أولاً- موقع الرئيس الأمريكي في هيكلية صنع القرار السياسي
- يمتلك الرئيس الأمريكي صلاحيات واسعة، ولكن ليس كما يظنّ الكثيرون. فالرئيس "يُشرف على دقّة تطبيق القوانين ويعيّن جميع المناصب في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه المناصب العليا "الوزراء ورؤساء الإدارات"؛ وأيضاً أعضاء المحكمة العليا يتم تعيينهم من قِبل الرئيس مع "مشورة وموافقة مجلس الشيوخ"، ولا يملك الرئيس حتى المبادرة بالتشريعات.إلاّ أن رسالته السنوية للكونغرس بشأن "الوضع في البلاد"، والتي يحدّد من خلالها أهداف إدارته السياسية، يُنظر إليها بمثابة برنامج لنشاط الكونغرس التشريعي.
- يملك الرئيس حقّ الفيتو، وبمقدوره أن يستخدمه ضدّ أيّ قانون، عدا التعديلات الدستورية. ولوقف فيتو الرئيس يتعيّن على مجلس النوّاب أن يعيد التصديق على القانون بثلثي الأصوات. والممارسة الطويلة تشير إلى أن الكونغرس يتغلّب فقط على ما نسبته 7 - 11 ٪ من فيتو الرئيس.
- لا يحقّ للرئيس الأمريكي حلّ الكونغرس.
- الرئيس يشكّل وينفّذ السياسة الخارجية. ويشارك شخصياً، أو من خلال ممثّليه، في المفاوضات الدولية، ويستقبل السفراء والممثّلين الرسميين الآخرين، ويعيّن السفراء والقناصل والممثّلين المفوّضين الآخرين.
ويمكنه أن يعطي أمراً للقوات المسلّحة ببدء عمليات عسكرية على أراضي الدول الأخرى من دون إعلان حالة الحرب؛ "حق إعلان الحرب يملكه الكونغرس".
في مقابل الصلاحيات المذكورة أعلاه، يحقّ للكونغرس الأمريكي، بغرفتيه: الشيوخ والنوّاب، عزل الرئيس، بعد إدانته بالخيانة، أو الفساد، أو أيّ جرائم وجنح يُجرّمها القانون الأمريكي..وعلى الرغم من أنّ الرؤساء يتمتعون بحصانة من أيّ دعاوى قانونية تنشأ نتيجة مهامهم الرسمية، فقد قضت المحكمة الأمريكية العليا بأنّ هذا لا ينطبق على أفعال يُزعم أنها ارتُكِبت قبل تولّيهم الرئاسة.
يُذكر أنه بعد انتخاب الرئيس الأمريكي، تُطلعه وكالات المخابرات الأمريكية على نفس معلومات الأمن القومي العالية السريّة، وتشمل بعضاً من أدقّ الأسرار الحكومية، ومنها تفاصيل عمليات التجسس وطرق جمع المعلومات السرّية، كعمليات التنصت المثيرة الجدل التي تقوم بها وكالة الأمن القومي.
والمثير هنا أن الدستور الأمريكي لا يشترط لترشّح أيّ مواطن أمريكي لمنصب الرئاسة سوى أن يكون ولِد وعاش في الولايات المتحدة 14 عاماً على الأقل، وبلغ وقت الانتخابات سن 35 عاماً.
نستنتج مما سبق أن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، يمتلك صلاحيات واسعة، على مستوى الداخل الأمريكي والسياسة الخارجية لبلاده، ولو أنه سيكون مقيّداً نوعاً ما بصلاحيات المؤسسات الدستورية الأخرى (مجلسا النوّاب والشيوخ)؛ فضلاً عن ضغوطات أو تأثيرات اللوبيات السياسية (مثل اللوبي الصهيوني) والمؤسسات الاقتصادية والأمنية والإعلامية، والتي قد تتقاطع أو تتناقض رؤاها أو مصالحها مع أول رئيس لديه خلفية تجارية وإعلامية وشخصية استثنائية، لم تمنع نصوص ومواد الدستور الأمريكي وصولها إلى سدّة الرئاسة.
ثانياً- شخصية ترامب المضطربة: النرجسية الخبيثة
ليس غريباً على متابعي الشأن الأمريكي أن يتصدّر سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة، خصوصاً خلال العقود الأخيرة، كلّ أربع سنوات، شخص قليل الخبرة في القضايا السياسية والاقتصادية، سواء تلك التي تهمّ بلاده أو المرتبطة بدول العالم المتأثرة والمؤثّرة في الواقع الأمريكي.
والأمثلة القريبة على ذلك عديدة، بدءاً من الممثّل السينمائي رونالد ريغان إلى جورج بوش الابن، المدمن السابق على نعاطي الخمر، و"المخلّص" الذي أرسله الربّ لتخليص العالم من الأشرار! لكن أن ينجح رجل أعمال وتاجر ونجم إعلامي وزئر نساء ومريض نفسي ومضطرب الشخصية، ولا يمتلك خبرة كافية في الشؤون السياسية والاقتصادية، المحلية أو العالمية، أن ينجح في الوصول إلى كرسيّ الرئاسة الأمريكية، بعد فشل متكرّر خلال مراحل انتخابية سابقة، فهذا يؤشّر إلى خلل عميق في النظام السياسي والاجتماعي الأمريكي؛ بل وحتى في البنية الفكرية - الإيديولوجية لهذا النظام، والذي تُرجم مؤخراً في انتخاب نحو نصف المواطنين الأمريكيين لرئيسٍ لا يمتلك من مواصفات الرئاسة الحقيقية سوى القليلِ القليل.
وهذا يدلّ على وجود انقسام عميق داخل "المجتمع الأمريكي"، عمودياً وأفقياً، وعلى كلّ المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبما يدفع بالشرائح الأساسية في هذا المجتمع، في كلّ محطة انتخابية (رئاسية أو تشريعية)، إلى تبديل خياراتها من النقيض إلى النقيض.
فاختيار الأمريكيين لباراك أوباما، ذي الأصول الإفريقية، ولولايتين انتخابيتين متتاليتين (2008 / 2012)، عبّر (في حينه) عن استياء شعبي واضح من سياسات جورج بوش الابن المتهورة، والتي أغرقت الولايات المتحدة في حروب استنزاف فاشلة، في أفغانستان والعراق على وجه التحديد، أدّت إلى سقوط ملايين الضحايا وتهجير عشرات الملايين من بيوتهم، وتدمير آلاف المدن والقرى وتخريب بنى تحتية كلّف إنشاؤها مليارات الدولارات؛ مقابل خسائر بشرية ومادية فادحة لحقت بالطرف الأمريكي، المبادر أو المعتدي، تسبّبت لاحقاً في انهيار مالي كبير داخل الولايات المتحدة، على خلفية ما سمّي بـ(أزمة الرهن العقاري)!. لكن وصول دونالد ترامب إلى السلطة في نهاية العام الماضي (2016)، بعد تفوّقه (الطفيف) على منافسته، وخليفة أوباما هيلاري كلينتون، غيّر من قناعات الكثير من المحلّلين والمختصّين في الشؤون الأمريكية والدولية، وكشف عن انفصام عميق داخل الشخصية الأمريكية حيال قضايا سياسية وإيديولوجية واجتماعية رئيسية؛ فضلاً عن انقلاب على مسار "الانفتاح" الذي قيل إن أوباما بدأه على قاعدة تأييد شعبي كاسح له (في العام 2008)، نحو مسارٍ مناقض، من سماته: "الشعبوية العنصرية" والغوغائية المرتكزة على جهلٍ مستشرٍ لدى العديد من الفئات والنخب الأمريكية بالتحوّلات الحاصلة على مستوى العالم (أو تجاهل مقصود لها)، في ظلّ تناقض أو ارتباك عميق فيما يخصّ مستقبل العلاقات الأمريكية، الداخلية والخارجية على السواء؛ وهذا المسار المرتبك عبّر عنه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بكلّ صراحة وفجاجة، من خلال مواقفه الإعلامية الكثيرة، قبل وبعد انتخابه، مجسّداً هذا الشرخ الكبير داخل المجتمع الأمريكي؛ لكن من دون التقليل من تأثير اللوبيات والشركات الكبرى المهيمنة على الاقتصاد الأمريكي (والعالمي)، لجهة التلاعب بأفكار وأمزجة الرأي العام الأمريكي غير المسيّس عموماً؛ ونقصد بها المؤسسات الإعلامية وشركات تصنيع وتوريد الأسلحة، وشركات النفط والطاقة، والشركات أو الكارتلات الصناعية والتجارية الضخمة.
وفي عودة إلى نقطة البحث الرئيسية، فإن شخصية ترامب المثيرة للجدل قد ظهّرت بوضوح بعض مثالب أو عيوب ذاك المجتمع الأمريكي، الذي ينتخب رئيساً أسوأ ممّن سبقه، في كلّ محطة انتخابية، وبما يجرّ الويلات على شعوب أو دول العالم قبل الشعب الأمريكي نفسه!
فما هي الملامح أو الجوانب الرئيسية في شخصية هذا الرجل "المضطرب والمتغطرس"، والذي ملأ الدنيا وشغل الناس، منذ ما قبل انتخابه كرئيس لأكبر وأقوى دولة في العالم وحتى اليوم؟.
بدأت وسائل الإعلام الأمريكية بتسليط الضوء على شخصية دونالد ترامب المثيرة للجدل، منذ أعلن عن قراره خوض سباق الرئاسة لمنافسة كلٍ من هيلاري كلينتون، من الحزب الديمقراطي، وجيب بوش، من الحزب الجمهوري، للوصول إلى البيت الأبيض.
فرجل الأعمال وقطب سوق العقارات، وصاحب ثروة تُقدّر بـ 9 مليار دولار، وتاريخ حافل من الانتقالات السياسية من حزب إلى آخر، أسهب، في خطابه الذي أعلن به دخوله السباق الرئاسي، في امتداح نفسه وثروته وقدراته السياسية، ساخراً من منافسيه في سباق الرئاسة، ومن الرئيس باراك أوباما، لجهة الكلفة المالية الهائلة لبرنامجه الصحّي "أوباما كير"، وموقعه الإلكتروني الذي يكلّف 5 مليار دولار، وصولاً إلى تشكيكه في مكان ولادة "أوباما"، ومتعهداً بالتبرّع بـ 5 ملايين دولار في حال إثبات "أوباما" لمولده داخل الولايات المتحدة!.
الاهتمام بشخصية ترامب "المستفزّة" توسّع بعد فوزه بالرئاسة، ليشمل، إضافة إلى وسائل الإعلام الكبرى، والمؤثّرة في الرأي العام الأمريكي، أطبّاء مختصّين في الأمراض العقلية والنفسية، وخبراء في الصحّة النفسية وعلماء النفس، أكّدوا إصابة ترامب بمرض عقلي، أو باضطرابات في إطار الشخصية، مع اتفاقهم على أنه يعاني من خلل، سواء كان عقلياً أو نفسياً أو تصرّفياً اجتماعياً..