عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-29-2017, 05:44 PM
 





في مقبرة ذكرياتي تعيش تلك الفتاة الصغيرة الوحيدة ذات الشعر البني الداكن الطويل المتراقص مع رياح الخريف و العينين العسليتين الغارقتين في الدموع كلما رأيتها تجلس على تلك الأرجوحة الصدئة في حديقة الميتم الصغيرة أجل نحن مجموعة أطفال تخلى عنا أباءنا منذ ولادتنا لكننا نعيش في سعادة تامة بين معلمينا و أصدقاءنا آه آسف كنا نعيش لأننا الآن أصبحنا في أواخر عقدنا الثاني صحيح أننا تفرقنا و كل ذهب في طريقه إلا أننا نجتمع من وقت لآخر لأننا عائلة واحدة لم نسمع الكثير عن تلك الفتاة بعد مغادرتها الميتم قبل سنوات طويلة نظرت نحو اليد الصغيرة الممسكة بطرف قميصي لأبتسم لصاحبها على الفور و أقول: ماذا هناك جيم؟ ألا تستطيع النوم؟
هز رأسه بالإيجاب ثم قال: ماذا تفعل وحيدا هنا برفقة هذه الصور أستاذ؟
ابتسمت له بلطف وربت على رأسه ليستغرب جوابي الصامت صور طفولتنا متناثرة حولي خارج ألبوماتها البيضاء رتبت المكان ثم حملته بين ذراعي لأخذه إلى غرفة الفتية في الطابق العلوي القريب من غرفتي فتحت الباب بهدوء حتى لا أيقظ الآخرين وضعته على سريره وأعطيته قبلة صغيرة ثم قلت: أتريد أن أخبرك بقصة قصيرة حتى تنام جيم؟
ابتسم لي لأخبره بقصة ظريفة من مكتبة القصص المخزنة في ذاكرتي لم أصل لمنتصف القصة حتى لأجده قد نام بابتسامة بريئة تعلو شفتيه غادرت الغرفة لألتقي بأحد المعلمين الكبار في السن ليبتسم لي ويقول: ماذا ألا تستطيع النوم ريو؟ أتريد كوب حليب دافئ؟
قهقه بعد ذلك بمرح ليقول: لقد كبرت حقا ريو لازلت أذكر كيف كنت تقوم بمقالب للمعلمين وأضطر إلى توبيخك في كل مرة لقد كنت مشاكسا جدا
ضحكنا معا على تلك الذكريات الكثيرة التي مرت في ذاكرتنا قلت له: شكرا لك لأنك اهتممت بي كثيرا عندما كنت صغيرا
أحاط كتفي بذراعه وابتسم ليقول: سأستمر بالاهتمام بك حتى آخر يوم في حياتي ريو
تبادلنا الابتسامة ثم أكمل كل منا طريقه توجهت إلى غرفتي الصغيرة لم تحوي الكثير من الأثاث سرير لفرد واحد في الزاوية اليمني و خزانة ملابس بنية متوسطة و كرسي خشبي مع مكتبه في الجهة المقابلة استلقيت على السرير لأطلق تلك التنهيدة العميقة تلك الفتاة تجوب ذاكرتي كثيرا في الآونة الأخيرة أتساءل لماذا قبل أن أجد إجابة مرضية سرق النوم أفكاري و بدلها بعالم الأحلام التي أغرقتني في بحر من ذكريات الماضي عن تلك الفتاة و تلك الذكرى التي أخذت تتكرر كثيرا " وقفت عند تلك الأرجوحة الصدئة أنظر إليها تبكي بصمت كالعادة لكن شيء جديد بين يديها هذه المرة إنها رسالة تحمل اسمها هذا الشيء الوحيد الواضح من تلك الرسالة التي أتلفت دموعها الحزينة بقية الكلمات و الأحرف اقتربت منها بهدوء ثم قلت: هل أنت بخير ليديا؟
لم تلتفت إليّ قط ولا لمرة واحدة دائما ما أقف هنا بجانبها دون تلقي إجابة منها قررت الاستسلام سريعا تبعا للتجارب السابقة التفت لأذهب لكنها سرعان ما أوقفتني بقولها: إنهم لا يريدونني
لم أفهم جيدا ما قالته بصوتها المكتوم بالدموع والألم عدت إلى جانبها لتكرر ما قالته باستكمال: عائلتي لا تريدني لا أحد فيهم يحبني حتى أمي لم يكن خطأي أقسم أنه لم يكن كذلك
عادت للبكاء من جديد مخفضة رأسها أكثر لم أعرف ما هو الخطأ الذي لم ترتكبه لكنني شعرت بالألم الذي يعتصر قلبها الصغير أخذت تلك الرسالة من يديها لتنظر إليّ باستغراب ثم صدمة كبيرة لرؤية أجزاءها تتطاير في الرياح بعيدا نعم مزقتها تلك الرسالة التي أحزنتها كثيرا أمسكت بيدها وابتسمت لها ثم قلت: إن كانوا لا يريدونك معهم نحن نريدك هنا وسأكون معك دائما لأجعلك تبتسمين ليديا فالفتيات لا يجدر بهن البكاء فقط عليهن الابتسام ليبدين أجمل
تأملت تقاسيم وجهي كثيرا تحاول البحث عن شيء ما لترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها شعرت بفخر شديد كوني أول من يدع هذا الملاك الحزين يبتسم قهقهت بمرح وقلت لها: أجل هكذا تبدين أجمل بكثير ليديا
شفتيها المطبقتين فتحتا لتقول شيء ما لكنني لم أسمعه بسبب مناداة الأطفال الأصغر سنا لي
" فتحت عيناي بتثاقل شديد فالنعاس لا يزال يتملكني لكن خيوط الشمس الدافئة وطارق الباب جعلا النوم يحلق بعيدا تعجبت لتعدد الطرقات وقوتها نهضت من السرير لأفتح الباب وجدت نينا – طفلة في الثامنة بشعر بني قصير وعينين بنيتين – تبتسم بمرح شديد وهي تقول: لقد أتى أصدقاؤك وهم في انتظارك أستاذ ريو
قلت لها: حسنا لكن لماذا طرقت الباب هكذا؟
قالت نينا: هناك فتاة جديدة بينهم لم نعرفها بعد قالت إنها متحمسة للقائك
نظرت إليها باستعجاب شديد مما قالته لأعود لغرفتي و أبدأ الاستعداد لمقابلتهم محاولا معرفة من تكون "الفتاة الجديدة المتحمسة للقائي" لم أصل إلى أي نتيجة لا في الواقع وصلت لواحدة لكن من المستحيل أن تكون هي هذا ما أخبرت نفسي به فلقائنا الأخير معها كان قبل أربعة عشرة عاما و أخبارها انقطعت عنا بعد عام من المستحيل أن تكون هي أجل أنا واثق من ذلك غادرت الغرفة بعد تبديل ملابسي و نزلت الدرجات محاولا التفكير في نتيجة معقولة ألقى الأطفال المارين بي تحية الصباح لكن بالي كان مشغولا وصلت غرفة الضيوف لأسمع أصوات رفاقي المرحة تعلو في المكان ابتسمت على الفور فالشوق إليهم و إلى أحاديثهم كبير لقاءنا هذا يتجدد كل أربعة أشهر طرقت الباب ليزورهم الصمت فتحت الباب لأنظر إلى وجوههم المبتسمة بمرح لأقول لهم: صباح الخير جميعا
ردوا التحية لتعود الحياة إلى الغرفة جلست في المكان الفارغ الأقرب إلى الباب اجتمعنا حول الطاولتين المربعتين الملتصقتين لتكفي عددنا الأقل مما أذكر لابد أن الأخرين مشغولون هذا ما قلته في نفسي بالإضافة إلى أصواتنا كانت هناك أصوات الأطفال الذين يلعبون في الحديقة بالرغم من برودة أجواء نهاية الشتاء مع تغاريد العصافير التي تحن إلى الربيع أخرجتني إحدى الفتيات من تفكيري بقولها: يا إلهي ريو إنك تزداد وسامة كلما أتينا لرؤيتك
قالت أخرى: هذا صحيح ألا تفكر في الزواج بعد؟
أحرجت مما قالتاه لتعلو حمرة خفيفة وجنتيّ ضحك الجميع على ردة فعلي ليقول أحد الفتية: حياة العازبين أفضل بكثير من المتزوجين أليس كذلك ريو؟
قلت له بارتباك: اممم ربما لا أعلم
قال الشاب: أنت فقط خجول لا تريد إحراجهن لكن حقا لا تفكر أبدا في الارتباط وكن مثلي
قالت إحدى الفتيات بسخرية: أنت أعزب لأن لا أحد مهتم بك
قالت أخرى: سمعت أن جميع من طلبتهن للزواج رفضن ذلك
قالت ثالثة: ربما لأنك لست وسيما
قال الشاب: حدث ذلك لأنني كنت متسرعا جدا و أيضا أنا وسيم جدا بشهادة جميع العاملات في شركتي
قال أحد الفتية: أأنت واثق بأنهن لا يجاملنك و حسب؟
قال آخر: هذا صحيح فأنت رئيسهن في العمل ربما يفكرن أن أي كلمة خاطئة قد تسبب في طردهن
لم يجب بأي شيء ليدخل في حالة جمود و إحباط ضحكنا جميعا على التعابير المصدومة التي علت وجهه تداولت الأحاديث بيننا نذكر ماضينا الممتع أو شيء من الحاضر الذي نعيشه الآن استوقفني أحد الفتية قائلا: هل أنت مستمتع بوقتك هنا ريو؟ لا نسمع الكثير عنك عندما نجتمع
قالت إحدى الفتيات مؤيدة: هذا صحيح ألم تكن تحلم بالبقاء هنا و تدريس الأطفال؟
نظروا جميعا إليّ في انتظار ردي أنزلت رأسي قليلا بابتسامة حانية أفكر في السبب الذي منعني من إخبارهم بسبب بقائي هنا رفعت رأسي بذهول فور قول الشاب الذي بجانبي: أنا أعرف السبب وراء ذلك
نظرت إليه باستغراب كما فعل الجميع لينظر إليّ بابتسامة مرحة و يقول: أنت تتنظر عودتها أليس كذلك ريو؟
توسعت عينايّ في ذهول مما قاله فقد أصابت كلماته الموضع الصحيح اتسعت ابتسامته أكثر لرؤية ما ألم بي ليبدأ الفضول يملأ الجميع يرغبون في معرفة المقصد من ذلك الحديث عدت لوعي سريعا فأجيب عليهم بارتباك: أنا أستمتع بوقتي هنا كثيرا خاصة مع الأطفال يملؤون وقتي كله بالمتعة لكن لا يوجد الكثير لأتحدث عنه
قال أحد الفتية: و ما علاقة هذا بما قاله ماك للتو؟
نظرت إلى ماك بشيء من الترجي لإخفاء الأمر فهم ذلك على الفور ليرمي ذراعه حول كتفي ليقول وهو يبعثر شعري: كنت أمازحه فحسب لأنه أزعجني بصمته ذاك
قالت إحدى الفتيات بعد قهقهة صغيرة: يا إلهي ماك لقد جعلتنا نشعر بالفضول لمجرد مزحة
قالت أخرى: لطالما كانا مقربين جدا لذلك لن أستغرب هذا
قالت ثالثة: أجل أذكر كيف كانا يقومان بالمقالب لنا
ضحكوا جميعا وعادوا للخوض في ذكريات الماضي علت أصواتهم الغرفة يتحدثون باستمتاع شديد تنهدت بارتياح ثم قلت بهمس: ما الذي كنت تقصده بحديثك ذاك؟
قال لي بابتسامة: لا تدعي الآن عدم معرفتك بالأمر برمته وإلا سأخبرهم حقا
قلت له على الفور: ماذا ستستفيد من قيامك بهذا؟
فكر قليلا ثم قال: لا شيء لكن سيكون من الممتع رؤية وجهك المرتبك والمحرج من فضح أمرك
قهقه باستمتاع على رؤيتي أتعذب بكلماته تنهدت قليلا ثم تذكرت ما أخبرتني نينا به أدرت عينيّ في المكان بحثا عنها ليفعل ماك المثل ثم يقول: عمن تبحث؟
قلت له: أخبرتني نينا بأن هناك فتاة جديدة أتت معكم
ردد ماك خلفي باستغراب: فتاة جديدة؟
نظر من حوله مجددا ثم هز رأسه بالنفي وقال: نحن فقط من أتينا البقية قالوا بأنهم مشغولين ولم أرى أحدا غريبا عند قدومنا
بدأ كلانا التفكير في الأمر بجدية أكبر ليقول ماك: رفاق هل رأيتم فتاة غريبة أثناء دخولكم؟
نظروا إليه باستغراب ثم بدأوا التفكير في الأمر قليلا ليقول أحد الفتية: عندما دخلت الميتم قالت لي إحدى المعلمات لم تتوقع قدومنا نحن أيضا
قال آخر: أجل سمعتها تقول ذلك لكنني لم أرى أحدا
بدأ الجميع في التفكير في الأمر أكثر نهضت من مكاني لتترفع الأنظار إليّ فورا قلت لهم: سأذهب لسؤال المعلمة المسؤولة اليوم عن حضور الزوار
قال أحد الفتية: أخبرنا من تكون عندما تعرف
قال آخر: إن كانت جميلة أحضرها معك
ضحكوا على ما قاله بينما غادرت الغرفة ذهبت إلى غرفة المعلمين لأطلب منهم دفتر الزوار اقتربت مني إحدى المعلمات وهي تحمل الدفتر لتقول: ماذا تريد من الدفتر ريو؟
قلت لها: أريد أن أعرف من حضر غير أصدقائي
قالت المعلمة: لم يأتي غيرهم وتلك الفتاة التي سحبت من قبل الأطفال قبل أن تسجل حضورها
قلت لها: هل هي في الحديقة معهم الآن؟
هزت رأسها بالإيجاب لتمد الدفتر إليّ مع القلم الأزرق لتقول: اطلب منها أن تكتب اسمها رجاء
ابتسمت لها ثم أسرعت في المغادرة إلى الحديقة الغير بعيدة عن غرفة توقفت قليلا عن المسير أفكر "ماذا لو كانت هي؟" لسبب ما عقلي بدأ بالهلوسة و قلبي بدأ يتسابق مع أنفاسي المتسارعة سرت بخطى صغيرة بطيئة نحو الحديقة وقفت عند المدخل لأرفع رأسي و أنظر إلى الفتاة التي توسطت مجموعة الأطفال المحدقين بعينيها الواسعتين العسليتين كالكهرمان اللامع شعرها البندقي الطويل المرفوع للأعلى بشريطة بيضاء من المستحيل أن أنسى هذه الابتسامة "إنها هي بالتأكيد" هذا ما صرحه عقلي المشدوه من رؤيتها تقف هناك اقتربت منهم و لم تنظر إليّ كما لو أنها لم تشعر بوجودي البتة لم أنتبه لنفسي إلا بيد جيم الصغير الذي أمسك بقميصي قائلا: أستاذ إلى أين تذهب؟
نظرت إليه لأجد نفسي وسط تلك الحلقة قريبا كفاية للاصطدام بها لكنها لم ترفع رأسها بل اكتفت بقول: من هو أستاذكم؟
نفس الصوت الناعم ونفس الملامح لكن لماذا لم تعرفني؟ بل لما لا تنظر إليّ؟ انتظرت مطولا لتتلاقى أعيننا لكن بلا فائدة لتقول نينا بمرح: هذا الأستاذ ريو الذي أخبرناك عنه
قالت بابتسامة: لقد حدثوني كثيرا عنك سررت بلقائك ريو
مدت يدها للمصافحة بتردد في اتجاه مخالف للمكان الذي أقف فيه أنزلت عيني عليها لأنظر بشيء من الصدمة إلى الكرسي المتحرك الذي تجلس عليه شلت أفكاري تماما وأنا أنظر إلى يدها التي أمسكها أحد الأطفال وقال بمرح: إنه يقف هنا
قهقهت بارتباك مع قليل من الاحراج لتقول: آسفة أنا لا أرى لذلك اعذرني رجاء
صافحت يدها وأنا أحاول نفض تلك الصدمات عني وقلت لها: أنا ريو سررت بلقائك مجددا ليديا
اختفت ابتسامتها لبعض الوقت ثم عادت أوسع مما كانت عليه أثناء قولها: سعيدة للقائك مجددا ريو
تلك الابتسامة خطفت أنفاسي لبعض الوقت حتى قال أحد الأطفال: هل تعرفان بعضكما؟
قالت ليديا على الفور: أجل فأنا أيضا قضيت بعض الوقت هنا وربما كنا صديقين مقربين؟
استفهامها الموجه نحو بتلك الطريقة اللطيفة جعلتني أبتسم وأقول: أجل كنا صديقين مقربين وجعلت هذا الصديق يقلق كثيرا عليك ليديا
ضحكت بارتباك على مقولتي طلب الأطفال إخبارهم بقصص عن بعضنا في طفولتنا لكن لم توجد أتت إحدى المعلمات لتأخذهم برفقتها مع الدفتر الذي أنهت ليديا تسجيل حضورها نظرت لاسمها الجديد عليّ "ليديا جوداي" نظرت إليها باستغراب لفترة طويلة جعلتها ترتبك لتقول بابتسام: أهناك شيء ما ريو؟
قلت لها على الفور: لا أبدا فقط مستغرب
قالت: هكذا إذا آسفة لأنني فاجأتك هكذا أقصد أنني لم أعد أرى ولا أستطيع الحركة لابد أنك مصدوم جدا
قهقهت بمرح محاولة إخفاء ألمها تذكرت للتو فقط آخر ما وصلنا عنها أنها فقدت بعد حادث مريع لطائرة العائلة التي تبتنها لابد أن هذه النتائج شعرت بالأسى عليها قلت بلا شعور مني: لكنك لا تزالين جميلة كما عهدتك
وضعت يدي على فمي بعد خروج تلك الكلمات نظرت إليها بحذر شديد لأرى الإحراج قد صبغ نفسه على وجهها ارتبكت قليلا ثم قالت: شكرا لك
قلت بصوت منخفض: العفو
ثم أردفت قائلا: كيف هي حياتك الآن؟
لم تجب لفترة طويلة أقلقتني رؤية يديها تنقبضان بقوة على تنورتها الوردية الطويلة ذهلت لرؤية الدمعتين اللتين هربتا من عينيها وتتابعت شقيقاتها أخفضت رأسها لتقول: أحاول أن أكون بخير لكن لا شيء بخير الجميع هناك يكرهني
مجددا إنها تبكي بصمت و أنا أقف بجانبها أحدق في تلك الدموع البلورية المتساقطة من عينيها المحاولة تخفيف الأحزان عن قلبها تخلت عنها عائلتها في السادسة لاعتقادهم أنها سببا في مقتل شقيقها الأكبر دائم المرض رميت في مشفى الأمراض العقلية لعام ثم نقلوها لهذا الميتم الصغير البعيد عن مدينتها الأصلية أصابني الحزن لتذكر كل ما أخبرتني به و اشتد لتراكم آلام جديدة عليها مددت يدي إلى ذراعها النحيلة راغبا في التخفيف عن أحزانها ليوقف يدي شاب حمل تفاصيلها كلها نفس العيون الكهرمانية الجميلة تحدق بي بغضب شديد و الشعر البندقي الداكن شابها شيء من اللون الأشقر قال الشاب بنبرة منزعجة: ماذا فعلت لأمي يا هذا؟
حدقت بتلك العيون المنزعجة لبعض الوقت أستوعب ما قاله نظر كلانا إليها عندما قالت بتلك الابتسامة وهي تمسح دموعها: إنه ليس السبب ريو
قال الشاب وهو يترك يدي: إن لم يكن السبب فمن هو؟ أخبريني حتى أبرحه ضربا
قالت ليديا: لا تتصرف كما لو أنك جانح ما ريو
قال الشاب المدعو بريو: سأجعل كل من يبكيك يندم على ذلك
قهقهت بلطف على كلماته حدقت به طويلا فدارات عقلي توقفت عن العمل عندما استوعبت الأمر رفعت رأسها قليلا لتقول: ريو أعرفك ابني ريو جوداي قد يبدو الأمر مربكا قليلا لأنكما تحملان الاسم نفسه
قال الشاب ريو وهو ينظر إليّ بتفصيل: أرجوك لا تقولي لي أنني مسمى على هذا الشخص
قالت ليديا بشيء من الإحراج: بلى إنه هو ولا تقل عنه هذا الشخص فهو صديق لي
أراد الاعتراض على ذلك لكن نظراتي نحوه أصابته بالانزعاج أخيرا ليقول: لماذا تحدق بي هكذا؟
قلت موجها الحديث لوالدته: أهو ابنك حقا؟ يبدو أكبر منك سنا
قهقهت بمرح بينما هو منزعج مما قلته الحزن الذي علا وجهها منذ دقائق اختفى تماما مع وجود "ريو" شعرت بقلبي ينقبض متألما وهو يرى الابتسامة تعلو شفتيها أثناء حديثها مع "ريو" تنهدت تنهيدة عميقة أثارت انتباههما لأشعر بشيء من الارتباك قلت لها: الجميع هنا في زيارته الدورية ما رأيك بإلقاء التحية عليهم؟ أثق بأنهم يشتاقون إليك أيضا
فكرت قليلا في الأمر ثم وافقت بعد تردد وقف ابنها خلفها ليقوم بدفع كرسيها على تلك الأعشاب الخضراء بدأت بقيادتهم نحو الغرفة التي ملئت بأشخاص لم تعرفهم ولم يلقوا لها الكثير من الاهتمام طرقت الباب قبل فتحه بهدوء توجهت الأنظار إلينا مباشرة لأبتسم لهم وأقول: احزروا من قدم لزيارتنا أخيرا



رد مع اقتباس