استحت الكلمات أن تزاحم جمال ماخطته أناملك كريستال النوتات بها ثغرة مهلكة ، تقذفك إلى هُوة اللظى !
انتبه ، فمصيرك بيدك ! فإما إلى ضياء الحياة ، أو إلى هلاكٍ مُقفر !.
-
فتح مقلتيه بتلكؤ ، جال ببصره في ذلك المكان المعتم ، و لا حتى بصيص ضوء قد تسلل إليه .
استقام بجسده العلوي و زفر بخفة ، تربع بجلسته و بات كالأبله يحدث نفسه :
- آه يا تشاز ! ما الذي فعلته بحياتك لتعلق في مثل هذا المكان ؟!.
رسم بابهامه دوائر عشوائية على الأرض :
- حتى أنني كدت أكون قريع ألسن الناس ، ضحك :
- كدت أكون الاسم الأول في العالم .
قهقهة خبيثة وصلت لمسامعه :
- أنت توهم نفسك عبثاً !.
تلفت حوله ، ثم فجأة سكن بمحله ، ما الذي يبحث عنه بهذا الظلام ؟!.
صرخ :
- اقترب قليلًا ، دعني على الأقل أشعر بوجودك حولي !.
- و هل يبدو لك أنني قادر على ذلك . بسخرية أجاب الصوت .
- بغيض ، يمكنك المحاولة على الأقل !. تمتم بحنق .
جلس جلسة القرفصاء ، و بدأ يقفز كالأرنب ، في نظره تبدو خطة آمنة حتى لا يتعثر بشيء فيتهشم وجهه الجميل .
تريث قليلًا ثم أكمل قفزه بمتعة و هو يدندن بعض سطور معزوفته ، لكن ما لبس أن تقطع صوته و انقلب عدة مرات ليوقف رأسه قدم أحدهم .
انتحب بصوت باذخ :
- لم احتياطاتي دائمًا تبوء بالفشل ؟.
- ببساطة أنت تفكر في اللحظة الحالية ، و تتجاهل اللحظات القادمة .
كان الصوت قريبًا منه جدًا لدرجة أنه شعر به فوق رأسه .
- المعذرة ، و لكن هل تقف بقدمك على رأسي ؟!. تنحنح بغرور .
ضحك ذلك الغريب ليدفعه بقدمه و يستند هو الآخر على الجدار :
- ما رأيك أن تتحسس الجدار حولك ، و إن كنت محتاطًا لتلك الدرجة فالأرض أقرب لك لكن لا أضمن سلامة ظهرك !. بنبرة مستهزئة أردف .
- دعني على الأقل ألملم كرامتي التي التصقت بالأرض عقب قدمك التي لوثت شعري الجميل . امتعض تشاز محاولًا الوصول للجدار ، فقد بدأ يكره ذلك الغريب و قد حسبه طوق نجاته .
كان تشاز حذرًا جدًا في خطواته ، تحرقه نفسه المهزومة أمام ذلك الآخر .
اصطدمت قدمه بقدم أخرى فعرف أنه وصل لمناله أخيرًا .
شبك يديه و بكل قوته ضرب رأس ذلك الأخير بقبضته .
- ليست مؤلمة ، يبدو أنك هزيل البنية !. ببرود أردف بينما تشاز ينفخ على يديه من شدة الألم .
- هل صنع رأسك من الصخر ؟ّ!. كادت يدي أن تكسر .اغتاظ تشاز .
- سيكون رائعًا لو تخلصت من غرورك المستفحل و ساعدتني لنعرف بأي مكان نحن ! بالمناسبة أدعى ديف ، ماذا عنك ؟!.
- تشاز أوريفيل ،أفضل موسيقار على مستوى العالم . بغرور عرف بنفسه .
- سأحاول تصديق ذلك ! .
- هل تسخر مني ؟!. بحنق سأل تشاز .
- أبدًا ، لكن لا يبدو ليّ أنك بتلك الموهبة . نبس ديف بشَبِم .
- تبًا لك ! لِمَا جمعتني الحياة معك ؟!. تنهد تشاز بحرقة .
لم يعيره ديف أي اهتمام ، ليأمره بصرامة :
- تحسس الجدار و حاول الوصول لمخرج .
أماء تشاز برأسه ، فهو بالفعل يريد التخلص من ذلك الديف .
مشى ببطء و على مهل ، يركز بكل تفاصيل الجدار ، يريد الوصول أولًا للمخرج و يترك ديف بذلك الديجور الحالك ، فهذا هو عقابه الذي قرره عليه .
- بالمناسبة ، كيف علقت هنا ؟!. سأل تشاز.
- أنا هنا منذ تقريبًا ألف سنة ، نجاتي تكمن بظهور أحدهم ، إن تجاوز اختباره فأسنجو و إن لم يتجاوز فسأمكث هنا أكثر ؛ لكن لم أتوقع أن القدر يخبأ لي أحمقٌ مثلك !.
لجم تشاز غضبه ، ففهي النهاية يبدو ديف مسكينًا بنظره ، كيف تحمل ذلك المكان بحق ؟!:
- أنت معمر إذًا ؟! هل أنت عجوز أم شاب ؟!.
صمت ديف و لم يجبه يراه سؤالًا خصوصيًا ، إجابته تكمن حالما يبصرون الضياء .
استعاد تشاز رباطة جأشه ، فيبدو أن ديف قد تجاهله بالفعل :
- ألم تفكر بالهرب ؟!.
- الأبواب مغلقة ، لا تفتح إلا حالما ينضم شخص ما إلى هذه الغرفة .
- هل هي لعنة أو ما شابه ؟!.
تبسم ديف بإبرام ، و لحسن حظه أن ذلك الظلام قد حجب تشاز عن رؤية دموعه التي تجمعت بمقلتيه :
- لنقل أنه عقاب !. بنبرة مهزوزة أجاب .
رفع تشاز حاجبيه باندهاش ، الرجل بالفعل معاقب ! فهل يعاقبه أكثر ؟!.
رفع كتفيه لا مباليًا ، ليهمس وجدانيًا : ( ربما أسامحه ! ) .
تشنجت يده بغتة ، لقد عثر على حدود بوابة تبدو شاهقة الارتفاع ، صرخ بحماس :
- ديف تعال بسرعة ، لقد شعرت بحدود بوابة ما .
هرول ديف ، ليصل لمكان تشاز بصعوبة ، ازدرأ ريقه و دفع الباب فانفتح و كشف له نور الغرفة أمامهم شكل تشاز ، بشعره الغسقي و عينيه البنيتان كلون الشوكولا ، بنيته لم تكن بتلك الهزالة ، لكنه كان متناسق البنية بغض النظر عن الطول فقط كان يبدو كعمود الإنارة .
أما تشاز فقد فغر فاهه باندهاش و هو يحدق بديف ، بشعره الأسود الفحمي ، و عينيه الزرقاوتين و كأنك ترى المحيطات بداخلها ! كان مفتول العضلات ، قوي البنية ، لم تهلكه الألف سنة التي قضاها في ذلك السجن .
ضربه ديف على فمه ، ليسخر بلطافة :
- سيسكن الذباب فمك يا صاح !.
- أنت شاب ؟!. أمال تشاز رأسه بعفوية .
- ماذا ظننتني ؟! رجل طاعن بالسن قد غزا الشيب رأسه ؟!. أخبرتك أنني معاقب .
أسئلة عديدة ارتطمت بجدار رأس تشاز ، لكن فضل الصمت ، فليس مقربًا لتلك الدرجة من ديف حتى يسأله مثل تلك الأسئلة .
التفتا أمامهما ، كانت صالة فسيحة ، كل ما تضمه هو تماثيل متشابهة على كافة الجانبين ، و كلهم لشخص واحد " بيتهوفن " !.
أما الأرضية فكانت مفروشة بسجادة حمراء مطرزة بخيوط ذهبية على طرفيها .
- قلت أنك موسيقار ، فهل تعرفه ؟!. سأل ديف و هو يشير للتمثال .
- إن كنت تعرفه فلِمَا تسأل ؟!. أردف تشاز لا مباليًا .
- فقط أتأكد !.
خطى تشاز خطواته الأولى ، شد انتباهه بيانو أبيض اللون !.
- هل كان المكان لموسيقار أو هاوٍ للموسيقى ؟!. استفسر تشاز .
- لا أظن !. لم أكن أسمع عزف بيانو أبدًا . أجاب ديف متفحصًا المكان .
ركض تشاز بإندفاع للبيانو ، " أبيض اللون ؟!" ، امتعض تشاز ، فلم يكن يومًا من محبي اللون الأبيض ! فقد كان يذكره بحبيبات الثلج البيضاء يوم وفاة والدته .
-
يحدق بالزهرة الحمراء الفاتنة أمامه ، لفت انتباهه شيء غريب بها ، صرخ بأعلى صوته :
-أمي !! هذه الزهرة مريضة .
ضحكت لبراءته ، لتقترب من ذاك الصغير الذي لم يبلغ عامه السابع بعد .
-ماخطبها تشي ؟!. سألت بحنان .
-ليس لها اشواك ! هل يجب أن أنادي لها الطبيب ؟!. بفزع سأل ، فقد كانت الأزهار صديقته .
-اهدأ تشي ، فليست كل الأزهار لها أشواك .
أمال رأسه بعفوية ، و جال بنظره بين الزهرة و بين والدته :
-لكن ، ألن ترتجف من البرد ؟!. استفسر .
-الثلج يتساقط بغزارة هذه الأيام . استرسل كلامه بألم .
ضحكت بسعادة بملئ شدقيها ، دنت منه أكثر و مالت عليه قليلًا لتتدلى خصلات من شعرها الأصفر الحريري الذي ينافس أشعة الشمس في لمعانه :
-الأزهار لا تمرض بل تذبل !. ابتسمت .
-مثلك !. ببراءة أردف .
شُلت أطرافها ، ما الذي يعنيه ؟
ضحكت بتوتر ، ليستطرد كلامه :
-إنها تذبل مثلك ! أمي ، لقد نقص وزنك بشكل فظيع خلال الشهر الماضي ! هل أنتِ متأكدة أنكِ لستِ بحاجة للمشفى و أن الطبيب كذب علينا ؟!. ترقرقت دمعة في مقلتيه .
مسحت على شعره بحنو ، ضمته إليها و قلبها يتقطع لأشلاء :
-أنا بخير صدقني ! أنا فقط أتبع حمية غذائية حتى أنظم وجباتي من أجل صحتي !.
زمم شفتيه بتقوس ، و أغمض عينه بمُنة بينما يتشبث بكلتا يديه بثيابها بقوة :
-أمي ، عديني أنكِ لن ترحلي ! أنتِ سترين ابنك أفضل موسيقار على مستوى العالم !. حارب دموعه من الانهمار .
-أعدك صغيري !. ابتسمت بتبرم .
-
تقلب بسريره بانزعاج ، صوت جلجلة أقلقت نومه ، زفر بحدة و نفض غطاؤه ليستقيم داعكًا عينيه .
سمع نحيب بالخارج ليفتح الباب بخفة و يجد والده يبكي ، و الجيران يحاولون تهدئته .
انفتحت مقلتيه على أساريرها ، و ركض بأقصى سرعته لوالده :
-أبي ! ما الذي يجري ؟ لِمَ تبكي ؟!. إستمال بخيفة .
-تشاز ، عد لغرفتك يا بني ! الموضوع لا يعنيك . كفكف الأب دموعه ليحاول تهدئة صغيره .
لكن ذلك الصغير لم يستسلم ليصرخ بغضب :
-أبي أخبرني !.
اهتز جسده نتيجة امتزاج مشاعره ، ما بين خوف و غضب ! هو غاضب لأن والده لا يرغب باخباره ! و خائف من سبب بكاء والده ! ما الذي قد يضعفه و يبكيه لهذه الدرجة و قد كان قويًا شامخًا لا تهزه عقبات الحياة !.
اقتربت منه امرأة في عقدها الثالث :
-تشاز صغيري ! فلتذهب لسريرك هيا ! هناك مشكلة صغيرة سنحلها و سينتهي الموضوع . بابتسامة ضئيلة حثته .
لم يصدق الأمر ! متأكد أن المشكلة أكبر بكثير !.
ذهب لغرفته ، ركض إلى النافذة ليرى الثلج يهطل بغزارة ، ابتسم ! لكنه سرعان ما قلق !
حدق بالسيارة البيضاء الغريبة أمام منزلهم ، همس :
-ما تلك السيارة ؟! سيارتنا سوداء !.
وجد عربة متحركة عليها جثمان أحدهم و يحفها الجميع من كل الجهات ، بينما والده يتشبث بالعربة بحرقة و دموعه لا تأبى التوقف .
تمعن النظر أكثر ، هو مصر على معرفة ذلك الميت الذي أبكى والده !
بغلطة من أحدهم ، انكشف الغطاء عن الجثة ليظهر له وجه والدته الشاحب و قد تجمدت العروق فيها و باتت بالفعل كالأموات ، لا أمل لها بالحياة !
صرخ بقهر ! و تدفقت دموعه بغزارة :
-لقد وعدتني !. صرخ أكثر و كسر كل شيء بغرفته !
انكمش في زاوية الغرفة ، ارتجفت أوصاله ، حدق بالنافذة مرة أخرى ليجد الثلج لا يزال ينهمر !.
-ما زال أمامي وقت لتوديعها !.
عزم على الأمر و ركض بأقصى ما يمكن يتجاوز السلالم و يتعثر ما بين واحدة و الأخرى !.
وصل و قد فات الآوان ، لم يجد فقط إلا والده المنتحب و بعض أقاربه و جيرانه !.
التف عائدًا للداخل يجر أذيال الخيبة خلفه ، حدق بالساعة كانت تشير إلى الثالثة ليوم 30 نوفمبر ، نبس بحنق :
-أكره هذا اليوم ! أكرهه !. صرخ في آخر جملته ليعود إلى ملجأه المتبقي ، غرفته التي ضمت أجمل ذكرياته مع أمه !.
-
أغمض عينيه و قد اهتز جسده ، مستشعرًا شعوره ذاك اليوم .
كان يومًا كئيبًا بحق ، لطالما كره هذا الشهر و لطالما اعتبره رمز للنحس و الحزن ففي نفس ذلك اليوم مات والده أيضًا .
زفر بهدوء لينفض تلك الأفكار عن رأسه ، جلس بخفة على كرسي البيانو و قد شبك أصابعه بغرور :
- أتعلم ، قبل أن آتي إلى هنا ، كنت أعزف معزوفتي أمام جمهوري العزيز . تفاخر تشاز بموهبته .
- تلك المعزوفة ، لم أفكر يومًا في حفظها ، فقد كنت محترفًا لدرجة أن قراءتها لمرة واحدة فقط يرسخها في عقلي . تابع نرجسيته المستفحلة .
- إذًا لِمَا لا تعزفها لي ؟!. تحداه ديف .
ارتبك تشاز ، فاللتو تذكر بأنه قد نسيها من منتصفها لكن كبريائه منعه من رفض مطلب ديف و بدأت أصابعه تتسابق على البيانو .
أصابعه كانت شديدة النحالة على عكس بنيته ، كانت سلسة و رقيقة و هي تتراقص بين الأزرار لتنسج أعزوفة تسر السامعين .
كان مغمض العينين ، يغوص في عالم آخر بعيدًا عن قيود البشر ، قد نسجه لنفسه ؛ لتسحبه الموسيقى إليه حينما يبدأ بالعزف .
لم يكن ساكنًا ، و إنما كان يتراقص و يتحرك جسده بنفس وتيرة ألحانه ، بدا منسجمًا بحق .
لكن انسجامه لم يدم ، فقد بدأ ينحرف عن مسار الأعزوفة و قد ارتبك و العرق يتصبب من جبهته بغزارة .
شعر بأنه في معركة دامية هو الخاسر فيها ! كان عاجزًا عن حمل السلاح و العدو يهاجمه بطلقات تخترق جسده بعنف .
شعر بيد تربت على كتفيه :
- اهدأ ! أنت لست أمام الجمهور !. استطرد ديف بحنو ، فقد رأف به حالما رآه بتلك الحال .
التقط تشاز أنفاسه بصعوبة ! و جال ببصره حول المكان قبل أن تستقر مقلتيه على ديف .
- أنا فاشل بالحفظ ! دائمًا أنسى المعزوفة مهما حاولت حفظها و لذلك أستسلم بمنتصف الطريق !. اعترف تشاز و قد اغتم قلبه على حاله .
كاد ديف أن ينطق مواسيًا لتشاز لكن لفت انتباهه ورقة سقطت من السقف فجأة .
ركض إليها مسرعًا بينما تشاز قد انتبه له ليهرع إليه .
ورقة بيضاء مشقوقة أطرافها ، كُتِب عليها بخط أسود عريض كحلكة الغرفة التي كانوا بها :
" عش بجاجًا ، تمت متبرمًا !
انتبه ! فنسيج النوتات مزقته ثغرة ! "
- هل تفهم ما كُتِب ؟!. سأل تشاز .
- أعتقد أنه يقصدك !. مد ديف له الورقة .
- عذرًا ؟!. عقد تشاز حاجبيه مشدوهًا .
- ماذا تعني ؟!. إستمال تشاز .
- ألست أنت من تظاهرت بقوة الحفظ أمامي و تبخترت قبل قليل ؟!.
ارتعبت أوصال تشاز ، شعر و كأنه بالفعل على حافة الهاوية ، هل سيحل به عقاب ما كما حل بديف ؟!.
- هل مصيري كمصيرك ؟!. زمّ تشاز على شفتيه .
- لقد أتيت لانقاذي فكيف تتشابه أقدارنا ؟!.
- لكنك قلت بأنني قد أخفق أو أنجح . ارتبك تشاز .
- بدا لي بالبداية أن الثقة قد انعدمت بمهجتك ، فأردت أن أحييها !. تبسم ديف .
- ما الذي عليّ فعله ؟!.
- لو كنت أعلم لأخبرتك !.
شحذ تشاز رئتيه بالهواء ، و سكن بمكانه يفكر في كلام ديف !.
هل حقًا ما فقده هي الثقة بالنفس ؟ أم أن الغرور قد غطى مجال بصره ؟!
رفع بصره لديف ليجده متربعًا يحدق ببيتهوفن ، فراح يتمعن بتلك التماثيل .
و فجأة صرخة خافتة وصلت لمسمعيهما .
ارتعش تشاز خوفًا ، و ركض متعثرًا يضم ساق ديف هلعًا ، بينما ذلك الأخير ينتظر بترقب ما يخبأه لهما القدر .
تحركت إحدى التماثيل و تلونت أمامهما متجسدةً على هيئة بيتهوفن .
تلمس تشاز جسده ، أمسك بيد ديف و جعله يتلمس رأسه بينما ديف قد نفض يده بعيدًا ليهمس بغضب :
- ماذا تفعل ؟!.
- أتأكد من حياتي، فما أراه أمامي شخص ميت !. فتح تشاز فاهه ببلاهة .
تنهد ديف :
- كن عاقلًا و لو للحظة واحدة ، فعملك مع ذلك التمثال ، انتبه أنت من تحدد مصيرك قبل مصيري !. حذره ديف .
قبض تشاز يديه بقوة و عصرهما ثم فرج بينهما ، تقدم بضع خطوات تجاه ذلك الكائن الغريب أمامه
- مرحبًا ، هل تسمعني ؟!. سأل ببلاهة .
- لست أصمًا ! أستطيع سماعك !. أجاب بيتهوفن .
- لكن في التاريخ كُتب أنك أصم !. تفلسف تشاز .
- و هنا يتغير مجرى التاريخ !. بحصافة أردف بيتهوفن .
اقترب تشاز من بيتهوفن و بدأ يشد وجهه و أذنيه و تارةً يشد شعره ، صرخ بيتهوفن :
- ما الذي تفعله ؟!. إنك تؤلمني .
- أنت شخص حقيقي . ابتهج تشاز .
- و ماذا اعتقدتني ؟! تمثال مسحور ؟!.
- ربما .. ، لكن إنه شرف كبير لي أن ألقاك ، فأنت أعظم موسيقار سمعت له . استطرد تشاز بحماس .
- يشرفني ذلك ، ويسعدني أنك موسيقار . وميض ابتسامة ارتسمت على شفتيّ بيتهوفن ليتجه للبيانو الأبيض .
و بدأ يعزف معزوفته " سوناتا " .
جلس تشاز بجانبه و كان مستمتعًا جدًا بينما ديف يراقبه من بعيد و قد وضع كل آماله عليه .
مرت عدة دقائق و تشاز منغمس بأعزوفة بيتهوفن ، فقد كانت المفضلة إليه .
حالما انتهى بيتهوفن ، صفق له تشاز بسعادة ،
- أنت حقًا رهيب ! .
قطب بيتهوفن حاجبيه باندهاش ، ليشير تجاه أذنيه مخبرًا أنه لم يسمع ما قاله .
- كنت تسمع منذ قليل !. استغرب تشاز .
لف بصره لديف :
- كيف صار فجأة أصم ؟!.
هز ديف كتفيه :
- لا أعلم ! ربما يتظاهر بذلك . عاد تشاز يحدق ببيتهوفن :
- هل تتظاهر حقًا !.
- تحدث ببطء ، حتى أحلل شفرات حديثك !. بهدوء أردف بيتهوفن .
- كنت تسمعني منذ قليل و فجأة بت لا تسمعني ، ما السبب ؟!. ببطء نطق تشاز كلماته .
- حقًا ؟! لم يحصل ذلك ؟! بالحقيقة لم أكن أسمعك لكنني كنت أتظاهر بذلك !. ضحك بيتهوفن .
- لكنك قلت أنك لست أصم ! و طلبت مني الآن الحديث ببطء !. اشتكى تشاز .
- لو كنت قادرًا على السمع لاعتبرت نفسي أكثر الناس حظًا !! . تحدث بيتهوفن بهدوء .
انتصب واقفًا ، ليردف بعدها بنبرة ملهمة :
- ليس بالأمر الهام جدًا إن أخطأت في إحدى النوتات الموسيقية ... و لكن أن تعزف بلا شغف فهذا الأمر غير مقبول أبدًا .
كاد تشاز يرد و لكن بيتهوفن عاد لمكانه كتمثال في لمح البصر .
نظر إلى البيانو ليجد ورقة بها نوتة أعزوفته .
تمعن في كلام بيتهوفن ليقرأ النوتة من أعماق قلبه ، بدا و كأنه يحفرها بفؤاده .
كاد يبدأ بالعزف لكن فوهة سوداء قد شقت الجدار فجأة .
- إنها الفوهة ذاتها !. صرخ تشاز .
- أخيرًا سأرى أناس مثلي . رقص ديف و أسفر عن شخصيته الحقيقية المرحة و لأول مرة .
ركض لتشاز ، عانقه بقوة :
- أشكرك من الأعماق ، إن مت الآن فلن أغتم على حالي ، لن أنسى معروفك أبدًا ! . صمت لثواني نزرة ، أردف بعدها :
- أيها الشقي ! لقد اجتزت اختبارك ! تذكر دومًا : " كن شغوفًا في عزفك !"
شد ديف ذراع تشاز و قفزا معًا لداخل الفوهة ، وودعا ذلك المكان الغريب الذي ضم مقتطف من ذكرياتهما .
-
أمام أعداد هائلة من الناس تريث بخطواته ، الكل يهتف لاسمه ، الكل متحمس لسماع أعزوفته !.
ببدلته السوداء الأنيقة ، و بشعره الأشعث الذي أضاف فخامةً من نوع آخر لشكله .
فرك يديه ببعضهما ، همس : " كن شغوفًا في عزفك ! " .
أطلق العنان لكلتا يديه لتتراقصان بلا قيود . و بدأ ينسج نوتاته على هيئة تغريدات بهية المسمع .
الكل صمت بتؤثر ! كان مبهرًا بحق !.
أنهى أعزوفته ، ليملأ القاعة صوت صفقاتهم ، و الكل يهتف " عاش الموسيقار تشاز " !.
بفخر ابتسم و حياهم بود و شق طريقه بينهم كالشامخ ! فقد عرف أخيرًا قدر نفسه ! |
__________________ صمتًا يا ضجيج اشباحي !!. فَسعادتي تَنتظرُني!
اَما كَفاكِ وقتاً بجعلي تَعيسَةً؟!
دَعيني لاَسعدَ وحدي!دَعيني اَبتسمُ بسعاده!
واَتركيني لاَعيش...! اختبر نفسك عني !! | معرضي !!
التعديل الأخير تم بواسطة Crystãl ; 12-07-2017 الساعة 04:25 PM |