سابقا، بقلم الغالية
" fαɪяy ℓαɒy"
انفرج فمي ذهولا لما سمعته و أنا لا أصدق ما سمعته للتو .. لم أكن أعتقد أن ماتيوس يملك عائلة .
و الأكثر صدمة أن ـ هكتورـ ذلك الحقير هو عم الأبناء .
استرسل رالف القول : ليسا كثير التردد على القصر ، لكن أعتقد أن شيئا طرأ فجأة حتى يقومان بزيارتنا غذا .
ـ و هكتور ، ألا يزعجه الأمر ؟. قلت بتعجب .
ـ طالما يبقيان بعيدان عن مكتبه و الأماكن التي يعمل بها ، فهما لا يضرانه أبدا ..
ـ يا إلاهي .. إن هذا حقا شيء غير معقول .
همست بذهول.
(10)
"أتمنى أن يعدوا كل شيئ على خير، لا أشعر بإطمئنان هكذا..."
عدت لغرفتي بعد إتمام وظائفي الامتناهية...
أقصد القبو الذي كان مخصَّصاً لي كسجن من قبل هكتور , و لحسن طالعي أن هذا السجن توسعت حدوده حتى المنزل ككل بسبب توسع القرارات لإذلالي...
أنا منهكة بالطبع و بشكل كبير حتى بالكاد أقف , و مع هذا أرى أن هذا أفضل من التقوقع تحت آلة الشحذ تلك طيلة الوقت ...
ارتميت بقامتي تحت أثرالتعب و الإرهاق على فراشي بينما حدقتي الزرقاوين مثبتتان على منفذ التنفس الوحيد, النافذة التي تظللني ببعض النور نهارا و ترفه عني ليلاً...
بتُّ أفكر بتريث بكلَّ ما يتعلق بذلك الهيكتور , فبالغد سأرى وجهاً آخر من نمط حياته..حياة عائلية..!
كيف سيتصرف مع أبناء أخيه ماتيوس الذي طرده ..؟
هل يعرف أصلاً كيف يعامل الأطفال؟!
ظهرت لي صورته بين أوهامي الذهنية و هو يحتظنهما بصمت لأحرك رأسي بسرعة نافية ناطقة بجهورية: يستحيل حصول هذا..
أه, ما الذي يفعله الآن..؟
يهين مستضعفاً آخر و يهدده مستغلاً منصبه و أمواله..؟؟
آم أنه مشغول بمجاملة الأغنياء أمثاله؟
يا إلهي.. ما الذي يهمني بذلك المتلبد المتعجرف..
هكتور اللعين, بالتأكيد هو يستمتع هناك بحجة العمل مطمئناً أنني سأفعل كل ما يطلب بسبب دينه..
فالأنم فقط...
اه, عن النوم..
الليلة سوف أنام براحة بعيداً عن الضغط النفسي و الجسدي الذي يسببه هيكتور بأوامره اللاعقلانية ...
فرالف بغض النظر عن مظهره بتلك العضلات المفتولة و الملامح الصارمة و رأسه الأصلع , إلا أنه ليس بذلك السوء...
بل إنه يدعي تجاهل أوقات راحتي التي أضعها لنفسي , و هذا كفيل بجعلي ممتنة له...
أسدلتُ جفني بعد أن اعتدلت على قفاي و استسلمت لسلطان النوم علَّني أخرج من كوابيس الواقع لأحلامٍ جميلة...
إلّا أني متيقنة أن ما سيراودني لن يكون غير هواجس الغد و ما يتوجب عليَّ فعله...
*****************
أوراق أخرى تظهر أمام عيني تنتظر مني ختماً و توقيعاً ...
و يتوجب على أصابعي الإمتثال بعد التأكد من محتوياتها , فالمحتوى أهم من تناسق الخط أو ترتيب الأوراق..
جرني الإنهاك لإغلاق ناظري لحظة ..ظهرت بها تلك الفتاة المزعجة ثانيةً...أيَّ سحرٍ تود إلقاء تعويذته علي هذه الفتاة بحق..؟!
روجينا, الفتاة الوحيدة التي جرتني للتفكير بها بشكبِ أحمق... تجعلني أودُّ العودة للمنزل بسرعة , و لا أعرف لمَ؟
أظن...لأجل رؤية الخوف بحدقتيها , و الإذلال الطابع على وجهها...
تركتُ على الطاولة الدائرية التي حملت بزاويتها بعض الكعك مع عصير البرتقال الذي أعشقه لأشرب منه شربةً تنهي النصف منه...
إنه يجعلني أشعر بالبراد المنعش ...
وقفت مقترباً من الباب الزجاجي الذي يطلُّ على أسقف المدينة , هذه الأنوار لها جمالها الأخاذ من هنا . على عكس تلك الأحياء القذرة التي حوتني في الطفولة....
آهٍ منك ماتيوس... لمَ لا تفهم أنّني اكتفيتُ من ذلك الذلِّ الذي سرقَ والدي و أدخلني عالمَ البؤس...
الفقر , الكون في الحضيض , لم و لن يكون إلاَّ لأناسٍ حثالةٍ حمقى... و أنا لستُ منهم...
أنا , سأذيقُ تلك الفتاةِ الفضولية ما سيجعلها تندم على التدخل في شؤوني ...
و تحملُّها سيكونُ نتيجة اختبارها...
مرَّرتٌ كفي على وجهي جاهداً إبعاد التضارب داخلي, هناكَ حربٌ حامية ...
أفعلُ أم لا أفعل ...
لمَ أشعر بأني أود العودة لذلك المنزل سريعاً...
سحقاً لهذا التفكير الأخرق ...
كفَّ عن هذا هيكتور و اثبت على قراراتك...
لأترك هذا جانباً و لأفكِّر بما سأفعله عند عودتي لأولئك الأطفال...
أعلم أنني عمٌّ سيء, لكن .. هل هذا يحرمني منهما ...؟!
*****************
أطلَّت شمسُ الغد ...
لتبشِّرَ و تنذر , و تطمئن و تحذِّر....
استفاقت روجينا في الخامسة بمعونةِ رالف الذي أيقضها بلسانٍ جافٍ بارد , و اتجهت نحو المطبخ ....
حضَّرت بعض البيض المخفوق مع وضع الزبدة و اللبن ,العسل و المربى و شراب القهوة.....
لم يكن هذا الإفطارُ هو ما يجب عليه أن يكون, لكن لا وقتَ لديها و تنضيف المنزل كلُّه ينتظرها بحظور الظيوف ...
و جولي لم تحظر طبعاً, فتلك مساعدة ظاهرة من رالف في غياب هكتور و لو علم لأصبحت مصيبة ...
أنهت هذا الإفطارِ المختصر آملةً أن يكون حظور أبناء ماتيوس حجةً وافية لردع تعذيبه النفسي لها و إيقاف توبيخها...
إبتسمت لا إرادياًّ عند وصولها لغرفةٍ كانت الأولى في ضمها...
هذه الستائر العربية ذات النقوشات الخشبية , و هذه السجادة الفارسية المطعمة بتغاير الألوان من أحمرها حتى أسودها و أبيضها ...
و هذا السرير الرفيع ذو الأعمدة الخشبية المطلية باللون القهوائي الباهت...
إنها غرفةٌ تعيدُ الذكريات ..
بغضِّ النظر عن السيئ و الجيِّدِ منها , إلَّا أنها لحظة التعارف بينهما و لحظة اللقاء الأول الذي ختم بقدر جمعهما تحت هذا السقف ...
مرَّت مشاعرها المضطربة مع ذكرى حديثه لها ...و أوَّل إستهزاءٍ منه "مفلسه"..!
تنهدت بأسى على ما آل له الوضع, ها هيَ في فترةٍ بسيطة انقلب رأيها لتريه أنه ليس الوحيد الذي يجدُّ و يسعى و يرتقي ..
سوف تتعدى أي عقبة يضعها لتصل للقمة التي يرتادها ..
أخذها الحماس لتقبض كفها بقوةٍ تملكتها : سنرى من هو المنتصر هيكتور..انتظر فقط كيف سأكسر أنفك المغرور و أعيدك لصوابك.
لم تتوقع أن تسمع ردّاً على جملتها بهذه َالسرعة القياسية ...
" هل أنتِ واثقة أنَّكِ تستطيعين..؟!"
استدارت نحوه و التفاجؤ رافقها , تفاجؤ قد طُعِّم بما لا تألفه إلاَّ القلوب المشتاقة لغائبٍ ما..!
واقف ٌبقامته و الظهرُ منه على البابِ مستند ..
معطفه النيلي بيده و قميصه مطعج بعد فتحه لياقته الفحمية ..
تملَّكها شعورٌ بالغيظ المعتاد , فحرَّكت سبابتها نحوه: تمام الثقة .
اقترب منها بخطواتٍ متباطئة تكفلت بالتلاعب بأعصابها خفية تحت قناع القوة و الصَّلابة ...
خضرة عدستيه لم تتحرَّكان عن وجهتها التي هيَ هيَ و بعد أن وصل لقرابة المترينِ منها قال بسلاسة : أليس عليكِ أن ترحبي بسيِّدكِ على الأقل أيَّتها الخادمة ؟
جملته.. قلبت الموازين فعلاً..!
ابتسامةٌ قد شقت ثغرها , ولين ملامحٍ أبدى هدوءَ روحها... و انحناءةٌ مصاحبة لجملة " أهلاً بعودتِكَ سيِّدي " بصوتٍ خافت....
رفعت ظهرها ليستقيم و نظرة النصر لازمتها , إنَّ ما تحتاجه لكسر حواجز هيكتور ليس سوى بعض الطاعة له...
هذا ما شغَلَ بالها هي , أمَّا هو...
فقد عاوده ذلك الإضطراب الصارخ, حركاتِ خصلاتها بعفوية .. امتداد إبتسامتها.. و هذا الهدوء الذي ترسمه لتظهر حقيقة ملامحها دونَ تعبير حدّة...
كلُّها... تبلغه عن صحَّة حدسه...
أنَّهُ بات ضعيفاً أمام مشاعره للمرَّةِ الأولى....
و مخافته تكمن , أن تسمع روجينا دقَّاتَ قلبه المتسارعة دونَ انتظام..!
عندها, سيكونُ الخاسر بكلِّ ما للكلمةِ من معنى...
تجاهل ترحيبها مستديراً مطلقاً حروفه التي ترسم له خطوط الهرب: سأذهب لأستحم و آخذ بعض الراحة..عندما يصلُ الضيوف أخبريني.
تمتمت ب " أمرك " و هي تنظر لخروجه بتعجب, قال لها أن تخبره بوصول أبناءِ أخيه..؟!
لم تتوقَّع أبداً سماعَ هذا ..بكلِّ تأكيد ..!
رفعت كتفيها بلا مبالاةٍ عائدة لعملها منتظرةً ما يشغل فضولها ...فكيفَ سيتعاملُ هيكتور مع الطفلين..؟
ثلاثُ ساعاتٍ مرَّت و هي ما زالت تعمل , و أنَّى للعملِ أن ينتهي في هذا المنزل..
و العمل أغلبه بسببِ غبارٍ قد تكدَّس لعدم تواجد حركةِ بشر بأغلبِ الغرف..!
عادت للمطبخ, لم يكن هناكَ شيئُ قد لُمِس فعرفت أن هيكتور لم يعبر من طريق المطبخ بل وصلَ لتوه يريد بعض الراحةِ من عناءِ ...
أبعدت أحد الكراسي المحيطة بطاولةٍ صغيرة تبدوا مخصصة للخدم الذين لم يتواجد منهم إلاَّ القلة لتجلس هي الأخرى راميةً ما تواجد من حملٍ منهك على عاتق هذا الكرسي الخشبي...
و ما مضَت إلَّا دقائق حتى سمعت أصواتاً تقاربُ الصاعقة من صرير بابٍ و صرخةٍ عالية تنادي ب "عمي"... و خطواتٌ لا تتسم بتوازن تصاعدت أصواتها حتى اقتَربَ من المطبخ...
****************
لاحضتُ رأساً يدخل من طرفِ البابِ الناصع, رأسَ فتاةٍ قد رُفعت لها ظفيرتان مزينتان بكبلتان رماديتان, كانت تبحثُ عن هيكتور و لسانها يكرر بلطافة كلمة "عمي" التي لا تتناسب أبدا مع شخصيته...
نهضتُ متجهةً للخارج نحوها منحنيةً أرسم بذهني شبه ملامحها بعمها و والدها .. ناطقةً لها بلهجةٍ هادئة : هل تبحثينَ عن هكتور؟
أحنت رأسها للجهةِ اليمنى ناظرةً لي بحيرة: و من أنتِ؟
فتحت فمي لأجيب إلّا أنَّ صوتا خلفها أجاب قبلي بلهجةٍ متعنتة: و من قد تكون, خادمة جديدة ؟
حاجبي يختلج و أنا أحاولُ جاهدة أن لا أفقد ابتسامتي البهية , فحقاً ... لهجة هذا الفتى الذي لا يتعدى الحاديةَ عشرة تشابه بحدٍ كبير لهجة هيكتور ..
رغم أنَّنا لو نظرنا للمنظر فهو لا يشبهه حقا... أنفه المنتهي بالوضوح و البروز . شعره القهوائي المموج و عدم وجود حدة في ذقنه ...
قد يكون أخذ شكل والدته التي أشهد بجمالها إن كان يشابهها حقاً...
استقمتُ و أنا أؤيده : أجل, كما قال سيِّدي الصغير.
لحظةُ سكون ... تبعتها شدُ شعري من الخلف لأصرخ!
قلتُ من فوري لتلك الصغيرة الشقية : ماذا تفعلين؟... اتركي شعري .
لم تأبه لتشنج ملامحي بسبب الألم في كلِّ شعرةٍ سيطرت عليها قوةُ ذراعها , بل أطلقت كلماتها المهدِّدة : إن حاولتِ التقرُّبِ من عمي سأقتلك .
" هيييييييييه, أتقرَّبُ مِن مَن....؟! بربِّك من يريد هذا , بالطبع لن أحاولُ التفكير بهذا المتعجرف المغرورِ الإستغلالي حتَّى.."
هذه هيَ الكلماتِ الإنفعالية التي انطلقت مني بالضبط و أنا أبعد شعري عك كفيها الصغيرتين ...
لأسمع ما لا أتعجب منه من الآخر: جميعُ الفتيات ماعدى حمقاءٌ مثلك .
أه, سأفقد صوابي فعلاً ...
ما خطب هذان , إنهما لا يقربانِ من ماتيوس إنشاً واحداً...
كنتُ لا أزالُ أشد ُّ على ما بين حاجبي أهدئُ نفسي لأباغت بألمٍ على قدمي إثرَ قدمٍ مرتدية الحذاء ذو الكعبِ الحاد...!
أطلقتُ تأوهاً عالياً كفيلٌ على إيقاظِ هيكتور ...
لا يطاقان..!
قلتُ بغضبٍ واضح للفتى ذو الشعرِ المموج و أنا أشدُّ أذنه: من يسمح لكما بهذا التصرف الوقح مع من هوَ أكبرُ منكما...؟
صدقت أنا عندما قلتُ أن هيكتور قد استيقظ, ها هوَ يظهر من خلف السور العلوي للدرج منادياً: ما الذي يجري هنا ؟... فوضى في منزلي بسببٍ سخيف من طفلين , ألا تستطيعين تهدئةَ الوضع روجينا؟
نطق المتكتف قائلاً بهدوءٍ كأنهُ لم يقترف أيَّ ذنبٍ تواً: لقد لقنتها درساًلأنَّها أهانتك عمي.
نظر لي بعينيه لبرهة ثم عاود النظر للمتحدِّث: حسناً , هذا لا يسوِّغ لكما إيذاءَ ممتلكاتي, ألم أقل لكم ذلك مسبقاً... ؟
ممتلكات...!!!!
وددتُ الصراخ بوجهه و إستنكار ما قاله عن أني كإحدى سلع منزله الباهضِ الثمن هذا...من يظنُّ نفسه...
إلاَّ أني توقفت , فأنا لا أودُّ أن أستصغر هيكتور أمام هذان الطفلان البريئان ..أقصد , الشقيان ...أقصد, الفضيعان....
لا أعرف, إلا أنَّهما ليسا كما رسمتهما بذهني, أبناءُ ماتيوس..لم يرثا منه شيئاً أبداً أبداً...
امتثلتُ لأمره الذي أصدره بعد دقائق من تبادل النظراتِ الحاقدة : خذيهما للغرفةِ التي تحوي الحاسوب و دعيهما يلتهيان باللعب و ثم تعالي لغرفتي.
بعد إنحناءةٍ مؤدبةٍبالطبع!
أوصلتُ الطفلين للغرفةِ المقصودة , فتحتُ البابَ لهما و تحركت نحو الجهاز الموضوع بالزاوية اليسرى إلّأ أن ركض الفتاة الشقية قد داهمني فبقيتُ أنظر لها بصمت مخافة أن تدخل التطبيقات أو ماشابه فأهلك بعد هلاكه..!
نظرتُ للواقفِ خلفي بعد الإطمئنان أن هذه الفتاة تعرفُ التعامل مع الحاسوب بشكلٍ جيد و قلت له : ألن تلعب؟
اقترب من أخته و هو يرمقني بطرف عينه: هذه الألعاب المجازية لا تتناسب مع ميولي, سأذهب للمكتبة لأقرأ لي شيئاً يبعد الملل.
عاد من حيث دخل و أنا أقارن صورة الطفل به..!
هل هو كذلك؟!
خرجتُ متجهةً لحيث غرفةِ هكتور, التي لم يسبق لي رؤيتها ..فأنا لم أرى غير مكتبه بصراحة...
طرقتُ الباب ليفتح رالف, دخلتُ و هو خرج...
وقفتُ قبالة الجالس يحرك أصابعه على لوحة مفاتيح حاسوبه المحمول , لأقل: ما هي الأوامر سيدي؟
ظهرت إبتسامة جانبية على شفتيه: حسنا خادمتي المهذبة, لديَّ عرضٌ مغرٍ لك.
كنتُ سأنفجر لكن كلمة عرض هدأتني لأبدي تساؤلي: عرض..؟!
رفع رأسه ليظهر جلياً أنَّه جدي في قراره: تحملي جون و سوزي و ضعي وقتكِ لهما كاملاً طيلة اليوم , و أنا سوف أتنازل عن نصف دينك.
لم أتمالك فرحتي... قفزت قفزةً جعلتني أبدوا كطفلة : رائع.
أطلق هيكتور قهقهة عفوية على تصرفي لأقطب حاجبي أنا: ماذا..؟
صمتَ لحظة ثم عاد لنوبة ضحك لم أر منها شيئاً منذ مواجهتي له , ثم تصلَّب قائلاً بجدية: إن سمعتُ أي شكوى منهما ولو لشيءٍ تافه , سوف أزيد من أعمالك ما لا تتخيلين.
ازدرأت ريقي من تهديده , ثم قلت: و ماذا لو لم أقبل العرض؟
قال ببرود غلف تهديده ذاته: عقاب لعدم طاعة أوامري شهر آخر من العمل.
بدوت تائهة..مجبرة على قبولِ عرض سأبدوا خاسرةً فيه...إنَّهُ يستغل حظورهما لتعذيبي أم ماذا...؟!
أجفلت لحظة ثمَّ قلت: و أي شيءٍ آخر.
ترك حاسوبة على طرف سريره الممزوج بالسواد و البياض: إن دخلا نطاقي الشخصي ستكون نهايتك.
نطاق شخصي...أظنه يرمي لمكتبه الذي يراقب منه كلَّ شيئ يحصل...
بالتفكير بالأمر, لم هو لم يعد لمكتبه الذي يضمه لأربع و عشرين ساعة غالباً..؟
هناكَ خطبٌ بهيكتور ..
مجيئ هاذان الطفلان كان أمراً مفاجئاً لرالف و الآن هذا الطلب الغريب لأجلهما و أيضا غرابة طبعه و ظهور ضحكه أمامي للمرة الأولى...
لم أكبت فكرتي تماماً بل نطقتُ أنا بجديةٍ من طرفي و أنا أتقدَّم نحوه حتى جلستُ على الأرض قبالته: هيكتور ... هل من خطب ؟
كنتُ أبحث في بؤبؤيه عن الإجابةِ قبل لسانه الكاذب فلم أجد إلاَّ الضياع الئي يتجسد في صمته و هربه بجملةٍ حازمة: لا تتدخلي, هذا ليس من شأنِ الخدم .
لكني حاولت الوصول للوتر الحساس علَّه يتكلم عن ما يحاول التأقلم معه: ماتيوس..ما الذي يخطط له , إحظار طفليه فجأة و تغير مزاجك هكذا لا ينذر إلَّا بخطبٍ سيئ هيكتور.
انفعاله جرَّه للنهوض بعينين كالجمر من الغضب الظاهر و لسانه يكرر كلماته ذاتها: قلت لا تتدخلي روجينا, كفاكي أنك تمكثين في منزلي و أنتِ لستِ إلاَ من الطبقة المنحطة..الزمي حدودك.
رفعني من ياقة قميصي قائلاً آخر ما لديه: فهمتي..؟
يا إلهي, من هذا الوحش البشري .. كأسدٍ يود الإنقضاض على فريسته ...
بالكاد ظهر صوتي لأجيب: فهمت.
تركني مرتميةً على الأرض ليخرج ناطقاً: لا تنسي أنِّي أراقبك.
**************
تلك الفتاة تجرني للجنون, للحظة كدتُ أخبرها بكلِّ ما يجول بخاطري .. سحقاً لها...
أخرجتُ تنهيدة إنزعاج و خطواتي تلتف للدرج لأنزل لمكتبي , لكن قاطع مسيري جون ..
بيده إحدى كتب مكتبتي ..تباً لروجينا , ألا تعرف كيف تبعدهم عن وسائلي ..؟
رفعتُ يدي لأسلب ما لديه إلاَّ أن فكرة أنَّ هذا آخر اللقاء جعلني أتوقف ...
أغلق الكتاب موجهاً جملته الصاعقة لي: عمي, من هذه الفتاة..؟
أجبت: خادمتي..هل من ضير؟
تلمستُ خبثا في لحن حديثه: الضير في نطقك لإسمها كما لم تفعل مع خادمةٍ مسبقاً و بإضافة ياء الملكية لخادمة ... لم يسبق لك أن قلت خادمتي أو ممتلكاتي لشخص تراهُ منحطّاً ...
شعرتُ برعشةٍ تسري في عروقي للحظة , و لا أعلم هل نجحتُ في إخفاء تغيرِ حالي أم لا : ماذا تريدُ أن تقول..؟
أشاح بوجهه منهياً هذا الموضوع لآخر: لا شيء... حاول فقط أن تجلس معنا اليوم, تعرف أنَّ هذه فرصتنا الأخيرة.
لم أجب بشيئ , بل أكملت طريقي و أنا أفكر ..بأنَّ هذه هي الفرصةُ الأخيرة....
**************
.
.
أخيرا اتى البارت لكم اعزتي
اتمنى ان ينال اعجابكم..
و اخبر القراء مرة اخرى، من يجد بنفسه
المؤهلات للمشاركة و يرغب يستطيع
كتابة رغبته في الموضوع المثبت بقسم المكتملة
|