الزهرة السابعة و الستون : عائلة.
أبعدَ راين إيفا عنهُ بهدوءٍ بينما لا يزالُ متمسكًا بكتفيها، تأملَ وجهها ليبدأ بمسحِ دموعها مبتسمًا
قالَ : هيا، كفي عن البكاء حسنًا ؟.
مسحت ميرا دموعها لتقولَ : لا داعي للتظاهرِ بالقوةِ راين.. أشعرُ بقلبكَ يحترق..
هتفَ راين منزعجًا : اخرسي!.
نظرت إيفا إلى ميرا سائلة : من هذهِ القزمة ؟.
أجفلت ميرا تحدثُ ذاتها : لقد نعتتني بالقزمة !!.
نظرَ راين إلى ميرا بدورهِ قائلًا : صحيح، إيفا، هذهِ ميرا متعاقدتي، ميرا، إيفا، والدتي.
انحنت ميرا قائلة : سررتُ بلقائكِ، إيفا ساما
زفرت إيفا مجيبة : لاداعي لألقابِ التعظيم، إيفا وحدها تكفي.
تمسكت إيفا بكفِّ يدِ راين تسحبهُ و ماري للجلوسِ على ثلاثٍ من أصلِ أربعِ كراسٍ فارغةٍ على جانبي المكتبِ
قالت : إذًا ؟، أستتكلمُ أم ماذا ؟، أينَ كنتَ حتى الآن ؟، ماذا فعلتَ ؟، كيفَ أبليتَ ؟.
راين : في ذلكَ اليوم، لقد انتقلتُ إلى عالمِ البشر... هُناكَ التقيتُ معلمي، تدربتُ تحتَ يدهِ على سحرِ الرياحِ و أنا أتقنهُ تمامَا الآن، مرت السنينُ و توفيَ بينما بدأتُ أنا أجوبُ العالم فقط، و قبلَ عامٍ و نصفِ عامٍ من الآن وجدتُ الطريقة لبلوغِ هدفي و ها أنا في طريقيَ إليهِ.
إيفا : هذا فقط ؟.
أومأ راين بالإيجابِ قائلًا : معَ ذلكَ قلةٌ منَ الشياطينِ استطاعوا بلوغَ ذاكَ العالمِ كذلكَ، انتشرَ بينَ البشرِ كونَ الشياطين مخلوقات تملكُ عيونًا حمراء ياقوتية مرعبة و يقتاتونَ على دماءِ البشرِ.. لقد أصبحنا مصدرَ رعبٍ لهم.
إيفا : على عكسِ البشر، نحنُ نمتلكُ شجرةَ الدمِ لتزودنا بما نحتاجهُ من غذاء لنعيش... نحنُ لا ندخلُ حروبًا مع بعضنا و لا نقتاتُ على كائناتٍ حيةٍ أخرى.. و لم يسبق لنا أن قتلنا من أجلِ المتعة.. مما جعلَ البشرَ مجردَ خرافةٍ يخيفون بها الأطفال ليحافظوا على موعد النوم... لكن الآنَ أصبحَ العكسُ تمامًا.. و كلُّ ذلكَ بسببِ والدكَ و تلكَ المرأة.
تمتمَ راين قائلًا : المسؤولية تقع على عاتقي قبل أن تقعَ على عاتقِ أيِّ أحدٍ آخر..
ثُمَ أردفَ سريعًا : بالمناسبة، لم أشعر حتى بحظورِ والدي في المكان، هوَ ليسَ هُنا ؟.
أومأت إيفا لتقول : أجل.. هو غادرَ المكانَ قبلَ ثلاثةِ أيام.. إذًا بأيِّ غايةٍ جئتَ إلى هُنا ؟.
حكى لها راين القصة إبتداءً من صعودهِ على متنِ السفينة و حتى وصولهِ إلى هُنا فهمهمت متفهمةً : لقد فهمت، باختصار إنتَ تودُ مني انقاذَ حبيبتك.
هو أجفلَ فزعًا لتكتسيَ وجههُ حمرةٌ خفيفة فهتفَ منزعجًا : هي ليست كذلك !.
بينما أخفت ماري فاها بذراعيها معبرةً عن صدمتها من صراحةِ والدتها
قالت الأخيرة متذمرة : يا رجل وجهكَ كتبَ عليهِ أحبها.
عضَّ راين على شفتهِ : هي مجردُ طفلةٍ حمقاء !.
ضحكت إيفا حتى أدمعت عيناها ثُمَّ قالت : سأساعدُ بكُلِّ سرورٍ.
تحولت نبرتها إلى الجدية : على أيِّ حالٍ راين.
همهمَ راين مستفهمًا لتردف : كيفَ تزودتَ بالدمِ كُلَّ تلكَ الفترة ؟، عيناكَ لا تزالانِ بنفسجيتانٍ تمامًا، أنتَ قطعًا لم تشرب قطرةَ دمٍ بشريٍ واحدة
سكتَ دونَ إجابةٍ لتكمل : أنتَ لم تشرب من دمكَ صحيح ؟.
أخفضَ راين رأسهُ إلى الأسفلِ و اكتفى بالصمتِ لتنهض إيفا منفعلةً
هتفت : أجننت !!، بِمَ كُنتَ تفكر !، ما قمتَ بهِ أشبهُ برميِ نفسكَ في الجحيم !!.
راين : آسف.. لَم يكن أمامي خيارٌ آخر...
ابتسمَ بانكسارٍ ليردف : لكن من وصفهُ بالجحيمِ لم يكن يمزح.
أمسكت روزماري بكفِّ يدهِ بمحاولةٍ للتخفيفِ عنهُ بينما ملامحُ الحزنِ تهيمنُ على وجهها
أمسكت إيفا بخدهِ بلطفٍ قائلة : أنتَ أحمق رائع !، لكنكَ أحمقٌ أكثرَ من كونكَ رائعًا !، و كمكافئة أعدكَ بأن أنتهي من الترياق خلالَ ثلاثةِ أيام !.
هو تمسكَ بيدها ليهتفَ بسعادة : حقًا ؟، بهذهِ السرعة ؟.
أومأت لهُ إيجابًا ليحتضنها بقوةٍ مردفًا : أشكركِ جزيلًا !، شكرًا لكِ أمي !.
تذمرت إيفا : أخبرتكَ أن لا تناديني أمي !.
راين : بربكِ !، أستحرمينَ ابنكِ الذي لم يركِ منذُ قرنٍ من هذهِ الكلمة ؟.
أجابت متفاجئة : و- وجهةُ نظر...
قضى راين و روزماري بالإضافة إلى ميرا وقتهم في غرفةِ الأول يمزحونَ و يقصونَ على بعضهم بعضَ المواقف التي صادفتهم حتى الآن أو يقلدونَ أشخاصًا بشكلٍ مضحك فإن لمحَت بياتريس أو أحدُ رفاقِ راين الأخير الآن لما عرفهُ فهوَ رغمَ طبيتهِ و اندفاعه إلا أنهُ فاترٌ عكسَ الآن تمامًا، حلَّ الليلُ و لم تعد إيفا قادةً على مقاومةِ رغبتها في رؤيةِ أكبرِ ابنائها، هي ماتزالُ غَيرَ مصدقةٍ لكونهِ أصبحَ شابًا بعيدًا عنها، فتحت بابَ غرفتهِ بهدوءٍ شديد لتقبلَ على الغرفةِ فإذ بها ترى روزماري و قد نامت قربَ أخيها لتدركَ إيفا كونَ ابنتها لم تترك جانبَ شقيقها منذُ وصلَ و حتى الآن، اقتربت منهما تمسحُ على شعرِ ابنها الأسود بهدوءٍ شديدٍ نزولًا إلى وجهه ثُمَّ إلى رقبتهِ، عانقتهُ و أخذت تشبعُ نفسها من رائحتهِ التي افتقدتها كثيرًا ربما أكثرَ من افتقادهِ هوَ لها، دفنت وجهها في صدرهِ ليتخللَ مسامعها صوتُ تمتماتهِ بطلاسمَ عجزت عن فهمها رفعت رأسها تنظرُ إلى وجههِ المعكرِ و دموعهُ العالقة بينَ رموشهِ و قد نطقَ ما فهمتهُ أخيرًا و لم تكن سوى كلمة سامحاني.