عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-29-2017, 06:11 PM
 





حدقوا مطولا بها ناقلين أعينهم بين كرسيها المتحرك و "ريو" الواقف خلفها وتعابير وجهها المرتبكة قليلا وقف ماك من مكانه ليقترب منها ويحدق بعينيها الموجهتين للأرض بلا حراك باستغراب شديد انزعج ريو من تصرفه ليقول: ماذا هناك؟ ألا تستطيع رؤيتها من مكانك؟
رفع ماك رأسه لينظر إليه ثم إليها من جديد لا ألومه البتة فالشبه بينهما كبير جدا ابتعد عدة خطوات ثم نظر إليّ وقال بابتسامة: إنها ليديا أليس كذلك؟
قالت ليديا بابتسامة خجولة: أنا ليديا جوادي قد لا تذكرونني جيدا لكنني قضيت بعض الوقت هنا معكم
لم تلقى أي تجاوب فالجميع في حال استرجاع ذكرياتهم عنها ليقول ماك: لقد أصبحت أجمل ليديا لابد أن الكثير من الرجال يطاردونك
قهقهت بخجل على كلماته ليعيد بصره إلى "ريو" بقليل من الاستغراب ثم يقول: ومن يكون هو؟ شقيقك التؤام؟
هزت رأسها بالنفي لتقول بابتسامة: إنه ابني ريو أسمع كثيرا من الناس أننا نتشابه لكنني ضريرة منذ ولادته لذلك لا أعرف مدى الشبه بيننا
نظر ماك بصدمة لـ "ريو" ثم إليّ لأخفض رأسي بشيء من الحزن الذي حاولت إخفاءه خلف ابتسامتي المعتادة قالت إحدى الفتيات: إنه حقا يشبهك كثيرا أواثقة بأنه ليس تؤامك ليديا؟
قالت أخرى: إنه وسيم جدا كم هو عمرك ريو؟
نظر إليهن بشيء من الانزعاج ثم تنهد وقال: عمري الآن 14 عاما
انبهرت الفتيات بذلك فعمره وشكله لا يتناسبان أبدا يبدو كشاب في بداية عشريناته تحمسن أكثر للحديث معه بالرغم من جفاء معاملته لهن اقترب البقية من ليديا ليلقوا عليها التحية ويشاركوها الأحداث التي لا تعرف عنها شيئا وقفت هناك أحدق بها تبتسم لهذا وذاك بالرغم من شعورها بعدم الارتياح لجلب كل هذا الانتباه انتبهت أخيرا لماك الواقف بالقرب مني بصمت لأقول له: لم أنت صامت على غير العادة؟
لم يجب عليّ في البداية لكنه تنهد وقال: آسف لأجلك ريو لقد انتظرت طويلا لرؤيتها
شعرت بشفقته على حالي أجل انتظرت طويلا أربعة عشرة عاما بالتحديد لأخبرها بما حبسته بعيدا في قلبي تلك المشاعر التي تزايدت مع الدقائق و الثواني لم أغادر المكان الوحيد الذي جمعنا لأخبرها بكلمة واحدة "أحبك" لكنها الآن ليست بحاجة إليّ و لا لمشاعري "ريو" بالتأكيد ينسيها الآلام المكبوتة داخلها و يداوي جراح قلبها و ربما زوجها يجعلها تعيش في سعادة بالرغم من التعاسة التي تعانيها في بعض الوقت خرجت مني تنهيدة عميقة بصوت عال أثناء تحديقي بها اختفى لعلو الأصوات المتحمسة في الغرفة لكنها سمعت ذلك بالتأكيد فعينيها الجميلتين اللتين لا تبصران اتجهتا نحوي مباشرة أردت الابتسام لها "حتى لو فعلت فهي لن ترى ذلك بالتأكيد" هذا ما أخبرني قلبي المجروح لكنه صدم لرؤية الابتسامة التي علقت على شفتيها قبل جذب الفتيات انتباهها لهيب السعادة الذي ملأ قلبي لثواني جعله يشعر بالدفء قبضت يدي بقوة و قلت بصوت منخفض: ربما كان عليّ الاستسلام من البداية
ربت ماك على كتفي وقال: لا تدع الأمر يحبطك ريو ستجد فتاة أخرى تسعدك بالتأكيد
رددت خلفه بصوت أخفت من سابقه: فتاة أخرى هاه؟ أشك في ذلك
حزنه عليّ ازداد لسماعه تلك الكلمات عيناي المنزلتين للأسفل رأتا عجلات كرسيها المتحرك رفعت رأسي لأنظر إلى يدها الممدودة إليّ بابتسامتها الجميلة تقول: أنا حقا سعيدة للقائك من جديد ريو
صافحت يدها بابتسامة قائلا: أجل وأنا أيضا ليديا
قال ماك: هل ستغادرين الآن؟ لقد أتيت للتو فقط
قال ريو: لقد غادرت المنزل دون إخبار أحد لابد أن أبي قلق جدا عليها
قالت ليديا: والدك كثير القلق أنا لست فتاة صغيرة بعد الآن
قال ريو: هذا صحيح لكن خذي وضعك بالاعتبار أمي
تنهدت بهدوء ثم ابتسمت من جديد لتقول: حسنا سنغادر الآن أتمنى أن نلتقي مجددا
قال ماك: أجل لا تنقطعي عنا مجددا
ابتسمت دون الإجابة تركت يدها قبل أن تفعل هي لأسمح لهما بالذهاب دفع "ريو" كرسيها نحو الباب ثم توقف قليلا وقال: لا أذكر من أين دخلنا إلى هنا
قلت له على الفور: سأدلكما على الطريق
غادرت الغرفة معهما وعيناي لا تغادران ليديا التي تبحث عن شيء ما داخل حقيبتها البيضاء الصغيرة قال ابنها باستغراب: ماذا هناك أمي؟
قالت ليديا: أذكر أنني أحضرت أقراص الدواء معي لكنني لا أجدها الآن
توسعت أعين "ريو" لسماعه بالأمر ليقول: يا إلهي أمي دائما ما تنسين الأشياء علينا الإسراع إلى المنزل إذا
قالت ليديا بابتسامة: دائما ما أسبب لك الإزعاج آسفة لذلك وشكرا لاهتمامك الدائم بي ريو
ابتسم لها دون الإجابة ليسرع في الاتجاه الذي أخبرته به غادرنا المبنى لأرى سيارة سوداء طويلة في الخارج أيقنت بأنها في انتظارهما فور مغادرة السائق ذو الزي الرسمي لها متوجها لليديا تساعد كلاهما على حملها وإدخالها السيارة ثم عاد إليّ ابنها ليقف مواجها لي بنظراته الغريبة تلك أردت سؤاله عن السبب لكنه قال سريعا: لا أعرف ماذا حدث بينكما من قبل لكن لديّ سؤال هل كنت تحب أمي؟
صدمني سؤاله في الواقع ولم أعرف بما أجيب في البداية لكنني اخترت أن أصدقه القول فقمت بهز رأسي قليلا تنهد بشيء من الارتياح الذي فاجأني وأدهشني أكثر مد يده لي بتلك الابتسامة المشابهة لابتسامتها بقوله: شكرا جزيلا على اعتنائك بها وعلى مشاعرك اتجاهها
لم أعرف بما أعبر حقيقة فعقلي لا يزال مذهولا مما يسمع ويرى "هل هذا شيء يجدر به شكري عليه؟ ولماذا؟" صافحته بهدوء ليقول بحزن: أمي ليست سعيدة بحياتها مع أبي وعائلته فهم يقومون بتعذيبها دائما أمام مرأى ومسمع أبي لكنه لا يحرك ساكنا لأنه غير مهتم بها أبدا لكنها دائما ما تظهر السعادة والابتسامة أمامي لأنها لا تريدني أن أعرف بما يجري لها صحيح أنني انزعجت قليلا لرؤيتها تبكي أمامك اليوم لكن شعوري بالارتياح لفتحها لقلبها قليلا كان أكبر فشكرا لك على كل شيء قدمته لها
ابتسمت له بحزن ثم قلت: أنا لم أفعل أي شيء سوى الاستماع لشكواها فما بيدي شيء لأفعله حتى مشاعري اتجاهها التي كانت من الممكن أن تكون سبب سعادتها لم أصرح بها لا أستحق الشكر على أي شيء
نظر إليّ دون قول أي شيء مما أربكني "هل قلت شيئا لم يجدر بي قوله؟" تبادر ذلك إلى ذهني سريعا لكنه ابتسم فقط لم يعلق بأي شيء على ما قلته فقط ابتسم و غادر حدقت طويلا بالسيارة التي صعداها و هي تغادر المكان بصمت شديد بعدما اختفت عن العيان تبلدت مشاعري عدت أدراجي إلى الميتم ساحبا خلفي ذكريات حفظتها طويلا في صندوق ذهبي داخل قلبي رآني ماك أصعد الدرجات متجها نحو غرفتي رمقني بنظرات متأسفة على حالي أغلقت باب الغرفة ثم رميت جسدي المنهك عقليا على السرير أغمضت عيناي لتجري أحداث هذا اليوم أمامي قبل سفري لعالم الأحلام استيقظت في وقت مبكر عن العادة بصداع رهيب توجهت نحو المرآة لأنظر إلى وجهي المريع فيها ابتسمت بسخرية على عيناي المنتفختين لأقول بصوت منخفض: لم أبكي هكذا منذ فترة طويلة
بكيت كثيرا كما لم أفعل عندما كنت في الخامسة أخذت نفسا عميقا ثم دخلت الحمام لأستحم أنهيت حمامي في دقائق قليلة نظرت للغرفة لأتنهد للمرة العاشرة بلا مبالغة ارتديت ملابسي ثم بدأت ترتيب غرفتي الغير فوضوية حزمت حقيبة زرقاء متوسطة الحجم وضعت كل كتبي المفضلة و صور و عناوين أصدقائي و ملابسي نظرة أخيرة وداعية جعلتني أستشعر مدى الوقت الذي أضعته في هذا المكان أنتظر لشخص لم يضعني في الحسبان غادرت الغرفة لأتأمل كل ركن أثناء سيري نحو غرفة المعلمين لم يتواجد به أحد سوى معلمة واحدة نظرت إليّ باندهاش شديد أثناء سيرها نحوي توقفت أمامي لتقول: هل ستغادر لمكان ما ريو؟
ابتسمت لها وقلت: أجل سأغادر الآن معلمتي لقد بقيت عندكم لفترة طويلة وحان الآن وقت رحيلي
ترقرقت الدموع في عينيها المحاطتين بالتجاعيد عانقتني بحرارة كما لو أنها المرة الأخيرة التي ستراني فيها بادلتها العناق فهي واحدة ممن اهتموا بي منذ طفولتي بل منذ تخليّ والدتي عني أمام هذا الميتم في اليوم الثاني من ولادتي ربتت على كتفي ثم ابتعدت عني وقالت بابتسامة: لا تنسى زيارتنا من وقت لآخر سنشتاق لك
قلت لها: وأنا أيضا سأشتاق إليكم
حملت حقيبتي استعدادا لمغادرة المكان لتوقفني قائلة: انتظر قليلا نسيت إعطائك هذه
رفعت رأسي لأنظر إلى الظرف الوردي المرسوم عليه أرجوحة قديمة بألوان زيتية قرب اسم المرسل "ليديا جوداي" ذهلت لذلك كثيرا لتبتسم لي المعلمة وتقول: لقد أعطتني هذه عندما دخلت إلى هنا وطلبت مني تسليمها لك أرادت الرحيل بعد ذلك لكن الأطفال أخذوها معهم
قهقهت لتلك الذكرى لأبتسم لها وأشكرها ثم أغادر الميتم وقفت عند أسواره أحدق به المنزل الذي عشت فيه ثمان وعشرون عاما مليئة بشتى المواقف المضحكة والسعيدة والمؤلمة أيضا ابتسمت لذلك المنزل مرة أخيرة وقلت: شكرا جزيلا لك
تابعت مسيري في الشوارع الخالية من الناس في هذا الوقت المبكر من الصباح الشمس لم تطل علينا بنورها بعد والعصافير قد استيقظوا للتو مغردين بسعادة فالربيع في الطريق وصلت محطة القطارات لأشتري تذكرة الدرجة الأولى كي تأخذني للمكان الذي لطالما حلمت بالذهاب إليه معها بقيت مدة من الزمن في انتظار قدوم القطار صعدته لأبحث عن مقصورتي فور وصولي إليها جلست بقرب النافذة الشبه مفتوحة لأفتح الظرف وأجد الرسالة المكونة من عدة أسطر قليلة "كيف حالك ريو؟ أتمنى أنك بصحة جيدة و سعيد مع بقية أصدقاءك لقد مضى وقت طويل جدا منذ رأينا بعضنا أردت إخبارك بهذا وجها لوجهه لكنني لن أستطيع فعل ذلك مع وجود ابني و زوجي بالتأكيد لطالما أردت تحقيق الأحلام الذي تحدثنا عنها معا و البقاء برفقة بعضنا البعض لأنني أحببتك كثيرا و لا زلت أحبك ريو كم أتمنى لو أنني لم أقبل بالذهاب معهم كنا سنبقى معا للأبد شكرا لاهتمامك الدائم و مشاعرك نحوي" هذا ما استطاعت عيناي قرأته فالرسالة مليئة بالكلمات الممحوة بدموعها ذهلت بل صعقت تماما لم أعرف أي شيء عن مشاعرها هذه لم تبدو لي قط الفتاة الواقعة في حبي لحظة توقفت عن التفكير للحظة و حاولت استرجاع أي ذكرى قد تبدي لي اهتمامها هذا فيها و وجدت الكثير لكنني كنت أحمقا جدا لم أنتبه لذلك لأنني أخرق جدا و لم أكن مهتما بها إلا بعد رحيلها "كم أنت غبي ريو" ردد قلبي تلك الجملة كثيرا قبل أن أبدأ الضحك بهستيرية قهرا على ما فعلته بنفسي أجل أنا غبي جدا انهمرت دموع جديدة من عيناي لتغرق الرسالة أسندت رأسي لحافة النافذة أحاول استيعاب مدى غبائي و حماقتي أشرقت الشمس لتمد خيوطها الذهبية نحوي علها تؤنسني قليلا و كذلك الرياح التي اشتدت بزيادة سرعة القطار أثناء مداعبتها لي أخذت الرسالة من بين يدي نهضت مسرعا علني أمسكها لكنها خرجت من النافذة توقف عقلي عن التفكير انهرت تماما مع رحيل آخر ما قد أبقيه في مقبرة ذكرياتي.






رد مع اقتباس