عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 11-15-2017, 06:40 PM
 






كيف أنتم يا عيون؟


كما فهمتُم من الجميلة لورين، هذه رواية تعليميّة،

نُدرِج بين طيّات فصولها دروسًا خفيفة ، بحيث تستمتعون و تستفيدون في آنٍ معًا،
و من لديه خِبرة أساسًا فليستمتع و يراجع ما يعرفه لا مشكلة



حسنًا، اليوم دوري لأضع بين أيديكم الفصل الثاني "بقلمي"، راجيةً أن تجدوه متناغِمًا مع ما أبدعته وردة في الفصل الأوّل ...


~ ~ ~


الفصل 2



تمشَّت الشّابّة ذات الشّعر الفاحِم بتأنٍّ نحو مقرّ عملها ، تتجلّى أناقتها البسيطة من خلال هندامها المعبّر عن نهايات عقدها العشرين...
كلّما اقتربت من بناء الكلّيّة ؛راحت صورٌ مِن محيطها تتوضّح انعكاساتٍ على أجزاءٍ من الجُدران الخارجيّة المُزدانة بالمرايا،
أشجار يانعة...أرصفة نظيفة ...و...ليفيان غاضبة جدًّا..
تنهّدت نينورتا و هي تلتفتُ خلفها لترى الأستاذة الأصغر سنًّا واقفةً على مسافة منها تؤنّب ماكس و ديفيد، تبسّمت باستسلام،

يبدو أنّ عفريتَي الكلّية قد آذياها ...كالعادة

-آنسة ليفيان ...أكلّ شيء على ما يرام؟
نادت من مكانها ، فردّت الأُخرى بنفس الرسميّة المطلوبة أمام الطّلّاب:
- طبعًا أستاذة ...شكرًا لاهتمامك .
و من ضحكتها المرتبكة كان واضحًا لنينورتا أنّ ليفيان تضغط على آخر عصب من أعصابها كَي تحمي أخاها من العقوبة ...
تركتها كما تشاء، متذكّرة أختها الصّغرى ،و في عينيها الخزاميّتَين بريق حزين.
لو كانت شقيقتها حيّة لاحتملت منها كلّ ما تحتمله ليفيان من ماكس...فقط لو كانت حيّة!

في طريقها للقاعة الدّراسيّة حيّتْ صديق طفولتها و زميلها الأستاذ كوسمو ، دونما توقُّف حيث شبك رالف ذراعه بذراعها يشدّها معه وهو يهتف:
- هيا يا آنسة ، الجميع جاهزون لحصّتك!
رالف و كلّ الطّلاب الآخرين كانوا بمثابة عزاءٍ لها لفقدان شقيقتها المتوفَّاة،
و لطالما تعاملت معهم بأريحيّة، لذلك طاوعته حتّى وصلا القاعة ذات الجُدران المزوّدة بمجسّات حسّاسة ، تلتقط الحالة النّفسيّة للبشر و تترجمها علىى شكل تصويرات تجسيميّة و مؤثّرات جوّيّة ...

راحت أقواس قزح شفّافة تلتمع مباشرة تحت السّقف ما إن دلفتْ نينورتا، التي ابتسمت للوجوه النّضِرة بثقةِ مَن يعرف مكانته ، ثمّ اتّخذت مجلسًا على مقعدها المعتاد برزانة، وهي تتجاذب مع الطّلّاب الأحاديث، فقد دأبتْ على إعطائهم بعض الوقت قبل البدء بالدّرس دائمًا...

اقتحم ماكس و ديفيد المكان باندفاع ِالهاربِ من وحش ما، فالتفتت الأستاذة نحوَهما و قد بدأت غيمة رماديّة تتشكّل فوق رأسها ،بينما ردّت تحيّتهما المتلعثمة :
-صباحكما ورود و زنابق ...و تأخير. أين كنتما؟
- نتبادل نقاشًا جادًّا مع ليفيان.
قال ماكس بخفّة رافقتها ضحكة ديفيد و بقيّة الطلّاب، فحدجتهما العينان البنفسجيّتان بنظرة جامدة، بينما الغيمة فوق الشّعر الأبنوسيّ تتكاثف و ترعد ،
ممّا فرض صمتًا لثوانٍ ابتلع خلالها ديفيد ريقه بينما اعتدل ماكس في وقفته...
الآنسة نينورتا مثال رائع للأخت الكُبرى، تستمع و تصغي، تشجّع و تدعم...
و تصبح مرعبة لو تجاوز أحد حدوده !
- عنيتُ: نحن حقًّا آسفان على التّأخير، كنّا نزعج ليفيان...
بترت نينورتا كلام ماكس بنحنحةٍ صارمة ، فصحّح متابعًا:
-كنا نزعج الآنسة ليفيان ، لن نعيدها.

تلاشت الغيمة مع النّظرات المخيفة، بينما أومأت نينورتا لهما بالدّخول فولجا
و ديفيد يتمتم:
- لن نعيدها اليوم على أيّة حال.
حبست نينورتا ضحكتها و هي تؤنّب:
- سمعتُ ذلك ديفيد، و ستكتب واجبًا مضاعفًا للغد كعقوبة.
يالغباء هذا الولد، لا يتوقّف عن توريط نفسه !
أجّلتْ سؤال ماكس عن سبب كلّ مشاكساته لشقيقته المعلّمة الفَتِيَّة ليفيان، كَي لا تضيّع المزيد من الوقت:
- و بالحديث عن الواجبات ...أرسلولي واجباتكم الآن ، و بدوري سأرسل لكم كتابًا لتقرأوه،سنناقشه لاحقًا.

فَعَّلَتْ شاشتها اللّمسيّة ، و حذا الطُّلّاب حذوَها، و كلٌّ يلمس أيقونة ملفِّ واجبِه لتظهر الملفّات في شاشتها مع أسماء أصحابها، كما ظهر لدى كلّ منهم ملفّ الكتاب، الذي شرعوا بقراءته بينما حلّ في الغرفة جوٌّ شتائي مُريح يتخلّله دِفء،
هبّ خلاله الهواء فجأة لثانية، معبّرًا عن تفاجُئِ نينورتا بعد قراءة ما كتبه ديفيد ... أسلوبه رائع بغرابة، لم تتوقّع كلماته المؤثّرة ...لكن...

-ديفيد؟الواجب عبارة عن كتابة قصّة قصيرة ، لا كما في عملك الأدبيّ الجميل هذا، الذي بدا لي جزءًا من رواية!
حكّ المراهق خلف رأسه قائلًا :
-و هل هذا خطأ؟
قالت نينورتا كإفساح للطّلاب كي يتناقشوا:
- ما رأيك كارلوس؟
أجاب الفتى الغامض بهدوء:
-طبعًا ، فالقصّة القصيرة تُعنى بحدثٍ واحد في فترة زمنيّة قصيرة، سقطة منك أن نشعر بأنّها جزء من رواية.
سأل ديفيد باستخفاف:
-حسنًا سيّد" أعرف كل شيء"...إن كنتُ سأُعنى بحدث واحد بفترة زمنية قصيرة
كيف سأجد مجالا للتحدّث عن الشّخصيّات و التّفاصيل؟
تحمّس رالف فأجاب من مكانه:
- أساسًا لا داعي لتّعمّق بالتّفاصيل في القصّة القصيرة و تكفي شخصيّتان أو ثلاثة،عكس الرّواية التي تتشعّب فيها الأحداث و تكثر الشّخصيّات مع حواراتها .

هنا تدخّلتْ نينورتا التي تابعتْ حديثهم و في الوقت نفسه اطّلعت على واجباتهم:
- بشأن الحوارات ، عزيزي رالف ، أنت قلبتَ قصّتك القصيرة إلى حوارٍ بين شخصين...كما لو كانت مسرحيّة.
من الصّدمة في وجهه استطاعت أن تحزر ما ظنّه فاستدركتْ:
-و حين أقول "مسرحيّة" لا أقصد تلكَ الأعمال الكوميدية المضحكة التي نشاهدها في التلفاز، فالمسرح أدب قائم بحدّ ذاته ،هو عبارة عن نصٍّ قصصيّ حِواريّ .
سألت ماري باهتمام:
- مادامت المسرحيّة نصًّا قصصيًّا ألا يعني هذا أنّها كالقصّة؟
لاحظت نينورتا أنّ عينا كريستينا تلتمعان بالإجابة، فحثّتها قبل أن يفتح أحد فمه:
-لمَ لا تردّين كريسي...أعلم أنّ لديك الإجابة الصّحيحة.
تشجّعت المعنيّة لتقول:
-حسنا، المسرحيّة كالقصّة من نواحٍ معيّنة، كالحدث، والشخوص، والفكرة و غيرها.
ولكنّها تختلف عنها من حيث البناء و الحوار و الصِّراع.


استمرّ الدّرس هكذا، ما بين إظهارٍ من المعلّمة لنقاط الضّعف، و مناقشة الطّلّاب فيما بينهم حول تلك النّقاط، إلى أن اختتمتْ نينورتا الحصّة بقولها:
- بكلّ الأحوال، و بغضّ النّظر عن الأخطاء التي تعرّض لها بعضكم،
فقد أبدعتم بأفكاركم . قصّة كارلوس و قصّة كريستينا وقعتا في منافسة، لَم أستطِع اختيار الأفضل بينهما، سأرسلهما لكم فاقرأوهما، لتتفادوا عثراتكم... و من يدري، ربّما يتحرّك الحماس لدى بعضكم فيكتب واجبه في المرّة القادمة.

سدّدت نظراتها نحو ماكس، الوحيد الذي لَم يحتوِ ملفّه على قصّة قصيرة، بَل على الكثير من التّذمّر...تهرّب من عينيها ليركّز على شاشته اللمسيّة متأكّدًا أنّها ستعاقبه بطريقة ما ، كان فقط شاكرًا لكون هذه المعلّمة متفهّمة كفاية لئلّا توصل شيئًا للمدير.


~ ~ ~



انتهى الفصل

لا تنسوا ترك تعليقاتكم الرّاقية التي ستبهجنا

سلامي








__________________







رد مع اقتباس