سبع أيام || سبع أيام ||
لم أكن مستعدة للحديث مع أيَّا كان هذا الشيء ، فـ فكرة كونه شيطان لم تقنعني بتاتًا ، والآن هو يتوقع مني أن أصدق بأنَّه منقذي ؟
استدرت أعطيه ظهري وبدأت بالسير بعيدًا عن المكان الذي كنت به ، العاصفة قد هدأت والأمطار توقفت بشكلٍ تدريجي لتصبح زخاتٍ خفيفة ، أخذت طريقًا مختصرة لأسرع بالعودة للمنزل ولكن هيهات!
ـ هل تهربين منِّي هكذا؟
قفزت مفزوعة وهذه المرة تحاشيت النظر له ، كان يطير ... هل أكرر ؟ أقدامه لم تلمس الأرض ، كان يطير بمحاذاتي ، صوت أجنحته في الهواء قد سبب الخوف في قلبي ، أردت البكاء والهرب
ـ أُغرب عن وجهي !
ـ طريقتك في الحديث تعجبني
ابتسم المخلوق الطائر ، كانت نصف ابتسامة وصف أسنانه قد بان قليلًا ، إزدرئت لعابي لم أّخفه ، أنا أرنبٌ ضعيف بالنسبة له ، توقفت في منتصف الطريق ، وأعطيته نظري الكامل هو رفع حاجباه بتعجب لتصرفي هذا
ـ أسمع يـ ... يا يا ... يا أنت ! لست منقذي ولم أطلب مساعدتك لذا أُغرب عن وجهي
ـ وإلَّا ماذا؟
أرسى أقدامه على الأرض وسار بإتجاهي بكل بطئ بطريقة تجعلك تبلل نفسك من الرهبة ، أخذت خطوةً للخلف وهو عاد للإبتسامة الرخيصة تلك
ـ سأقرأ من الإنجيل !
زنَّ ضحكهُ في أذني ، طار قليلًا عن الأرض يشُّد على معدته كان يضحك من قلبه كما لو أنَّها نكتة ، شعرت بالبرودة ومعدتي بالوعكة ، هو أخذ يهدأ من نوبته وعاد يقف على الأرض ويبتسم بشكلٍ عفوي ، لم تكن بسمة مخيفة بل أقرب لإنسان وهذا جعلني أشك من جديد بأن كل ما يحدث ليس سوى كابوس
ـ آه عزيزتي ... لو أنك فقط متدينة لما قرِبتُك !
ـ ماذا تقول ؟ كنت أقصد الكنسية كل يوم !
ـ في التاسعة ... والآن إنظري لنفسك سبعة عشر سنة وخمس أشهر لتصبح مستقِّلة!
توقفت عن الحديث ، كيف علم بعمري ؟ وكم تبقى من أشهر ؟ كيف علم بأنِّي قصدت الكنيسة فقط عند طفولتي ، توغل الشعور القميء في معدتي ، كما لو أن أحدًا ما يدهسه بقدمه ، ذلك الشعور عندما يعود أبي ليلًا من بعد إفراطه في الشرب .
ـ والآن ... لنكن عاقلين ، ونتحدث !
سمعته يقول ولكنني غصت أكثر في أفكاري ، تذكرت الكنيسة وأجراسها يوم الأحد تدق في كل أنحاء البلدة ، لما توقفت عن الذهاب لها ؟
الكنيسة ! لا تبعد عن هذا المكان سوى بعض الأميال ، استدرت للخلف أنظر لطريق بتركيز ، لن يأخذ مني عشر دقائق وأستطيع الخلاص من هذا الكائن عندها
ـ بشأن مساعدتي لك ... أقترح بــ ـ هي إلى أين تذهبين ؟!
صرخ علي المخلوق ، وأنا إنطلقت بأسرع ما يمكن بإتجاه الكنيسة ، عادت الأمطار حينها للهطول بشكلٍ أسرع ، كان عليَّ مسح وجهي من حين لآخر ، حاولت تفادي أي حجارة ومعيقات ، فأنا في منطقة منقطعة تبعد نصف ساعة عن وسط البلدة .
ـ لن تهربي منِّي حتى ننهي الأمر الذي بيننا ... بيلا !
تجمدت قبل أن أفتح أبواب الكنيسة البيضاء لسماع اسمي ، نظرت من كتفي نحوه ، كان بعيدًا عن أرض الكنيسة كل البعد ، وقف خلف شجرةٍ عريضة وجزء من أجنحته قد ظهر ، نظر لي بسخرية كما لو أنَّه يعرف شيئًا ما أجهله ، تنهدت الصعداء وأدرت المقبض ودخلت المكان .
كانت الكنيسة فارغة وأنوارها مطفئة ، ولكن الشموع أضاءت المكان ، لم أكن متدينة ولكن كنت في فترة من العمر ، وهذا المكان لم يتغير إلَّا في بعد التفاصيل ، فالمقاعد قد تمَّ تجديدها وهنالك منصة جديدة ، تقدمت للأمام بإتجاه الشمعة المضاءة كانت تقف أسفل تمثال المسيح ، ركعت على الأرض وبدأت بالصلاة ، أي شيءٍ أتذكره من الطفولة ، دموعي إنهارت تطلب ذهاب ذلك المخلوق بعيدًا
ـ بـ ... بيلا ؟!
فزع جسدي لسماع صوتٍ ما ينادي اسمي من جديد ، التفت نحو الصوت ومع التفافي أُشعِلَت الأنوار وبات المكان واضحًا ، رأيت القسيس جورج أمامي ، لم يتغير ، فقط التجاعيد كانت أكثر من ذي قبل
ـ بـ بيلا كلاود ؟
ـ نعم !
اقترب جورج منِّي وابتسم بلطفٍ شديد وأمسك يدي بحرص ، شعرت بدفء يده ، عيناه الزرقاء كانت هادءة شعرت بالراحة لرؤية وجهه
ـ نشكر الرَّب ، لقد أتيتي بعد إنقطاعٍ كبير ... هل جئتي للبحث عن النور ؟
شعرت بالغباء ، فقد جئت هاربةً من مخلوقٍ يدَّعي بأنَّه الشيطان ، ابتسمت بزيف ، القسيس أشار نحو إحدى المقاعد وطلب منِّي الجلوس بجانبه
ـ أعرف بأنَّ السنين كانت صعبة عليك ، لقد خسرتي أمَّك في عمرٍ صغير ، وأباك ليس بقديس وقد اقترف العديد من الأخطاء ... ولكننا ندعو الخلاص له
حاولت كبح ضحكتي ، طريقة صياغته لأفعال أبي كأنها أُمورٌ ولَّت ، مع أنها سائرة ليومنا هذا ، جورج نظر لتمثال المسيح وابتسم لنفسه ومن ثم نطق بهدوء يكسر الصمت
ـ لاطالما كانت أمُّك إنسانًا مواضبًا على المجيء إلى هنا ، كانت تحرص على جلبك معها في كلِّ مرة ، وحتى أنَّها استطاعت إقناع والدك للمجيء في بعض الأيام ، كانت بحق إمرأة يحتذى بها ، وهي خسارة لهذا العالم الزائل ... ولكنها كانت لتحب مجيئك لهنا من حينٍ لآخر كما أن هذا المكان إشتاق لأناملك وهي تلعب البيانو !
ابتسم جورج لي ، شعرت بتأنيب الضمير ، في الحقيقة أمِّي كانت فاعلة للخير ، أمي كانت الماء الذي أطفء لهيب أبي ، روضته ليكون إنسانًا جيد ، كان هنالك فترة في حياتنا حيث السلام عمَّ المنزل ، حين كنت أعود من الابتدائية لأجد أبي جالس على الأريكة يتابع المبارة وأمِّي تطهو الغداء ، كانت أجمل أيام حياتي ولكن الصفحات القادمة لم تكن أكثر إشراقًا.
ـ لا تخافِ يا ابنتٍ ، إن والدتك تنظر لك من الأعلى وتحميك ، وكل ما يحدث الآن هو اختبار الحياة ...عليك بالصبر وحسن النِّية ، ولا تنسِ يا بيلا ... والدتك كانت تحبك بقدرٍ كبير
حاولت كبح دموعي من التساقط ، من كان ليعلم بأنَّ طلبي قد يستجاب ، من كان يعلم بأن القسيس كان من أحتاج ليرفع معنوياتي ... لما لم أهرب لأكثر الأماكن آمان ، لما هربت لقطعة أرضٍ فارغة وتصادمت مع مخلوقٍ كريه ؟
ـ أخبرني يا قسيس جورج
ـ أي شيء تريدينه ؟
ـ هل ... هل الشياطين والكينونات الشريرة حقيقة ؟
ـ وهل هذا سؤال ؟ كل خير له سيء ، كل جبل له وادي ... تلك سنَّة الحياة ، وكل ملاكٍ له شيطان
همَّ بالوقوف وتعديل ملابسه السوداء ، ومن ثم أخذ يسير لخارج المقاعد
ـ ولكن دعينا لا نتحدث بهذه الأمور ، فأنا لا أحب التفكير بها .
طأطأت رأسي بهدوء وأخذت أراقب القسيس بخلسة ، كان ينظر لخارج النافذة الفسيفسائية ، عيناه تحولت لدرجة أغمق وبدى عليه البرودة
ـ هيَّا يا عزيزتي ، عليَّنا الذهاب الآن ، فالعاصفة ستشتد بعد قليل والليل تأخر ، كما أن المكان يشوبه هالةٌ مظلمة لست مرتاحًا لها !
قشعر جسدي على كلمة هالة مظلمة ، هل يستشعر وجوده في الأرجاء ؟ تنهدت من جديد لست مستعدة للخروج لوحدي وذلك الشيء قد يقفز من اللامكان ، كنت لأذهب مع القسيس ولكن منزله ملتصقٌ بالكنيسة
ولكن بطرف عيني رأيت حوض المياه ، علمت فورًا بأنها ماء مقدس وتوجهت نحوها بسرعة
ـ لا تمانع أن أشرب منها أليس كذلك ؟
ـ إنها مياه الجميع ، إشربي قدر ما تريدين سأنتظر حتى إنتهائك في الغرفة المجاورة
وهكذا عذر نفسه وذهب للغرفة الأخرى التي كانت مدخلًا ثانوي لمنزله ، أنا هممت بالبحث عن قارورة صغيرة ، ووجدتها جالسةً بالقرب من الحوض ، ملئتها للفوهة ومن ثم أغلقتها ، وقبل أن أفتح أبواب الكنيسة من جديد نظرت للمكان وقد أيقنت بأن العودة له سيكون قريب .
فتحت أبواب الكنيسة البيضاء وأخذت أنزل السلالم القصيرة ببطئ ، نظرت نحو الشجرة التي اختبئ خلفها الشيطان ، تنهدت براحة بعدما تأكدت من خلو المنطقة ، وبدأت بالسير بإتجاه منزلي والمياه بين يداي .
ـ هل شعرتي بالراحة في الداخل ؟ هل كان الوضع آمن ؟ هل استمديتي الإيمان من ذلك القسيـ الرجل ؟
توقفت عن السير وجسدي بدأ بالرج ، صوته عاد ، رفعت نظري للأعلى ، كان جالسًا على جذع شجرة ، كان مشمئز من قول قسيس ، هبط على الأرض وهذه المرة زوج الأجنحة قد اختفى ، فتحت بخلسة غطاء العلبة ، وهو اقترب كعادته
ـ والآن دعينا نتحدث ، فقد سئمت هذه الألاعيب !
اقترب منِّي أكثر فأكثر ، ولكنني رشقت صدره بالماء وهو تأوه من الألم ، سمعت صوت احتراق وأنا ابتسمت لنفسي وأخذت أجري بعيدًا ، احتضنت العلبة بيدي مازال بها مياه ولن أفرط بهم
ـ هذا يكفي !
صرخ الشيطان من جديد ، شعرت بالأرض ترتج ، كانت بشرته البيضاء آن ذاك مائلة للحمرة ، توسعت بؤبؤت عيناي من شكله ، هو اقترب لي بخطواتٍ سريعة وواثقة
ـ اقترب وسألقي ما تبقى عليك !
رفعت القارورة في الهواء ولكنَّه ضرب القارورة لتسقط أرضًا وينسكب محتواه ، ما كان علي الإبتسام والشماتة ، هو اقترب وأمسك رسغي بكل قوة
ـ الآن سوف نتحدث ...
ـ حسنًا إهدء ... سأقوم بما تريد ولكن بلطف !
ـ يكفي ، بدأت أغضب ... سنقوم بالأمر على طريقتي
هسَّ لي بصوته ومن ثم بدأنا بالسير بسرعةٍ خارقة وهو يقودني لوجهةٍ لا أعلمها ، كانت قبضته على يدي حقًا مؤلمة شعرت بالحرارة بها كما لو أنني أحترق ولكن لم أجرء على قول كلمة ... فقط خفت أن تظهر القرون من رأسه .
بعد دقائق وجدت نفسي بقرب المقبرة العامة للبلدة ، شعرت بالخوف لدخولي معه ، المطر قد توقف عندها ، وهو أدخلني بالقوة مشينا قليلًا ومن ثم توقف وأفلت يدي
ـ والآن ... لنتحدث !
التفت لي ، كان هادء ولونه عاد لطبيعي ، كلماته كانت باردة كمن ذاق ذرعًا في الإنتظار ، تنهدت مستسلمةً للأمر ، إن أراد الحديث ، فل نتحدث إذًا ~
ـ حسنًأ ... ولكن أنجز بالقول
طأطأ رأسه بموافقة ونظر لي بعيناه الخضراء ، مرر أنامله في شعره القصير المموج ومن ثم فتح فمه للحديث
ـ لقد طلبتي مساعدتي والآن أنا هنا لأساعدك !
ـ لم أطلب مساعدتك ... كم مرةً علي قولها لك !
تنهد لنفسه يشعر بالضجر لكلماتي ، ومن ثم وضع يداه في معطفه الأسود الطويل
ـ أي أحد ... أي شيء ، أي كائن !
قالها بصوتٍ أنثوي يسخر مني على الأغلب ، وأنا شعرت بالغباء وأغمضت عيناي مستعدة لكلماته
ـ أنت قلتيهم ، وكل هذه الأمور تنطبق علي !
ـ ولكنني ... ولكنني لا أفهم !! لقد توسلت بذات الطلب منذ أعوام ؟ لما اليوم بالذات ؟ أنا لست مقتنعةً بذلك
ـ بيلا ... عندما تأتين في الساعة العاشرة إلى مقبرةٍ عامة وتبدأين بالبكاء أغرب الأمور تحصل ، أنت أفضل طعام لتلك الوحوش في عالمي ... ولكنني وجدت في مساعدتك متعة !
شعرت بالضياع ، أي هراءٍ يتحدث به ، عقدت حاجباي ونظرت له مطولًا
ـ لم آتي للمقبرة للبكاء ! لم آتي إليها !
أنكرت حديثه ، وهو رفع هو حاجبه الأيسر ونظر لي بسخرية ومن ثم انحنى لرؤيتي بشكل أوضح
ـ حقًا لأني مازلت أرى أثر دموعك على قبر والدتك !
توقفت عن التفكير ونظرت بهدوء نحو قبر والدتي ، كان قطعًا محق ذلك قبر والدتي التفت نحوه ، ربما أصبحت عادة أن أهرب من المنزل وأذهب للبكاء هنا ، ولكنني أذكر بأنِّي سلكت طريقًا آخر هذا اليوم أردت الذهاب لطرف الجبل ولكن بطريقة ما عدت لهنا !
ـ أتعلمين كنت تأتين إلى هنا بشكلٍ متفرق ، ثلاث مرات في السنة ، ربما خمس مراتٍ في شهر وأحيانًا كنت تبيتين على القبر ... وهذا يا عزيزتي بيلا ليس سوى فريسةً لنا !
إزدرءت لعابي لسماع اسمي على لسانه من جديد ، كان معه حق ، لطالما كان كبار سن القرية ينبهوننا على عدم بالذهاب ليلًا للمقبرة هذه ، ويتلون قصصًا مريبة بشأنها ، لم أعتقد أنها حقيقية ... وقطعًا لم أعتقد بأن الأمر سيحدث لي !
ـ لا يهم ... انا أرفض مساعدتك ولا أريدها وأقولها بلطف وأعنيها هذه المرة ، لذا أرجوك أُتركني لوحدي !
قلتها أكتف يداي وأنظر للأرض ، بقينا في صمت حتى قرر الحديث بصوته العميق
ـ أو تستطيعين أخذ فترة تجربة ... سبع أيام وإذا أعجبتك يمكنك القبول بعرضي !
ـ وإذا لم تعجبني !!
رفعت من نبرة صوتي أنظر له بغضب ، كان ملحًا بطلبه لي ، هو حك جبينه يدَّعي التفكير
ـ أقوم بمحي ذاكرتك منذ أن تقابلنا !
ـ أتعني أنني لن أتذكر وجهك ؟!
ـ تمامًا
شعرت بالإغراء لطلبه، كان جيد في عرضه ، ولكنني هززت رأسي أنفي تلك الفكرة
ـ ولكن لا شيء يأتي بالمجان !
ـ معك حق ، لذا أنا أعطيك فترة تجربة مجانية ~
ـ لا أصدق بأنَّها مجانية أي شيطانٍ يقوم بهذا !
رفضت فكرته ولم أعطيها تفكيرًا ثاني ، هو على الطرف الآخر اقترب نحوي أكثر ونظر لي مباشرةً
ـ حسنًا ... سيكون الأمر حقًا صعب الآن ، بما أنك رفضتني سيتوجب عليَّ البحث عن أحدٍ آخر أساعده
ـ هيَّا إذًا ابحث عن روحٍ بائسة لتساعدها وابتعد عنِّي
قلتها بفرحة أشير لسماء كي يطلق العنان لأجنحته
ـ لا ... أود أن أبحث عنه في هذه البلدة الصغيرة ... لاطالما أبهرني هذا المكان
ـ لا أكترث إفعل ما يحلو لك
ـ ولكن ... ~
كنت على وشك الرحيل ولكن قوله تلك الكلمة بصوتٍ لعوب جعلتني أحك من الفضول التفت صوبه ورفعت حاجبي
ـ ولكن ماذا ؟
ـ فضولية ... سأجعل هذا في بالي ~
ابتسم نصف ابتسامة وانا بقيت واقفةً أنتظر منه الحديث
ـ ولكن أنا الآن دون قيودٍ تربطني بمالك
ـ ماهذا الهراء ؟
ـ فكري به على أنَّه مصباحٌ سحري ... أنتي دعكته والآن أنا خرجت ، أنت رفضتي مساعدتي والآن عليَّ البحث عن أحدٍ آخر لأحقق له أمنياته قبل أن أعود لمصباحي المريح
ـ وما شأن هذا الأمر بي ؟
طفح الكيل معي ، ضربت قدمي بالوحل الذي غمر المكان ، هو قفز للأعلى متلافيًا الوحل على بنطاله الأسود
ـ الكل بمقدوره رؤيتي الآن ، وعندما يعرفوا حقيقة كوني شيطان سيتسائلون كيف أتيت؟ ولما؟ ، وأنا سأجيبهم بالبسيط
ـ وما هو ؟
ـ بيلا كلاود ذات السبع عشر سنة وخمس أشهر طلبت المساعدة من الشيطان ، وكيف سيبدو هذا أمامهم ؟!
وضع السبابة على ذقنه يدَّعي التفكير من جديد ، وأنا لم أقتنع بكلماته بتاتًا
ـ حيلةٌ مثل هذه لن تقنعني
ـ حقًأ ! دعينا إذا نخطلت مع جنسك
ـ نحن في عاصفة ... من المجنون غيري سيخرج من منزله الآن
ابتسم هاري من جديد
ـ لا داعي لأن يخرج من منزله ... فنحن سنذهب لذلك القسـيـ أعني الرجل !
قالها بمكر كأنه يخطط للأمر منذ مدَّة ، أنا تنهدت فما كان عندي أي حلٍّ آخر كي يبتعد عني هذا الشيء
.
.
.
وقفنا عند الحدود التي تفصلنا عن الكنيسة ، لم أرد الدخول و ذلك المدعو هاري لم يستطع أن يتقدم أكثر ، أردت دفعه بعفوية والإعتذار عندما يحترق ولكنه يستطيع أن يدق عنقي قبل أن أرمش .
تنهدت منخفضة لمستوى الأرض وجمع الحصى ، من ثم وقفت وبدأت برميهم على الباب الرئيس ، واحد واثنان وثلاث ،ولكن رقم أربع كان عدد المرات الذي طفح صبر القسيس جورج به ، هاري أرجعني خلف جذع الشجرة وأظهر نفسه تمامًا .
في ذلك الحين جورج قام بفتح الباب وبقربه زوجته الحامل ، نظر الإثنان لخارج الباب ولم يروا شيء ولكن جورج لم يكتفٍ هنا بل خرج من منزله ، هاري إنتهز الفرص لأن يخطو آخر خطوة يستطيعها
ـ من أنت ؟!
صرخ جورج بغضب ، هاري ابتسم لنفسه وفرد زوج جنحانه السوداء ، رأيت القرون تخرج من رأسه وابتسامته بدت مليئة بالشر ، جسدي ارتعش لمجرد النظر له ، والمسكين جورج توسعت بؤبؤة عيناه وأخذ يصرخ بأمور دينية أزعجت هاري كثيرًا ، زوجته إنضمت للأمر ورأت هاري وأخذت تصرخ معه ، كلاهما حاول طرد هاري ولكنَّه ابتسم ، وفجأةً سحب جسدي وأصبحت في مرمى الرؤية ، جورج جثى على ركبه ينظر بهول نحوي
ـ بيلا ...
قالها بخفوت يهز رأسه برفض ومن ثم طار هاري بي للأعلى ، شعرت بالحزن له ولزوجته ولكن ما آلمني تلك النظرة التي دلت على الخذلان وكم سقط من عينه ، كنت أنظر للأرض تبتعد ولكننا لم نطر عاليًا فـ هاري أنزلني مباشرة عند المقبرة حيث كنا .
ـ الآن تصدقيني !
بقيت صامتة ، إن ما قاله حقيقي وقرر البحث في هذه البلدة عن فريسته الثانية ، سيتم حرقي كالساحرة على مسند خشب ، والقسيس جورج لن يرغب برؤيتي ربما سيكون الشخص الذي سيحرقني ، تنهدت ومن ثم نظرت لـ هاري
ـ هل سيتم مسح ذاكرته كذلك
ـ لك هذا ... فقد إقبلي هذه الفترة التجريبية وكل شيء سينتهي بسهولة
ـ لما أنت مصر ؟!
ـ أنا الشيطان ... أعيش على هذه الأمور
أخذت نفسًا عميق ومن ثم مددت يدي للأمام ، وهو ابتسم بنصر وصافحني
ـ سبع أيام وسنبدأ من الغد ...
ـ إتفقنا !
قالها هاري ومن الخلا ظهر على رسغي اسم هاري وهو حصل على إسمي على رسغه
ـ ماهذا ؟
ـ إنَّه العقد المؤقت بيننا ! تحصلين عليه عندما تعقدين صفقة مع شيطان ، هذا مؤقت فقط لإخفائي عن عيون المارة كي لا أفزعهم !
ـ هذا جيد
مررت أناملي مكان الوشم ، أغمضت عيناي ومن ثم نظرت لسماء ، عادت للإمطار من جديد ، تنهدت مرةً أخرى ومن ثم نظرت لطريق خلفي
ـ سيكون طريق عودتي طويل !
أخبرته بنبرةٍ متعبة ، وهو فرد زوج أجنحته السوداء من جديد ومن ثم سحبني من ظهري فأقدامي وبدأ بالطيران
ـ ليس وأنا معك
__________________
تم الاعتزال ... اتمنى من المسؤولين ان يقوموا بحذف جميع كتاباتي
|