12-20-2017, 06:48 PM
|
|
وَلَجَ آخِرُ اللَّيْلْ, السَّمَاءُ سَوْدَاء غَسَقُ حَالِكْ يَعْتَرِيهَا وَ زَخَاتُ مَطَرٍ شَتَوِيَة كَغَيْهَبٍ مِنَ الجَحِيمْ. عَيْنَيْهِ جَاجِظَتَيْن بَانَ فِيهُمَا التَعَبْ وَ الآرَقْ, تَدَلَتْ بَعْضُ خُصَلِهْ القَاتِمَة عَلَى جَبِينِه, ازَاحَهَا لِلخَلْف بِحَرَكَةٍ سَرِيعَة بَيْنَمَا يَقِفُ, نَفَثَ نَفَسً مِنَ الدُخَانْ وَ اطْفَأَ سِيجَارَتَهُ فِي المِطْفَئَة السَوْدَاء ثُمَ إتَجَهَ نَاحِيَة البَابْ وَ صَوْتُ الجَرَسْ المُزْعِجْ لَمْ يَتَوَقَفْ عَنْ الرَنِينْ فِي عَقْلِهْ, فَتَحَ البَابْ لِتَلْتَقِي عَيْنَيِهِ القَاتِمَتَانْ مَعَ بَحْرٍ ازْرَقْ مَلاَئِكِي, لَطَالَمَا حَسَدَهُ عَلَيْهِمَا, دَخَلَ بِدُونْ انْ يَنْبُسَ بِحَرْف فَأغْلَقَ البَابَ وَ تَنَهَدْ. "يَبْدُو فِي حَالَةٍ مُزْرِيَة." كَانَ هَذَا اوَّلُ مَا خَطَرِ فِي بَالِ صَدِيقِهِ حِينَ رَأى حَالَة الغُرْفَة, عَادَ ذُو العَيْنَيْن الجَاحْظَتَيْن إلَى كُرْسِيِهِ امَامَ المَكْتَب وَ بَدَأ بِإشْعَالِ سِيجَارَةٍ آخْرَى حِينَ وَصَلَهُ صَوْتُ صَدِيقِهْ, "كَيْفَ حَالُكْ.؟" قَالَ بَعْدَ انْ صَنَعَ سَحَابَةً مِنْ الدُخَانْ امَامَه "بِخَيْر." نَظَرَ الآخَرُ لِلمِطْفَئَة المَلِيئَة بِأعْقَابِ الدُخَانْ, وَ عَادَ يَقُولْ وَ هُوَ يَجُولُ بِنَظَرِهِ فِ المَكَانْ "مِطْفَئَتُكَ لَا تَظُنُ ذَلِكَ, أودَّادْ." نَفَثَ اودَّادْ نَفَسً طَوِيلًا قَبْلَ انْ يَلْتَفِتَ بِكُرْسِيِهْ لِصَدِيقِه وَ نَظْرَةٌ ثَاقِبَة فِي عَيْنَيْه "لَا اظُنُ انَ النَاسْ تَأتِي فِي مُنْتَصَفِ الّليْل لِتَسْألَ عَنْ الحَالْ, صَحِيحْ آرَمْ.!" لَاحَظَ آرَمْ كَيْفَ شَدّدَ عَلَى إسْمِهِ فرَدّ بِسُخْرِيَة "لَا, النَاسُ لَا َتَفْعَلُ هَذَا." عَادَ اودَّادْ بِكُرْسِيِهِ لِلأمَامْ مُمْسِكًا سِيجَارَةً فِي يَدْ وَ فِي الآخْرَى قَلَمْ يَدُقُ بِهْ عَلَى المَكْتَبْ. سَحَبْ آرَمْ طَاوِلَةً صَغِيرَة وَ جَلَسَ عَلَيْهَا قَائِلاً "هَلْ كَتَبْتَ شَيْئًا.؟" "لاَ شَيْء." "وَ لَا حَتَى حَرْف,لَا شَيْء ابَدًا.!" "لَا شَيْء ابَدًا." غَزَا الصَمْتُ المَكَانْ لِلَحَظَاتْ قَبْلَ انْ يَكْسِرَهُ آرَمْ بِصَوْتٍ يُجَابِهُ كَآبَةَ المَكَانِ حُزْنًا "مَاذَا فَعَلَتْ بِكَ." رَدّ اودَّادْ قَبْلَ انْ يَأخُذَ نَفَسً آخَرْ وَ يُطْفِأ سِيجَارَتَهُ لِيُشْعِلَ غَيْرَهَا "مَا لَمْ تَسْتَطِيعْ الحَيَاةُ انْ تَفْعَلَهُ بِي." "اودَّادْ, أ لَمْ يَحِنْ الوَقْتُ بَعَدْ لِتَقِفَ عَلَى قَدَمَيْك كَ كُلِ مَرَة.!" "هَذِهِ المَرَة كَانَتْ السَقْطَةُ فِي قَاعِ الهَاوِيَة." "إذَنْ لِتَكُنْ اقْوَى مِنَ الهَاوِيَة, اودَّادْ مَاذَا حَدَثَ لَك.! أ لَمْ تَعُدْ تُرِيدُ انْ تُحَارِبْ انْ تُقَاتِلْ, هَيَا قُلْ لِي مَاذَا حَدَثَ لِتَارِيخِكَ الأبْيَضْ المَلِيء بِالشَجَاعَةِ وَ النِّضَالْ.؟" "لَطَخَتْهُ هِيَ بِحِبْرٍ اسْوَدْ مِنْ غَيَاهِبِ العَدَمْ." "يَا احْمَقْ قِفْ وَ قَاتِلْ مِنْ اجْلِ نَفْسِكَ وَ مَاضِيكْ, لَا تَكُنْ جَبَانًا." "انَا شُجَاعٌ كِفَايَة لِـ ألَا اقْتُلَ نَفْسِي حَتَى الآنْ." انْطَفَأ انْفِعَالُ آرَمْ وَ رَدّ بِإسْتِهْزَاء حِزِينْ "وَ مَا الفَائِدَة انْتَ مَيِّتٌ بِالفِعْلْ." "قَتَلَتْنِي هِيَ." تَنَهَدَ آرَمْ بِعُمْقْ وَ نَفَثَ اودَّادْ سُحَبًا آخْرَى, وَ عَادَ الصَّمْت لِيَسُودَ المَكَانْ لَا يَخْتَرِقَه سِوَى نَقْرُ القَلَمْ عَلَى المَكْتَبْ. جَالَ آرَمْ بِبَصَرِهِ فِي الغُرْفَة القَاتِمَة مَرَةً آخْرَى حَتَى وَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى شَيْءٍ فَوْقَ الرَّفْ الصَغِيرْ فَأرْدَفْ "ظَنَنْتُكَ لَا تُحِبُ سِوَى الأسْوَدْ." تَنَبَهَ اودَّادْ لَه ف إلْتَفَتَ لِلجِهَة الَّتِي يَنْظُرُ إليْهَا, نَظَرَ عَمِيقًا لِعُلْبَةِ الألْوَانْ الحَمْرَاء قَبْلَ انْ يَعُودَ بِرَأْسِهِ لِلْوَرَاء مُتَنَهِدًا "إنَهَا لَهَا." حَاوَلَ آرَمْ انْ يَخْتَرِقَ كَيَانَهُ بِزُرْقَةِ عَيْنَيهْ, ثُمَ وَقَفَ مُتَثَاقِلًا وَ اخْرَجَ مِنْ جَيْبِهِ وَرَقَة وَ وَضَعَهَا عَلَى المَكْتَب امَامَهُ وَ ارْدَفَ "جَمِيعُنَا خَسَرْنَا مَعَارِكً كَثِيرَة فِي حَيَاتِنَا وَ آخِرُهَا انْتَ الأعْلَمُ بِهَاو لَكِنَنَا لَمْ وَ لَنْ نَسْتَسْلِمْ مِيرَاثُ اجْدَادِنَا الأرْضَ وَ المَاء وَ السَّمَاء وُصِمَ عَلَيْنَا دَيْنٌ مُذْ اوّلِ صَرْخَة, فَإنْ كَانَ الثَائِرُ فِيكَ لَا يَزَالُ حَيًّا تَعَالْ, الحَرْبُ لَمْ تَنْتَهِي بَعْد." "الحَرْبُ لَا تَنْتَهِي آبَدًا." وَصَلَ إلَيْهِ صَوْتُ صَدِيقِه قَبْلَ انْ تَصِلَ يَدَهُ إلَى مِقْبَضِ البَابْ فَتَحَ البَابْ وَ وَقَفَ لِلَحْظَة وَ قَالْ "اجْدَادُنَا خَافُوا الحُبْ كَمَا خَافُوا الجَانْ وَ القَبْلِي, لَكِنَهُمْ هَزَمُوهْ كَمَا هَزَمُوا الصَحْرَاء وَ العَجَفْ."
~ |