عرض مشاركة واحدة
  #196  
قديم 09-11-2017, 11:13 AM
 


الزهرة السادسة و التسعون : بارسولوميو.
حيثُ راين و من معهُ تحولَ المنظرُ حولهم فجأة ليمسيَ غابةٌ تعجُ بالنباتاتِ و الأشجارِ غريبة الشكل إلا أنّ راين لم ينتبه لذلكَ الصداع الذي اجتاحَ رأسهُ فكيفَ لهُ أن ينتبهَ لتغيرِ ما يحيطُ بهِ، كُلُّ تفكيرهِ الآن منصبٌ على تلكَ الجملة التي قالها والدهُ توًا
همسَ بهدوء : مـ- مهلًا.. لا أعتقدُ أنني سمعتكَ بشكلٍ صحيح.. أنا.. أختفي ؟.
لويدغير : تمامًا.. و أنا لي يدٌ في الأمر .. لذلكَ لا أريدُ ان أحيى لأراكَ تختفي.. أن أرى إبني يختفي...
راين : أنا لا أفهمُ على الإطلاق ..
لويدغير : أنتَ و آنا وجهانِ لعملة واحدة... كلاكما لستما ذاتكما القديمة... و كلاكما لستما من هذهِ الحقبة... مجردُ تجسيدٍ للندمِ الذي تكدسَ في هذا العالم.. و ندمُ العالمِ نفسه... بعبارةٍ أخرى.. ميرين.
فورَ سماعِ راين للكلمة الأخيرة التي نطقها لويدغير تعالى أزيزٌ و ضوضاء داخلَ رأسهِ و احتدَ صداعهُ ليردفَ لويدغير قائلًا : حتى الآن ، أنتَ راين، إبني... لكن ما أنتَ على وشكِ أن
تكونه هوَ شخصٌ آخرٌ تمامًا... راين، نجلُ إمبراطور الرياح، جان الذي قسمَ هذا العالم إلى ثلاثةِ أبعاد ، و قررَ مكانًا ليعيشَ فيهِ كُلُّ جنسٍ على حدى... كُلّ ما حدثَ حتى الآنَ كان خطةً مِن ملكةِ الزهور.. فإما استعادتكما لذاتكما القديمة أو الهلاكُ لهذا العالم... و أنا لَم أودَ أن أرى ما سيمسي عليهِ إبنيَ بسببِ إتباعيَ لها.
في تلكَ اللحظة إنبثقَ مشهدٌ داخلَ رأسِ راين... العديدُ منَ المشاهد... و آخرها حيثُ وقفَ هوَ على حافةِ منحدرٍ و امامهُ فتاةٌ ما بدت منفعله، ابتسمَ و أخبرها بضعَ كلمةٍ ثُمَ تركَ جسدهُ ليهويَ أسفلَ الوادي و في لحظةٍ اجتاحهُ شعورٌ مقيتٌ كما لو أنّ قلبهُ يعتصرُ ضيقًا و أن أنفاسهُ سلبت.
احتضنَ نفسهُ بصمتٍ و عينانِ متسعتانِ يخففُ إرتجافَ جسدهِ ليهمس : لقد متُ قبلًا...
قالها بشرودٍ ليعودَ إلى الواقعِ على صوتِ والدهِ هاتفًا : راين !، أمازلتَ هُناك ؟!.
نظرَ إلى والدهِ بفزعٍ لوهلةٍ ليهمسَ بعدها : لا بأس .. لَم و لَن أختفي ...
صمتَ لويدغير محاولًا إستيعابَ كلماتِ الذي أمامهُ لينهضَ راين عَن والدهِ أخيرًا معيدًا سيفهُ إلى غمدهِ لينظرَ نحوَ هايدن قائلًا : هايدن.. على شمالكَ و بخطٍ مستقيم... ستسيرُ لتجدَ بحيرةً ذهبيةً ذاتُ ماءٍ حلو المذاق.. اجعل المصابينَ يشربونه... أما أنا فسأذهبُ إلى حيثُ بياتريس.
سارَ راين في طريقهِ ليهتفَ هايدن قلقًا : مهلًا !، أتودُ قتالَ تلكَ المرأة وحدك ؟، أفقدتَ صوابكَ ؟.
التفتَ راين نحوهِ مبتسمًا : لا بأس هايدن.. لَن أتأذى !.
ثُمَ تابعَ طريقهُ نحوَ القريةِ تاركًا البقيةَ في حيرةٍ مِن أمرهم ، هُناكَ حيثُ إيلينا تقفُ في انتظارهِ و قربها بياتريس ذات العينان الخاليتانِ من الحياة و زاك المستند على جذعِ شجرةٍ، ليسَ و كأنّ جراحهُ شفيت أو توقفت عن النزيف، كلّ ما في الأمرِ أنها لم تعد تنزفُ بغزارةٍ كما في السابق.
نظرَ راين نحوَ إيلينا ليهمسَ لها : آسفٌ لجعلكِ تنتظرين... سأحرركِ من كُلِّ شيءٍ الآن .. أختي .
ابتسامةٌ عذبةٌ ظهرت على شفتا إيلينا و ما لبثت أن كادت تنطقُ كلمةً حتى غُرزَ سيفٌ منَ العدمِ في معدةِ راين الذي وقفَ متصنمًا يحدقُ بمن طعنهُ بعيونٍ متسعة، سرعانَ ما قطبَ حاجبيهِ لتبرقَ عيناهُ متأججةً بالغضبِ فيكشرُ عن أسنانهِ مطبقًا إياها بقوةٍ يكادُ يقتلُ زاك بنظراتهِ فقط
ضحكَ الأخيرُ بصوتٍ مبحوحٍ و هستيريةٍ شديدةٍ و بعيونٍ متسعةٍ و ابتسامةٍ عريضة هتفَ زاك بصوتهِ المبحوح : هذا هو !!، هذا هوَ الوجهُ الذي أردتُ أن أراكَ تصنعهُ !!، لطالما وددتُ رؤيةَ هذهِ التعابيرِ على وجهكَ اللطيف و الهادئ !!، ما هوَ شعوركَ كونُها هيَ من بينِ كُلِّ الناسِ قد طعنتكَ دونَ تردد !!، راين ديستيلا !.
أجابَ راين بهدوء : أنتَ مخطأ... أنا لستُ ديستيلا...
برقت عينا إيلينا ليكملَ راين : راين بارسولوميو... هذا هوَ اسمي...
ضحكَ زاك بإستهزاءٍ ليقولَ ساخرًا : مهلًا مهلًا أنتَ لَم تفقد عقلكَ أو شيءٌ من هذا القبيل صحيح ؟، أتودُ أن أشوهَ لكَ هذا الوجهَ مِن أجلِ أن تستعيدَ جزءً مِن عقلكَ ؟.
و معَ السطرِ الذي تفوهَ بهِ زاك تحولَ بريقُ الأملِ في عيني إيلينا إلى بريقِ حقدٍ عدائيٍ لتخترقَ حربتها صدرَ زاك فلَم يشعر الأخير إلا و الدماء تتدفقُ من فاهِ، نظرَ نحوَ إيلينا بعينانِ متسعتانِ يصعبُ تفسيرُهُما
صرخت بهِ الأخيرةُ بسخطٍ و غضب دونَ أي اهتمامٍ لنظراته : إياكَ و التفكيرُ بلمسِ شعرةٍ من شعراتِ أخي أيها الحثالة !!!.
هوى المعني إلى الأرضِ ليهمسَ بصوتٍ مبحوحٍ مرتجفٍ و منكسر : إيلينا... ساما...
لَم يتلقى أيَ إجابةٍ فهمسَ بصوتٍ متعب : رجاء... افعليها للمرةِ الأخيرة ...
تبددَ غضبها في لحظةِ أدركت ما فعلت لترتخي تعابيرها و تترقق عيناها بالقليلِ منَ الدموعِ فتجلسُ على ركبتيها لتحتضنَ رأسَ زاك، ابتسمت مع القليلِ من الألم لتربتَ على شعرهِ هامسة بلطف : تصبحُ على خير... زاك...
حرقةٌ تأججت في حلقهِ و غصة أطبقت على حنجرتهِ بإحكام، سالت من عينيهِ بضعَ دمعةٍ ليبتسمَ بلطفٍ و انكسار : تصبحينَ على خير.. أحبكِ كثيرًا أمي .. لا تنسي أن تبتسـ--
خبا صوتهُ و ارتخت تعابيرُ وجههِ آخذةً معها ابتسامتهُ الدافئة
همسَ محدثًا ذاتهُ : آه.. لقد متُ حقًا... كانت حياةً قصيرةً بالفعل...

رد مع اقتباس