حكمة الله في تأخير إجابة الدعاء (عشرون حكمة) (1) تأخر الإجابة اختبار صعب يحتاج إلى صبر.
هو اختبار ثقة في الله، واليقين بوعده، فمن نجح فيه نال عظيم الأجر بلا سقف ولا حدٍّ .
والحقيقة أن عدم استعجال الإجابة من أعلى مقامات الدين، لأن حقيقته: تفويض الأمر لرب العالمين في كشف الشدائد ونيل الرغائب، ولا يصدر إلا عن قوة دين وحسن ظنٍّ ويقين. (2) سبحان مالك الملك.
قال ابن الجوزي: «قد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالكٌ، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء، فلا وجه للاعتراض عليه». (3) لتحقِّق عبوديتك الكاملة:
فلا تكون عبد الله في الرخاء دون الشدة، وفي العطاء دون المنع، فتكون ممن عبد الله على حرف. (4) لا حقَّ للمخلوق على الخالق:
فلأنه هو الذي خلق، فهو الذي له الأمر والنهي، فإن شاء أعطى، وإن شاء منع، ومع هذا يبحث العبد دومًا عما له، ويغفل عما عليه! (5) فلله الحكمة البالغة:
فلا يعطي إلا لحكمة، ولا يمنع إلا لحكمة، وقد ترى في العطاء مصلحة ظاهرة، ولكن الحكمة لا تقتضيه، وقد تخفى الحكمة في مشرط الجراح، مع أنه يُقصَد بها إنقاذ المريض، فلعل هذا من ذاك. (6) قد يكون في تحقق دعائك أبلغ الضرر:
قال تعالى: (ويدعُ الإنسان بالشَّر دعاءه بالخير)؛ ولذا رُوِي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: «إنك إن غزوت أُسِرْتَ، وإن أسرت تَنَصَّرْتَ». (7) اختيار الله لك خيرٌ من اختيارك لنفسك:
وهذا يريح العبد من تشتت الذهن في ألوان الاختيارات، ويفرِّغ قلبك من عناء التدبير، ويضمن راحة البال، فقد وكَّلت أمرك إلى (الحكيم).
قال سفيان الثوري: «منعه عطاء، وذلك أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم، وإنما نظر في خير العبد فمنعه اختيارًا وحسن نظر». (8) أنت لا تعلم عاقبة أمرك:
فربما تطلب ما لا تُحمَد عاقبته، وربما كان فيه ضررك، فتكون كالطفل المحموم الذي يطلب الحلوى وهي تضره، ومريض الأزمة الذي يأكل الطعام الذي يقتله، ومدبِّر الأمر (الحكيم) أعلم بما يُصلِحك، وهو وحده يعلم عاقبةِ أمرك: (وَالله يعلم وأنتم لا تعلمون) [البقرة / 216] (9) حتى تنقطع عن الأسباب والمسبِّبات:
لتستحق وصف المضطر، فالمضطر هو المفلس الذي انقطعت به الأسباب، وتأكد أن طلبه بالمقاييس المادية محالٌ، وعندها يأتيه فرَج الله ليستقر في يقينه أن الأمر كله لله، وأنه إن أراد جبر كسرك فعل ذلك بالسبب وبغير سبب بل وبضد السبب. (10) الفوز بمحبة الله:
ففي الحديث: «إذا أحبَّ الله قومًا ابتلاهم». (11) أن ما تكره قد يأتي بما تحب:
قال سفيان بن عيينة: «ما يكره العبد خيرٌ له مما يحب؛ لأن ما يكرهه يهيِّجه للدعاء، وما يُحِبُّه يلهيه». (12) تأخر الإجابة سبب لتفقد العبد تقصيره مع الأسباب الإيمانية والدنيوية:
فتراجع حالك مع ربك، لتسد خللًا، وتستدرك تقصيرًا، وتجبر كسرًا. قال ابن الجوزي واعظًا نفسه:
«قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك، فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه، فابحث عن بعض هذه الأسباب، لعلك تقع بالمقصود». (13) قد يكون دعاؤك استجيب وأنت لا تشعر:
فترى أثره في الدنيا، أو قد يُؤخَّر لك من الأجر مثله يوم القيامة، أو يصرف الله عنك من السوء مثل ما دعوت به، أو أن لا يعطيك ما دعوت به ويعوِّضك بغيره مما هو أنفع لك، كل هذا وأنت لا تشعر، وقد تقرر هذا في الحديث النبوي الصحيح، فكيف تستبطئ الإجابة طالما أن الثمرة مضمونة لكنها منوَّعة؟! (14) قد يكون دعاؤك أضعف من البلاء:
قال ابن القيم:
«وله مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفًا.
الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه». (15) قد تكون سددت طريق الإجابة بالمعاصي:
وفيها يقول الشاعر المؤمن: نحن ندعو الإلهَ في كل كرب ... ثم ننساهُ عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابةَ لدعاءٍ... قد سددنا طريقَها بالذنوب!
فعجَبًا لعبدٍ يستبطئ الإجابة، ولا يستبطئ إجابة ربه إذا دعاه للإنابة! (16) لتتعرَّف على الله بأسمائه وصفاته:
فمن أسماء الله عز وجل: الغني، والمانع، والكريم، والعليم، والبر، والرحيم، والحكيم.
وهي أسماء تستدعي متعلقات تظهر فيها أحكامها وآثارها، وتأخر الإجابة من أسباب ظهور هذه الآثار والأحكام، فقد يمنع الله عز وجل عبدًا لحكمته وعدله وعلمه، وقد يعطيه برحمته وحكمته وبره وعلمه. (17) استخراج أعلى مراتب عبودية القلب:
وأبرز عبادات القلب عند البلاء عند تأخر إجابة الدعاء: (أ) عبودية انتظار الفرج
(ب) عبودية حسن الظن بالله
(ج) عبودية الرضا
(د) عبودية طول المناجاة
(هـ) عبودية مراغمة الشيطان ومجاهدته
(و) عبودية الاضطرار والانكسار بين يدي الجبار. (18) التلذذ بالدعاء:
والتمتع بالمناجاة والقرب. وقد حكي عن يحيى البكَّاء أنه رأى ربه عز وجل في المنام، فقال: يا رب، كم أدعوك ولا تجيبني؟ فقال:
«يحيى، إني أحب أن أسمع صوتك». (19) إدمان الدعاء:
فتتأخر الإجابة حتى يتعوَّد لسانك على الدعاء، ويداوم عليه، حتى بعد زوال الشدة وانكشافها. (20) لا يمل حتى تملوا:
فلا يمل الله من إرسال ألطافه ونعمه ما دام سؤال العبد مستمرًا، وتذلله لربه قائمًا، وافتقاره حاضرًا، فإذا قطع العبد قطع الرب!
قال سفيان الثوري مشيرًا لفضل إطالة الدعاء: «لقد أنعم الله على عبدٍ في حاجة أكثر من تضرعه إليه فيها».
__________________
شكرا لكِ يُونا . على الطقم الأكثر من رائع
التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 02-17-2018 الساعة 06:55 AM |