عرض مشاركة واحدة
  #134  
قديم 12-23-2017, 05:26 PM
 







تحدّتهُ بابتسامةٍ واثِقة :
-هيّا و أسبِغ عليَّ ذلك الوَهمَ الذي تُجيد .
كانت تلك من اللحظات النّادِرة التي يتلعثَم فيها قليلًا...
فتح فاهُ و عاد يُطبقه ، فلو أخبرها بأنّ تقنيّة الوهمِ تلكَ أخطر مِمّا تتخيّلُهُ قَد يجرح فيها روحَ المقاتِلة .
التقطتْ تردُّده فرفعت حاجبها بغطرسة تنافَت كثيرًا مع نعومة العطر العابِقِ منها،
و استدركت:
- إلّا إذا كنتَ قلقًا من عدمِ إتقانه علَيَّ.

تكتّف مُستَجمعًا كبرياءه ...كيف تجرّأتْ؟! وهو الذي خاف عليها حقيقةً!
قبِل المواجهةَ بشراسة باردة مخمليّة النّبرة:
- أهذا أفضل تخميناتكِ؟...حسنًا إذًا.


تراءت حركات يديه ضبابيّة
أمام ناظرَيها، حيث وجدت نفسها تُغمَر برمادٍ متكاثفٍ، تلاشى روَيدًا لتجد نفسها في لا مكانٍ محدّد و كأنّ هجيعًا من الليل قد انقضى ، فلم تميّز محيطها أثناء سُراها متتبّعةً أصداءَ خَريرٍ تتهادى إلى الأسماع مِن بعيد ...حتّى لاحَ لها ذلك الأزرق المُتلامعُ تحت الضّياء البدريّ المُتراقصِ من بين حنايا السّديم الذي تغشّى الأرجاء ...
إنّه الشّلّال الذي ترتاده مع أصحابها مرارًا ولا تَكِلُّ!

اقتربتْ مِن المياه الهابطة بدَفْقٍ خياليّ ، فاتّسعَت عيناها و هي ترقب التّموّجاتِ السّحريّة تتشكّل على هيئةٍ بَشريّة أطوَل منها ؛ راحت تتحدّد على مهل ليرتسم الشّابُّ صاحب الوهم على بُعد خطوات...
تبسّم لها متمتمًا :
-ليتكِ تعرفين مكانتكِ الحقيقية عندي .


مدّ ذراعه نحوها، فجارَتْ حركتَه بدورها مأخوذةً مبهورة، و ما إنْ كادت أناملهما تلتقي حتّى تناثرَ كما كلّ الأجواء مِن حولها...لتصحوَ على الواقع بِدوار ، فتى الشّلّال ...الشّابّ صاحب الوهم، يمسكُ بها قبل أن يختلّ توازنها ،سائلًا بعتَب:
- هل أنت بخير؟
انتشلَتْ نفسها بعيدًا عنه ، و هي تتماسك بسرعة لتنبريَ به:
-ما كان ذاك؟! مَن تظنّ نفسك؟! كان يُفتَرض بالوهمِ أن يجسّد أبشع كوابيسي أمام ناظِرَيّ!
- مهلًا...مالذي تجسّد لكِ إذًا
؟!

من استِنكارِه البحت و حيرته الصّادقة أمام تغيُّظِها ؛ أدركتْ أنّه كان قد احترمَ خصوصيّتها فلَم يطّلِع على ما دارَ تحت تأثير الوهم...لَم يدرِ أنّ تقنيّته أتت عكسيًّا،لتريَها أجمل أحلامها !
-أوه! آسفة...يبدو أنّني لا أعي ما أقول...
بارتباكٍ طفيفٍ ردّدتْ ،فتكتّف ممتعِضًا بانتظار شرحٍ ، أتاه و هو يستشعِر ضحكتها المكبوتة:
-عشتُ ...أسوأ كابوس قد يخطر على بالك..كان رهيبًا...فعلًا. حسنًا، إلى اللقاء!!



و بحركةٍ أثيريّة هربتْ قبل أن يجد فرصة لاستجوابها...فظلّ مكانه لا يعرف أين يذهب بكلّ الضّيق الذي أثقل أعماقه...إذ فهم أنّ اللا شعور لَدَيه تمرَّد متحكِّمًا بتقنيّته ...فلم يملك إيذاء هذه الصّبيّة حتّى حين انتَواه .

__________________







رد مع اقتباس