12-11-2017, 07:35 AM
|
|
خاتمة يتبيّن من خلال السياق المنهجي الذي اتّبعته هذه الدراسة، أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب لا يملك من المؤهّلات القيادية والإدارية والشخصية سوى براعته في تحريك يديه ورأسه وجسده، في كلّ مناسبة، من أجل جذب الجمهور إليه أو لتسفيه خصومه الكثر، أو ربما لتمييز نفسه وإبراز "شعبويّته" لكسب الرأي العام إلى جانبه؛ وهو قد نجح (نسبياً) في تحقيق هذا الهدف. فترامب، كما ورد آنفاً، رجل عنيف ومضطرب الشخصية، وزئر نساء (وكاره لهن في الوقت عينه)، ورجل أعمال وصاحب صفقات مشبوهة، ومتغطرس ونرجسي، ولا يسعى سوى لجني الأموال والمزيد منها، بأيّ وسيلة، بدءاً من الأعمال التجارية (الصغيرة والكبيرة) إلى تقديم البرامج التلفزيونية الكوميدية، وصولاً إلى خوض المعترك السياسي الذي يؤمّن له خيارات أفضل وأوسع لتحقيق طموحاته الشخصية، المادية والمعنوية معاً!
وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل اعتبارين رئيسيين في المسار الذي أوصل ترامب إلى سدّة الرئاسة (في غفلةٍ من الزمن)، غير طموحه الشخصي وسعيه الحثيث وراء هذا الهدف، واستخدامه المال السياسي لشراء الأصوات (بطرق ملتوية لا مجال لتعدادها في هذا المقام).
أما هذان الاعتباران الرئيسيان، فيمكن التعرّض لهما بإيجاز شديد، وبما يخدم هدف الدراسة؛ وهما:
1- إن اختيار جمهور واسع من الشعب الأمريكي لترامب ليس نابعاً فقط عن جهل أو عن عفوية مُقلقة من قِبل هذا الشعب؛ فهناك توجّه "ضمني" لدى الكثير من الأمريكيين، برز خلال المرحلة الأخيرة من عهد باراك أوباما، بضرورة "سحب" أو سلب المزيد من الأموال الخليجية (السعودية تحديداً)، لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي الذي لم يتعاف بعد من تداعيات أزمة العقارات الكبرى (عام 2008)؛ وكتعويض "فوري" لأمريكا عن ما سبّبته السياسات السعودية الرعناء، لجهة تمويل وتغطية الجماعات الإرهابية التكفيرية، والتي بات تهدّد الأمن القومي الأمريكي، والأوروبي، بشكل مباشر ومخيف.
إذاً، إن اختيار نحو نصف الناخبين الأمريكيين لترامب كان يهدف بالدرجة الأولى إلى إنقاذ اقتصاد الولايات المتحدة، عبر شخص قدّم نفسه كمخلّص كشعبه، وكحامٍ قويٍ وعنيدٍ للأمّة الأمريكية "العظيمة"!. 2- إن فوز ترامب جسّد أيضاً قوّة الشركات واللوبيات التي تتحرّك دائماً من وراء الستار، لتدفع في كلّ مرحلة برئيس تتناسب مواقفه (وشخصيته) مع مصالح وطموحات تلك اللوبيات والشركات الاستئثارية والاحتكارية.
وبمعنىً آخر، فإن نفس القوى المؤثّرة في صنع القرار السياسي والاقتصادي والعسكري للبلاد (الدولة العميقة)، والتي اختارت باراك أوباما، ما بين عامي 2008 012، لاعتبارات داخلية وخارجية محدّدة، قد اختارت مؤخراً بأن تدفع برجل مضطرب ومريض وعدواني، هو دونالد ترامب، إلى قمّة العمل أو الفعل السياسي داخل الولايات المتحدة، وبما يخدم مصالح تلك القوى والشركات الكبرى الناهبة لثروات ومقدّرات الشعوب، لكن بوسائل وأساليب تتناسب والمتغيرات الهائلة التي شهدتها أمريكا و(الغرب) والمناطق الاستراتيجية أو الحيوية، على مستوى العالم، خلال السنوات الأخيرة تحديداً. وما شهدناه من مظاهر احتفالية مخزية، ومن صفقات تجارية وعسكرية ضخمة، ومن هدايا شخصية قدِّرت قيمتها بمئات ملايين الدولارات، خلال زيارة ترامب إلى السعودية مؤخّراً، يُثبت أن الزيارةنجحت بتحقيق أبرز أهدافها، بابتزاز حكّام السعودية، لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي، مقابل وعود أمريكية جوفاء لهؤلاء الحكام قد لا تتحقّق أبداً.
إن أخطر ما يواجهه العالم، هو أن يتمكّن ترامب، بدعمٍ من أبرز القوى والمؤسسات النافذة والمسيطرة على مفاتيح الاقتصاد الأمريكي (والعالمي)، من تجاوز محاولات عزله أو إقالته، أو الحدّ من جموحه المؤذي، بل والمدمّر، فيتمكن هذا الشخص المضطرب من إقلاق دول وشعوب لم تخضع لنزوات وأطماع "السيّد" الأمريكي المتغطرس، وصولاً إلى انتهاك سيادات هذه الدول ونشر الفوضى والنزاعات داخلها، بما ينسجم مع مخطّطات الولايات المتحدة التخريبية، ويحرّك عجلة مصانع الأسلحة الفتّاكة فيها من جديد. وختاماً، نورد هذا الموقف المثير للسخرية والخوف في آن، والذي أطلقه دونالد ترامب مؤخراً، بأنّ على العالم أن يحذر من امتلاك رجل مجنون لقنبلة نووية (يقصد زعيم كوريا الشمالية، الذي يخضع برنامج بلاده النووي لعقوبات دولية).
__________________
شكرا لكِ يُونا . على الطقم الأكثر من رائع |