12-20-2017, 12:23 AM
|
|
5- زينب بنت خزيمة نسبها و نشأتها : زينب بنت خزيمة بن عبد الله بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ، الهلالية قرشية هلالية مكية نشأت زينب رضي الله عنها في مكة ، مجتمع زاخر بالفساد و الانحلال، يموج بفتنة الوثنية، و الانكباب على عبادة الأصنام و تقديسها فتحت زينب عينيها على صورة هذا المجتمع بواقعه المنحرف الفاسد و نجت من الوأد لأنها من بيت عريق، في السيادة و الثراء، و درجت في أحضان والديها تنهل من عطفهما و حبهما عايشت أهم الأحداث التي جرت في مكة، و كان محورها محمد بن عبد الله صلى الله عليه، من بينها إعادة بناء الكعبة، و اختلاف بطون قريش و فروعها حول إعادة الحجر الأسود إلى مكانه من الركن و سمعت بحكمة الأمين و كيف حل إشكال و اختلاف الناس و حقن الدماء، ببسط ردائه و إمساك رؤساء القبائل بأطراف الرداء، و كأنهم جميعا شاركوا في رفع الحجر الأسود و نالوا الشرف العظيم و عندما بزغ فرج الإسلام على مكة، و شعت أنواره فوق ربوعها و دعا محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم الناس إلى التوحيد و نبذ عبادة الأصنام، و الإقلاع عن المفاسد و العيوب الاجتماعية، و إزالة الفوارق بين الناس، فالكل في الإنسانية سواء، و أكرم الخلق أتقاهم، لا أغناهم و لا أقواهم .. عند ئذ تعلق قلب زينب بالدعوة الجديدة، بعد أن كان إعجابها في السابق ينحصر ضمن شخصية المصطفى صاحب العقل الراجح، و الرأي الصائب، و الحكمة البالغة، و الأمين الصادق زواجها : في سن السادسة عشرة اكتملت زينب انوثة، و استدارت و أصبحت على أبواب الزواج و هنا يختلف المؤرخون، و تتباين روايات التاريخ حول زواجها الأول، فمنهم من يقول بأنها كانت متزوجة من عبد الله بن جحش ابن عمة النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد مات شهيدا يوم أحد، و منهم من يقول بأنها كانت متزوجة من الطفيل بن عبد المطلب فهلك عنها فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث الذي مات شهيدا إثر غزوة بدر، و هو ابن عم النبي صلى الله عليه و سلم و على كل حال فإن الروايتين تتفقان على أن زواج النبي صلى الله عليه و سلم من زينب كان بعد زواجه من حفصة رضي الله عنهما و من هنا نستدل على أن الرواية الثانية هي الأرجح، لأن زواجه صلى الله عليه و سلم من حفصة كان بعد غزوة بدر، واستشهاد عبيدة بن الحارث (1) (1) قصة زواج السيدة زينب بنت خزيمة أوردها : ابن الأثير في “أسد الغابة” (5/466) ،و ابن الحجر في”الإصابة”(4/46) ترجمة (4574) الهجرة : هاجرت السيدة زينب رضي الله عنها إلى المدينة بعد أن عان المسلمون بمن فيهم زينب رضي الله عنها في مكة بعد زواجها و إسلامها عانت و عايشت طغيان و استبداد قريش و ظلمها و شتى أنواع التعذيب و الأذى و عاشت أيام الحرمان في ضنك و جوع لثلاث سنوات في الحصار الظالم في شعب ابي طالب فكانت تتزود بالإيمان و ثقتها بربها سبحانه و تعالى و صبر على الابتلاء و الامتحان فتأتي الهجرة لتستمر الدعوة و تأقلمت زينب في الجو الجديد و انتظمت في سلك المجتمع الاسلامي الجديد الدي بنى أول ما بني على الأخوة في الله فعاشت مع زوجها عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب مثلا طيبا و كريما في أصول و قواعد البيت الاسلامي المنشود، تعاونا و محبة و احتراما و ليس من شك في أن شخصية زينب رضي الله عنها كانت محور ذلك البيت الكريم، بما حباها الله من نضوج عقلي و سماحة نفسية، و بساطة في الحياة و رضى و قناعة، حتى كان اليوم العظيم يوم الفرقان ، يوم بدر حيث استشهد زوجها عبيدة بن الحارث ليتركها صابرة محتسبة عند الله تعالى داعية له بحسن الثواب زواجها من الرسول صلى الله عليه و سلم : و من أولى من رسول الله صلى الله عليه و سلم بمواساة زينب ؟ و من أولى من محمد بن عبد الله أن يكون السباق إلى كل مكرمة ؟ و هو قدوة المتقين و إمام المؤمنين و سيد الخلق أجمعين، و أسوة المسلمين في كل حين .. فسعى إلى زينب و قد انقضت عدتها، فخطبها لنفسه، فأجابت على استحياء، و قد حالت الدموع في عينيها، لأن ذكرى عبيدة ما تزال قريبة العهد… أجابت بأن جعلت أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم… ، فبنى بها و أدخلها بيوت أزواجه، و اتخذ لها حجرة خاصة بها (1) (1) ذكره بمعناه ابن عبد البر في ” الاستيعاب” (4/409) ترجمة (3393) أم المساكين : ذات يوم في صغر زينب رضي الله عنها عاينت رؤية سيد من سادات قريش ينهال على أحد عبيده بعصا غليظة يؤدبه، على حد زعمه، بها، و انكسرت العصا ..، فتناول السيد سوطا متشعب الرؤوس و راح يضرب به جسد ذلك المسكين، و أخذ الدم يسيل بغزارة و الجراح تنفرج عن اللحم الأحمر الذي بدأ يتناثر في أطراف المكان حتى خَفتَ صوت المسكين و تلاشى، و لم تعد تُسْمَعُ منه سوى أنفاس تتردد مع الأنات و مما زاد ألمها لما عرفت السبب: لقد جاع العبد المسكين بعد عمل شاق متواصل، من الفجر إلى الغروب فأكل دون إذن سيده، فكان جزاءه ما رأت و شاهدت، ما ترك أثرا عميقا في قلبها الطيب و فؤادها الرحيم، و نزعتها الإنسانية. و لا غرابة أن تلقب بأم المساكين فإذا ذكر لقب أم المساكين لدى المكيين عرفوا جميعا صاحبته، زينب بنت خزيمة (1) (1) ذكره بنحوه ابن حجر في “الاصابة” (8/94) ترجمة(477) ، و ابن عبد البر في ” الاستيعاب” (3393) فظلت رضي الله عنها تحتفظ بهذا اللقب ” أم المساكين ” منذ كانت فتاة صغيرة، لم تسلم بعد، إلى أن لحقت بالرفيق الأعلى.. و بالرغم من قصر مدة إقامتها في بيت النبوة إلا أن حجرتها كانت مقصد المساكين و الفقراء و المحتاجين، و الجائعين المحرومين، تقتصد من مالها و طعامها و نصيبها ثم تمنحه لهذه الطائفة من الناس حبا و تقربا إليه و سعيا إلى رضاه الوفاة : كانت رضي الله عنها قد أتمت الثلاثين من عمرها، حين داهمها الموت، في عز الشباب، و ميعة الصبا و عنوان الفتوة و لقد كان يوم وفاتها يوما حزينا، إذ تركت على رغم قصر مدة العشرة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أطيب الأثر و أعمقه في قلب المصطفى فقد مرت أيام العشرة هينة لينة طيبة، لا صخب فيها و لا نصب و لا وصب، و لا مشقة و لا عسر… حلم جميل، و نزهة ممتعة في ظل دوحة كثيرة الأفياء والظلال، و شربة من ماء قراح سلسبيل،غسلت، و طيبت و كفنت و صلى عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم دفنت في البقيع، و لقد نزل إلى حفرتها إثنان من أقربائها و بعد أن ووريت الثرى، عاد الجميع و في مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يسترجعون، و يدعون لإم المساكين بحسن المآب و عظيم الثواب (1) (1) أورده الإمام ابن القيم في ” زاد المعاد ” (1/60) بلفظ قريب يتبع |
__________________
شكرا لكِ يُونا . على الطقم الأكثر من رائع |