شَرَارَاتٌ أَلْهَبَتْ نِيْرَانَ قَلْبٍ مَاتَ لَحْظَةَ فُرَاقٍ أَبَدِيّ...
لَمْ يَحْدُثْ لَكِنَّهُ الأَقْرَبُ إِلَى الحَقِيْقَةِ الصَمَّاء،
إِلَى تِلْكَ الحَقِيْقَةِ التَي تُثْبِتُ لَهُ أَنَّ الأَوَانَ قَدْ آنْ.
كَانَتْ لَحَظَاتٍ أَشْبَهَ بِتِلْكَ التِي تَحْدُثُ فِي أَعْمَقِ زَاوِيَةٍ فِي العَقْلِ الغَائِبْ....
لَمْ يَشَأ التَصْدِيقَ لَكِنَّ الأَلَمَ تَجَسَّدَ أَمَامَهُ اللَيْلَةَ لِيُخْبِرَهُ أَنَّهُ الصَدِيْقُ الأَوْفَى لِبَنِي البَشَرْ.
نَرْجِسِيَّةُ تِلْكَ النَفْسُ التِي سَكَنَتْهُ قَبْلَ بِضْعَةِ أَشْهُرْ....
جَعَلَ نَفْسَهُ بَيْدَقَاً فِي لُعْبَتِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ المَلِكْ!!
وَدَفَعَ الثَمَنَ وَحِيْدَاً...لَمْ يَكُنْ بِالثَمَنِ الزَهِيْد، بَلْ لَمْ يَكُنْ بِالثَمَنِ الذِي يَسْتَطِيْعُ أَيُ عَاقِلٍ دَفْعَهُ.
وَهُنَا فِي هَذَا المَكَانِ احتَضَرَتْ رُوحُهْ..
بِلَا أَدْنَى استِثْنَاء...
اختَرَقَتْ مُصِيْبَتُهُ الجُدْرَانَ وَالحَوَاجِزَ الوَهْمِيّةَ التِيْ مَنَعَتْهُ مِنْ رُؤْيَةِ صَدِيْقِهِ وَالحَقِيْقَةِ التِي حَمَلَها فِي طَيّاتِ قَلْبِهِ....
ذَلِكَ الذِي أَبْصَرَ بِرِفْقَتِهِ لَحَظَاتِ العُمْرِ القَاسِيَة. وَأَيُّ قَسَاوَةٍ تِلْكَ الَتِي تُصَنَّفُ بِالقَسَاوَةِ أَمَامَ الجُنُوْنِ الذِي حَدَثَ فِي لَحَظَاتٍ سَبَقَتْ الثَوانِي الغَرَائِبْ؟!!
عَلَى يَدَيّهِ وَبِكِلْتَا عَيْنَيْهِ أَبْصَرَ تِلْكَ الكَارِثَةَ التِي بَدَّدَتْ لَهُ أَحْلَامَهُمَا المُسْتَقْبَلِيّة..
صَرَخَتْ الأَرْضُ بِوَجَعٍ لَحْظَةَ احتِضَانِهَا جَسَدَ الشَابِ الذِي فَقَدَ رُوْحَ الحَيَاةِ....
مَا عَهِدَتْهُ هَكَذَا يَوْمَاً وَلَمْ يَعْهَدْهُ صَامِتُنَا الذِي احتَضَرَ مُسْتَنْجِدَاً رُؤْيَةَ زُبُرْجُدِيَتَيّ صَدِيقِهِ تَلْمَعَانِ مُجَدَّدَاً...
سُحِبَتْ رُوْحُهُ إِلَى الأَعْمَاقِ وَوَجَدَ صَوْتَهُ أَجَشَّاً يُوْشك عَلَى البُكَاء!
سَقَطَ مُسَدَّسُهُ بَيْنَ الحَشَائِشِ الخَضْرَاء، تَقَدَمَ خُطْوَتَيْنِ إِلَى الأَمَامِ دَائِسَاً عَلَى الأَزْهَارِ الصَغِيرَةِ جَدِيدَةِ العَهْد.....
جَثَا عَلَى الأَرْضِ حَيْرَانَ بَيْنَ الحُلْمِ والحَقِيقَة،ارتَسَمَتْ لَوْحَةٌ سَوْدَاءُ دَمَوِيَّةٌ فِي هَذِهِ البُقْعَةِ التَقَطَتْهَا عَدَسَةُ الشَمْسِ الغَائِبَة فِي الأُفُقِ خَلْفَ أَمْواجِ البَحْرِ الخَفِيفَةِ، وَسَطَ النَسَاِئمِ التِي حَمَلَتْ رُطُوبَةَ البَحْرِ المُنْعِشَة....
جَمَعَ فِي هَذَا المَكَانِ ذِكْرَيَاتٍ كَانَتْ الأَمْتَعَ عَلى الإِطْلَاق، ذِكْرَيَاتٌ جَمَعَتُهُ مَعَ الأَسْمَاكِ المَشْوِيَّةِ فِي مَطْعَمٍ قَرِيبٍ مَعَ صَدِيقِهِ العَزِيز، هَذَا الذِي سَقَطَ أَمَامَهُ بِلَا حَرَاكٍ بِسَبَبِ رَصَاصَتِهِ، كَرِهَ نَفْسَهُ وَكَرِهَ ذَاتَهُ لِمَا اقتَرَفَهُ مِنْ ذَنْب لَا يُغْفَر....
صَنَعَ لَهُ أَمَلاً فِي نَجَاتِهِ، وَاتَصَلَ بِالإِسْعَافِ عِنْدَمَا جَسَّ نَبْضَهُ الضَعِيف، سَيَأخُذُهُ إِلى المَشْفَى دُوْنَ تَرَدُدْ....
أَلْقَى الهَاتِفَ عَلَى الأَرْضِ وَخَلّلَ أَنَامِلَهُ الطَوِيْلَة فِي خُصُلَاتِه الشّقْرَاءِ النَاعِمَة...
ارتَجَفَ بِلا إِرَادَةٍ مِنْهُ وَاسْتَعَانَ بِمَعْرِفَتِهِ البَسِيْطَة بِأَسَاسِيّاتِ الإِسْعَافَاتِ الأَولِيّة..
- هَل تَسْمَعُنِي جُونْ؟ أَنْتَ لَنْ تَمُوتَ الآنْ، لَيْسَ بَعْد... سَتَعِيشُ وَسَتَقْتُلُنِي أَنْت... أرْجُوكَ تَمَاسَك.
ضَرَبَ بِقَبْضَتَيْهِ المَعْقُوْدَتَيْنِ صَدْرَهُ ضَرْبَاتٍ مُتَتَالِيَة...
استَطَاعَتْ دُمُوعُهُ الفِرَارَ مِنْ مُقْلَتَيْهِ وَسَقَطَتَا عَلَى خَدَيّ ذَلِكَ الجَسَدِ المُمَدَّدِ وَهُوَ يَعِي جَيّدَاً استِحَالَةَ رُجُوعِه....
لَقَدْ فَقَدَهُ إِلَى الأَبَدْ.... بِحَق لَقَدْ فَقَدَهُ فَهُوَ سَيَحْتَرِقُ بِجَحِيمٍ أَشْعَلَهُ بِحَمَاقَتِه...
وَقَفَ مَصْعُوقَاً وَابْتَعَدَ عِدَةَ خُطُوَاتٍ إِلى الخَلْف...
رَفَعَ يَدَيّهِ وَحَدَّقَ بِدِمَاءِ صَدِيقِهِ تَصْبُغُهُمَا...
كَانَتْ هَذِهِ مَرْحَلَةً جَدِيدَةً وَلُعْبَةً جَدِيدَة...
سَيَكُونُ المَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى لَا البَيْدَقَ الأَحْمَقَ الذِي تُحَرِكُهُ أَيْدِي مَجْمُوعَةٍ مِنْ أَوغَادِ المُجْتَمَعِ المُظْلِمِ!!!