عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-20-2017, 11:49 PM
 
قصيدة عصي الدمع | أبي فراس الحمداني






جميل جداً
فلور ~



المحتويات :

1 قصيدة أراك عصي الدمع
2 تعريف بالشاعر
3 مناسبة قصيدة أراك عصي الدمع
4 شرح أبيات قصيدة أراك عصي الدمع
5 بيت يتّقد شوقا
6 أبيات تشعّ حكمة
7 الأساليب البلاغية في قصيدة أراك عصي الدمع
8 المستوى الدلالي
9 المستوى التركيبي
10 خاتمة






قصيدة عصي الدمع :


أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،
أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ،
ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي
إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ،
إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا
و أحسنَ ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ ، العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ
لأحرفها ، من كفِّ كاتبها بشرُ
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً
هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي
لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ
بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني
أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ
وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ
فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ
لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها،
فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ
تسائلني: " منْفَخْر؟ " ، وهي عليمة ٌ ،
وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى :
قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
فقلتُ لها: " لو شئتِ لمْ تتعنتي ،
وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
فقالتْ: " لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا!
فقلتُ: "معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ،
وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ
إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ
إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ ، بعدي ، لعاشقٍ ؛
وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ،
إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها،
لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ
كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً
على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ
تجفَّلُ حيناً ، ثم تدنو كأنما
تنادي طلا ـ، بالوادِ ، أعجزهُ الحضرُ
فلا تنكريني ، يابنة َ العمِّ ، إنهُ
ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ
ولا تنكريني ، إنني غيرُ منكرٍ
إذا زلتِ الأقدامِ ؛ واستنزلَ النضرُ
وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ
معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ
و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ
كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ
فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا
وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ
وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ،
وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ
وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ
طلعتُ عليها بالردى ، أنا والفجرُ
و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ
هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ
وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا
فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ ، ولا وعرُ
وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ
و رحتُ ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ
و لا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى
و لا باتَ يثنيني عن الكرمِ الفقر
و ما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ ؟
إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ
أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى ،
ولا فرسي مهرٌ ، ولا ربهُ غمرُ !
و لكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء ٍ
فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ !
وقالَ أصيحابي: " الفرارُ أوالردى ؟ "
فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ
وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني،
وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ
يقولونَ لي: " بعتَ السلامة َ بالردى "
فَقُلْتُ: أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ
و هلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً ،
إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟
هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه،
فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ
و لا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ
كما ردها ، يوماً بسوءتهِ " عمرو"
يمنونَ أنْ خلوا ثيابي ، وإنما
عليَّ ثيابٌ ، من دمائهمُ حمرُ
و قائم سيفي ، فيهمُ ، اندقَّ نصلهُ
وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ،
" وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يفتقدُ البدرُ "
فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه
و تلكَ القنا ، والبيضُ والضمرُ الشقرُ
وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ
وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ
ولوْ سدَّ غيري ، ما سددتُ ، اكتفوا بهِ؛
وما كانَ يغلو التبرُ ، لو نفقَ الصفرُ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا،
لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا،
و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ
أعزُّ بني الدنيا ، وأعلى ذوي العلا ،
وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ



تعريف بالشاعر :

ولد أبو فراس في الموصل من أسرة كريمة ونشأ في بلاط ابن عمه سيف الدولة، وحظي بثقافة واسعة وتعلم فنون الفروسية حتى ولاه سيف الدولة على منبج وحران وقد أسره الروم مرتين وطال به الأسر في المرة الثانية، وعرف ما كتبه في أسره بالروميات توفي عام 968م.

كانت المواجهات والحروب كثيرة بين الحمدانيين والروم في أيام أبي فراس، وفي إحدى المعارك خانه الحظ يوماً فوقع أسيراً سنة 347 هـ (959م) في مكانٍ يُعرف باسم "مغارة الكحل". فحمله الروم إلى منطقة تسمى خَرْشَنة على الفرات، وكان فيها للروم حصنٌ منيع، ولم يمكث في الأسر طويلاً، واختُلف في كيفية نجاته، فمنهم من قال إن سيف الدولة افتداه ومنهم من قال إنه استطاع الهرب. فابن خلكان يروي أن الشاعر ركب جواده وأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات، والأرجح أنه أمضى في الأسر بين ثلاث وأربع سنوات.

انتصر الحمدانيون أكثر من مرة في معارك كرٍ وفرٍ، وبعد توقف لفترة من الزمن عاد القتال بينهم (بين الحمدانين وبين الروم) الذين أعدوا جيشاً كبيراً وحاصروا أبا فراس في منبج وبعد مواجهات وجولات كر وفر سقطت قلعته سنة 350 هـ (962م) ووقع أسيراً وحُمل إلى القسطنطينية حيث أقام بين ثلاث وأربع سنوات، وقد وجه الشاعر جملة رسائل إلى ابن عمه في حلب، فيها يتذمر من طول الأسر وقسوته، ويلومه على المماطلة في افتدائه.

ويبدو أن إمارة حلب كانت في تلك الحقبة تمر بمرحلةٍ صعبة لفترة مؤقتة فقد قويت شوكة الروم وتقدم جيشهم الضخم بقيادة نقفور فاكتسح الإمارة واقتحم عاصمتها حلب، فتراجع سيف الدولة إلى ميافارقين، وأعاد سيف الدولة قوته ترتيب وتجهيز وهاجم الروم في سنة 354 هـ (966م) وهزمهم وانتصر عليهم واستعاد إمارته وملكه في حلب، واسر أعداداً يسيرة من الروم وأسرع إلى افتداء أسراه ومنهم أبن عمه أبو فراس الحمداني بعد انتصاره على الروم، ولم يكن أبو فراس ٍ يتبلغ أخبار ابن عمه، فكان يتذمر من نسيانه له، ويشكو الدهر ويرسل القصائد المليئة بمشاعر الألم والحنين إلى الوطن، فتتلقاها أمه باللوعة حتى توفيت قبل عودة وحيدها.

تحريره من الأسر:

تم افتداء وتحرير أبي فراس وبعد مضي سنةٍ على خروجه من الأسر، توفي سيف الدولة 355 هـ (967م) وكان لسيف الدولة مولى اسمه قرغويه طمع في التسلط، فنادى بابن سيده أبي المعالي، أميراً على حلب آملاً أن يبسط يده باسم أميره على الإمارة بأسرها، وأبو المعالي هو ابن أخت أبي فراس. أدرك أبو فراسٍ نوايا قرغويه فدخل مدينة حمص، فأوفد أبو المعالي جيشاً بقيادة قرغويه، فدارت معركةٌ قُتل فيها أبو فراس. وكان ذلك في ربيع الأول سنة 357 هـ (968م) في بلدة صدد جنوب شرق حمص.

أشعار أبي فراس الحمداني:


قال الصاحب بن عباد: بُدئ الشعر بملك، وخُتم بملك، ويعني امرأ القيس وأبو فراس.
لم يجمع أبو فراس شعره وقصائده، إلا أن ابن خالوية وقد عاصره جمع قصائده فيما بعد، ثم اهتم الثعالبي بجمع الروميات من شعره في يتيمته، وقد طبع ديوانه في بيروت سنة 1873م، ثم في مطبعة قلفاط سنة 1900م، وتعتمد الطبعتان على ما جمعه ابن خالويه. وقد نقل وترجم بعض شعر أبو فراس إلى اللغة الألمانية على يد المستشرق بن الورد، وأول طبعةٍ للديوان كاملاً كانت للمعهد الفرنسي بدمشق سنة 1944م ويؤكد الشاعر العراقي فالح الحجية في كتابه في الأدب والفن يكاد يتفق النقاد ان أجمل قصيدة للشاعر هي قصيدة أراك عصي الدمع التي أخذت مكانها في الشهرة بين قصائد الغزل العربية.


مناسبة قصيدة أراك عصي الدمع :


القطعة التي بين أيدينا زخرفت وأخذت من ” روميّات ” أبي فراس ، وهي تلك القصائد الرائعة التي نظمها الشاعر في أسره ببلاد الروم وأرسلها إلى ابن عمه سيف الدولة ( تباطؤه في فدائه ) أو إلى والدته الكئيبة أو إلى أصدقائه ، وهي كيوميات سجّل فيها الشاعر تأثره بالفرقة والأسر والغربة ، وكذا فخره بنفسه واشتياقه لأيام الحرية والرغد والفروسية .



شرح أبيات قصيدة أراك عصي الدمع :


أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ * أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟

لقد استهل الشاعر قصيدته بمقدمة غزلية جريا على العادة التقليدية للشعراء الأوائل ، وهذا ليس بغريب على شاعرنا إذا نظرنا إلى مسيرة حياته التي تشرّبت الأصالة والعروبة .

يخاطب الشاعر نفسه متعجبا من مدى صبره وجلده على سلطان الحب ، فهو لا يبكي كعادة أهل الهوى المكتوين بناره ، ودمعه يقف له سندا هو الآخر فيمتنع عن الترقرق ، وهنا يحضرني على النقيض بيت الشاعر العظيم المتنبي :

أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرقُ * وجوى يزيدُ وعبرةٌ تترقرقُ

فهو على عكس أبي فراس ، يعاني من نار الهوى التي حرمت جفونه النوم ، ويعتصر قلبه ألما ، وينهال دمعه سيلا .

بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ * ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !

يعترف الشاعر بأنه يحتفظ بكل مظاهر حبه واشتياقه في صدره ، وبأنه يتألم لبعده عن الحبيبة ، لكن نفس الشاعر تأبى الخضوع لأمر الهوى ، فهو يملك القدرة على التحمّل وإخفاء مشاعره ، لكن سرعان ما تتدخل عوامل ومؤثرات تضعف نفس الشاعر وتجعل ذاته تستسلم وهو ما نلمسه في البيت التالي :

إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى * وأذللتُ دمعاً منْ خلائقه الكبرُ

إذا حلّ الليل على الشاعر ، جاءت إليه الذكريات وبسط سلطان الهوى جبروته على قلبه ، فيبكي بحرقة ، لكنه لا يظهر بكاءه للناس ، فهو الجلد الصابر الذي تأبى نفسه الضعف والهوان .


بيت يتّقد شوقا :


تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي * إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ

لقد وصلت شدة الوجد والشوق إلى الديار والمحبوبة بالشاعر إلى درجة أنها نار أحرقت فؤاده وجوانحه ، لكن مكانة الشاعر واعتزازه بنفسه تجعله يتجرع هذه المرارة بصمت ويكتمها في قلبه ، إنه صراع بين الكبرياء والعاطفة ، كبرياء دونه الموت أنفة وصبرا ، وعاطفة تتّقد نارا حارقة .

معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ * إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ !

يتملك خطاب الأنانية نفسية الشاعر ، فهو ينتظر ويرسم الأماني للقاء محبوبته التي يبدو أنها لا تفي بوعدها ، وبين نار شوق اللقاء و مخافة إدراك الموت للشاعر وحرمانه من وصل المحبوبة ، يدعو على كل أهل الهوى والعشق بنفس المصير .

بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني * أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ

يقدم لنا الشاعر في هذا البيت صورة رائعة تنطق بالجمال ، فافتقاده للحبيبة جعله وحيدا رغم أنه يعيش وسط أهله ، وكأني ـ شخصيا ـ أتخيل الشاعر نازلا إلى الصحراء متخليا عن أهله الحضر ، فالدار التي لا تحوي حبيبته هي قفر خراب ، ورمس يعلوه سراب ، نفسية منهارة وملل قاتل ترياقه وجود الحبيبة .

أبيات تشعّ حكمة :

هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه * فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ

وما هذه الأيامُ إلا صحائفٌ * لأَحْرُفِهَا من كَفِّ كاتبها بِشْرُ

و لا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ * كما ردها ، يوماً بسوءتهِ ” عمرو”

وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ * وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ

تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا * و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ


أبيات رائعة جرت مجرى الحكم ، فصار بعضها مثلا سائرا بين الناس ، ولا عجب في ذلك ، فنفسية الشاعر الجياشة بالعاطفة والأحاسيس الرقيقة جعلت الحكم تنساب على لسانه وتجري في كيانه .


الأساليب البلاغية في قصيدة أراك عصي الدمع :


تزخر قصيدة ‘ أراك عصي ّّ الدمع ‘ بمجموعة من الأساليب اللغوية والفنية البيانية أذكتها نار العاطفة المتأججة ، وسندرج بعضا منها بما تيسّر وتقدّر على سبيل الإيجاز .

لقد نظم الشاعر قصيدته على ‘ بحر الطويل ‘ ، وتفعيلته :

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن



وبالرجوع إلى القصيدة نجد ما يلي :


المستوى الدلالي :


اعتمد الشاعر على الاستعارة المكنية في البيت الأول ( أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ ..) فلقد صوّر الدمع بالعصيّ والصلب ، وشبّه الهوى بالإنسان الذي يأمر وينهى .

وفي البيت الثالث ( إذا الليل أضواني ) هذه استعارة مكنية صوّر فيها الليل بالوهن والمرض الذي يضعف الشاعر .

(بسطت يد الهوى) هنا صوّر الهوى بشخص له يد تُبسط .

( أذللت دمعاً من خلائقه الكبر ) استعارة مكنية صور فيها الدمع بشخص متعال من طبائعه الكبر .

فى البيت الرابع : ( تكاد تضيء النار بين جوانحي ) استعارة تصريحية حيث شبه عواطفه وانفعالاته الداخلية بالنار التي من الممكن أن تضيء وتشتعل .

( إذا هي أذكتها الصبابة والفكر ) : استعارة مكنية ، هنا شبه شدة الشوق والعشق بالمادة التى من شأنها أن تشعل النيران .

سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ * وفي الليلة ِ الظلماءِ يفتقدُ البدرُ

أكثر بيت بلاغي شد انتباهي وإعجابي ، حيث شبه الشاعر نفسه بالبدر و يقول أن الناس لا بد أن تتذكره في المواقف الصعبة ، فهو فارس الحالات المستعصية .

المستوى التركيبي :

فنجد أسلوب الاستفهام ينوب ترجمة عن البيت الأول ، ففي قوله ‘ أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟ ‘ يتساءل الشاعر متعجبا عن ماهية الهوى الذي يؤثر في القلوب .

وعلى مستوى البديع والصوت يتجلى لنا أسلوب التصريع ( اتفاق شطري البيت الواحد ) وفي المثال نجد كلمتي : الصبر ، أمر .

كذلك نجد أسلوب الطباق ( كلمتان متضادتان في المعنى ) في :

البيت الأول : ( نهي وأمر ) .

البيت الثاني : ( يذاع وسرّ ) .

البيت الخامس : ( ظمآنا والقطر ) .

ظاهرة تكرار الترادف ( اختلاف كلمتان في اللفظ واتفاقهما في المعنى ) : وأزيد عليها أن هذا التكرار يكون بالمدلول دون الدال ، ولكي نقرّب الصورة لنتأمل البيت الأول :

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ * أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟

نجد ورود كلمتي ( عصيّ الدمع وشيمتك الصبر ) وهما يدلان على معنى واحد وهو الجلد والقدرة على التحمل والصبر .

وفي البيت الثالث :

إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى * وأذللتُ دمعاً منْ خلائقه الكبرُ

نجد كلمتي ( أضواني وأذللت ) وهي بمعنى الضعف والانهزام .



خاتمة :


لقد انبثق الشعر على لسان أبي فراس وتدفّقت العاطفة منه سيلا إلى حدّ قلّما بلغت إليه عاطفة في الشعر العربي المتداول ، ومن هذه العاطفة استمد الشاعر معانيه ، فهو الأمير الرقيق والملهم الذي ينبع الحبّ من فؤاده ، وقد يضعف أحيانا فيرسم لنا ديباجة مزينة بفسيفساء عبارات التشكي والحنين والجزوع . هذه العاطفة الرقيقة بوّأت الشاعر منزلة حسنة في عالم الفن ، وقرّبته أبدا إلى القلوب ، فالعاطفة العميقة الصادقة تستوطن القلوب وتغدو قيمة تبقى خالدة على مر السنين .




__________________


شكرا لكِ يُونا . على الطقم الأكثر من رائع

التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 11-23-2017 الساعة 10:02 AM
رد مع اقتباس