عرض مشاركة واحدة
  #200  
قديم 09-23-2017, 08:48 PM
 


الزهرة التاسعة و التسعون : محبوبتي
استمرّ راين في النزيف فانتزعت بياتريس السيف الذي غرزتهُ في معدتهِ ببطءٍ شديد و ما إن خرجَ بالكامل حتى تدفقت دماءُ راين إلى الخارجِ بغزارة فأمسى بالكادِ قادرًا على الوقوف ، فما كان ذلك السيف سوى نصلٍ صنعَ من الفضةِ الخالصة و التي عُرفت بفتكها ببني جنسه ... بياتريس التي صبغها الأحمر من أعلى رأسها و حتى أخمصِ قدميها و ما كانت سوى حمرة دماءِ راين الواقف أمامها ، عيناها الخضراوتان منعدمتا البريق و الحياة استعادتهما شيئًا فشيئًا ، و ما كان ما لمحتاهُ فورَ استعادتها لوعيها سوى نفسها تمسكُ سكينًا و راين أمامها بالكاد يقف ، كلاهما كانا أحمران بالكامل ، بدأت ترتعدُ بقوة و قد غزا الفزع قلبها فهمست بصوتٍ مرتجف : راين ؟ ..
كانت تلك لحظة عاد الجميعُ بخير خالين من أيّ جرح ، و لحظة توهجت بياتريس بالأبيض الذي تخلله أسود داكن ليشكلَ نورًا أسطوانيًا شقّ السماء و غيومها ، ارتفعت الأولى في الهواء محلقةً و شعرها الطويل أمسى يتطاير إلى الأعلى ، عيناها لا تتوقفان عن ذرفِ الدموع ، و حينها فقط موجةٌ من القوةِ السحرية مسحت نصف القرية من الوجود ، و بمعجزةٍ ما لم يتأذى كائنٍ على قيدِ الحياة ... حتى الآن على الأقل ، أسواطٌ سوداء من الظل و سهامٌ بيضاء من الضوء ظهرت حول بياتريس من العدم بينما الأخيرة تزمجرُ دونما وعي منها و الحقدُ يتطايرُ من عينيها تبحثُ عن المسؤول عن هذا
ابتسمت إلينا و قالت محدثةً ذاتها : يا لكَ من وغدٍ محظوظ غوبر ... هي كانت لتفقد السيطرة هكذا تمامًا في غابةِ المحيط ! لكنكَ فقط نجوتَ من الأمرِ بأعجوبة !
لعقت شفتاها و اندفعت تهاجم غير أنّ سوطًا أرداها أرضًا ، لم تتضرر بقوة كهايدن و من معه جراءَ إصابةِ نفس السوط لهم لكن لم يكن دونما فائدة أبدًا ، أما هايدن و البقية فقد أصيبوا بقوة حتى لم يعودوا قادرين على الوقوف ، قال ماركوس بصعوبة : يصعبُ تصديقُ ذلك ! أهذه هي بياتريس تشان نفسها !
روبي : لا ... هي فقد السيطرة بالكامل !
همسَ راين : لا تتدخلي أختي ... سأنهي الأمرَ سريعًا ...
نسماتٌ خفيفة تشكلت حول راين ليرتفعَ في الجو متجهًا نحوها بهدوء و هو يكادُ يفقدُ تركيزه في أيّ لحظة فهو بالكاد واعٍ ، إلا أنّ بياتريس لم تتعرف عليه أبدًا فتوجه سوط نحوه مخترقًا جسده بقوة و أحدُ السهام قد نال من ساقه و آخر من كتفه بينما هي استمرت بالزمجرة غير واعية لما تفعل و من تهاجم حتى مدّ يده إليها ممسكًا بوجنتها ، اقتربَ أكثر متجاهلًا الألم الذي دبّ في كاملِ جسده فحتى لو كان يحتملُ ضوء الشمس هو ضعيف ضد الضوء المباشر ، ربت على شعرها قائلًا بلطف : لا بأس بياتريس ... أنا هنا معك ...
خبا صوتُ زمجرتها قليلًا إلا أنّ دموعها لم تتوقف عن الانهمار فأردفَ هامسًا : انظري إليّ جيدًا ... أنا بخير أترين ؟ ما أزال على قيدِ الحياة و لن أموت لأجلك ! لن أجرؤ على ذلك هذه المرة ! فأنا قد وجدتُ نصفي الآخر حرفيًا !
توقفت عن الزمجرة أخيرًا و قد استعادت وعيها و خفت دموعها لتقول : لما ... ذا ؟ ...
ابتسمَ لها و ضمها إليه معانقًا إياها ثمّ همسَ في أذنها : أحبكِ بياتريس ... هذا هو السبب ...
اتسعت حدقتا عيناها هامسةً : إيه ؟
عادت دموعها تنهمرُ أكثر من السابق فهمست : راين ؟ ...
همهم لها المعني مستفهمًا فقالت : و أنا كذلك !
خبا وهج جسدها أخيرًا لتهبطَ و هو إلى الأرض بخفة غير أنها استهلكت كلّ مل في جسدها من مانا فأمست غير قارة على الحراك بل و بالكاد تفتح عينيها ، أسندها راين إلى إحدى الأشجار هامسًا : سأعودُ قريبًا !
نظرَ نحو إلينا و أخذَ يحدّقُ بها مطولًا بنظراتٍ معقدة و ذكرياته قبلَ عشرة آلاف عام تتدفقُ إلى رأسه
- قبل عشرة آلاف عام من الآن -
كانَ أسودُ الشعر مستلقٍ على ظهره فوق الأريكة و رأسه يعتلي فخذها ، ممسكًا كتابه فتركزت عيناه بنفسجيتا اللون على تلك الصفحات المحشوة بالحروف ، قلبَ إحدى صفحاته ثمّ قالَ بهدوء : نيه أمي ...
همهمت المعنية بصوتها الأنثوي الناعم متسائلة و هي تدّس أصابعها في خصيلاتِ شعره الناعمة فقالت : ماذا ؟
ليسأل أسود الشعر بشرود : لماذا سميتني راين ؟ أوليس المطرُ كئيبا ؟ ...
قهقهت بهدوء ثم قالت : أحقا ؟
أومأ أسودُ الشعر إيجابًا و أجاب : هكذا يقول الكتاب ... فهي لا تمطر في قريتنا أبدًا ...
أخذت تمسحُ على شعره رافعةً غرتهُ إلى الخلف مرارًا : و ألم يذكر الكتاب كون المطر أساس الحياة ؟ هو يحول الصحاري القاحلة إلى مروجٍ خضراء و أراضي خصبة ، كما يمنحُ الحياة لكلّ مخلوقات العالم ... راين ... منحتكَ هذا الاسم لتكونَ كالمطر تجلبُ السعادة و الحياة أينما حللت .
شبحُ ابتسامة ظهرَ على شفتيه فقال : يا لكِ من ماكرة ! غيرتِ رأيي عن اسمي مائة و ثمانون درجة في سبعِ ثوانٍ !
فأجابته بحماس : صحيح ! أوليست ماما مذهلة !
قهقه أسودُ الشعر بسعادة ثمّ قالَ بجدية : أتظنيني سأكون مثل ذلكَ المطر يوما ؟
أما هي فقد اكتسى اللطف نبرة صوتها لتجيب : أنتَ كالمطر سلفًا ! انظر إليّ كم أنا سعيدة أراكَ شابًا في السابعة عشر من عمرك بالفعل ! أنتَ و شقيقتك كل ما أملك !
أطلت ذات الشعر الأسود و الأطرافِ البنفسجية من بابِ الغرفة التي لم تكن سوى غرفة الجلوس لتهتف بمرح : كنتُ على وشكِ الاعتراض لكن تمّ الثني عليّ قبل ذلك ! أسامحكما هذه المرة !
ابتسامةٌ أكبر شقت طريقها إلى شفاه والدتها ذات الشعر الأحمر و فردت ذراعيها قائلةً : تعالي إلى هنا ... إيلينا ...
هرولت المعنية إلى والدتها محتضنةً إياها ثمّ أراحت رأسها على كتفها لتسأل : ألستِ سعيدةً في رؤيتي شابةً كذلك أمي ؟
قهقهت الأم قائلةً : بالطبع أنا كذلك عزيزتي !
لم يزحزح راين عيناه من على الكتاب و قال بلا مبالاة : تعنين عجوزًا ...
فهتفت إلينا بغيض من فورها : يا لكَ من وقح ! من هي العجوز ؟ ثمّ إذا كنتُ عجوزًا فأنتَ عجوزٌ كذلك توأمي العزيز
لكن الآخر ردّ بلا مبالاة : أجل ! أنا عجوز و أقرّ بذلك !
- عودة إلى الواقع -
عضّ راين على شفته بقوة و هو يتذكرُ أمرًا آخر ، ذكرى لطالما آلمتهُ في حياته السابقة !

رد مع اقتباس