاولت الهرب بعيني .. و لكنه أمسك بذقني يمنعني من الهرب .. تأمل عيني و قال في صدق : إنك تملكين عينين رائعتين .. يقولون إن العيون مرآة نفوس أصحابها .. و في عينيك أرى صفاءً و نقاءً لا مثيل لهما ..
عضضت على شفتي بسقسوة .. هل يسخر مني .. اختطفت نظارتي و أعدتها فوق وجهي .. و لم أستطع أن أواجهه بقية المساء .. و كل جزء في جسدي قد اصابه اضطراب هائل .. في نفس المساء أتى الطبيب و قال ل { ممدوح } أنه يستطيع نزع الجبس في الغد .. فأحسست أن دنيا جميلة رائعة عشت فيها ساعات مسروقة من الزمان ستضيع مني إلى الأبد ..
و في نفس المساء جاءت { غادة } و معها أمي .. كانت { غادة } مبتهجة بأن { ممدوح } سينزع الجبس في الغد .. و قال له : لم يعد هناك أي داع لتأخير زواجنا .. ما رأيك في عقد قراننا الخميس القادم ؟؟ !! ..
و لم أسمع منه أي رد .. لأن الأحزان التي انفجرت في قلبي جعلتني أغيب عن الدنيا .. و الوعي !! ..

ياترى كيف ستكون نهاية قصتنا ؟؟ هل سيتزوج ممدوح من غادة في الخميس المقبل ؟؟ و مالذي حدث لغادة عندما سمعت نبأ زواج أختها غادة و ممدوح ؟؟ هل هي تكن له عاطفة جياشة ؟؟
الجزء التاسع و الأخير :
دموع سندريلا ..
عندما عدت إلى وعيي .. كان أول ما طلعته وجه { ممدوح } .. كنت راقدة على فراشه .. و هو جالس في مقعدي كأنه يقوم بتمريضي بعد أن أحتل مكاني ..
تذكرت كل ما جرى .. ظهرت دهشة عظيمة على وجهي .. حاولت النهوض فقال لي بابتسامة ودود واسعة : فلتبقي مكانك .. أنت في حاجة إلى الراحة .. و يبدو أن المجهود الذي بذلته في تمريضي أصابك بإرهاق ..
و نهض ليحضر علبة الدواء و قال : هذا هو الدواء الذي أوصى به الطبيب لكِ ..
قلت بدهشة : طبيب ؟؟ و متى جاء الطبيب ؟؟ !! ..
ببساطة أجاب : منذ يومين ..
تنبهت إلى قدمه التي كانت قد انتزع منها الجبس و صار يسير فوقها بطريقة عادية ..
هتفت في راحة و سعادة : الحمد لله أن ساقك شفيت تماماً ..
قال باسماً : حتى و أنت مريضة تهتمين بي ؟؟ !! ..
و ناولني ملعقة الدواء قائلاً في مرح : هل أجيد دور الممرض .. لقد تبادلنا المواقع .. و أنا أرغب في رد بعض جميلك الذي طوقتني به إلى الأبد ..
قلت بدهشة : أين أمي و { غادة } .. كان من المفروض أن تظلا بجواري للعناية بي .. أو على الأقل تنقلاني إلى منزلنا ..
قال في بساطة : لقد ذهبتا و لن تعدودا ..
بدهشة ردتت خلفه : لن تعودا .. مامعنى ذلك ؟؟ !! ..
قال بلا اهتمام : تشاجرت أنا و { غادة } .. قلت لها إنني لن أتزوجها أبداً لأنني لا أستطيع الاقتران بتمثال جميل لم يخترني إلا لمالي .. تمثال لا قلب له ولا مشاعر ..
قلت ذاهلة : كيف حدث ذلك .. لقد كنت تحبها بشدة فكيف تتخلى عنها بمثل تلك السهولة ؟؟ !! ..
قال ببساطة : حتى الحب يموت لأسباب عديدة ..
قلت له : كنت أظنها البدر المنير في سماء حياتك برغم كل أخطائها معك ..
قال و هو يتأملني : لكن ضوء البدر يتضاءل و يتلاشى إذا أشرقت الشمس ..
قلت بدهشة أكبر : أي شمس ؟؟ !! .. قال و هو يدنو مني : الشمس التي أتطلع إليها الآن و املأ منها عيني :
قلت ذاهلة دون أن أعي : ماذا تقصد ؟؟ !! ..
قال و هو يملأ عينيه من روحي : أنتِ شمس حياتي لم تعد عيناي ترى سواك الآن ..
تراجعت في فراشي في ذعر .. تشوشت أفكاري .. تساءلت ذاهلة : هل يسخر مني ؟؟ !! ..
قال و وجه يشع نوراً : كنت أشعر الأيام السابقة بشيء ينمو في صدري تجاهك .. شيء لا أدريه .. و لكنني في نفس الوقت لم أستطع مقاومته أبداً و تركته ينمو على مهل .. فقط أدركت أنني لا أستطيع الاستغناء عنك .. عن طيبتك .. عن عطائك .. عن حنانك .. عن النهر المتدفق في قلبك .. عن عينيك الصافيتين .. حتى عن نظارتك الطبية لم أعد أستطيع مفارقتها .. أحببت كل شيء فيك و أراه رائعاً فاتناً ..
حدقت فيه ذاهلة و قد شل لساني .. و أكمل هو قائلاً : عندما عرفت أنني سأنزع الجبس من قدمي و أنك ستبتعدين عني لم أستطع تحمل هذه الفكرة أبداً .. و أدركت أنني لم أعد أستطع الاستغناء عنك أبداً .. و أن علي أن أفعل شيئاً لتكوني بجواري دائماً ..
قلت بلا وعي : ماذا تقول .. هذا مستحيل ..
قال في تسليم : لو كان مستحيلاً ما أخرجت { غادة } من حياتي إلى الأبد ..
انتبهت إلى أصبع يده اليمنى و قد خلا من الدبلة الذهبية .. كنت لا أزال غير منتبهة تماماً لما قاله .. لا أستطيع استيعابه .. لا أجرؤ ..
قال و هو يلمس أصابعي : أنا أحبك .. أحبك .. و لا أستطيع أن أبتعد عند أبداً بعد الآن ..
لم أصدق .. دق قلبي بعنف ودوى طنين في رأسي .. أخشى أن أكون في حلم .. و حتى الأحلام لا تكون جميلة هكذا .. كانت الكلمة ساحرة .. حملتني فوق أجنحة سعادة سماوية .. عاد يقول و هو يحتضن أصابعي في كفيه : ألست فارسك النوراني .. أنت نفسك اعترفت أنه في وجودي كانت عذاباتك كلها تختفي .. فلماذا تبدو في عينيك تلك النظرة الذاهلة غير المصدقة لما أعترفت لك به الآن ؟؟ ..
هززت رأسي بلا وعي رافضة .. أخشى أن أصدق .. حاولت أن أنتوغ أصابعي من يده فتشبث بها و قال لي : إن الله هو الذي اختار بعضنا لبعض .. من المؤكد أنك تعذبت من تصرفات و غرور { غادة } معك .. و لكن لولا { غادة } لما عرفتك .. أحياناً يبدو القدر عجيباً قاسياً بلا رحمة .. و لكننا لا ندرك حكمته إلا بعد وقت .. فلولا حادث إصابتي ما عرفتك عن قرب و أحببتك .. و لولا حبي في البداية ل { غادة } و إبحاري في بحر مشاعرها الأنانية ما رسوت إلى بر الأمان بشاطئك ..
قلت بصوت مذهول : مستحيل أن يمون ما تقوله حقيقة .. و أنك تحبني أنا لا هي ..
قال بتسليم : لا أنا و لا أنتِ نملك ما نغير به أقدارنا أو نختار به مشيئتنا .. اختارتني السماء لكِ منذ رأيتي على حصاني المجنح في أحلامك .. و أخترتك انا منذ لمست حنانك و عطفك و روحك السامية .. و نحن لا يمكننا أن نتحدى أختيار السماء و مباركتها .. صديقيني هذه إرادة الله ..
كانت كلماته تغزو مسامي .. تتسلل إلى عقلي ببطء .. تتدفق إلى روحي المعذبة و تستقر في نبض مشاعري و تسكن عواطفي الملتهبة ..
قال و قو يقبل أطراف أصابعي : عندما أخبرت { غادة } أنني أحبك أنت صرخت أمك و قالت أنكِ وضعت لي في الدواء مسحوقاً سحرياً يجعلني أكره { غادة } و أحبك أنت .. و هي لا تدري أن ذلك المسحوق السحري لم يكن إلا مشاعرك النبيلة و قلبك الكبير .. الذي جعلني أرى فيك صورة أخرى من أمي الحبيبة .. صورة من الأخت و الصديقة و الزوجة التي طالما تمنيتها ..
أغمضت عيني .. شملتني سعادة لا أكاد أحتملها .. سعادة غريبة عني لم أشعر بها من قبل أبداً ..
أحسست كأن رفيف أجنحة ملائكة تحلق فوق رأسي ..
قل و هو يضغط أصابعي بشوق : عندما فقدت أنت الوعي طلبت { غادة } مني تحديد موعد زواجنا الخميس القادم .. لحظتها أدركت مشاعر الحب التي نمت في قلبي .. هي نفسها قد نمت في قلبكِ .. و أنك لا تطيقين أن أكون لغيرك .. حتى و إن لم تصرحي بذلك ..
ملأت الدموع عيني .. لا أكاد أصدق ما أسمعه برغم الحقيقة الناطقة علا ملامح فارسي النبيل .. رحت أتأمله و أحتضنه بعيني كأني أخشى أن تأخذه مني أي قوة مجهولة ..
و انتفضت مع خاطر شلني .. فقلت في ذعر : و لكنني سأكون في نظر الناس لصة خائنة سرقت خطيب أختي ..
قال في أسى : دعي الناس يقولون ما يريدون فلن يرضيهم شيء .. إن إختك هي التي أرادت سرقتي .. أرادت أن تأخذ و لا تعطي .. أن تحصد بدون زرع .. أنت إنسانة نبيلة و لكن لا تدعي نبلك يجعلك تضحين من أجل وهم كاذب .. فقط حتى لا تخشي كلام الناس ..
عادت دموعي تسقط دون إرادتي ..
و مسح دموعي بمنديله المعطر و قال لي : لن تكون في حياتك دموع بعد الآن ..
قلت و قد تذكرت شيئاً : و أمي .. هل أتركها .. إنني أحبها كنفسي و أكثر ..
قال و قد تصلبت ملامحه : لو كانت تحبك كما تحبينها ما قست عليكِ أبداً .. ولا عاملتك كخادمة .. إنها تمثال آخر خالٍ من المشاعر لا يحمل إلا الازدراء و البغض ..
قلت في مرارة : أتحمل كل ذلك في سبيل أمومتها لي ..
قال في حسم : إنها لم تكن لكِ أماً في يوم من الأيام .. الأمومة ليست صفة تُكتسب بالإنجاب .. الأمومة حنان و عطاء و تضحية .. و كل هذه صفات تنقص أمك .. أتتذكرين الحية التي رأيتها في أحلامك .. إنها ليست إلا هذه الأم .. التي كانت تتمنى لك الموت من أعماقها .. و لولا وجودي في حياتك .. ما أدراك كيف ستصبح نهايتك ..
هتفت من أعماقي : آه يا أميري .. أيها الفارس النبيل ..
قال ضاحكاُ : و سيتزوج الأمير من أميرته .. و سيقترن الفارس النبيل بمحبوبته ..
سيتزوج الأمير من { سندريلا } التي بحث عنها طويلاً حتى أهتدى إليها ..
أجهشت بالبكاء رغماً عني .. كانت دموع السعادة .. و رحت أتأمل { حبيبي } .. كان هو الإنسان الذي تمنيته طوال عمري .. الإنسان الذي اتسع قلبه ليحتويني .. الإنسان الذي ملأ مشاعري بدفئه و حنانه .. أميري و محبوبي و فارس أحلامي الذي لم ينظر إلى وجهي و ملامحي .. بل فتش في قلبي و مشاعري ..
كنا كما قال تماماً .. قد اختارتنا قوة عليا سامية بعضنا لبعض .. و لولا عذاباتي و أحزاني السابقة .. لما التقيت به أبداً .. كانت أحزاني السابقة هي الثمن الذي دفعته عن طيب خاطر لأهتدي إليه و أسكن قلبه ..
قال لي إنني { سندريلا } .. و كان هو أميري .. و تساقطت دموع { سندريلا } .. دموع سعادة حقيقية .. و رفعت عيني إلى السماء البعيدة أشكرها .. و أدركت تلك اللحظة حكمة السماء في كل ما تفعله ..

النهاية