أول ما شعرت به لحظة إستيقاظي من قيلولة أشبه بالسبات كان برودة الهواء و رائحته المتربة,و سرعان ما تفطنت لألم في ظهري بسبب
الأرضية الوعرة التي تحتك به بشدة,إني كمن نام على سرير ترابي مزين بالحجارة.أشعر ببلل ملابسي كما لو كانت زهرة في منتصف
الندى الصباحي.فكرت لوهلة ما إن كنت أحلم و لكن تلك الفكرة تبددت بسرعة عندما أحسست بشئ يلامس وجهي بكل تعجرف,فتحت
عيني على وسعهما فبان لي النور من حولي في كل مكان,"ما هذا؟" هو كل ما همست به لنفسي بصوت شبه مرعوب.تداركت
الأمر و نظرت من حولي لأكتشف بالفعل أنني كنت نائما على سرير ترابي زينته حجارة قاسية الملمس,و أخيرا تبددت مخاوفي بعد أن
إكتشفت ما كان يعبث بطيات وجهي,"تبا إنها محض حشرات سراج الليل كيف لها أن تُفزعني بهذه
الطريقة".الآن أنا مستيقظ و في كامل وعيي,ربما أكثر من أي وقت مضى.لا توجد أي طرقات من حولي و لا علامة على وجود أحد
غيري هنا,على حد علمي أنا وحيد في هذه الغابة الشاسعة و ما يزيد الطين بلة هو الظلام الحالك,لقد حل الليل و لا فكرة لي عن
ما جلبني إلى هذا المكان.على الأقل هذه اليرقات المضيئة ستكون ونيستي في كابوسي هذا.بالنظر في الأمر أنا أعلم من أكون و لكن
إسمي إفرنقع من ذاكرتي بكل بساطة بل كل الأسماء إختفت أنا لا أذكر أي أحد,سحقا.
إهتديت بإنارة تلك الحشرات المذهلة لأحاول التقدم إلى أي مكان مختلف و لكني مازلت محاصرا بين الأشجار كما لو كنت بين
براثن وحش مفترس بصدد التلاعب بي قبل أن يجعلني وجبة له و فجأة تطايرت الصور أمام عيني,دم متناثر في كل مكان,ألم
يشق صدري و يعتصر قلبي بقوة تلاهم صداع مُفزع جعلني أرغب في تفجير رأسي حتى يتوقف هذا الصوت المدمر الذي يتردد
على مسامعي و لكن كل ذلك ذهب في مهب الريح عند إختراق هدير الرعد لأذني و معه عدت إلى الواقع,عدت
إلى اللامكان.
توقفت عن المسير و هويت بظهري على الأرض,أطبقت عيني الدامعة فذاكرتي قد عادت و يا ليتها لم تعد,أنا أعلم كل شئ الآن,
أتذكر الأمر كما لو كان يحدث أمام عيني,أتذكر أنني في حداد مُخزي,إنه حداد المهزومين,حداد من فقد وطنه و أحبابه,إنه
حداد لن ينتهي إلا بموتي فقد خسرنا الحرب,لقد إنتهى أمرنا لحظة فقداننا أغلى ما نملك,صومعة قريتنا.