عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-05-2017, 08:05 PM
 
قصة ياقوتية : مُتعقبي العاشق ! ..









واستوحيت من الدرر والياقوت
إبداع يفيض بتألق ولمعان

كريستال




يوجين!.. كم أرهقَني الجدالُ العقيمُ القائمُ بين منبعِ فكري ووجداني مُناقشاً قضيةَ انتِظارِك !
يوجين! ..أتُدرك أنَّني لازلتُ مُتشبِّثةً بطوقِ النَّجاةِ الّذي رميتَ بهِ إليَّ يومَ ذاك ورحلتَ لغياهِبِ الظُّلمات !
يوجين! .. أتفْقَهُ أنَّ نيرانَ شَوقي تزيدُ هِياماً بذِكراكَ ولنْ تخبوَ إلّا برؤيتِكَ حياً ترزق !
عطرُك.. رسائلُكَ .. ورودُك .. سوارُك ..ذكرياتُك .. ألا ترى أنَّ ضميرَ الكافِ يناديكَ يا غالٍ ؟
كنتَ مُتعقِّباً منذ البدء، فنقلتَ سُخونَةَ حُمى عشقِكَ إليّ .. فأسميتُكَ مُتعقبي العاشق !

***
فعَّلتْ أُولَ باقة اتصال بي ، في منتصفِ عشِيّةِ فصلِ الشتاءِ بسمائِهِ المُلبدةِ بالغيوم

بمدينة قبرص في محطة قطار نيقوسيا ،

وكُنتُ أُريحُ جسديَ الصغيرَ على أحدِ الأرائكِ الخشبيةِ المنزويةِ بعيداً عن صخبِ المارة طلباً للراحة ،

عندما بدأتُ استدرِكُ أنَّ عاملاً دخيلاً لعنصُرِ الهواءِ أقبل يستعمرُ مكانَتَهُ الشّامِخة ..

تلكَ الرائحةُ و ذاكَ العطرُ القوي ، وما أدراكَ ما ذلكَ العِطر!

عبيرُكَ انتَشَرَ سريعاً في الفضاء ممتزجاً بنسمات الرياح النديّـة ،

مُتمكّناً بنجاح من العُبورِ إلى جَوفي و ضخِّ برودَتِك بِأوصالي ، ومن ثم جعلي أرتعِشُ انتِعاشاً !

مع ذلك أبيتُ الالتفاتَ لقوَّتِك التي أخبرني حَدسي أنَّها ثقافةُ رجلٍ راقٍ

حرست أُذنيّ للحراسة فالتقطا إشارةً قريبةً لخطى وقع أقدامك تقتربُ باتجاهي عن ناحيَتي اليُمنى،

ولكنْ سَرعانَ ما انقطعَ البثُّ بعد ذلك بينَما عَلِقَ أثَرُك في الخَواء ليتلبَّسَني.

ثم أُجبرتُ على رفع السِّتارِ عن مُقلتيّ، فرأيتُ وردة روز بيضاءَ مع رسالةٍ

وُضعت بعناية وحذر في حُجري ! .. عجيب لم أحس بشيء!

تلفّتُّ يُمنةً ويُسرةً وبكلِّ الاتّجاهات على أنْ أجِدَك .. يـا مجنون!

ولكنّ السؤالّ؛ كيف كُنتُ سأتعرف عليك بين الجموع الغفيرة ؟

تلمّستُ الوردةَ وبدأتُ أقرأُ ما خُطَّ ولكن ببساطة، لم أفهم الأحرفَ المُطرّزَةَ على الجواب

فانتظرتُ قُدومَ مُنقِذي؛ جان؛ صديق والدي العزيز،

ما إنْ جاء وانتهى سير الرَّسمياتِ المُتعارفِ عليه، سلّمتُه الرسالةَ ليُترجِمَها لي،

وقبعتُ أنتظِرُ ردَّهُ المُفسِّر، وتعابيرُ وجهِهِ التي باتتْ تتبدَّلُ كفصُولِ السَّنة،

فعلمت أنه يعاني مشاكل في فهم اللغةِ أيضاً فقلت :"أو ليست هذه الكتابة تركية ؟!"

زمَّ شفتيهِ و ردَّ عابِساً بوجهي قائلاً :

"لو أنها كذلك لم رأيتني أعاني .. إنها كتابة يونانية ، منْ أين لكِ بهذا ؟ "

بلا تفكيرٍ وطيش أردفت :" من مجنون ! "

انفجَرَ بالضحكِ عالياً وكأنَّني ألقيتُ دعابةً وقال :"ما دام مجنوناً لما تكترثين لأمره !"

بذاتِ النبرةِ المُستفزةِ أجبتُه :" لأنني فضولية ألا تعلم ! "

ثم خطفتُه بتحسُّرٍ من بين يديه ونهضتُ من مكاني، قاصدين منزلَه الريفيَّ القديم بعد ذلك ،

إلا أن قضية محتوى جوابك وطريقةُ عرضِك المميزةِ والمريبةِ في آنٍ، شغلت تفكيري طوالَ الطَّريق !

ما إن وطأت قدمايَ الأرضَ من جديد لمحتُ البيتَ المُجاورَ لنا ،

وسطعت بمخيلتي فكرة شرعتُ بتنفيذِها بلا تردد،

فقصدتُ الوجهةَ وطرقتُ البابَ الأسودَ حتى استقبلني شابٌّ وسيمٌ يكبُرُني ببضعِ سنوات ،

خاطبته بالإنجليزيَّةِ ثمَّ أشرتُ إلى الرِّسالة بيديَّ قاصِدةً أن يُترجمها لي إن كان يفهم اللغة،

ففعل، دقّقَ النظرَ بالجواب لثوانٍ ثمَّ قال :" أُرسِلَتِ الرسالةُ بغرضِ بدْء التَّعارف بعقدِ صداقةٍ بينَكما

ومن ثم الارتباط واللونُ الأبيض يرمِزُ لمدى جديته وحسن نواياه بهذا الاقتراح !"

أخذت الرسالة منه وشكرته وأنا أفكر بشأني آنذاك ،

كيف أرتبط بشخصٍ لا أعرفه ؟!

وكان مترجمي على وشكِ المغادرة فعرقلته سائلةً:" آه عذراً ، ألم يُذكر اسم المُرسل ؟ "

حك جبينه بأطراف أصابعه محاولاً التذكر :" بلى ، يدعى يوجين .."

ثم استأذنني فعدتُ أدراجي حيث غرفتي ، أخرجت مُفكرتي وشرعت بالكتابة

( وردة روز..اللون الأبيض..

رسالة، ترى هل تكذب لغة الورود أم صاحبها ؟ .. أعلي المجازفة والانتظار أم التهور؟)

أغلقت مذكرتي مُنزعجة من فضولي الأخرق بشأنِك ،

قررت عقد هدنة مع العقل بأن يمرِّر يومي ذاك بسلام و ابدأ تحريات محقق كونان في صباح آخر !..

وبالفعل في مساء يومي التالي بدأت برنامَجيَ البوليسيَّ بالمراقبةِ ككلبِ حراسةٍ مُتأهبٍ لصيد فريسته

في أيِّ لحظة..

إلا أنَّ صوتَ جان فاجأَني من الداخل مُخيباً ظني بصنع عثره !

قلت في نفسي حتماً إنه مُرسال! .. " نعم جان ، ماذا هناك ؟ "

أطل برأسه من عند الباب قائلاً:" أوصلي هذا الظرف لفيليب "

ثم مَنَحني إياهُ فقلت أستفهم :" منْ فيليب ؟! "،"

جاري ، أول منزل يجاورنا من جهة اليسار "

" همم ، حسناً شكرا للوصف ، أتريد شيئاً آخر ؟ "

خلخل بأصابعه لحيته مُفكراً :" أمم .. سأكون شاكراً إن أحضرتِ لي رواية الكتاب الأسود لأروهان

من المكتبة ، أشعر بالملل هذه الأيام ! "

"عُلم ! ، أراك لاحقاً "

و مضيت حيثُ الجارِ المقصودِ، وما إنْ أوشكتُ على طرقِ بابِه حتى أدركني حِسٌّ غريب

وبرودةٌ لاسِعةٌ عبرت كياني.. مُعبِّرةً عن عينيّ مصورٍ شغوف من خلف العدسة تصورني بدقه مُتناهية.

أهيَ محاولتُكَ لقراءة الروحِ وأسبارِها ! .. إحساسي بك وتطفْلك بي أثارا عنفوان نفسي ! ..

فالتفت خلفي بسرعة حينها .. دون فائدة .. أحسست بهالتِكَ تحوِّطُني للمرة الثانية

واحتجزتني بزاويةٍ مظلمةٍ لأحد الأزقة، ثم شربتني عطرَك بعنفٍ حادٍّ مُرضخاً إيايَ لسطوتِك ،

وجعلي افتضح نفسِي علانيةً :" تباً ، هل سأدمن رائحتك الآن !"

" عفواً يا آنسه ! "

صوتُك الأجش الذي صدر من خلفي كان كفيلاً بإيقاظي من غفلتي ،

أدرتُ رأسي ناحيتك راسمة ابتسامة بلهاء :" غريب ! ، لم انتبه لحركة الباب .."

ضيّقتَ عينيك الكهرمانتين متعجباً،

بينما أسرني بريقُهما الذهبيَّ حتى تراءى لي تقوسُّ حاجبيك في الأعلى

فازدادت حماقتي فسلمتك الجواب قبل أن أنطق بالمناسبة:" فيليب ! .. إنها رسالة للسيد فيليب "

و فررتُ هاربةً في الاتجاه المعاكس حتى وصلت لضالتي الأُخرى ، هناك عنفت نفسي؛

لما تصرفت كالمراهقات ! ،

لم تكن مرتي الأولى مصادفتي بمقلتيك الكهرمانتين ! قد كنت مترجم رسالتي أتذكر أو لم تكن ؟

ولكن شيئاً في بؤبؤيك جدَّ واختلف عن السابق ، ماذا كان يا ترى ؟

لم أعلم أكان حظاً أم قدراً بأنَّ لمحتك تحومُ أمامي بين زوايا و أركان المكتبة حين انشغالي بتحليلك ؟

ولكن ترددت في الركض نحوك حتى اختفيت عن ناظري و رجعت نادمة للبيت فرأيت مفاجأةً جديدةً منك على الأرجوحة ،

رسالة ووردتيّ روز بلونيّ الأزرق والبرتقال،

ونال مني الفضول كعادته فبعجلٍ فتحت الرسالة

و دهشت لمقدرتي على فهم الأحرف التي كتبت بها هذه المرة بالإنجليزية ،

(.. عزيزتـي :

أُشيد بعفويتك و روحك المغامرة لأنكِ تحاولين البحث عني بلا خوفٍ من المجهول !

فخورة ، أبيّـة ، نقيـة كشمس الغروب و صعبة المنال ، نادرة كزرقة بحور الليل !

تركتِ لي صفة الأمل ، وقد علمت منكِ ما أردت معرفته و سأجيبكِ عني بشخصي ..

سُهيلة ! .. غداً نلتقي !..)

سطر رسالتك الأخير سحب مني الأوكسجين وأصابني بالربو لثانيتين !

و لم أكن في حالة تسمح لي معالجة معضلة صخب طبول قلبي المفتون بسحرك !

كيف عرفت اسمي ؟ كم في جعبتك من أسرار عني ؟

أليس من الظلم أن بحوزتك كل شيء عني سواي ؟!

ستلتقي بي غداً ؟ أتمزح ! قلت عنك مجنون ولكن غدوت أنا المجنونة !

ليلتي تلك لم أذق فيها طعم الراحة و حُرمت من سلطنة النوم !

قررت الذهاب للأرجوحة علّها تُنيمُني كطفلٍ رضيع !

أردت للحظة التجردَ من الأفكارِ الخاصَّةِ بك .. أن يتوقف سيل تدفقها لبرهة على الأقل !

لست أدري كم من الزمان واصلتُ التأرجح، كدتُ أغيب عن الوعي و..

.. " يوجيــن ! "

شفتيّ نطقتا بالاسم تزامُناً مع حاسة شميّ قبيل استدراكي وانتَظرتُ ردة فعلك..

لكن عوضاً عن ذلك، ساد صمتُك المُفجع فأردفت بضجر :" هل تراقبني على مدار 24 ساعة ؟ "

أخيراً قررت ترك أُذنيَ تميز استجابتك بخفة حركة قدميك بين الخُضرة المعشوشبة لتقترب مني

و لتتضح نبرتك المألوفة بدقةٍ فنطقت بشوقٍ وبتلهف:" همم ، أود ذلك ! أتمانعين مَسّي و إِسْتحواذيّ ؟ "

ألجمني ردك وشل تفكيري لدرجة اختلالِ توازني بالسقوطِ عن الأرجوحَةِ

وعلى غرارِ قسوة وخشونة الأرضية أدركتْ ذراعيكَ الصلبتين وحرارتك الدافئة..

التي احتضنتني ثم لسببٍ ما حجبتَ عني الرؤية بكفيكَ مُرسلاً ما يكفي من طاقتك الحيوية المُتملكةِ

لقمعي سجينةَ صدرِك وعُدتُ لزرع شتلةِ عدم الأمانِ بي مجدداً بقولك مُتلاعباً


بما تبقى من أعصابي:" آه ، ستقودين بي للهاوية برقتكِ هذه "،

صمتَّ مفكراً و أحنيت فكَّكَ مُلامساً وجنتيّ الملتهبتين ثم تابعت قائلاً:" بالمناسبة هل تحبين الذئاب ؟ "

ذاك كان أقصى درجات تحملي إياك !

نشلتُ غمامَتَك عن مُقلتيّ، ثم رفعت نفسي عن براثن حضك،

و ركضت للداخل أنافس سرعة الريح وأنا اسمع قهقهتك العالية تعتلي كعواء ذئبٍ حقيقي نتيجة فعلتي.

كم كرهتُكَ حينَها يا يوجين !

وعندما حل اليومُ الموعود جئتُ لمنزِلِ جان كزائرٍ عاديّ وكنت جالسةً بغرفة الطعام بكرسيّ قرب المائدة،

أقرأ روايته الكتابِ الأسود، ولم أشعر بخفة قدميك وغاب مُرشد أنفي حتى قُلت

:" سُهيلة ، كم أحب رؤيتكِ وأنتِ شاردة .."

التفتُّ بفزعٍ إليكَ حيثُ طلتُك وأنت متكئٌ على جدار الباب أمامي ،

حدقتُ بكَ بتمعُّنٍ مُطلقٍ لأول مرة ، لعينيك الرعديتين وقهوة شعرك الساخنة و ثلجية بشرتك و سَمِق قامتك،

غاظتني حقيقة أنك كنت بذلك القرب ولم أعرفك،

فقلت مُعْنِفة :" كنت إذن نصب عيني ولم اكتشفك وجعلتني أظن العكس ! "

رددت مُصححاً قائلاً :" أجل ، ولكن لقيتني مرة "

صمت ثم أردف بابتسامة قتلتني :" مترجمكِ ذاك كان توأمي .. بيتر ! "

فغرت فاهي من هول الصدمة وبعينيّ خاطبتك :" هاه ! ، أنتما اثنين ؟!"

هززت رأسك مجيباً عليَ بلغتي، ولكنْ سَرعانَ ما انفجرتَ ضاحكاً على تعبيري وتزايد فوهة فمي دهشة .

كُنتُ سعيدةً برؤيتك وبالاستماع إلـى قصَصِك وخصوصاً حكايات شقيقك التوأم و جدك فيليب ومن ثم أبويك ! ،

ومضت الأيام كلمح البصر وانتهت مدة اِقامتك للستة أشهر و صعب عليّ فراقك وأضنيت فؤادي ،

فصنعت لك وشاحاً صوفياً بلونك الأصفر الذي تفضله و منحتني سوارَك الفضي المنقوش عليه اسمك

ثم وعدتني بالعودة والاستقرار ..

و من يومها وأنا أطراك بالأطلال و قد دام غيابك الآن ..

وحلت عليّ وِحدة سنة ثالثة تنتظر أنيسها ، وزاد أنين وجعي وقد كنت استسقى برسائل أخبارك فيما مضى

ولم تعد تروي سُعار حنيني لولا معلومة جدك فيليب الشافية لغُلَي بأنك أتٍ غداً ..

فهلـّا لونت حياتي من جديد ؟





التعديل الأخير تم بواسطة Crystãl ; 12-07-2017 الساعة 05:11 PM
رد مع اقتباس